الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد 6 أشهر من رحيله: القضاء الأرجنتينى يحقق فى دوافع اغتيال «مارادونا»

هل مات مارادونا مقتولاً؟



نَعَم، هكذا أشاعت الصحافة الأرجنتينية فجأة بلا إحِمْ ولا دستور، وبعد أن وُرِىَ الثرَى بـ 6 أشهُر قام شخص مجهول بتسريب شريط صوتى لصحفية شابة تُدعَى Adriana Garcia تعمل فى وكالة أنباء ESPN، قامت بتفريغه لتعلن أنها تملك قنبلة صحفية، لقد قَتلوا مارادونا.. قَتلوا الأسطورة..

 

هكذا كتبت. كان شريط التسجيل يحوى ويفضح وقائع اغتيال أسطورة الكرة الأرجنتينية دييجو مارادونا على يد 7 أفراد من طاقم فريقه الطبى، الشخص المجهول الهوية كان يعرف أنه سيشعل حربًا أهلية بين عشاقه فى الأرجنتين وخارجها وسيفضح أسماءً مستورة ما كان يجب ذكرها من أصغر ديللر فى المافيا حتى رئيس الأرجنتين، وأنه بفعلته سيفتح طاقات ونوافذ وأبواب جهنم الحمراء على زوجات وعشيقات وأبناء مارادونا الشرعيين وغير الشرعيين الذين رفعوا قبل موته قضايا إثبات نسب ورفض دييجو الاعتراف بهم، وعادوا الآن وطالبوا بتشريح الجثة واختبار D NA حتى لا تفوتهم قطعة من كعكة الميراث الضخم الذى ليس له أول ولا آخر.

كان التسجيل الصوتى هو بداية نزع فتيل القنبلة الانشطارية التى دمرت المستور الكاذب بالموت العادى لمارادونا، وهل هكذا تموت الأساطير؟ وهل يموت مارادونا مثله مثل كل الذين يموتون فى سلام؟ وهل عاش فى سلام كىْ يموت فى سلام؟ مارادونا لا يشبه أحدًا، ذاك النزق العاقل الطيب القاسى الهادئ المجنون المتسامح الغاضب العاشق الخائن لاعب الكرة تاجر المخدرات القاتل المقتول، لا يشبه أحدًا حتى يموت هكذا كالطيبين على أسَرَّتهم.

مارادونا والدنيا المقلوبة لأجله ميتًا الآن فى أربعة أرجاء الدنيا كما كانت مقلوبة لأجله حيًا، نَعَم فعلها (يد الله) ميتًا كما كان يفعلها حيًا وأشار إلى قاتليه وكأنه هو من قام بتسجيل الشريط وكأنه هو من أوحى إلى الغريب المجهول أن يحمل التسجيل إلى حيث يجب أن يصل.. وهكذا تصرّف كأسطورة وهو تحت التراب مُسجًى فى صندوق خشبى موصد الغلق شديد الإحكام وكأنهم كانوا يخشون قيامته ويعرفون أنه يومًا ما سيبدو كحكاية لاتينية خالصة مكتملة السرد والتدوين، تحكى عن ميت قد استيقظ فى قبره وقام إلى ملعب الكرة وبيوت النساء الجميلات واحتسى كأسًا فى صحة الموت، ألم يفعلها أبطال حكايا ماركيز جميعهم من قبل؟!

يكشف التسجيل أسرارًا وتفاصيل مثيرة ومروعة فى الترتيب لعملية اغتيال ماهرة نظيفة قام بها أطباؤه، و خططوا لها من داخل غرفة العمليات بأحد مستشفيات بيونيس أيريس وقبل إعلان موته بأسبوعين؛ حيث كان يرقد مارادونا فى غيبوبة البنج وجلطة المخ مستسلمًا لجراحة قد أهمل متابعتها أطباؤه لتنهى ما تبقى من وظائفه الحيوية. 

تقول النيابة إن التسجيل يحوى أدلة الجريمة الكاملة وأن أحدًا ما قد وضع أسفل سرير مارادونا جهاز تسجيل يعمل دون توقف سجّل لأطبائه مشاجراتهم مع حاشيته، الحاشية التى كانت ترفض نهج العلاج والتمريض معه؛ حيث اتفق أربعة أطباء وثلاث ممرضات على إهماله بعد إجراء جراحة المخ وتركه بغرفة العناية المركزة بلا رعاية طبية ولا أدوية ولا إسعافات حتى لو استدعى الأمر، على أن يبقى أمام الإعلام موصولاً بأجهزته، فأصيب بفشل فى القلب، وكان أن تدهورت حالته وأصبح موته حالة طبية قدرية وطبيعية جدًا.

وهكذا مات مارادونا فى بيته بعد العملية بأسبوعين كما قُدّر وقرّر فريقه الطبى، وخرجت أوراق تقرير الطب الشرعى وشهادة الوفاة وتصريح الدفن وقتها تؤكد جميعها وتتفق بأنه مات فى سلام.. وهكذا أقاموا له جنازةً شعبية مهيبةً تليق باسمه وتاريخه وقامته ومقامه العظيم ثم فى هدوء دفنوه فى 25نوفمبر 2020.

هل مات مارادونا أمْ قتلوه؟، تكتب صحافتهم، والأصابع المُشرعة ستتهم وستجلب للمحاكمة- التى بدأت بالفعل يوم 31 مايو- أسماءً ذات صيت وحيثية، وبعد الاطلاع على كامل التسجيلات كان بعض القضاة العاملين فى القضية قد سرّبوا للصحافة والسوشيال ميديا أن مارادونا قد قُتِلَ بالفعل بقصد وبنية مبيتة، وأن الجناة ينتظرون حُكمًا بالحبس من 8 أعوام حتى 25 عامًا.

تُرى كم مرّة قام الأسطورة مارادونا من موته؟ كثيرةً كانت مراتُ قيامته.. وكم مرّة مات حيًا؟ فى كل سنوات عمره الأخيرة كان يرتدى صندوق قبره ويلف البلاد ويحكى قصصه المثيرة التى تبدو تفاصيلها ووقائعها كالآتى:

 الوفاة الأولى لمارادونا.. الموت المزيف

فى 25 نوفمبر 2020، وفى الساعة 12 ظهرًا بالتوقيت المحلى للعاصمة الأرجنتينية، فى اليوم الخامس عشر بعد إجرائه جراحة دقيقة فى المخ، كان فى بيته مريضًا يتداعَى، وكان قد أصيب بأمراض قاتلة فى الأسبوعين الأخيرين من حياته، فى الثوانى الأخيرة له وقبل أن يلفظ آخر أنفاسه الأخيرة نادَى على ابن شقيقته الذى كان يلازمه فى حجرته وقال له باللاتينية: (Me Siento Mal ) أى أنا أشعر بالتعب، لست فى خير حال، ثم دخل سريره ومات.

كان مارادونا قد دخل المستشفى لإجراء جراحة فى المخ إثر إصابته بجلطة دموية، والبروفيسور Leopoldo Lihue هو رئيس الفريق الطبى الذى أجرى له الجراحة، وهو طبيب جراح أعصاب وهو أول المتهمين بقتله، وكان يرافق دكتور ليوبولد طبيب آخر وجّه النائب العام الأرجنتينى له اتهامًا واضحًا بقتل الأسطورة واسمه Agustina Cosachov، وكان يرافقهما طبيبان آخران وثلاث ممرضات.

وجاءت نتيجة التشريح وتقرير الطب الشرعى وشهادة الوفاة أنه لم يكن على جسده علامات تشير إلى مقتله، لكنه مات نتيجةً لاستسقاء رئوى حاد نشأ عن فشل فى الرئة تسبب فى احتقان وفشل فى القلب، أمّا تقرير السموم فقد أقر بأنه لم تكن بدمه أى مواد مخدرة ولا كحول.. وهكذا دفنوه فى هدوء.

  الوفاة الثانية لمارادونا.. وقبل الأخيرة

أشار مكتب النائب العام الأرجنتينى قبل أسبوعين إلى أن الطاقم الطبى لدييجو مُدان بقتله حتى قبل أن يفتح التحقيقات ويستدعى المتهمين للمثول أمام النيابة فى يوم 31 مايو الماضى، وكانت اللجنة القضائية بعد تفريغ شريط الصوت قد كتبت تقريرًا به ثلاثة اتهامات واضحة أنهم عاملوه طبيًا بتهور وبإهمال وبنقص فى الرعاية، مما تسبب فى مقتله.

يبقى السؤال الأهم هنا والذى يقينًا سوف تكشف إجاباته التحقيقات الجنائية فيما بعد: لماذا قتل الأطباء مارادونا؟ ولأجل مَن ومع مَن دبروا الجريمة؟ هل هم بمفردهم مستفيدون من تركته؟ لا.. هل لدى أحدهم امرأة اغتصبها مارادونا وأنجب منها أطفالاً دون أن يعترف بهم؟ لا.. هل لأحدهم عند مارادونا مبلغ مالی قيمة المخدرات التى جلبها له ورفض محاسبته عليها؟ لا.

يبقى سؤال آخر يبدو شديد الإحراج لألبرتو فرنانديز رئيس الأرجنتين الذى طلب بشكلٍ خاص وعاجل ضرورة استقدام جثمان مارادونا فى قصره منفردًا ولا يرافقه أحد لرؤية الميت وفحصه قبل دفنه! لماذا؟ هل كان يريد التأكد من أن موته ليس عليه غبار؟ والعملية سليمة وسارت فى هدوء؟ أمْ أنه كان صافى النية بالفعل وكانت لديه شكوك أو معلومات بأن مارادونا قد تم اغتياله؟

بعد ثلاثة أيام من موت مارادونا كتب الرئيس تويتة ينعى فيها دييجو: «لقد أخذتنا إلى قمة العالم وجعلتنا سعداء بشكل هائل، لقد كنت عظيمًا، سوف نفتقدك، ونشكرك على ما منحتنا من إحساس».

 ميتات صغيرة لم تقبض الروح

مات مارادونا فى حياته مائة مرة من نظرات عين الأبناء الكُثُر الذين أنجبهم ولم يعترف بهم، حتى الثلاثة الذين اعترف بهم وأحبهم حبًا جمًا قد آذوه وكانوا ينتظرون موته والحصول على ثروته، كم ابنًا وابنةً لمارادونا؟ أجاب: لا أعرف، أظنهم ثمانية، كان له عشرات الأبناء غير الشرعيين فى كثير من بلدان العالم التى حط فيها رحاله هاربًا من «عيشته» أو باحثًا عن مخدرات، وكانت له عشرات الخليلات وكان يعشق منهن امرأة من نابولى لأنها تجلب له المشاكل وتمنحه كفايته من الهيروين والخمول.

أثناء حياته كان يهدد الجميع بأنه سيتبرع بثروته للجمعيات الخيرية، بينما لا يسمح القانون الأرجنتينى سوى التبرع بثلث التركة أثناء الحياة، كم تبلغ ثروة مارادونا؟ غير القصور والفيلات والسيارات والمجوهرات والسندات والاستثمارات فى العديد من المشروعات بمختلف دول العالم؟.. يقولون إن ثروته فى البنوك وما تبقى مما جمع ومما ضيّع من ملايين طوال حياته هو مبلغ 122 مليون دولار.

كانت الأزمات القاسية والفارقة فى حياة مارادونا- حتى بعد وفاته- هى ما نتجت عن علاقته القاسية مع أولاده الشرعيين وغير الشرعيين، أصعبها هى أيامه فى كوبا والتى فر إليها سنوات من أجل التعاطى والإدمان وهناك أحب نساء كثيرات وأنجب عشرات الأبناء لم يعترف بهم، فى الحقيقة كان قد نسيهم تمامًا ونسى وجوه أمهاتهم، منهم ثلاثة سببوا له مشكلات قضائية ولاحقوه بالمحامين لإثبات النسب، وتلقى مارادونا فى كوبا تهديدات بالقتل نتيجة علاقته بالمافيا وعلاقته بالأبناء غير المُعتَرف بهم، وبسبب المشاجرات بين عشيقاته المتعددات، كانت تلك النسوة وأبناؤهن وبناتهن من مارادونا قد أصبحوا وأصبحن نجوم التوكشوز فى الأرجنتين وبعض دول أمريكا اللاتينية للحديث عن والدهم الأسطورة وعن علاقته الجافة بهم.

ظهر الجميع فى جنازة مارادونا، وكانوا فى غاية الصخب والضجيج والشوشرة، بينما بدت والدة مارادونا وابنته الكبرى جيانينا Giannina وهما فى حالة حزن وسيطرة تامة على سلوكهما، وجيانينا هى من ذهبت لمكتب النائب العام تقول إن والدها مات مقتولاً، وكأنها تخلى مسئوليتها عن دمه المسكوب، وجيانينا هى واحدة من اثنتين مُعتَرف بهما، الثانية تدعى Dalma عمرها 33 عامًا.

ظل المطرب الإيطالى كريستيانو سيناجرا ابنًا غير شرعى وغير معترف به لمدة 29 عامًا حتى اضطر مارادونا لقبول أوراق اعتماده، أمّا الغريب فهو أن الوالد أحب ابنه بجنون وكان يشتاق ويتحدث عنه للصحف والقنوات، فى جنازة مارادونا، غاب كريستيانو خوفًا من كورونا، ولا تزال فى صفحات أسطورة مارادونا حكايات أخرى.