السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كنوز آمال العمدة.. أمينة السعيد: هل فقد الجيل الجديد إيمانَه بنفسه؟!

أوقفتْ عمرَها على مشكلات البشر، وهموم الناس، ومعاناة كل إنسان طرَق بابها ذات يوم، ظلت هموم البشر أكثر من ربع قرن تصب فى روافد حنانها فأوجدت لهم واحة الراحة، طالما سألها الناس فأجابتهم وظلت تعايش همومهم حتى خارج الورق.. وهذا نص الحوار النادر الذىتنفرد «روزاليوسف» بنشره..



بدأت من الصفر، ووصلت بالجهد لما أتمناه

آمال: السيدة أمينة السعيد أول امرأة تشغل منصب رئيس مجلس إدارة.. فهل أخذت المرأة وضعَها اللائق الذى يتناسب مع قدرتها فى المجتمع المصرى؟

أمينة السعيد: أخذت المرأةُ الوضعَ الحالى لها، وهو وضعٌ كريمٌ جدّا على مختلف المستويات بعَرقها وجهدها وفرضت روحَها فرضًا بكفاءتها واستطاعت أن تصل إلى هذا بكفاحها الفردى وإثبات كفاءتها ووجودها أينما وجدت، فنحن حينما التحقنا بالجامعة لم يكن هناك قانون يسمح للبنات بدخول الجامعة، لكننا سعينا وجاهدنا وذهبنا لكبار المسئولين ورجوناهم واستعطفناهم لكى يمنحونا الفرصة فاشترطوا علينا شروطًا نفذناها فى صمت وسكون، فدخلنا الجامعة ولم يكن القانون يسمح بذلك، وكانت الشروط أن نسكت ونعمل فى صمت وسرّية مطلقة ولا نُعلن عن وعد المسئولين لنا حتى إلى أقرب الناس إلينا لكى يفاجَأ الرأى العام فى مصر بوجودنا بين صفوف الطلبة يوم افتتاح العام الدراسى فيكون أمرًا واقعًا على الجميع.. وهذا هو ما حدث، فحينما التحقت أول دفعة من خمس بنات إلى الجامعة وفوجئ الرأى العام بها وثارَ الملك فؤاد وغضب وأرسل لـ لطفى السيد يطلب فصلهن، ولن أكن أنا منهن، فأنا كنت فى الدفعة الثالثة وكانت الدفعة الأولى مكونة من الدكتورة سهير القلماوى فى الآداب، ونعيمة الأيوبى فى الحقوق، وفضيلة عارف فى الطب، وفاطمة سالم فى الآداب، وفوجئ الرأى العام بهن ولكن الرأى العام كان أكثر رحمة من السُّلطة؛ لأنه لم يحتج، لكن الذى احتج هو الملك فؤاد بما يملك من سُلطات وأراد أن نُبعَد، لكن لطفى السيد والجامعة رفضا وأكد أنهن اكتسبن حق الالتحاق بالجامعة وتم قبولهن، ولذلك كانت كل البنات تتفانى فى الدفعات الثانية، فكان كل البنات يتفانين فى الاجتهاد والمذاكرة وكانت كل البنات تسعى إلى العمل بعد التخرُّج وكان تفوقهن يفتح أمامهن طريق العمل، فحينما تخرجت نعيمة الأيوبى وكانت الأولى لم تتردد نقابة المحامين فى قيدها كأول امرأة تعمل بالمحاماة وأن تسمح لها بالعمل، وأيضًا سهير القلماوى أول من سمح لها بإعداد رسالة الماجستير، وأرسلوها لفرنسا لإعداد الرسالة، وأنا أيضًا حينما تخرّجتُ لم تكن هناك امرأة تعمل بالصحافة، فشقّيت طريقى بالجهد والكفاح وبمساعدة أحد المتقدمين فكريّا وهو الأستاذ مصطفى أمين، الذى أعطانى الفرصة لكى أجرّب الفشل والنجاح، وبالجهد والكفاح وصلت لما أريد.

والمرأة المصرية لديها الطاقة والقدرة على خدمة بلدها، وهى عنصر طيب جدّا لو أحسن استعماله لحقق الكثير، وأستطيع أن أقول إن لحمى وجلدى قد ذابا من الكفاح لكى أرتفع بنفسى؛ حيث بدأتُ صعود السّلم من الصغر ووصلتُ بالجهد والعَرق إلى ما أتمناه.

 

أقلية.. لكن قوية

آمال: عن وضعية المرأة داخل البرلمان وكيف يجب أن يُسمح لها بالجلوس على نصف المقاعد؛ لأن القضايا التى تناقش داخل الأروقة تهم نصف المجتمع وهى نصفه بالفعل؟

أمينة السعيد: صحيح أن المرأة تمثل أقلية فى مجلس الشعب؛ ولكن هذا مسئول عنه طرفان؛ أولهما النساء؛ حيث تخاف المرأة دائمًا من المعركة الانتخابية ولا تجد الشجاعة لخوضها إلا عدد بسيط جدّا منهن، والسبب الثانى أن الجماهير لا تزال تفضّل انتخابَ رجل عن انتخاب المرأة، رُغم أن بعض الدوائر تؤيد المرأة؛ لكن الحقيقة أن المرأة تمثل أقلية فى كل بلاد الدنيا بما فيها البلاد الأوروبية والولايات المتحدة، ولكنها أقلية قوية.

ليس هناك أدب نسائى وأدب رجالى

آمال: اسمحى لى أن نتوقف قليلًا عند الأدب النسائى، فهناك أكثر من وجهة نظر متعارضة أو مختلفة فى تقييم الأدب النسائى، فقد قالت لى الأديبة العربية الكبيرة غادة السمان إنه لا يوجد أدب له صلة بجنس مُعَين، فهل توافقينها على ما قالته؟

- أمينة السعيد: لقد سبقتُها فى قول هذا الكلام، فأنا طوال عمرى أقول إن الأدب لا جنس له ولا يوجد أدب نسائى وأدب رجالى أبدًا؛ بل الأدب هو الأدب، وهو تصوير الحياة فى إطار فنى، وبناءً عليه لا يفرق هذا التصوير إن كان بريشة رجل أو سيدة أو طفل، فكل هذا خارج عن موضوع الأدب؛ لأننا حينما نقول أدب حريمى أدب رجالى فيجب أيضًا أن نقول أدب شبابى وعواجيزى؛ لكن الأدب هو الأدب، وكل مَن يقول الأدب النسائى لا يعرف معنى كلمة أدب، وفى إنجلترا وأمريكا يقولون إن المرأة أقدر على وصف نفسيتها من الرجل، والرجل أقدر على وصف نفسيته من المرأة، وهذا كلامٌ فارغ؛ لأن مَن كتبوا فى نفسية المرأة من الكتاب الأمريكيين والإنجليز والفرنسيين كانوا أقدر ألفَ مَرّة على وصفها من الكاتبات النساء، والعكس أيضًا حينما كتبت إيميلى برونتى وشارلوت برونتى عن الرجال كانوا أقدر منهم؛ لأن المُشاهِد يرَى أفضل من المتأثر؛ لأن القارئ المحايد هو الأقدر على التقسيم. وتكمل: كما أن المرأة دخلت حياة الكتابة والقلم والعلم والحياة العامة متأخرة جدّا عن الرجل، فالأزهر الشريف كجامعة تعلم الرجال تاريخها أكثرَ من ألف سَنة، فكان الرجال فى مصر والعالم العربى يتخرّجون من الدراسة الجامعية على أعلى مستوى منذ ألف عام، فى حين أن أول ثلاث بنات دخلن الجامعة المصرية عام 1929، وأيضًا المرأة فى أوروبا وأمريكا حصلت على حريتها فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وأخذتها بقدر وبدأت تستزيد منه بجهودها، فإذا أضفنا إلى هذا أعباء الأسرة من بيت وأولاد ومسئوليات التى تُعَد عبئًا على المرأة حتى الأديبة وتعوقها وتجعلها غير متفرّغة، فالرجل يعيش ويكتب ويعمل فى حين أن المرأة هى التى تقوم بخدمته حتى لو كان لها مزاج أدبى، لذلك فالمقارنة فى غير محلها. ثم تصف: فالحضارة والعلم والثقافة أشياء وراثية لا بُدّ أن ينقلها كل جيل إلى الجيل الذى يليه، فأنا أمّى كانت بالكاد تستطيع الكتابة وكانت معظم أمهات زميلاتى من الأمّيّات، ولذلك فأنا حينما أصبحتُ جامعية فقد قفزت قفزة ولكنى لم أصبح الحضارة التى تمثل المرأة، لكن ابنتى تقدّمت عنّى خطوة وأصبحت أستاذة فى الجامعة، فلا بُدّ أن ينتقل التقدم والفكر من جيل نسائى إلى أجيال أخرى ويتوارث حتى نجد العنصر النسائى الحضارى لكى نجد المرأة بعد أجيال تصل إلى ما وصل إليه الرجل بالوراثة فى ألف سَنة.

أنا تؤرقنى أمينة السعيد ذات نفسها

آمال: إذا توقفنا عند أمينة السعيد الإنسانة؛ فماذا يؤرقك كامرأة؟

أمينة السعيد: أشياء كثيرة جدّا، وربما يكون بعضُها خارجًا عن إطار كونى امرأة، فحينما تكون هناك أزمات سياسية فى بلدنا أصاب بأرق ولا أنام الليل، فأنا تؤرقنى جدّا الحياة العامة أمّا الحياة الخاصة فكل رجل وكل سيدة لديه ما يؤرقه ولديه من الأسباب ما يجعله متألمًا وحزينًا وقلقًا. وتضيف: وفى كثير من الأحيان تؤرقنى أمينة السعيد لأنها تنفعل وتندفع فى بعض الأحيان وتسبب المتاعب لأمينة السعيد الهادئة وتجعل الجانب الرزين منها يخشى الجانب المندفع، لكن فى القضايا العامّة حينما أجد أنه من السهل تحقيق التقدم الاجتماعى فى بلادنا وأنه من الممكن أن يتحقق بأطراف الأصابع وكيف أننا بعقليتنا الجامدة نحُول دون تحقيق هذا التقدم فأثور بشدة ويجافينى النوم من حزنى على البلد.

آمال: هذا ما يؤرقك كمصرية، ولكن ماذا يؤرقك فى حياتك الخاصة؟

أمينة السعيد: يؤرقنى أولادى، فأنا أتمنى لهم دوامَ التوفيق والنجاح والأخلاق الكريمة التى يتصفون بها، وأتمنى ألا يتغيروا أبدًا وأن يظلوا هكذا على هذه المبادئ التى تعبت جدّا فى غرسها فيهم منذ طفولتهم، ونحن من طبعنا فى البيت أننا نعيش فيما يشبه البرلمان الصغير، فحينما يجدوننى أنا ووالدهم نعانى من الحزن نجدهم يسألوننا ما يصيبنا بالقلق فنشرح لهم المشاكل التى نعانيها، وفى كل مرحلة سنّيّة كنا نحكى لهم بالشكل الذى يناسب المرحلة التى يعيشونها حتى لا يصابوا بأزمة نفسية، وبالمثل أيضًا هم يُعرضون علينا مشاكلهم بصداقة، ونحن اعتدنا على ذلك وعلى الصداقة مع بعضنا البعض، وكما نحل نحن مشكلاتهم فهم ساهموا كثيرًا فى وضع حلول لبعض مشكلاتنا.

آمال: بما أنك أول مَن واجه الحواجز الاجتماعية العتيقة واستطاع تجاوزها والسير قُدُمًا إلى الأمام.. هل سمحتِ لابنتك بحُرية أن تُحب وأن تَحِب؟

أمينة السعيد: أنا سمحت لها بأن تحب ولكن فى رعايتى وتحت مظلة الأسرة وحمايتها، فاحتضنت حبها لأننى خشيت عليها إن لم أحتضنا، فهى كبشر ستحب وحينما تحب دون علمى فستتعرض للخطر، لكن هناك ثقة متبادلة بيننا، فأنا أوجهها وأحميها من نفسها بصداقتى ومعرفتى كل ما يدور فى قلبها، وأيضًا حينما اختار ابنى زوجته جاءنى وهو طالب فى الجامعة وقال لى إنه يريد أن يتزوج، واختار زوجته، لم أكن قد رأيتها من قبل، لكنى لم أعنفه أو أقلل من شأنه؛ بل نصحته بالانتظار لأنه فى أول سَنة فى كلية الهندسة ولا يستطيع الزواج والإنفاق على منزل أسَرى، وقلت له إننى أبارك أى إنسانة يختارها دون أن أتدخل فى اختياره، لكنى رفضت أن أذهب لخطبتها له إلا بعد تخرُّجه وتعيينه فى وظيفة لائقة، وبعد خمس سنوات كنا فى الإسكندرية وصدر قرار تكليفه وكان وقتها هناك تكليف لخريجى كلية الهندسة، فجاءنى وذكّرنى بوعدى وقال لى إن أسرة الفتاة التى اختارها موجودة فى الإسكندرية أيضًا لقضاء المصيف، وذهبنا وخطبنا له نفس الفتاة التى اختارها قبل خمس سنوات، مما يؤكد أنه اختار الاختيار الصحيح، ونحن كنا قد ربيناهم على القيم الأخلاقية والدينية فأصبحت لاختياراتهم شروط، فيجب أن تكون الفتاة التى يختارها محتشمة وكريمة وأن يكون أهلها على نفس المستوى الأخلاقى، ولذلك فأنا كنت واثقة تمامًا من صحة اختياره، وذهبت وخطبتها له وأنا مطمئنة، ولذلك فأنا أعتبر زوجته ابنةً لى ولا أفرّق بينها وبين ابنتى.

كنت أول لاعبة تنس جامعية

آمال: أعلم أيضًا أنك كنت أول لاعبة تفس فى تاريخ جامعات مصر.. فهل صادفت تحديات؟

أمينة السعيد: نعم كنت أول طالبة مصرية تلعب التنس وعانيت الكثير من المشاكل بسبب ذلك، ففى أول سَنة كان الطلبة يتجمّعون حول الملعب ويضحكون علىَّ تمامًا كما يضحك زائر حديقة الحيوان على حركات القرد، لكنى لم أتنازل واستمررت، وفى العام التالى بدأوا يُقدّروننى ويلعبون معى، وفى السنة الثالثة ترجّتنى الجامعة لكى ألعب أمام عدسة شركة مصر للسينما مباراة تنس لكى يرسلوا به كدعاية لتقدم المرأة فى مصر، لكنى رفضتُ بسبب غيظى مما واجهته منهم من متاعب.

آمال: بنت الجامعة اليوم وبنت الجامعة الأمس.. ما الفرْق بينهما؟

أمينة السعيد: الفرْق بين بنت الجامعة اليوم وُلدتْ وفى فمها ملعقة من ذهب، فهى جاءت فى زمن تكافؤ الفرص وفى ظل المساواة فى التعليم والوظائف، وهى أنواع من الحماية لم تكن موجودة لدينا، ولذلك فهن متراضيات ولسْن متحمسات مثلنا، فنحن كنا صاحبات رسالة وكنا قلة تكافح وتفتح طريقًا مسدودًا من أجل الأجيال القادمة، وكنا نحفر بأظافرنا فى الصخر بلا أى نوع من الحماية أو المساواة ولا الميثاق ولا الدستور الذى يحمى المرأة، ولذلك كنّا متفانيات.

عانيت الأمَرّيْن فى الصحافة

 آمال: نشهد الآن زحفًا نسائيّا كبيرًا فى الصحافة لم يكن متاحًا من قبل.. حدّثينى عما كان بالأمس وما تطور اليوم؟

أمينة السعيد: بالفعل، فعدد أعضاء النقابة من النساء زاد، ولكنى حينما بدأتُ كنت وحيدة، وعانيتُ جدّا فى الصحافة من كل الجهات، عانيتُ من الاضطهاد الاجتماعى لأنهم كانوا يقسون فى الحُكم علىَّ من تدخّل الصحافة، وكانت هناك صحف صفراء قبل الثورة تعيش على الفضائح والابتزاز، وكانت تسبنى فى كل عدد من أعدادها، وكل هذا قتلته الحقيقة، فلم أرد عليه؛ بل كنت أبكى طوال الليل وأذهب فى اليوم التالى إلى عملى وأنا أبدو مبتسمة وواثقة، وأنا أقرأ ما يُكتب ضدى وأنا أحترق من داخلى، لكن كما قلتُ فإن الحقيقة غلبت نفسَها وقضتْ على هذا الهراء وأثبتت أن أمينة السعيد لم تكن لتصل لهذا لولا أن صفحتها من أولها إلى آخرها بيضاء ولا يوجد بها خط أسود يؤخد عليها.

آمال: قلت أكثر من مرّة كلمتَىّ «العناد والتحدى».. فهل أنت عنيدة؟

أمينة السعيد: عنيدة جدّا فى التحدى، فأنا أقبل أى تحدّى ولا أتراجع أبدًا وأتصدى لأى إجحاف ولا أخشى أبدًا من أى هجوم عليّ من أى جهة كانت؛ لأننى متأكدة ومطمئنة على أن ما يهاجموننى به أشياء مفتعلة وغير صحيحة وواجبى أن أكون من القوة بأن أقف ضدها ولا أخاف وأهرب منها، ولو كنت قد هربت منها لأنهيت حياتى الصحفية من أول شهر عملت فيه بالصحافة.

آمال: ألم تتألمى من عنادك؟

أمينة السعيد: تألمتُ طبعًا؛ فقد كنت أموت من البكاء فى البيت وتقوم أسرتى بتهدئتى وأذهب فى اليوم التالى مبتسمة وكأننى لا أعانى من أى شىء.

آمال: مَن أول من آمن بقدرات أمينة السعيد؟

أمينة السعيد: والدى؛ فقد كنا جميعًا بنات ولم يكن بيننا إلا أخ ولد واحد وكان طفلًا رضيعًا حينما توفى والدى وتركه لنا تربيته، وكان يتوسّم فينا النجابة والشخصية القوية وكان فخورًا بنا جدّا حتى فى صغرنا، وحينما دخلتُ الجامعة فكرت فى الالتحاق بكلية التجارة، لكن عميد الكلية رفض ذلك تمامًا، فحدث لى انهيار عصبى، لكن أبى- رحمه الله- جلس معى وسألنى عن سبب رغبتى فى الالتحاق بكلية التجارة وأكد لى أن الأفضل لى هو دخول كلية الآداب؛ لأنه يلمح فىّ قدرات ومهارات ستظهرها كلية الآداب، ونصحنى بالالتحاق بالتجارة بعد عامَيْن لو لم تظهر قدراتى، وبالفعل التحقت بالآداب وشعرت بأننى وجدت نفسى فى هذه الكلية، وكنت أستطيع أن أنتقل إلى كلية التجارة بعد عام واحد فقط لكنى رفضت وفضّلت الاستمرارَ فى كلية الآداب. وأيضًا جعلنا نشعر بأننا كبار أو أقوياء ونحن لا نزال أطفالًا، ومنه استمددنا الإصرارَ والقوة، وحينما مات فى مرحلة مبكرة جدّا من عمرنا تركنا نجاهد فى الحياة، وهذا الجهاد أعطانا المزيد من القوة والإصرار على مواجهة الحياة.

آمال: فهمتُ منك أن والدك بذل الكثير من التضحيات فى سبيلكم..

أمينة السعيد: نعم؛ لقد ضحّى بسببنا كثيرًا، فأولًا حينما علم أن تعليم المرأة بدأ فى القاهرة وكان هو طبيبًا ذائع الصيت فى أسيوط ويكسب أموالًا طائلة، ضحّى بهذا كله وانتقلنا إلى القاهرة لكى يُعلمنا، ففقد المورد العظيم والمكانة التى كانت له وبدأ من الصفر فى وقت كان فيه أطباء القاهرة مسيطرين على السوق، بحيث لم يستطع الوصول لنفس مكانته فى القاهرة، وأيضًا حينما أنهينا المرحلة الابتدائية ولم يجد مَدرسة ثانوية فى مصر تدرّس للبنات كما تدرس للبنين، بعث بشقيقتَىّ الكبيرتين كريمة وعزيزة إلى إنجلترا؛ حيث درستا فى مَدرسة داخلية ثانوية التحقتا بعدها بجامعة لندن، وحينما جاء دورى كانت مَدرسة شبرا الثانوية أول مَدرسة ثانوية للبنات قد فتحت، وفتحت الجامعة أبوابها للبنات، فلم يكن هناك داع لسفرى للخارج.

آمال: وهل قمت بتربية أبنائك بنفس الطريقة التى تربيت بها؟

أمينة السعيد: نعم قمت بتربيتهم بنفس الطريقة وحرصت على أن أربى فيهم عادة الاستقلالية والاعتماد على النفس.

 

سرعة الغضب والندم أكبر أخطائى

آمال: ما أخطاء حياتك؟

أمينة السعيد: أخطاء حياتى كثيرة جدّا، فأنا مسرفة وسريعة الغضب، وأحيانًا أغضب وأندم على أنى غضبت وطبعًا أراضى مَن أغضبتهم فى هذا الوقت، لكن طبعًا ما كان أغنانى عن هذا لو أنى كنت أستطيع السيطرة على عواطفى وأتحكم فى مزاجى ولا أفقد أعصابى.

آمال: أشعر بأن مَظهر القوة العصبية هو شكلك الخارجى فقط وأنه يخفى خلفه إنسانة عاطفية جدّا؟

أمينة السعيد: هذا صحيح، فالجمهود والقوة ظاهريان فقط لكنى عاطفية جدّا ومن الممكن أن يزعجنى ويؤرق نومى ألمُ أى كائن حتى لو كان حيوانًا.

آمال: هل دموعك قريبة؟

أمينة السعيد: ليست قريبة؛ فمن الصعب جدّا أن أبكى ولا أبكى أبدًا أمام الناس لكنى قد أقطع نفسى من البكاء وأنا وحدى.

لو كنت رجلًا لدخلت السجن

آمال: حدثينى عن قصة زواجك وكيف كان يتعامل زوجك مع البركان الفكرى الكامن بداخلك؟

أمينة السعيد: قصة زواجى بسيطة جدّا، تزوجتُ باختيارى؛ فقد كان الدكتور عبدالله زين العابدين معيدًا فى كلية الزراعة وكان له أصدقاء حميمون فى حلوان، وكانوا أيضًا أصدقاء لنا، وعن طريقهم رأيته وقابلته وأحببته جدّا وتمت خطبتنا، وهو إنسان رقيق الحس وفنان يرسم كأحسن ما يكون ويعزف الموسيقى رُغم أنه إنسان عملى وتخصصه فى الزراعة وليس فى الفن، ويستطيع أن يضبط عواطفه بقوة عكسى تمامًا، وكانت هناك فترة فى حياتى تملكتنى نوبة حسْر وثورة على أنى سيدة؛ لأنى كنت أعمل بقوة فى الصحافة وأكثر من زملائى وكان حقى ضائعًا رُغم ذلك، وكان يتركنى حتى أهدأ ثم يقول لى إنك لو كنت رجلًا لكنت دخلت السجن، فكنتُ أضحك وأخرج من غضبى، واستطاع أيضًا أن يكون عنصرًا فعّالًا فى إدخال الكثير من أخلاقه الجميلة إلى أولادى؛ فلقد ورثوا عنه العقلية العلمية الذكية. وتكمل: وكان يتعامل مع بركانى الفكرى يقابله بالهدوء والمنطق ويُهدّئ منّى ثم يبدأ فى مناقشتى ويستطيع أن يجعلنى أشعر بخطئى.

آمال: كان والدك رائدًا فى الإيمان بالمرأة وساندك زوجك فى مشوار كفاحك حتى تحقق كيانك.. فما رأيك فى الدعوات المطروحة حاليًا لعودة المرأة إلى البيت وحرمان نصف المجتمع من عطائه وقيمته المضافة؟

أمينة السعيد: هذه الدعوات تُعبر عن ردّة حضارية مؤسفة.

آمال: فى تصورك ما هى السِّن المناسبة لزواج الفتاة والفتى؟

أمينة السعيد: أتمنى أن تتزوج فى سن الحادية والعشرين من عمرها، فهى سن الرشد، وهى السّن المناسبة لزواج البنت، أمّا بالنسبة للفتى فأتمنى أن يكون فوق الخمسة والعشرين عامًا حتى سن السابعة والعشرين، ولكن الحقيقة أن البنات يسهل إقناعهن فى صغرهن؛ لذلك تتعمد الأسَر دفعهن للزواج المبكر حتى لا يعترضن على الزواج، فالبنت وهى فى سن السادسة عشرة تسعد جدّا بالزواج وتظن أنها مغامرة عظيمة جدّا، لكن حينما تكبر تستخدم عقلها وتقول رأيها وتختار مَن يناسبها وتتمسّك بقيم مُعينة، ولكى يتجنب الأبوان مرحلة النضج وهى مرحلة مهمة جدّا فى الزواج يقومان بتزويج الفتيات فى سن صغيرة، وهذا خطأ يمكن أن يؤدى بالزواج المبكر إلى فشل مبكر.

آمال: هناك رأى يقول إن الزواج المبكر يتبعه طلاق مبكر، وأن البنت التى تتزوج فى سن مبكرة وهى غير قادرة على أن تعارض أهلها لا تستطيع تحمُّل تبعات الزواج ممثلة فى الأمومة.. فهل تستطيع الفتاة وهى فى هذه السن أن تكون أمّا لطفل؟

أمينة السعيد: نحن لا نتحدث عن الأمومة الحيوانية التى تخلو من كل الاشتراطات، فالأم الصالحة يجب أن تكون أمّا مثقفة وعلى خبرة بالحياة وتفهم الأسلوب الصحيح لتربية الأبناء، وكل هذا لا يتوافر فى فتاة عمرها ستة عشر عامًا لا تريد إلا اللعب والتنزه، وهذا حقها لأنها لا تزال طفلة، إذن فالأمومة نفسها لن تتحقق بالمعنى المطلوب حضاريّا إلا بهذه المؤهلات التى لا يمكن اكتسابها فى سن مبكرة أبدًا؛ بل يمكن لهذه الفتاة أن تفسد ابنَها من صغره بطيشها وحماقتها، فى حين أنها لو كنت أكبر من هذا سنّا وأكثر إدراكًا فتربيه بالأسلوب الصحى الاجتماعى الحضارى المطلوب.

آمال: إذا وجهت كلمة إلى والدىّ فتاة يحاولان إجبارها على الزواج المبكر.. فماذا تقولين لهما؟

أمينة السعيد: بحكم سنّى وخبرتى وتجاربى وخدماتى التى أديتها أو أرجو أن أكون قد أديتها فى المجتمع أرجو من الوالدين ألا يضغطا على الفتاة بالمَرّة لأنه سيحزنهما جدّا إذا لا سمح الله لم توفق فى الزواج وعادت إليهم مطلقة وهى تحمل طفلًا أو طفلين، أنا أعلم أنهما يريدان مصلحتها لكن لا بُد أن يعلما أن هذا الخير ممكن أن يكون شرّا كبيرًا جدّا أو يمكن أن يورثهما الندم مدى حياتهما، وأريد أن أؤكد لهما أن ما يقال عن أن الزواج المبكر هو وسيلة حماية فما هو إلا كلام فارغ، فالتربية المنزلية والأخلاق هى التى تحمى المرأة قبل وبعد وأثناء الزواج أو حتى دون زواج أو فى أى ظرف آخر.

آمال: نصيحة أمينة السعيد خريجة الجامعة فى الثلاثينيات إلى طالبات الجامعة الآن؟

أمينة السعيد: أنصحهن بأنهن إن أردن أن يعشن سعيدات فى مجتمعنا فيجب أن يؤمنّ بأنفسهن، فأنا ألاحظ أن الجيل الجديد فقدَ الإيمانَ بنفسه، والإيمان الموجود لدى البعض ما هو إلا نوع من تحدّى المجتمع بحيث تتخيل الفتاة أنها تثبت شخصيتها عن طريق فعْل كل ما تريد، لكنى أحب أن أقول لشباب اليوم- خصوصًا من الفتيات- إن عليهم مسئولية ضخمة جدّا، وأننا نجحنا فى الجامعة لأننا كنا أصحاب رسالة، فقد التحقنا بالجامعة لكى نفتح أبوابًا جديدة ونؤدى خدمات عظيمة لبلدنا ونخدم المحيط الاجتماعى الذى كنا نتحرك فيه، ولم ندخل الجامعة من أجل التنزّه والتعالى أو ارتداء الملابس الخارجة، فأنا أريد من البنت الجامعية أن تشعر بأنها جزءٌ لا يتجزأ من هذا الوطن، فلا يكفى أن تدرس حتى تتخرّج وتتزوّج فكل هذه أشياء ثانوية بجانب ما تؤديه لبلادها وللأجيال التى ستأتى بعدها.

البنت زى الولد.. مش كمالة عدد

آمال: هناك أسَرٌ لا تعامل الفتاة كما تعامل الشابَ؛ حيث يفرّق الوالدان فى المعاملة بينهما، يعطيانه حقوقًا يحرمانها عليها، فلماذا التفرقة بين الفتاة والولد، وهل حُكم المجتمع على الفتيات بالانكسار؟ 

أمينة السعيد: المجتمع لم يحكم علينا أبدًا بالانكسار؛ بل نحن الذين نحكم على أنفسنا، فلو كان لدى المرأة ثقة فى نفسها ولو عرفت حدود الحقوق والواجبات عليها لأمكنها أن تكتسب حقوقها دون عنف أو تحدى أو أى شىء من هذا القبيل، ولا بُد أن نعترف بأن مجتمعنا مريض يميز الولد على البنت، وهذا شىء موروث من أجيال قديمة حينما كانت المرأة عالة على البيت والأسرة ولم تكن تتعلم أو تعمل أو تخرج فى حين كان الولد يعمل ويعول ويساعد، فكان هو العنصر الأهم لأنه كان العنصر المنتج، أمَّا الآن فلقد تغيرت الظروف وأصبحت الفتاة كالفتى تتعلم وتعمل وتعول أخواتها وتساعد والدها وتتعاون مع زوجها، ولكن لا تزال رواسب العقلية القديمة فى أن الحريات لا تمنح للنساء بقدر ما تعطى للرجال، ومن المعروف طبعًا أن الأسرة تخاف جدّا على البنت لأن أى خطأ تقع فيه سيظهر أثره عليها فى حين أن الولد يستطيع أن يفعل أى شىء دون أن يشعر به أحد، وكل ما أريد قوله للبنت المتحضرة العصرية إننى أتمنى لو أنها بذلت جهدها أولًا لكى تثبت بتصرفاتها أنها أحسن من شقيقها ومدعاة للثقة أكثر منه، هى تستطيع اكتساب ثقة أهلها فيها أن تحظى بنفس المعاملة التى يعاملونها للولد، أو على الأقل الكثير منها، ولو أن هناك بعض الأسر لن تمنحها الحرية رُغم الثقة خوفًا عليها لا من انعدام ثقتهم فيها، ولكن من أقوال المجتمع الشرقى الذى نعيش فيه حيث أحكامه القاسية على المرأة رُغم أن المرأة تتقدم وتكسب مواقف وتحقق تقدمًا عظيمًا جدّا بمرور الوقت، لكننا لا نستطيع فى عامين أو ثلاثة أو عشرة أن نقتلع جذور الرجعية والتفرقة بين الجنسين، فكل ما على البنت أن تفعله أن تكون مثلًا وأهلًا لثقة أهلها تكتسبهم وعندئذ ستنال من الحريات ما يشبعها وما يشبع كرامتها، وأنا أرى أيضًا أنه يجب ألّا تطلق الحرية للابن ليفعل كما يشاء إلا فى حدود الأخلاق.

آمال: على المستوى الشخصى.. هل فرّقت السيدة أمينة السعيد الأمّ فى المعاملة بين ولدها وابنتها؟ 

 أمينة السعيد: لدىَّ ثلاثة أبناء؛ بنت وولدان، ولم يحدث أبدًا أن فرّقت بينهم فى المعاملة؛ لأننى كنت أنا وزوجى نؤمن بأن مبادئ الأخلاق واحدة للجنسين وأن مبادئ العفة والكرامة والشخصية واحدة للجنسين وأن الخطأ هو الخطأ والصواب هو الصواب، وأنه لا يوجد خطأ يُعفَى منه رجل، ولذلك أعامل كل أبنائى معاملة واحدة، وكنت ما أمنع عنه ابنتى أمنع ابنى أيضًا، وحينما يستنكر ذلك لأنه ولد أرد عليه وأقول أننى لا أعترف إلا بالأخلاقيات والكرامة والتصرفات والأفعال الحلال والصواب، وأنا لم أكن أساند أبدًا أحدهم على حساب الآخر، فتربوا على هذه المساواة الكاملة فى كل شىء.

الحياة المعاصرة هى مستشفى المجانين

آمال: سأقول لك كلمات وتردّين عليها بما يتبادر فى ذهنك مباشرة..:

- مثل عامى... لكل مجتهد نصيب.

- الحياة المعاصرة... مستشفى المجانين.

-الهيبز... فرقة ممزقة النفس من الناس ويحتاجون إلى عطفنا أكثر مما يحتاجون من انتقادنا.

- أمريكا... بلاد المتناقضات.

- المرأة الأوروبية... المُضَلَّلة.

- الأناقة... سر الجَمال فى الرجل والمرأة.

- السيجارة... ملعونة فى كل زمان ومكان.

- المال... نعمة من نعم الله.

- الأبناء... نصف الحياة والسعادة.

- الإسكندرية... المكان الذى نلجأ إليه من قلة الروح.

- قيادة السيارة من سيدة فى شوارع القاهرة... المحنة الكبرى.

- السفر... متعة وثقافة ودنيا جديدة.

- نبات الظل... هو الإنسان الناجح فى غير مباهاة أو غرور.

- المشربية... عهد الحريم ذهَبَ وانقضَى والحمد لله.

- عقارب الساعة... مع الأسف لا نستطيع أن نعيدها إلى الوراء.

- دار الهلال... حياتى وفضل الدنيا كلها علىَّ.

- التليفون... زمان كان علم وتقدّم وتسهيل للحياة والآن يساعد عزرائيل فى حصد أرواحنا.

- فنجان القهوة... وسيلة إلى تهدئة الأعصاب وعادة تزيدك عصبية على عصبية.

آمال: من أنت فى كلمات؟ 

أمينة السعيد: أنا أمينة السعيد المكافحة والأمُّ التى ترجو أن تكون أحسنَتْ القيام بواجبها فى العمل كصحفية وفى البيت كأمّ قامت بتربية أولادها.