الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

روضة رمضان مع وزير الأوقاف "الحلقة الرابعة" رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خص العشر الأواخر من رمضان بمزيد من الاجتهاد فى الطاعة الأصل فى صدقة الفطر إغناء الفقير وتحقيق صالحه سواء بالمال أو الطعام

فى  رابع  حلقاتنا  مع  د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، ونحن على أعتاب العشر الأواخر من ليالى شهر رمضان يجول فى أذهاننا جميعا كيفية اغتنام العشر الأواخر من رمضان ، وهنا كان سؤالى لوزير الأوقاف عن  كيف نحقق هذا الأمر ؟ فأجابنى بلسان  العالم البليغ فى لغة القرآن  قائلا: حان وقت الحصاد.



 

 فقد دخل العشر الأواخر وحان وقت ترقب ليلة القدر، ويوشك الشهر أن يرحل، فيا طوبى من اغتنم، ويا لخسارة من ضيع، فلم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها، فمن أراد فليعجل، قبل أن يبغته الأجل، فلا ينفعه الندم

وأوضح قائلا :  رمضان إن كان  شهر الاجتهاد والمسارعة فى الخير،  فإن ذلك أوجب فى العشر الأواخر منه، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخص العشر الأواخر من رمضان بمزيد من الاجتهاد فى الطاعة والعبادة، فإذا دخلت العشر الأواخر من رمضان أحيا ليله - بالذكر وتلاوة القرآن-، وأيقظ أهله - ليأخذ بأيديهم إلى مرضاة الله-، وشد المئزر- فرغ نفسه لعبادة الله (تعالى)، إذ فى العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر، من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، والعمل فيها خير من العمل فى ألف شهر غيرها، من وفقه الله لقيامها فتحت له أبواب الخير كلها.

وهنا توقفت لسؤاله عن كيف يمكننا تحقيق المسارعة للخير فقال لى وزير الأوقاف: هناك نماذج عظيمة للمسارعة فى الخير، فعلها الصالحون، فربيعة بن كعب الأسلمى(رضي الله عنه) سأل النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يرافقه فى الجنة، فأجابه بقوله: «أَعِنِّى عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ.. وعن ابن عباس (رضى الله عنهما) أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: « اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»

وقبل ان أسأل عن حال الفقير الذى لا يجد مالا ليتصدق  ويسارع فى الخيرات  فى أواخر رمضان  قال وزير الأوقاف: لقد اخبرنا رسول الله أمرا يستطيعه الغنى والفقير فى المسارعة للخيرات، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضى الله عنه) أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ الله (صلى الله عليه وسلم)، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟، قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَانَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُون وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُول الله (صلى الله عليه وسلم): أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ. قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولُ الله، قَالَ: تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ،وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّة .

 العتق من النار 

انتقلت بعد ذلك فى حديثى مع وزير الأوقاف إلى الفوز فى ختام رمضان بالعتق من النار، فقلت دائما نسمع أن رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فكيف  يفوز المسلم بهذا العتق؟  فقال د. محمد مختار جمعة: لرمضان فضائل عديدة من أهمها أنه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إنَّ لله عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ» ويقول (صلى الله عليه وسلم): « إِنَّ للـه عُتَقَـاءَ فِـى كـُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْـدٍ مِنْهُـمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ»، وفـى سـنن البيـهقى عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: «لله (تعالى) عند كل فطر من شهر رمضان كلَّ ليلة - عتقاءُ من النار ستون ألفًا، فإذا كان يومُ الفطر أَعتَقَ مثل ما أعتق فى جميع الشهر ثلاثين مرة ستين ألفًا» 

وفى إيضاح لأسباب الفوز بالعتق قال وزير الأوقاف :« للعتق من النار أسباب أهمها وأعظمها هو فضل الله (عز وجل) على عباده ورحمته بهم، ثم إن هناك أسبابًا من أخذ بها كانت سبيله إلى العتق من النار، منها طاعة الله (عز وجل) ورسوله (صلى الله عليه وسلم).. ومنها قول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «لَنْ يلجَ النَّار أَحدٌ صلَّى قبْلَ طُلوعِ الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبها»، وقوله (صلى الله عليه وسلم): «عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِى سَبِيلِ الله».. وقوله (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ يُمْسِي: اللهمَّ إِنِّى أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلَائِكَتَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ. أَعْتَقَ الله رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ الله نِصْفَهُ، وَمَنْ قَالَهَا ثَلَاثًا أَعْتَقَ الله ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعًا أَعْتَقَهُ الله مِنَ النَّارِ» 

واستطرد مطمئنا الصائمين ومن حرموا انفسهم الطعام والشراب  طاعة لله   : ونطمئن الصائمين   بهذا الحديث الذى يقول لنا انه  لما سُئل أحد أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن أرجى آية  فى القرآن ؟ قال: هى قوله (تعالى): «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى  أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ  إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا  إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ:»  فإذا كان رب العزة قال لعباده الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ؛ فكيف بخطابه سبحانه لعباده المؤمنين، الصائمين، القائمين،الراكعين، الساجدين، الذاكرين،المتصدقين، الأصفياء؟! ويقول رب العزة (سبحان وتعالى) فى الحديث القدسي: « يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ، يَا ابْنَ آَدَمَ لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استَغْفَرْتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَ تُشْرِك بِيْ شَيْئَاً لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً»

صدقة الفطر 

 ونحن نطوف فى روضة رمضان  ألح فى ذهنى سؤال عن   فهـم مقاصـد  الســنة النبــوية خاصة وانه  غلبت  لوقت طويل  قضايا التقليد على قضايا التجديد , وغلبت مناهج الحفظ والتلقين ومن ذلك قضية صدقة  الفطر التى لايزال البعض يتمسك بظاهر نص بعض الأحاديث ويؤكد انها لا تجوز إخراجها مالا .. وهنا كان السؤال عن كيفية الرد على هؤلاء لاسيما مع وجود نصوص احاديث ثابتة ؟ وهنا أجاب وزير الأوقاف  قائلا : العلماء قديما وحديثا أجمعوا على ان الشريعة جاءت لمصالح العباد .. ومن ذلك يقول الشاطبى :المعلوم من الشـريعة أنها شرعت لمصالح العباد ؛ فالتكليف كله إما لدرء مفسدة ,وإما لجلب مصلحة , أو لهما معًا»  واستطرد بأنه قد ورد احاديث صحيحة فى صدقة الفطر منها : عن ابن عمر (رضى الله عنهما) قال : « فَرَضَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ»، كما ورد عن ابن عباس (رضى الله عنهما) قال : «فَرَضَ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ»

ولفت إلى انه مع هذا فإن الأصل فى الصدقة إغناء الفقير وتحقيق صالحه، وإذا كان أهل العلم يؤكدون أنه حيث تكون المصلحة فثمة شرع الله، فقياسا عليه حيث تكون مصلحة الفقير فى صدقة الفطر تكون الأفضلية فلو كان حال الآخذ وظروف الزمان تجعل الأولوية للطعام فذاك،  وإن كان حال الفقير وظروف الزمان تجعل المصلحة فى القيمة أو النقد فذلك.

واستدل وزير الأوقاف  بأن  سيدنا معاوية بن أبى سفيان (رضى الله عنهما) يجعل نصف صاع (مُدَّيْن) من الحنطة عدل صاع من التمر , فيجعل القيمة أساسا فى إخراج الصدقة، ولو لم تكن القيمة معتبرة عنده لما جعل نصف صاع الحنطة عدل صاع التمر ومقابلا له وكافيا عنه... كما استدل  بأن سيدنا معاذ بن جبل (رضى الله عنه) يراعى مصلحة المعطى والآخذ معا , فيقبل من أهل اليمن الثياب بدل الذرة والشعير , ويعقب بقوله : ذلك أيسر لكم وأنفع لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالمدينة , فراعى المصلحة المعتبرة والمقصد الأسمى , وهو من هو بين الصحابة فى الرأى والعلم والاجتهاد والنظر

وفى حسم شديد للمسألة قال وزير الأوقاف: من يتأمل الواقع فى زماننا ومكاننا وعصرنا يرى أن إخراج القيمة فى الغالب الأعم هو الأكثر نفعا للفقير؛ من حيث سعة التصرف فى النقد وهو أدرى الناس باحتياجه ومتطلباته , كما أن الزكاة إذا جمعها الفقير حَبًّا - أرزًا أو برًّا، أو شعيرًا- غالبا ما يلجأ إلى بيع هذه السلع بنصف قيمتها أو أقل أحيانًا , وهو ما ينعكس سلبا على مصلحة الفقير , ورؤيتنا أن القيمة أنفع للفقير فى زماننا هذا , وعلى ذلك فإننا لا ننكر على من أخرج زكاة فطره من الأصناف المنصوص عليها فى حديث النبى (صلى الله عليه وسلم) وعلى من أخرج أنواعًا أخرى من الطعام أو الحبوب قياسًا على فعل سيدنا معاوية بن أبى سفيان (رضى الله عنهما) وإقرار جمهور الصحابة له, ولا على من أخرج القيمة, فالأمر على السعة , فلا إنكار فى المختلف فيه بين أهل العلم المعتبرين، والقاعدة : «إنما ينكر المتفق عليه ولا ينكر المختلف فيه».

 مقاصد السنة 

وهنا كان لا بد من السؤال عن أهمية فهم مقاصد النصوص الدينية لاسيما السنة النبوية التى يتخذها البعض حجة لأفعال لا تناسب العصر، وكيف نوجه ذلك ؟ فأجاب وزير الأوقاف د. محمد مختار جمعة : وبعض الناس تفهم الأحاديث خطأً نتيجة الأخذ بظاهر الحديث أو عدم فهم المقصد منه.. كما أننا ابتلينا بجماعات قامت بعملية اقتناء وتأويل وتفسير للنصوص الدينية.. إضافة إلى من يقف على ظاهر النصوص،  فهنا  لا بد من الوقوف على فهم مقاصد الشرع وبخاصة مقاصد القرآن الكريم ومقاصد السنة النبوية، فلا بد من فهم النص وإعمال العقل فيه،  يتسق مع حقيقة الدين، حيث إن الإسلام عدل كله ورحمة وسماحة كله، وتيسير كله حيث قال تعالى: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» فالله أخبرنا باليسر كما رفع المشقة والعسر عن الأمة. 

وشدد أنه عند فهم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية لا بد من مراعاة قضية التيسير، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : «يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا»، وما خير نبينا (صلى الله عليه وسلم) بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا ولا قطيعة رحم فإن كان إثمًا أو قطيعة رحم كان (صلى الله عليه وسلم) أبعد الناس عنه. 

وأكد أن الإسلام قائم على مصالح العباد والبلاد فحيث يكون الصدق والوفاء والجود وصلة الرحم وكف الأذى عن الناس وإغاثة الملهوف،  ومداواة المريض والرحمة بالناس يكون  صحيح الدين، فى حين أن ضيق الأفق والأذى والإفساد والتخريب كما تفعل الجماعات الإرهابية فهذا يناقض الإسلام وكل الأديان السماوية وكل المبادئ الإنسانية فمن خرج عن الرحمة والعدل فقد خرج عن مقتضى الأديان  والإنسانية. 

 المنهج الدعوى 

وبالطبع فإن إيصال هذا الفهم الصحيح للدين لا بد أن يكون من خلال الدعوة فكان سؤال عن كيفية أن تقوم الدعوة بتحقيق نشر هذا  الوعى بمقاصد الدين ؟ وكيف يمكن أن يحقق الداعية هذا الأمر ؟ فأجاب وزير الأوقاف قائلا: «لا بد على الداعية فى زماننا الإلمام بمهارات التواصل الدعوى تتطلب الإلمام الكافى بالتعامل مع سائر وسائل التواصل العصرية والتكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعى المختلفة بمهارات فائقة تواكب العصر ومستجداته ومتطلباته، كما يجب  على كل عالم أو واعظ مخلص أن يبذل أقصى طاقته فى سبيل تحقيق هذا البلاغ، مع الأخذ بكل الأسباب ووسائل ومهارات وأدوات التواصل التى تعينه على إبلاغ دعوته بلاغًا مبينًا .

كما لفت وزير الأوقاف إلى نقطة مهمة فى أساليب إقناع الداعية للناس بصحيح الدين ومقاصده، وهى التطبيق العملى، حيث أكد أنه لا بد أن يكون الداعية والعالم  قدوة بأعماله قبل أقواله، حيث يقول الحق سبحانه : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»، وقد قالوا حال رجل فى ألف رجل خير من كلام ألفٍ رجل فى رجل، ومن ثمة كانت الدعوة بالقدوة، من أهم أساليب الدعوة إلى الله (عز وجل). 

واستدرك أنه:  ينبغى أن تكون الدعوة إلى الله (عز وجل) بالحكمة والموعظة الحسنة، حيث يقول الحق سبحانه: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ  وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ  إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»، ويقول سبحانه : « يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُوَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ».ولا يمكن أن تكون الدعوة حكيمة حسنة ما لم تكن الطريقة والوسيلة كذلك، فالجار والمجرور فى قوله تعالى : « بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ» متعلق بقوله تعالى: «ادعُ»، فعلينا أن نكون دعاة لا قضاة ولا جلادين، وأن نكون مبشرين ميسرين لا مشددين ولا معسرين.

وفى سياق حديثه عن الوصول بالناس إلى بر الأمان فى فهم الدين لفت وزير الأوقاف إلى أهمية الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فى تلك القضية  من حيث الرحمة بالناس ولين القول فى إفهام الدين حيث  وصفه ربه (عز وجل) بأنه رءوف رحيم فقال سبحانه: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ»، وقال سبحانه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ».

وهنا توقف وزير الأوقاف وقال متأثرا: ما أجمل أن نقتدى بهديه (صلى الله عليه وسلم) فى الدعوة إلى الله (عز وجل) بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نكون ميسرين على الناس لا معسرين ولا مضيعين، وأن نكون قدوة حسنة بأخلاقنا وقيمنا وأفعالنا، كما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نعم القدوة الحسنة لأزواجه، وأبنائه، وأحفاده، وأصحابه، وأمته، والناس أجمعين ، حيث يقول الحق سبحانه : «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا»، وأن نبذل وسعنا فى بيان يسر الإسلام ورحمته وسماحته وسائر جوانبه الحضارية والإنسانية، بما يحقق الهدف الأسمى لرسالة الإسلام التى جاء بها خير الأنام محمد (صلى الله عليه وسلم) لتكون رحمة للعالمين .نسأل الله (عز وجل) أن يرزقنا الإخلاص والقبول والسداد والتوفيق فى القول والعمل».