الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

البنت المصرية حرة.. "الحرية.. اختيار مسئول

«أنتِ حُرّة.. والحُرّية مسئولية».. جملة ربّتنى عليها أمّى (غير المُحجبة)، التى كان ضمن شهاداتها الجامعية (دبلوم الدراسات العُليا الإسلامية)، ومع ذلك، تركتْ لى حرية الاختيار فى ارتداء الحجاب، مثلما تركت لى الحرية فى سائر اختياراتى، فقد ربّتنى بمبدأ (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ. لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ). وفى الوقت ذاته، علمتنى أن الحرية اختيار مسئول، وأن التحرُّر يكون فى العقل، وليس الجسد.



ورُغم التزامى بنصائحها؛ فإن المجتمع لم يرحم. بدأ الموضوع حينما كنتُ فى الإعدادية، عندما عَلّقت مُدرسة اللغة العربية على زميلتى المجاورة التى خلعت حجابها، قائلة: «إيه يا (فلانة) فين طرحتك أكلتها القطة؟!، ولا أنت إللى عديتيها يا آلاء!»؛ ورُغم مرارة وصفها؛ فإننى رددتُ: «وأنا مالى، هى حُرة فى قراراتها». وعليه، قالت المُدرسة: «يعنى إيه حُرة، مفيش حاجة اسمها حُرة، بلاش كلام خايب». لم أهتم، ثم قررتُ بعدها ألا يتم وصفى بكلام جارح. وفى مرحلة الثانوية كان الفصل عبارة عن مجتمع للمُحَجَّبَات فقط، إلّا ثلاث (أنا إحداهن)، ولطالما سمعتُ جُمَلاً مثل: «أنتِ مش محجبة ليه؛ مش شايفة نفسك غلط»..إلخ، وكان ردى دائمًا: «أنا حُرّة، خليكوا فى حالكوا».

وفى يوم لا أنساه، أثناء (الفُسحة)، التفتْ حولى مجموعة من فتيات الفصل لإعطائى نصيحة لم أطلبها، ثم قلنَ: «لِمَ لا ترتدين الحجاب مثلنا!». وعليه، انهلت عليهن بكلمات، لا أعرف إن كانت شجاعة، أمْ فاض بى الكيل، وقلت: «عن أى حجاب تتحدثن، وأنتن تهربن من المَدرسة دون علم والديكن لتقابلن زملاءكن، وتغتبن بعضكن البعض، ولا تلتزمن بملابس تليق بالحجاب،...»؛ ثم تابعتُ: «هل أغطى شعرى فقط ليرانى المجتمع مهذبة، فيما أقوم بما يحلو لى من ورائه! لا، قد لا أرتدى غطاءً لرأسى، فيما لا أقوم بكل هذه الأعمال سرّا. فضلاً دعوا الخَلق للخالق».

أمّا فى المرحلة الجامعية؛ فرُغم عدم تدخُّل أصدقائى المقربين فيما لا يعنيهم؛ فإن الصعوبة بلغت ذروتها مع تولى الإخوان الحُكم، إذ أضحَى الشارع مخيفًا، وكنتُ أرى نظرات بُغض وكراهية، ولكن، كنت أضحك لأهون على نفسى، قائلة: «لو كانت النظرات تقتل، لكنت فى عداد الأموات».

وفى يوم ما، ذهبتُ لمقابلة صديقتى فى كلية أخرى، رأتنى إحدى موظفات الإدارة، ودون سابق إنذار فوجئتُ بوابل من الكلمات الحادة: «حرام عليكى شعرك ده فتنة، حرام عليكى الشباب، هاتتشوى فى نار جهنم»، صددتها بغضب، وأوضحتُ لها أنها لا تتمتع بمكارم الأخلاق.

وبعد انتهاء هذه المرحلة، دخلت فى مرحلة جديدة، بعنوان «عرفّيه إنها مش محجبة»، وهى جملة أنهت 90 % من عروض الزواج قبل أن تبدأ. كانت أمّى تقول تلك الجملة لصديقاتها المتطوعات بإيجاد (عريس)، ثم تلحقها بجملة: «دى حرية شخصية، لو أقنعها بعد الزواج بالحجاب، وهى وافقت، مفيش أى مشكلة، لكن كشرط أو إجبار، فهو أمْر مرفوض تمامًا».

كنتُ أرفض ممن يشترط الحجاب، مقابل التقدّم للزواج دون حوار، كما كنت أشكو لأمّى من حُكم الناس علىَّ، دون معرفة شىء عن أخلاقى، أو بيتى، أو تعليمى، ولكنها كانت تواسينى، قائلة: «أنتِ أرقى بعقلك منهم، همّا خايفين من تحرُّر عقلك مش شعرك».

ومن منطلق (هَمّ يضَحّك، وهَمَ يبكَى)، قابلنى بعض المتقدمين للزواج، الذين أدخلتهم دائرة (هَمّ يضَحّك)، حينما قال لى أحدهم فى أول مقابلة تعارُف: «ينفع تتحجبى قدام بابا وأعمامى أمّا ييجوا عندكم البيت، وبعد كده مش شرط تلبيسه؛ لأنه مش فارق معايا، أنا أصلًا مش مقتنع»، أو غيره الذى قال: «لو كان فيه نصيب لازم تتحجبى»، وعندما سألته عن السبب، أجاب: «عشان ماما محجبة». هنا فهمتُ أن القضية ليست دينية؛ بل مجتمعية بنسبة كبيرة.

ورُغم مرور بعض لطفاء القلب واللسان فى طريقى، وكانوا يجادلوننى بالتى هى أحسن؛ فإننى لا أزال أعيش فى مجتمع يحاول بعضه إجبارى على ارتداء الحجاب، فيما يحاول البعض الآخر إرغامى على تبرير أفعالى، كما تم ربط اختيارى لـ(غير محجبة) من قبل البعض بـ(غير أخلاقية) لمعتقدات اجتماعية. لكن؛ هذا لم يزدنى إلا إصرارًا على اكتشاف طريقى بنفسى، فأعيش حياتى بما لا يتنافَى مع أخلاق المجتمع وأعرافه، ولم يحبط اعتقادُهم الخاطئ عزيمتى كفتاة مصرية أعيش بمنتهى المسئولية.. غير محجبة، حُرّة!.