السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صوتهن عظيم "4" خلال 10 قرون.. رحلة المرأة فى رواية الحديث

منذ لحظات ظهور الإسلام الأولى؛ كان للمرأة حضور قوى فى المجتمع الإسلامى ولم تكن حبيسة المنزل أو ممنوعة من ممارسة مهن معين كما حاول البعض الترويج لذلك، حيث كان المجال مفتوحًا أمامها حتى فى نقل الحديث والتعاليم النبوية، فنجد أن المصادر النسائية فى رواية الأحاديث وتعليم الفقه حاضرة بقوة.



فى السطور التالية ضمن الحلقة الرابعة من «صوتهن عظيم» نتتبع الصوت النسائى فى نقل العلوم الفقهية للمسلمين، ففى صدر الإسلام كانت أمهات المؤمنين وعددٌ من الصحابيات يمثلن ريادة الحركة العلمية النسائية.

 جامعات أمهات المؤمنين

 وكانت حجرات عدد من أمهات المؤمنين بمثابة منارات للإشعاع العلمى والثقافى والأدبي، وتأتى أم المؤمنين عائشة فى المقدِّمة،  حيث كانت عالمة بالأنساب والأشعار، كما توضح المرويات أن النبى كان يستمع إلى ما تحفظه من الشعر.

ووصفت بعض الآثار السيدة عائشة بأنها «نصف العلم الإسلامي»، لذلك كانت مقصد فقهاء الصحابة عندما تستعصى عليهم بعض المسائل العلمية والفقهية، خصوصًا فيما يتعلَّق بجوانب حياة النبي، كما كانت تطلب من سائلها ألا يستحى من عرض مسألته، وتقول له: «سل فأنا أمكَ»، وقد أخذ عنها العلم نحو 299 من الصحابة والتابعين، منهم 67 امرأة.

أما أم سلمة فكانت كما وصفها الذهبى «من فقهاء الصحابيات»، خصوصا أنها روت كثيرا من الأحاديث عن النبى، وروى عنها كثيرٌ من الصحابة والتابعين بلغوا نحو 101 راوى، منهم 23 امرأة.

تعددت أسماء الصحابيات والتابعيات ممن اشتهرن بالعلم ورواية الحديث، إذ ذكر محمد بن سعد كثيرًا من الصحابيات والتابعيات الراويات فى كتابه «الطبقات الكبرى»، فيما خصص «ابن الأثير» جزءًا كاملًا للنساء فى كتابه «أُسد الغابة»، كما ذكر  ابن حجر العسقلانى فى كتابه «تقريب التهذيب» أسماء 824 امرأة ممَّن اشتهرن بالرواية حتى مطلع القرن الثالث الهجري.

دور المرأة خلال 10 قرون

لم يتوقف الدور النسائى فى نقل العلوم الدينية عند أمهات المؤمنين، والقرون الثلاثة الأولى فقط، إذ امتد بعد ذلك بشكل كبير لتساهم النساء فى تشكيل التاريخ الاجتماعى والدينى فى القرون العشر الأولى.

فى كتابها «المرأة ونقل المعرفة الدينية فى الإسلام»، ترصد الباحثة أسماء سيد، أستاذة جامعية فى جامعة كالفورنيا، مساهمة المرأة فى التاريخ الثقافى الاجتماعى للعلوم الإسلامية، كما يعد كتابها أول دراسة تحليلية تختص بالمُحَدِّثات من النساء فى التاريخ الإسلامي.

يستكشف الكتاب تاريخ رواية النساء للحديث النبوى خلال عشرة قرون، منذ فجر الإسلام، وتستمد تلك الدراسة أهميتها الاستثنائية من نُدرة ما كُتِب عن المُحَدِّثات المسلِمات فى التاريخ.

وأهمية الكتاب ليست فى ندرته فحسب، إذ غطى أيضا فترة زمنية واسعة، واعتمدت فيه الباحثة منهجية مميزة، لرصد التطورات المختلفة على رواية النساء للحديث، ووضعها فى سياقاتها حسب تسلسلها الزمني.

فجر الإسلام

ترى الباحثة أن فترة فجر الإسلام شكلت التيار الذى حض النساء على المساهمة فى نقل المعرفة الدينية والعلوم الحديثة، وأن هذه المساهمة مرت بمراحل مختلفة، بلغت ذروتها فى القرن الأول الهجرى وفى عصور الازدهار  بين القرنين السادس والعاشر الهجريين.

كما حللت المؤلفة العوامل التاريخية التى أثرت بشكل مباشر على مشاركة المرأة فى رواية الحديث، بحثا عن العوامل التى شكَّلت إسهامات المرأة المسلِمة فى مجال رواية الحديث.

تبدأ المؤلفة بتناول موضوع «الصحابيات واستحداث الرواية» وتستعرض جهودهن فى رواية الحديث بعصور الإسلام المبكرة، وتشمل دور أمهات المؤمنين وخاصة السيدة عائشة بنت أبى بكر وأم سلمة باعتبارهما أكثر من روى أحاديث النبى من بين زوجاته.

تعتمد فى ذلك على تقديم إحصاءات رقمية عن نسب رواية الصحابيات وزوجات النبى للأحاديث فى القرن الهجرى الأول، وتخلص الإحصاءات والنسب لانفتاح رواية الحديث فى عصر صدر الإسلام أمام النساء وخاصة القرن الأول الذى شهد مشاركة أكبر منهن مقارنة بالقرنين التاليين.

لماذا تراجع دور المرأة فى رواية الحديث؟

تكمل الباحثة التسلسل الزمنى بملاحظة رواية الحديث بواسطة «التابعيات»، حيث شهد عصرهن تراجعاً نسبياً برواية النساء للحديث، وأصبح مجالاً تخصصياً وأكثر صعوبة وتطلب نوعاً من السفر والترحال لتدقيق الرواية، كما أسهم الجدل الاعتقادى وظهور الفتن والخلافات السياسية فى هذا التراجع.

وتقول المؤلفة: «الجدل أثير بالفعل حول حدود التفاعل المختلط فى دوائر الدراسة وآداب النساء فى سياق التعلم، لكن لم يتم التشكيك بحق المرأة فى الحضور العلمى».

وخلال دراسة تأثير البيئات الاجتماعية المحافظة على التقاليد الدينية، يوضح الكتاب أن ذلك لم يؤد إلى تهميش المرأة بشكل متعمد وإنما أدت العوامل مجتمعة لظهور «بيئات رحبت بمساهمات النساء وأثنت عليها ومع ذلك ربما أصبحت النساء أكثر حضوراً فى عملية النقل أكثر من التفسير ».

ويستكمل الكتاب مناقشة دور النساء فى نقل المعرفة الدينية، حيث تم اعتبارهن فى القرون الأولى راويات للحديث «المحدّثات»، وحظين بالحفاوة سواء طالبات العلم أو شيخات يقمن بالتدريس للطلاب وينقل عنهن، حيث استدل بنماذج من المحدثّات مثل كريمة المروزية الفقيهة والمحدثّة التى أطلق عليها المؤرخون لقب «أم الكرام»، وفاطمة بنت الحسن الدقاق التى وصفها الذهبى بـ«الشيخة العابدة العالمة أم البنين النيسابورية».

وتعتبر الباحثة أن المرحلة بين القرنين السادس والعاشر الهجرى شهدت ذروة ازدهار النساء المحدثّات وظهور المئات منهن، مدللة على ذلك بثلاث محدثات اختارتهن نماذج فى ذلك العصر وهن: «أم محمد فخر النساء شهدة بنت أحمد الإبرى الدينورى البغدادية وهى من عالمات أهل السنة ومحدثة وكاتبة وخطاطة منحها الخليفة العباسى المقتدى بأمر الله هبة أنفقتها على تدريس الطلاب..  وزينب بنت كمال الدين الصالحية المقدسية الدمشقية التى قال عنها ابن حجر العسقلاني: نزل الناس بموتها درجة فى شيء كثير من الحديث.. وعائشة بنت محمد بن عبد الهادى الدمشقية سيدة المحدثين فى زمانها».

ويشير الكتاب إلى نشأتهن جميعا فى أسر علمية، حيث حرصت عائلاتهن على تعليمهن العلوم الدينية والحديث، معتبرًا أن تراجع رواية النساء فى نقل المعرفة الدينية بالزمن العثمانى له علاقة بالتركيز على الفقه والتصوف مقارنة بالحديث منذ القرن العاشر الهجرى.

يقدم الكتاب، الذى نشرته مطبعة جامعة كامبردج،  تفكيكا للانطباعات الرائجة عن تهميش المرأة المسلمة فى نقل العلوم الدينية وروايتها، ويمثل قراءة بديلة عن الحجج التى تتعلق بتناول التعليم الدينى للمرأة المسلمة.

ترى المؤلفة أن هذه الدراسة تعيد النظر فى مسلّمتين سادتا الدراسات الأجنبية عن المرأة المسلمة؛ الأولى أنّ الإسلام حدّ من قدرة المرأة على الحركة ونشاطها فى المجال العام، إلا أن الكتاب برهن على أن الإسلام نجح فى حشد النساء وإعادة إشراكهن فى الساحة العامة، لا بنقل الحديث فحسب بل بطلب المعرفة الدينية وكونهن مواضيع أحاديث وفتاوى من الأصل.

أمّا الحجة الثانية التى تناقشها الدراسة، فهى أن القرن الأول الهجرى منح المرأة أوسع نطاق حرية ووضع مشاركة، ثم عانى من انتكاسة بعد دخول القيم المناهضة للمرأة فى الفقه الإسلامى، حتى جاء الخطاب النسوى المعاصر وحاول تحرير المرأة المسلمة!.. فيما أظهرت الدراسة أنه رغم تراجع دور المرأة فى رواية الحديث بعد القرن الأول الهجري؛ فإنهن عُدنَ بقوة فى القرن الرابع الهجرى بوصفهن «راويات ثقات» للحديث وعالمات جليلات، كما عقد بعضهن مجالس شعبية حاشدة لرواية الحديث فى الساحات العامة، ومَثّلن أسانيد عالية فى الرواية.