الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

خاص مجلة "روزاليوسف".. المحطة الأخيرة المومياوات الملكية تنهى رحلة 7 آلاف سنة فى الفسطاط

على مَرّ الزمان كانت الحضارة المصرية بما فيها من مفردات أثرية وتاريخية مَصدر إبهار للعالم كله، وها هى تبهر العالم مرّة أخرى، وذلك عندما تحركت المومياوات الملكية فى موكبها من المتحف المصرى بالتحرير إلى المتحف القومى للحضارة فى الفسطاط مَقرها الأخير.. وضم الموكب 22 مومياءً، منها مومياوات 18 ملكًا، هم: «رمسيس الثانى ورمسيس الثالث ورمسيس الرابع ورمسيس الخامس ورمسيس السادس ورمسيس التاسع وتحتمس الثانى وتحتمس الأول وتحتمس الثالث وتحتمس الرابع وسقنن رع وأمنحتب الأول وأمنحتب الثانى وأمنحتب الثالث وسبتاح ومرنبتاح وسيتى الأول وسيتى الثانى»، و4 ملكات هن «حتشبسوت وأحمس نفرتارى وميريت آمون والملكة تى».



وعلى قدر أهمية الحدث، أتى التعاون الكبير بين الجهات المختلفة لإخراج الموكب بما يليق بتاريخ مصر، وذلك عبر اجتماعات مكثفة تمت الفترة الماضية بين وزارة السياحة ومحافظ القاهرة ووزارتَى الدفاع والداخلية والجهات الأمنية، ومسئولى الشركة المنفذة لعملية نقل المومياوات، وقد تمت متابعة ومراجعة جميع التفاصيل والتجهيزات النهائية لهذا الحدث الفريد حتى خرج بالمظهر الحضارى الذى يليق بمكانة مصر وبعظمة الأجداد وعراقة الحضارة المصرية.

وسواء كنت قد تابعت الموكب على أرض الواقع أو من خلال التليفزيون، بالتأكيد استمتعت بالموسيقى التى تم عزفها، وهى موسيقى مصرية قديمة، والحدث شارك به طلبة وأطفال وفنانون مصريون، كما أنه تم من خلاله إبراز مَظاهر الجمال المختلفة فى جميع النقاط التى مَرَّ بها الموكب من متحف التحرير مرورًا بميدان التحرير وبحيرة عين الصيرة وغيرها من الأماكن حتى وصل إلى متحف الحضارة.

وتمت إذاعة وبث هذا الحدث على الهواء مباشرة لجميع دول العالم عبر شاشات التليفزيون وشبكة الإنترنت؛ حيث إن 400 من القنوات التليفزيونية العالمية والعربية أكدت بث هذا الحدث على الهواء مباشرة، وهذا بالتوازى مع حملة ترويجية للحدث على منصات التواصل الاجتماعى العربية والدولية؛ خصوصًا فى الأسواق الرئيسية المصدرة للسياحة إلى مصر. 

ولكن ونحن نتحدث عن هذا الموكب العظيم، هل يعلم كثيرون أن هذه ليست المرة الأولى التى تنتقل فيها المومياوات؛ بل هى الرابعة التى انتقلت فيها أجساد ملوك مصر العظام من مكان لآخر، لتستقر فى مكان عرضها الدائم بالمتحف القومى للحضارة المصرية، حتى خرج المشهد بشكل يليق بعظمة الحضارة المصرية عبر عصورها المختلفة.

وأول مرة تم فيها نقل المومياوات كانت عقب نهاية الدولة الحديثة فى عهد الأسرة 21؛ حيث قام حريحور كاهن الإله آمون بنقل المومياوات والتى كانت حينها أجسادًا، وذلك خوفًا عليهم من السرقة من قبورهم؛ حيث كانت سرقة القبور منتشرة فى هذه الفترة، ووضعهم الكاهن فيما عرفت بعد ذلك بخبيئة الدير البحرى، وقد حرص الكاهن على أن يكون ذلك فى منتهى السرية والحيطة؛ للتمويه على اللصوص وعدم تمكنهم من الوصول إليها.

واستقرت مومياوات ملوك مصر فى هذا المكان طوال نحو 2800 عام، وقبل عشرات السنين تم اكتشاف الخبيئة وما بها من مومياوات وتم نقلها إلى الأنتيكخانة وكانت هى متحف عرض الآثار فى بولاق، وحينما تم إنشاء المتحف المصرى بالتحرير عام 1902 نقلت إليه المومياوات وكانت هذه المرة الثالثة للنقل.

وشارك فى احتفالية موكب المومياوات الملكية عدد كبير من الفنانين والفنانات، واختلف شكل مشاركة كل فنان عن الآخر، خصوصًا أنه تم إطلاق فيلم ترويجى للحدث الذى انتظره العالم كله، شارك فيه الفنان الكبير حسين فهمى وآسر ياسين وأمينة خليل.

وتم تصوير هذا الفيلم الترويجى ما بين المتحف المصرى بالتحرير والمتحف القومى للحضارة المصرية، وحكوا فيه تاريخ الـ 22 مومياءً ملكية التى نقلت فى موكب أسطورى جاب الشوارع من ميدان التحرير إلى الفسطاط بمصر القديمة.

كما شارك أيضًا فى الموكب طبقًا لما قاله الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الفنانة الكبيرة يسرا والفنانة منى ذكى والفنان أحمد حلمى وأحمد السقا وأحمد عز، لافتًا إلى أن مشاركة الفنانة هند صبرى جاءت كونها أيضًا تتحدث الفرنسية كانت جيدة.. حيث ألقت كلمة باللغة الفرنسية ضمن فقرات احتفالية الموكب، وفى نفس الوقت عرضت فى التليفزيون مَشاهد للفنانين والفنانات فى بعض المواقع الأثرية بالمحافظات المختلفة، تحدثوا فيها عن عراقة الحضارة والآثار المصرية.

وقد بدأ الترتيب للاحتفالية منذ عامين؛ حيث أجريت عشرات البروفات وتم الاستماع للعديد من المقترحات حتى تم الاستقرار على الشكل النهائى للاحتفالية، وتمت الاستعانة بشركة مصرية ذات خبرة فى تنظيم مثل هذه الاحتفالات، وهناك حراسة من الشرطة وفريق من المرممين صاحب الموكب طوال الطريق من التحرير حتى الوصول إلى متحف الحضارة، وهناك تم استقبال المومياوات الملوك والرؤساء.

وكانت هناك مسافة كافية بين كل عربة وأخرى لضمان معدل الأمان، وخرج الموكب من المتحف المصرى مرورًا بميدان التحرير، وقامت فيه العربات الحاملة للمومياوات بعمل دورة فى الميدان مع الأضواء المبهرة؛ حيث تمت إضاءة الميدان كله، بعدها توجّه الموكب إلى ميدان سيمون بوليفار ثم كورنيش النيل، لينتهى المطاف إلى المتحف القومى للحضارة فى الفسطاط.

وعزفت الموسيقى والأوركيسترا طوال الموكب، والذى جاءت السيارات المشاركة فيه والحاملة للمومياوات على شكل مركب، خصوصًا أنه كان من المقترحات فى البداية نقل المومياوات عبر نهر النيل فى مراكب، ولكن لم يلق هذا الاقتراح قبولاً ولم تنفذ فكرة السير فى النيل، وذلك حتى لا تؤثر اهتزازات الماء على المومياوات، والتى كانت كل منها داخل كبسولة نيتروجين مغلفة بإحكام وأمان والكبسولة داخل صندوق خشبى، وعلى كل منها اسم الملك صاحب المومياء.

وعندما وصلت المومياوات إلى متحف الحضارة، تم نقلها ووضعها فى معامل الترميم، ليقوم فريق المرممين بعملية فك التغليف بمنتهى الدقة، بعدها تنقل المومياوات إلى فتارين العرض الخاصة بها والمزودة أيضًا بالنيتروجين وجميع الظروف البيئية بالدرجات الملائمة التى تحافظ عليها وتحميها، ومن المقرر أن يتم فض تغليف المومياوات بمعدل ما بين 1- 2 مومياء كل يوم، أى نحو شهر لفك تغليف الـ 22 مومياء ووضعها فى الفتارين، لتصبح جاهزة للعرض واستقبال الزوار والجمهور والسائحين.

وقد لعب الترميم الدور الأكبر فى الحفاظ على المومياوات وتأهيلها للنقل؛ خصوصًا أن الفكرة من حيث التخطيط والتنفيذ تمت لأول مرة فى التاريخ بأيدٍ مصرية؛ حيث قال الدكتور مصطفى إسماعيل مصطفى مدير مخزن المومياوات ورئيس معمل صيانة المومياء بالمتحف القومى للحضارة إنهم قاموا فى البداية بمعاينة مبدئية وفحص كامل لكل جزئية بكل مومياء، وذلك لمعرفة ما إذا كانت بها إصابات ما ونوعيتها لعلاجها،كذلك لمعرفة أماكن ضعف وقوة كل مومياء لمراعاتها عند الرفع والتحريك، واستخدمنا النيتروجين لفصل جسم المومياوات عن البيئة الخارجية، ومنع أى إصابات أو تأثير ضار عليها، وقد نجحنا فى ذلك.

أمّا الدكتورة إيمان إبراهيم وهى من فريق ترميم المومياوات الملكية فقالت إنهم فحصوا كل مومياء جيدًا، كما درسوا مواد التحنيط المستخدمة فى كل فترة زمنية لكل مومياء، بحيث نستخدم فى الترميم الحالى أقرب مواد لها من حيث الخصائص، بحيث لا تؤثر على المومياء ولا تسبب لها أى أضرار.

ومن فريق الترميم أيضًا قالت الدكتورة ولاء صلاح إن كبسولة غاز النيتروجين الخامل وسيلة آمنة للحفاظ على المومياء وحمايتها؛ خصوصًا أن هذا الغاز الخامل يقضى على أى حشرات، وهنا أضمن للمومياء الحماية من أى أضرار، خصوصًا أننا استخدمنا غاز نيتروجين نقى للغاية بنسبة أكثر من 99% وتكنولوجيا هى الأحدث فى العالم،كما أن مواد التغليف التى استخدمناها مضادة للحموضة مما يضمن للمومياوات كبقايا آدمية ومواد أثرية عضوية أقصى درجات الحماية.

قد يعتقد البعض أن الـ 22 مومياءً خرجت من مكان واحد كونها موجودة حاليًا فى مكان واحد وهو المتحف المصرى بالتحرير، إلا أنها ليست كذلك؛ حيث جاءت الـ 22 مومياء من 4 أماكن، أولها خبيئة الدير البحرى عام 1881 ومنها 10 مومياوات مشاركة فى الموكب وهى «سقنن رع وأحمس الأول وأمنحتب الأول وتحتمس الأول وتحتمس الثانى وتحتمس الثالث وستى الأول ورمسيس الثالث ورمسيس الثانى ورمسيس التاسع»، ومن الملكات «أحمس- نفرتارى».

وخبيئة مقبرة الملك أمنحتب الثانى «KV35» فى 1898 وخرجت منها 10 مومياوات ضمن الموكب، منها «أمنحتب الثانى وتحتمس الرابع وأمنحتب الثالث ومرنبتاح وسا بتاح ورمسيس الرابع ورمسيس الخامس ورمسيس السادس وستى الثانى، والملكة تى»، أمّا مومياء الملكة حتشبسوت فخرجت من مقبرتها، ومومياء ميريت أمون من مقبرة أخرى.