الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عبدالحليم الفيلسوف

لم يكن فى نيتى أن أقترب منه يومًا وأقول له.. «أريد حديثًا.. صحفيًا معك».



وعندما كنت أراه فى القاهرة.. كنت أتعمد الابتعاد عنه حتى لا يجرفنى فى تيار من الود المزيف.

وفى المرة الوحيدة التى جمعتنى معه سهرة.. تعمدت أن أهاجمه بكل الطرق.. وقطعت سهرتى فور انتهائى من الهجوم. لكن الظروف جمعتنى به فى باريس فى لقاء إنسانى مع أصدقاء أحبهم.. وقيل لى إنه يختلف تمامًا عن الصورة التى ترسمها له فى خيالك.

وقررت أن أقترب منه من خلال المناقشات الجادة.. واستمر النقاش ثلاثة أيام.. استسلمت فيها لكل «وده» ولكل «دعائه» وراقبت كل حركة صدرت منه، لأحاول الإجابة عن سؤال:

- هل ذكاء عبدالحليم هو العامل الأول فى نجاحه كفنان.. أم أن موهبته تسبق ذكاءه؟

منذ ستة أشهر حملتنى الطائرة إلى لندن.. كنت أبحث عن علاج للنزيف الذى يهاجمنى.. إنه نزيف مؤلم وحاد.. سبب النزيف أن الشعيرات الدموية فى المعدة تنفجر أحيانًا.. نتيجة أى إرهاق أو إجهاد.

وجدت فى لندن رأيا طبيا يقول لابد من إجراء عملية.. ورأيا آخر يقول يكفى العلاج فقط.. وقيل لى اذهب إلى أمريكا.. فذهبت.. واستقر الرأى على عملية سأجريها فى سبتمبر القادم.

أنت تسأل.. هل كانت الخطابات التى أرسلتها لأصدقائى الصحفيين وسيلة ذكية تضمن لى الدعاية كفنان بعيد عن القاهرة؟

- لقد كتبت لأصدقائى كلهم.. صحفيين وغير صحفيين.. كنت أذيب وحدتى النفسية بالكتابة إلى كل الأصدقاء.. لكنى لم أكتب لهم كصحفيين.. ولكن كأصدقاء.

ثم بالنسبة للدعاية.. نحن نفهمها فى القاهرة على أنها «عيب»، لكن من حق الفنان فعلاً أن يملك دعاية.. رغم أن مسألة الدعاية هذه يحكمها فى القاهرة منطق غامض.. ليست الدعاية أن يكون اسم الفنان دائما أمام أعين الجمهور.. لكن الدعاية عملية تنظيم لعلاقة الفنان بجمهوره.. إن الفن هو الذى يصنع الفنان وليس الكتابة عن الفنان.. فالكتابة عن الفنان شهادة بفنه، لكنها وحدها لا تصنع فنانًا.. والفنان فى الوقت نفسه فى حاجة إلى الصحافة كنقد.. وكتوجيه.. وكارتباط فكرى يدفعه للتقدم.

لقد قال البعض إن عبدالحليم يستغل معدته فى الدعاية لنفسه..

هل وصلت كراهيتى لنفسى إلى الحد الذى أستغل فيه مرضى فى الدعاية عن نفسى؟.. إن الصحة بالنسبة لى هى الطريق الوحيد إلى الفن.

أنا لا أتمنى أن يحكم القدر على أحد بلحظة واحدة من لحظات الشقاء التى عشتها كمريض.

تقول كيف ينظم الفنان مسألة الدعاية؟

- أقول.. إن أمام الفنان طريقين لا ثالث لهما.. رغم ضرورة وجود الطريق الثالث.

الطريق الأول: أن يختار مدير دعاية رسمى أو غير رسمى.. ويدفع له شهريًا.. ولهذا الطريق وجهان.. وجه نافع.. ووجه ضار.

فأن يقوم بالدعاية خبير هذا رائع.. لكن لو حدث خلاف بين مدير الدعاية والفنان.. فيا ويل الفنان من هذا الخلاف!

الطريق الثانى: أن يقوم الفنان بنفسه بالاهتمام به.. ويجعل فنه مفتوحًا لكل مناقشة.. جادة أو هزيلة.

أما الطريق الثالث: الذى يجب أن يوجد فهو أن تنشأ وكالة عامة تهتم بالفنانين وتقوم هذه الوكالة بعد أن تنظم علميا بمناقشة كل شئون الفنان.. ذلك أن الفنان عندنا يضيع 75٪ من وقته فى النفاق الاجتماعى.. والاتفاق على أجره والبحث عن حفلاته.. وفى الدعاية لفنه.

ما الذى يحمى الفنان.. فنه.. أم هداياه؟

- إن الذى يحمينى هو الفن.. والهدايا لا تحمى أحدًا.

وإذا كان محكومًا علينا.. أن نعيش فى فوضى أخلاقية.. فتأكد أنى أحد الذين يعملون على حسم هذه الفوضى بطريقتى الخاصة.

إننى أخوض يوميا بحر الصداقة.. وأنا مفتوح الذراعين لكل الناس.. أتعلم منهم وأعلمهم.. يؤثرون فى شخصيتى.. وأؤثر فى شخصياتهم.. أقول لهم الرأى خالصا.. فيقولون لى مثله أو عكسه.. ومن الظلم أن أقول إنى بلا أصدقاء واضحين معى.. ومن الظلم أيضًا أن أقول إنى لم ألتق بالنفاق والخداع والتزييف، لقد قابلت أصدقاء حقيقيين وأصدقاء مزيفين.. لكنى لو أغلقت نفسى على عدد من الحقيقيين.. لما أضفت إليهم عددًا آخر.. وبهذا أسير فى الحياة.. أنهى صداقات مزيفة.. وأبدأ صداقات جديدة.. ولأنى مفتوح للناس تقول هذا تردد مزيف.. لكن عليك أن تراقب الفرق بين كل لقاء ولقاء، حتى تعرف أنه لا يوجد عندى «أكلشيه» للمقابلات.. أما الهدايا التى أحملها فهى إما بتكليف من الأصدقاء.. أو لأصدقاء مخلصين فعلا.. ولو كنت منافقا أو مزيفا لحملت معى ألف هدية لكل من أعرف.. لكنى بالتحديد معى شنطة واحدة فيها كل الهدايا وهى لا يصل عددها إلى رقم مائة.

أقول لعبدالحليم: ماذا تفعل عندما يسألونك عن الحب؟

ضحك ليقول:

- أقول كلامًا عائمًا.. ولا أحكى قصص حبى لأحد.. أتعلم لماذا؟ لأن الحب هو أحد المنابع الرئيسية التى تعطى الفنان.. وهو إحساس خاص جدًا لا يفيد أحدًا يعلمه - بقدر ما يفسد الحب العلانية.

أقول: يقولون إنك تحارب الفنانين الصغار؟

- لماذا؟ إن القمة تسع كثيرين.. إن القاهرة تستوعب مطربين ومطربات من بلاد أخرى.. فلماذا أحاربهم؟! ولماذا يضيعون وقتهم فى الخوف واستدرار الشفقة؟!

إن بعضهم يهرب إلى هذا الوهم.. حتى لا يواجه ما هو مفروض عليه أن يواجهه.. والذى يتلخص فى الإجابة على سؤال؟

- ما هو الجديد الذى على الفنان الناشئ أن يضيفه للفن.