الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عن قرب رجاء الجداوى الغائبة الحاضرة!

«هنا عاشت رجاء الجداوى».. هذا ما تقرأه على اللافتة التى وضعها الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، على باب العقار الذى أقامت به الفنانة الراحلة فى الدقى؛ تقديرًا لمسيرتها الفنية العظيمة، التى استمرت طوال 62 عامًا، قدمت فيها أعمالًا خالدة فى تاريخ السينما المصرية، حتى رحلت عن عالمنا فى يوليو الماضى، بعد كفاحها ضد فيروس كورونا لمدة 43 يومًا، ليعتصر الحزن قلوب عشاقها فى مصر والعالم العربى.



كانت النهاية فى أحد مستشفيات العَزل بالإسماعيلية، حين حصد الفيروس اللعين روح الفنانة الأنيقة، لتموت فى ذات المدينة التى شهدت ولادتها قبل 85 عامًا؛ لأسرة تعود أصولها إلى الجزيرة العربية، لكن «رجاء» كانت على موعد مع حدث جلل غَيّر حياتها جذريّا، بعدما انفصل والداها، لتنتقل إلى القاهرة فى الثالثة من عمرها، وتعيش مع خالتها الفنانة تحية كاريوكا، التى اعترفت «رجاء» بفضلها خلال أحد البرامج، قائلة: «كانت خالتى أكثر من أم وأدين لها بكل حياتى».

شبّت «رجاء» فى مدارس فرنسية داخلية، مما ساعدها على إتقان اللغات الأجنبية، ومنها الإيطالية والإنجليزية بجانب الفرنسية، وفور تخرجها عملت مترجمة فى إحدى الشركات الإعلانية، لكن الفتاة الصغيرة كانت تعرف طريقها جيدًا، وكأنها نجمة بالفطرة، وسرعان ما حصلت على «وشاح سمراء القاهرة» فى كرنفال بحديقة الأندلس، ثم أصبحت «ملكة جمال حوض البحر المتوسط»، كما فازت بلقب ملكة جمال القطر المصرى عام 1958، وبعد عملها عارضة أزياء خاضت تجربة التمثيل، لتحصل على أول أدوارها خلال ذات العام، فى فيلم (غريبة).

فرضت موهبة «رجاء» نفسها على الوسط الفنى، لتترك بصمتها الأنيقة أيضًا فى عشرات الأفلام، منها: (دعاء الكروان وإشاعة حب وحدوتة مصرية ويوميات امرأة عصرية)، وصولا لـ(البيه البواب وعاد لينتقم وحنفى الأبهة)، ومع بداية الألفية الجديدة لم يكد عمل مميز يخرج إلى النور إلا ببصمة «رجاء» المبهرة، لنجدها حاضرة بقوة فى أفلام: (السلم والثعبان وأمير الظلام وسهر الليالى والتجربة الدنماركية وتيمور وشفيقة)، ليكون آخر أعمالها فيلمَى (توأم روحى وأعز الولد).

وبعيدًا عن السينما، لعبت «رجاء» أدوارًا محورية فى أكثر من 200 مسلسل، برزت فيها موهبتها المتنوعة بين التراجيديا والكوميديا، تزامنًا مع مشاركتها فى العديد من المسلسلات الإذاعية، ليتحول صوتها المميز إلى نغمة لا تخطئها الأذن، وفجأة رآها المشاهدون تبدع على خشبة المسرح، بأداء لا يقل براعة عن السينما والتليفزيون، بداية من مسرحية (التعلب فات) ثم (الواد سيد الشغال) و(الزعيم)، قبل أن تعيد الفنانة اكتشاف نفسها فى البرامج الحوارية، لتضيف بُعدًا جديدًا لتاريخها الملىء بالموهبة، وتعطى دروسًا فى الرُّقى والثقافة.

«نجاة على حسن» أو «رجاء الجداوى» كما عرفها جمهورها، كانت نموذجًا للإنسان المحب للحياة، وعنوانًا للبهجة، فلا تخلو كواليس أفلامها ومسلسلاتها وحتى برامجها من المواقف الطريفة، والعلاقات الودودة التى جمعتها بكل من عرفها عن قرب؛ لتصبح مثالًا يحتذى به إنسانيّا وفنيّا ومجتمعيّا، حتى إن الرئيس «عبدالفتاح السيسى» وجَّه حديثه لها؛ خلال حضورها لاحتفالية اليوم العالمى للأشخاص ذوى الإعاقة، قائلًا: «أشكرك جدّا، ستبقين طول عمرك شيك جدّا.. اوعى تفتكرى إنى بقولك شيك على اللبس بس.. لا والله.. شيك فى كل حاجة».

عاشت «رجاء» قصة حب أبدية، جمعتها بزوجها حسن مختار حارس مرمى النادى الإسماعيلى ومنتخب مصر الأسبق، بعدما تعرفت عليه فى السودان حين كانت تقيم فى فندق هناك، وطلبها للزواج عندما كانا يستقلان الطائرة، واستمر زواجهما 45 عامًا، وكانت ثمرته ابنتهما الوحيدة «أميرة»، وتأثرت كثيرًا بوفاته، وقالت فى وصفها لرحيله: «حسيت إن جزء من قلبى دفنته معاه، أسوأ حاجة فى الدنيا الفراق، إنك تبقى عايشة مع حد بتتنفسوا نفس الأوكسجين، فاهمك من غير ما تتكلمى، بيطبطب عليكى، كان إنسان شريف».

رحلت رجاء الجداوى عن عالمنا.. لكنها ستبقى هنا.. لتعيش فى قلب جمهورها وذاكرة الفن إلى الأبد!