الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عن قرب عبلة الكحلاوى.. الصالحة الباقية!

لم يكن غريبًا أن يجد كل مصرى وعربى فى وجه الراحلة عبلة الكحلاوى؛ شيئًا من ملامح أمه، حديثها الطيب، ابتسامتها الحنونة، روحها الهادئة، وصوتها الذى يتسرب إلى القلب فيملؤه سكينة وطمأنينة، بساطتها فى تفسير الدين؛ رغم تعمقها الشديد فى الأحكام والفتاوى، سماحتها فى الرد على سائليها، وسعيها الدائم للخير مهما كلفها من صحتها وجهدها، لتصبح عن جدارة صاحبة مدرسة السهل الممتنع فى الدين والحياة.  



نجحت ابنة مداح الرسول، فى احتلال قلوب متابعيها فى كافة ربوع العالم، لتكون سفيرة للإسلام تعبر عن سماحته وتشرح تعاليمه، وكأنها لم تنس يومًا الحلم الذى راودها فى طفولتها؛ بأن تصبح سفيرة، قبل أن تمتثل لرغبة والدها المنشد محمد الكحلاوى، وتلتحق بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، لتحقق لها الأيام ما أرادت لكن بطريقة أكثر عظمة، وتكون من العلماء ورثة الأنبياء.

رحلة طويلة من التعلم، لم تدخر فيها الداعية الراحلة جهدًا حتى تلم بأصول الفقه، وتحفظ أمهات الكتب والتفاسير، بعدما تخصصت فى الشريعة الإسلامية، لتحصل على الماجستير والدكتوراه بالفقه المقارن، وتصبح أستاذة بجامعة الأزهر، وكلية التربية للبنات فى الرياض، وترأس قسم الشريعة بكلية التربية فى مكة المكرمة، حتى وصلت إلى منصب عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بجامعة الأزهر.

بالتوازى مع رحلتها الأكاديمية، بدأت عبلة الكحلاوى طريقها الدعوى، فاتجهت خلال تواجدها بمكة المكرمة إلى الكعبة المشرفة لتلقى دروسًا يومية للسيدات، ولمدة عامين استقبلت فيهما المسلمات من سائر أنحاء العالم، وبعد عودتها للقاهرة واصلت دروسها فى مسجد والدها بالبساتين، حتى كلفت بإلقاء دروس دينية فى الجامع الأزهر، ولم تمر سنوات قليلة حتى ذاع اسمها كداعية وسطية، لتقدم برنامج «فى حُب المُصطفى»، ويكون بداية لتألقها على شاشة التليفزيون فى العديد من البرامج الدينية، التى كان يتابعها المشاهدون باهتمام، بعدما ترسخ أسلوبها اللين وصوتها الحانى الوقور فى أذهانهم، خاصة مع تركيزها على السيرة النبوية والجانب الأخلاقى الروحانى، وتجنبها للقضايا الجدلية والعقائدية الشائكة.

ووسط كل هذا، أرادت الداعية المستنيرة أن تترجم أقوالها عن الخير والرحمة إلى أفعال، فأسست جمعية «الباقيات الصالحات»، ليبدأ نشاطها الإنسانى المكثف، وتقدم المساعدات المادية والخدمية لكبار السن واليتامى والأرامل، عبر دار «أبى» لرعاية المسنين، بجانب دار «أمى» لرعاية المسنات، ودار «ضنايا» للأطفال المصابين بالسرطان، الذين يأتون مع أسرهم من الأقاليم لتلقى العلاج بالقاهرة.

الجمعية لم تسهم فى خدمة البسطاء فقط، لكنها ساعدت عبلة الكحلاوى نفسها فى الخروج من محنتها الكبيرة، بعد وفاة زوجها اللواء المهندس محمد ياسين بسيونى أحد أبطال حرب أكتوبر، الذى شاركها حلم تأسيس الجمعية، مثلما كان شريكًا وداعمًا لها فى كافة محطات حياتها، وهو ما ظهر جليًا فى حديثها عنه بالكثير من المناسبات، ومنها أحد البرامج الذى وصفته فيه، قائلة: «كان أعظم رجل رأيته فى حياتى بل إنه كان هدية من الله لى،وعشت معه واحدًا وعشرين عامًا لست مبالغة إذا قلت إننى كنت أشعر أننى أعيش فى الجنة بكل ما تعنى الكلمة، فكان رجلًا حنونًا وكريمًا وعطوفًا على كل خلق الله وليس أسرته فقط، وقد رزقنى الله منه بثلاث بنات هن مروة وردينة وهايدى».

«رحم الله الدكتورة عبلة الكحلاوى.. كانت نموذجًا للمرأة الصالحة لدينها ومُجتمعها.. سلكت طريق الدعوة إلى الله فألفتها القلوب وأنارت بعلمها العقول.. جعلها الله عونًا لمُساعدة الفُقراء والأيتام».. هكذا نعى الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر؛ الداعية الراحلة، بينما نعتها السيدة انتصار السيسى قرينة الرئيس، قائلة: «ودعت مصر نموذجًا مُشرفًا وعظيمًا للمرأة المصرية المُخلصة لدينها ووطنها بعد رحلة عطاء ومسيرة إنسانية مُشرفة فى طريق الخير والدعوة».

أخيرًا.. ستظل الصالحة عبلة الكحلاوى باقية، لا ينقطع عملها؛ بصدقاتها الجارية، وعلمها المنتفع به، ودعوات الملايين لها بالرحمة.