الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ورثة (الزناتى ومنصور وناظر المدرسة) لروزاليوسف: تلوين «مدرسة المشاغبين» مرفوض

«مرسى الزناتى، بهجت الأباصيرى، منصور، لطفى، وأحمد الشاعر»، (المشاغبون) الذين تركوا بصمتهم على وجوه أجيال متتالية بابتسامة عريضة، وضحكة من أعماق القلب، فى مسرحية لم تكن مجرد عرض لقصة سريعة؛ إنما كانت علامة بارزة فى تاريخ المسرح والفن المصرى، لم تتردد القنوات الفضائية فى اللجوء إلى عرضها مرارًا وتكرارًا، تحديدًا فى المناسبات والأعياد الرسمية، حتى صارت سمة رئيسية للأعياد، بنسب مشاهدة -لاتزال- عالية، رغم مرور قرابة نصف قرن على العرض الأول للمسرحية. 



وعلى ما يبدو أن المنصات، التى تعيش فترتها الذهبية الآن، والمنافس الأكثر شراسة للقنوات الفضائية، ترغب فى مزيد من نسب المشاهدة، إذ لجأت أيضًا للتراث الفنى القديم، لكن بطبيعة تواكب تطور العصر الحديث.

فمنذ أيام قليلة، أعلنت منصة «شاهد»، التابعة لشبكة (MBC)، عن ترميم وتلوين مسرحية (مدرسة المشاغبين)، لتعرضها فى عيد الفطر على المشاهدين بالألوان لأول مرة، لتكون السابقة الأولى فى هذا الإطار، ومع ذلك كان رد الفعل متأرجحًا بين المشاهدين، من مؤيدين رأوا الفكرة مشجعة للأجيال الحديثة، ومعارضين يتمسكون بأصالة التراث.

أما على صعيد أسر الفنانين، الذين شاركوا فى المسرحية، فقد لاقى الخبر انتقادًا ورفضًا واسعًا.

ومن جانبها، أصدرت «جمعية أبناء فنانى مصر»، بيانًا رسميًا، كُتب فيه: «تعرب جمعية أبناء فنانى مصر.. المشهرة تحت رقم (10700) عن قلقها من تلوين مسرحية (مدرسة المشاغبين)، بما يعد مساسًا بالحقوق الأدبية للمشاركين فيها من فنانى الأداء من الممثلين المشاركين فيها، وكلهم من رموز الفن ممن حفروا لأنفسهم مكانًا ومكانة فى ذاكرة الجمهور ووجدانه، وليس مقبولًا تلوين أعمالهم، إلا بموافقة كتابية منهم أو من ورثتهم، وكلهم يتمتع بعضوية الجمعية».

ثم استشهد المنشور بما قضى به القضاء الفرنسى من منع تلوين فيلم «جون هيوستون» (غابة من الأسفلت)، بأن الحق فى التلوين ملك يمين ورثة «جون هيوستون»، الذين رفضوا التلوين، مضيفًا أن الجمعية كلفت مستشارها القانونى باتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة فى هذا الشأن، حفاظًا على حقوق أعضائها، حيث يشترط القانون موافقة فنانى الأداء إلى جوار موافقة مؤلف المسرحية ومخرجها.

وعلى الفور، توجهت مجلة «روز اليوسف» لرئيس «جمعية أبناء فنانى مصر»، المستشار «ماضى توفيق الدقن»، لتتعرف أكثر على تحركات الجمعية جراء قرار التلوين. وقد أوضح أن الخطوة القضائية سوف تلى خطوة نشر البيان، قائلًا: «ليس لدينا حلول أخرى، سوى اللجوء إلى القضاء، بعد إصدار البيان، من أجل حمايتنا من هذا الاعتداء. فسوف نتحرك فى الإطار القانونى، ونثبت الاعتداء، ثم نرفع قضية تعويض.. نحن نريدهم أن يعرضوا المسرحية ملونة، حتى نثبت أن الاعتداء وقع بالفعل».

وأضاف أن القانون ينص على ضرورة الحصول على إذن المؤلف، وأصحاب الحقوق المجاورة كتابيًا فى حالة استغلال المصنف تجاريًا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، موضحًا أن تنازل المنتج وحده عن العمل غير كافٍ، لأنه تنازل عن حقه فقط، وأنه يوجد آخرون لهم أحقية فى العمل، مثل: المؤلف، وفنانى الأداء، كما أن مخرج المسرحية «جلال الشرقاوى» لا يزال على قيد الحياة، فهل من الطبيعى عدم الرجوع إليه؟!

كما أعرب عن أسفه ممن اعترضوا على موقفهم على موقع «فيسبوك»، مستنكرًا سؤالهم عن سند الجمعية فى الاعتراض، مما اضطره لنشر القانون الذى ينص على أحقيتهم الأدبية والمالية، وقال: «ها نحن الآن نسأل: ما سند المؤيدين لقرار التلوين»؟

وأكد أن هذه ليست المرة الأولى التى تتحرك فيها الجمعية لحماية حقوق الملكية الفكرية، فقد حصلت الجمعية على حكم لصالح «وفاء سالم»، ضد إحدى شركات الاتصالات الكبرى، عندما حمل الإعلان الخاص بهم، جزءًا من فيلم (النمر الأسود)، قائلًا: «حصلنا على حكم بالحقوق الأدبية، والمالية.. كما أن الجمعية بانتظار حكم المحكة فى قضية أخرى كبرى سارية الآن لورثة الفنان «نور الشريف»، ضد أحد محلات الحلويات». مضيفًا أنه من المتوقع أن يرى حالات مشابهة كثيرة خلال الفترة المقبلة لحماية حقوق الملكية الفكرية.

أما فيما يخص موضوع تلوين مسرحية (مدرسة المشاغبين)، فقد أكد أن للجمعية ثلاثة مطالب، أولًا: تنفيذ القانون الذى ينص على الحصول على إذن بتصريح كتابى، ثانيًا: إذا كان هناك حاجة ملحة لتلوين المسرحية، فمن الضرورى أن يكون تحت أنظار متخصصين يثق فيهم أبناء الفنانين، أى يتم اختيار أشخاص من نقابة المهن السينمائية، ومتخصصين فى الألوان والتصوير، ثالثًا: إرساء قواعد، أى عدم التعامل مع الفنان على أنه ليس موجودًا بعد رحيله، ومن ثم يكسب العارض من وراء الإعلانات وغيرها على المصنف، بحجة أن الفنان أخذ مستحقاته بموجب العقد. فالعقد شىء، والحقوق الأدبية والمالية شىء آخر. وفيما يخص قيمة التعويض، فقد أوضح أنه أمر يرجع للمحكمة، بناء على المكاسب التى تحققت من العمل الفنى، والتاريخ الذى تم تشويهه.

ثم تساءل: كيف تحكم الجهة التى ستعرض العمل الملون أن ما قامت به ليس تحريفًا أو تغييرًا من المصنف، وهى الجهة عينها التى ستعرض دون إذن، وستجنى مكاسب من ورائها، وتحكم أيضًا أن فنانى الأداء ليس لهم أى حقوق..بأى صفة؟!

فى النهاية، أعرب أنهم لا يعترضون على التلوين بشكل عام، بل التعدى على الضوابط والقواعد المتعارف عليها، والمعترف بها، مشددًا على ضرورة وجود لجنة مختصة من ناحية التراث الفنى المصرى لتشرف على هذه العملية، نظرًا لأنه عمل تراثى فنى..

وعلى صعيد أُسر الفنانين، فقد أقروا برفضهم أيضًا لتلوين المسرحية بطرق شتى، إذ قالت «هند» ابنة النجم الراحل «سعيد صالح» لمجلة «روزاليوسف»، إن: «الموضوع مامشيش بالأصول»، موضحة أنها لا تعارض فكرة تلوين المسرحية؛ بل تعترض على عدم اللجوء لجمعية أبناء فنانى مصر، من أجل الحصول على تصريح بهذا القرار، مشيرة إلى القانون 82 لسنة 2002، الذى يؤكد الرجوع للورثة وأخذ موافقتهم كتابيًا، وهو ما يعطيهم حق الاعتراض، ليس فقط على التلوين، بل التحوير، أو التحريف، أو التغيير فى المصنف نفسه من الجهة التى تتخذ تلك الخطوة أيًا كانت، فالأمر –من وجهة نظرها- لا يعود للمنتج أو المؤلف فحسب، بل هناك ما يعرف باسم حقوق المجاورة، الذى يعطى الحق لأبناء الفنانين المشاركين فى العمل.

ثم أشارت إلى عدم اعتراضها على التلوين بشكل عام، بل على أسلوب التعامل، وإعلان الخبر، واكتشافها كأى شخص عادى آخر. 

ورغم عدم تفضيلها لعمليات الترميم والتحديث، التى تنفذ على الأعمال القديمة (الأبيض والأسود)، لأن لها رونقها الخاص، فإنها تتفهم عدم رغبة بعض الأجيال الحديثة فى مشاهدة (الأبيض والأسود). وفى هذه الحالة لا تمانع من إطالة العمر الافتراضى للعمل الفنى. مؤكدة أن الترميم نقرة، والتلوين نقرة أخرى، فالأولى تصلح عيوب الصورة، وهذا لا يحتاج إلى إذن منهم، لأنه لا يغير محتوى الصورة، بعكس التلوين الذى يغير فى الصورة.

ودللت على كلامها بأن «سمير خفاجى» توفى منذ سنوات قليلة، وإذا كانت لديه رغبة فى تلوين المسرحية لكان قام بهذا.

وبسؤالها عن الحق الذى يطالبون به كأبناء فنانين، إن كان أدبيًا أم ماديًا، أجابت أن الجزء القانونى ليس من شأنها، ولكن ما حدث يسمى اعتداء أدبيًا صريحًا، وهو انتهاك لحقوق الملكية الفكرية. قائلة: «لا نعرف إن كان سيرجع القائمون على هذه الفكرة للجمعية أم لا.. كل ما أريده هو التعهد بعدم الإفساد للنسخة الأصلية».

اتفقت معها «سيدة»، زوجة الفنان الراحل «يونس شلبى»، التى اعترضت أيضًا على تلوين المسرحية، إذ قالت: «الجمعية تواصلت معى، وأعربنا جميعًا عن رفضنا لتلوين المسرحية، لأنها تراث».

وقد أوضحت سر رفضها فكرة التلوين من حيث المبدأ، بأن الأبيض والأسود له مذاقه الخاص، كما أن المسرحية عرضت عام 1973، أى عندما كانت الأعمال الفنية تعرض بالألوان، فلو كانت هناك رغبة لعرضها ملونة لكانت عرضت كذلك، لكنها عرضت بالأبيض والأسود.

ثم شددت على ضرورة حصولهم على حقوقهم المادية والأدبية، إذ ترى أن تلوين العمل، وعرضه من جديد دون الرجوع إليهم يعد بمثابة سرقة، ومن الصعب هدم تراث، نفذه فنانون بصحتهم وذهنهم وجسدهم وكل ما يملكون، وأضافت: «إن كان للمنتج حق، فلنا حق الأداء. فعندما يتم عرض المسرحية ملونة، كأنها إعادة عرض أداء الفنانين من جديد، مما يحقق استفادة للكيان العارض فقط».

ومن ثم تطرّقت زوجة الفنان الراحل عن سر آخر لأحقيتها من العائد المادى لأعماله، وهى مرورها بظروف صعبة، قائلة: «الحمد لله ربنا ساترها من عنده، بس ده حق عيال صغيرة، وبنات، وناس ماتت، ماتهدموش الذكرى الجميلة لأهاليهم».

أما الفنانة القديرة «ميمى جمال» زوجة النجم الراحل «حسن مصطفى»، فكان لها رأى آخر كفنانة قبل أن تكون زوجة الفنان، إذ قالت: «رأيى المسرحية كتراث من المفترض أن تستمر على لونها (الأبيض والأسود) مثلما هى، لأنها ليست مجرد مسرحية، بل هى علامة من علامات الفن المصرى الجميل».

وأضافت أنها كفنانة أو زوجة «حسن مصطفى» ناظر مدرسة المشاغبين، ترى أنه من الضرورى الإشارة لزاوية أخرى أكبر فى هذه القضية، وهى (حق الأداء العلنى) الذى لم يحصلوا عليه، أى عندما تذاع المسرحية من الضرورى أن يكون لهم أحقية.

ثم أشارت إلى محاولات جمعية أبناء الفنانين خلال السنوات القليلة الماضية، أن يحصلوا على حق الآباء الفنانين، قائلة: «عندما نحصل على الحق الأداء العلنى، عندها نستطيع التحدث حول شكل المسرحية، وطريقة عرضها، تلوينها.

فكيف يمكن الاعتراض على شىء لا تملكه؟، إذ صارت المسرحية مشاعًا، وغيرها من المسرحيات التى قام بها «حسن»، أو أنا، أو غيرنا.. لذلك، عندما نحصل على حقوقنا الأساسية، نستطيع بعدها الحديث عن ألوان المسرحية.

وأنهت حديثها بأنه من الضرورى التكاتف والتركيز بصورة أساسية، وقبل أى شىء على حق الأداء العلنى.

من جانبه، صرّح مخرج المسرحية، الفنان الكبير «جلال الشرقاوى» لمجلة «روزاليوسف»، أن حق الأداء العلنى للفنانين مسروق، ليس فقط على مستوى المسرحية؛ بل فى كل الأعمال الفنية المعروضة. 

وأضاف أنه لم يحقق أحدٌ مكاسب من وراء هذه المسرحية، التى حققت ملايين الجنيهات، سوى الموزعين، والسارقين، وقراصنة الفيديوهات، وليس المنتج، أو المخرج، أو الممثلين.

كما أعرب أن كل من اشترك فى هذه المسرحية، أو غيرها من أفلام، أو حتى الموسيقى، التى تذاع بصورة مستمرة، دون الرجوع لحقوق مؤلفيها، وملحنيها، ومطربيها، وعازفيها، وحتى الكورال الخاص بها، يُعَد سرقة واختلاسًا؛ لأن هذه الأعمال الفنية من حق الفنان الذى أبدعها، سواء كان منتجًا، أو مخرجًا، أو ممثلاً، أو مشاركًا بأى صورة من الصور، وليس من حق من وزعها، وإن كان الأخير له نصيب من النجاح والمكسب، وليس كل المكسب.

ثم أكد أن هذه المشكلة تناقش- بالفعل- منذ سنوات. لكن، لم يتم الوصول فيها إلى حل، قائلاً: «هذه قضية دائمًا مؤجلة، والحقوق بسببها ضائعة...على سبيل المثال، مسرحية (الجوكر)، التى كانت من إنتاجى، وإخراجى، وتم عرضها ملايين المرات على الفضائيات، لم أحصل منها على أى عائد مادى من عرضها مطلقاً».

أمّا فيما يخص فكرة تلوين مسرحية (مدرسة المشاغبين)، فعَلّق إن أى تطوير للعمل الفنى مباح، بشرط أن يأخذ كل ذى حق حقه، لكن، التصرف دون الرجوع لأحد يسمى قرصنة.