الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كنوز آمال العمدة.. يوسف وهبى: أتمنى أن أستحضر روح «أسمهان»!

كتب بيده بداية تاريخ المسرح المصري، وأفنى حياته على خشبته، ونزف دمه ليحافظ على قدسيته، أحدث نقلة تاريخية لن تتكرر جعل بها الفن فى العلا والفنانين من الصفوة. ولو أطلقوا اسمه على كل مسارح مصر لما وفوه حقه..



هو عميد المسرح العربى يوسف وهبى فى حوار نادر مع الإذاعية اللامعة آمال العمدة

 

 يااا للهول على مسرح اليوم

آمال: ما شعورك بعد أن أرسيت معالم واضحة وتقاليد راسخة للمسرح المصرى طول عمرك الفنى ثم ترى هذه التقاليد وهى تكاد تندثر فى ظل هذا الارتجال الذى تغلغل داخل مسرح اليوم؟

يوسف وهبي: أشعر بأننى قد زرعت وردة وهذه الوردة بدأت تنمو وتترعرع ولكن لم يهتم من جاء بعدى برى هذه الوردة، ولا العناية بها فبدأت تذبل وسيقانها تضعف، وأشعر بجرح عميق فى نفسى لأن الصيحات الكثيرة التى أطلقتها والجهد الذى بذلته لتعليم الناس احترام المسرح وأدب الاستماع وتعليم الفنان كيف يؤدى مهنته على الوجه الأكمل، وبدلًا من أن يظهر كل هذا أمام الجمهور، بدأ يتضاءل أمامي، فأشعر بالحزن والأسى بالرغم من وجود كفاءات ومواهب. ويضيف: فهناك انتعاش للحركة المسرحية فى الوقت الحالى لكن فى المقابل هناك انخفاضا فى قواعد الاستماع وحضور المسرح وهذا نابع من إهمال أصحاب الفرق فيجب عليهم أن يلقنوهم بواجباتهم ويحتموا عليهم احترام الرواية والمسرحية والممثل لأنى كثيرًا ما أسمع أن الفنان يضطر لطلب إنزال الستار وإنهاء العرض لأن هناك ضجة تمنعه من العمل ولم يكن يحدث هذا فى أيامنا إطلاقًا لأننا كنا نقدم للمشاهدين يوميًا منشورات تعلمهم آداب الاستماع، وكنا نعلمهم أثناء الاستراحات الواجبات التى يجب أن يتبعها المتفرج وكيف يجب أن يظهر إدراكه التام للفن الأصيل، وكان المتفرج يستجيب لكن مديرى مسرح اليوم لا يهتمون خاصة المسرح الخاص الذى يبغى جذب الجماهير والربح الوفير، لكننى أعتقد أن المسرح القومى لا يزال يتمسك بالتقاليد الأصيلة القديمة وإجبار المتفرج على احترام المسرح.

آمال: بصراحة، هل كان فنان الأمس وبالتحديد فنان مسرح رمسيس أكثر التزامًا من فنان اليوم؟

يوسف وهبى: نعم، لأنه فى ذلك الوقت لم يكن هناك تليفزيون أو إذاعة أو سينما، فكان كل هم الممثل أن يُعطى كل وقته للمسرح، أما الآن فهناك إغراءات عديدة خاصة فى السينما والتليفزيون، وأصبح الممثل يضع المسرح فى المرتبة الثانية فلا يهتم بدراسة دوره أو بحضور البروفات كما كان يحدث فى الماضي، إذن فلقد كان الالتزام موجودًا فى الماضى أكثر بكثير من اليوم. ويضيف: لكننى وجدت أن المسرح قد تحول إلى سيرك وأن القصد أصبح هو الإضحاك فقط، والخروج عن المسرحية التى لا تتحدث عن موضوع محدد؛ بل فيها خروج عن الآداب وفيها نوع من إفساد ذوق الجماهير، ووجدت الجماهير تضحك على التفاهات، وترى مشاهد خارجة لا يجب أن تُقدَّم للأسر التى تحضر هذه المسرحيات، وزجاجات المياه الغازية تلقى على الأرض و«قزقزة اللب» التى تغطى فى بعض الأحيان على الإلقاء وأداء الممثلين. ويكمل: وطبعًا أنا قضيت كل هذه السنوات الطويلة لكى أخلق جو المسرح الأصيل ثم أجده يتدهور إلى هذه الدرجة لهذا فلقد قررت منذ عدة سنوات ألا أحضر أى مسرحية إطلاقًا، وقررت الانزواء بعيدًا عنه حتى لا أرى المأساة.

آمال: ماذا يمثل المسرح بالنسبة لك؟

يوسف وهبي: المسرح هو ذكرى جميلة، فهو كل ما عشقته فى الدنيا من نبل وجمال وحب وإصلاح اجتماعى إلى آخره من القيم النبيلة، هذه الذكرى أرددها كل يوم، وأكتفى بما استطعت أن أقدمه فيها طوال عمري، ولو كانت سنى تسمح لى بأداء مسرحية كاملة لما ترددت فى أن أستعين بأولادى وأكوّن فرقة مسرحية أخرى، وهذا لا يمنع من أننى أشعر بالشوق العظيم لهذا المعبد الذى أراه وأنا بعيد عنه، وأتمنى أن أدخله لأتعبد من يوم لآخر فى هذا المجال المقدَّس الذى تركت من أجله أهلى وبيتى ووطني.

آمال: ما هى أهم الأخطاء التى وقعت فيها طوال مشوارك الفني؟

يوسف وهبي: أخطأت فى أننى صدقت أن هناك وفاء من الفنانين الذى قمت بتعليمهم، وكان خطأى الأكبر أننى اعتمدت على أنهم أولادى فإذا بى لا أراهم مطلقًا، وهذا يذكرنى بإحدى المسرحيات التى كانت تحكى عن رجل كان لديه أولاد قام بتربيتهم جيدًا، وكان تاجرًا ففتح لهم عدة متاجر، ونجحوا نجاحًا كبيرًا، فلما جاء عيد ميلاده أعد لهم حفلة فى بيته وانتظر جميع أولاده وأسرهم أن يأتوا ليحتفلوا معه بهذا العيد، فإذا بالوقت يمضى والساعات تمر ولم يحضر أى من أولاده مطلقًا وهذا يحدث كل عام فى العاشر من مارس حيث موعد افتتاح مسرح رمسيس الذى فتح الباب وأنار الطريق لكل ما نراه الآن فى المسارح من تقدم، وفى انتشار رسالة المسرح ولا يتذكر أحد أن يرفع سماعة تليفونه ويقول لى كل عام وأنت طيب.

 عهدنا كان ثورة فكرية

آمال: هل كان على عهدكم المنافسة الفنية الشريفة، أم الحرب الضروس والغابة الموجودة حاليًا فى الوسط الفني؟ يوسف وهبي: فى الماضى لم تكن هناك منافسة فقط؛ بل صداقة ومحبة وإعجاب وحب متبادل بين الفنانين وأصحاب الفرق، فمثلًا كان مسرح الأستاذ «نجيب الريحاني» متصلًا بمسرح رمسيس لدرجة أن مدخلهما كان واحدًا، وعندما كان ينتهى من مسرحيته كان يسرع ويأتى إلى كواليس مسرح رمسيس لكى يشاهد بعض أحداث مسرحيتى، وحينما كنت أنتهى من روايتى قبله كنت أسارع إلى كواليس نجيب الريحانى لأنى كنت أعجب بفنه، وحينما كنا ننهى عملنا نخرج معًا كل ليلة ونسهر معًا نمارس البلياردو أو نجلس فى مقهى، ولم يحاول أى منا أبدًا أن ينال من الآخر أو ينافسه فى أى شيء؛ بل كان هناك حب وتبادل عاطفة، وكانت الحياة سعيدة جدًا إلى حد أن الفنان الصغير كان يحترم الفنان الكبير على الطريقة القديمة فقد كان الفنانون الصغار يتقدمون إلى من هم أكبر منهم سنًا ويقبلون أيديهم وينادونهم بلقب «عمي» وكان هناك حب واحترام وإجلال، لكن كل هذا زال ولم يعد هناك حتى احترام للرواد الأوائل إلا من الجهات الحكومية التى أثبتت أن الثورة هى ثورة فكرية قدرت من كافح وجاهد من أجل الارتفاع بالمستوى الاجتماعى فى البلاد.

آمال: وصفت صوت جورج أبيض بأنه كان كالسلاسل الذهبية، فماذا تقول عن صوت يوسف وهبي؟

يوسف وهبي: كنت أعتمد على الإلقاء الواقعي، وكانت قاعدتى أن التمثيل يجب أن يمثل الحقيقة، وصورة الشخص والأحداث التى يقدمها ولم يكن صوتى كالرعد إلا فى المشاهد التى تحتاج إلى الإلقاء القوى ورفع الصوت إلى الدرجة التى يسمونها بصوت الرعد، لكن اعتمادى دائمًا كان على الإلقاء العاطفى الحساس الذى يمثل حقيقة الشخصية تمامًا، ومعظم ما نلته من نجاح ليس من الإلقاء فقط؛ بل من الإيماءة والإشارة، والسكتة إلى سائر الوسائل التى يستطيع بها الممثل أن يرسم صورة حقيقية دون الحاجة إلى الاستعانة بالإلقاء المبالغ فيه.

آمال: وماذا عن العلامات المميزة للمسرحيات التى كنت تقدمها على مسرح رمسيس؟

يوسف وهبي: أهم علاماتى المميزة كان اختيار المسرحية التى يستفيد منها الجمهور، فيجب أن تكون مسرحية هادفة أو ناقدة، أو دراسة للمجتمع وكل ما قدمه مسرح رمسيس كان الغرض منه هو الارتفاع بمستوى المجتمع سواء فى الطبقات الفقيرة أو نقد الطبقات الحاكمة وكانت هذه المسرحيات تلاقى النجاح لأنها كانت تدرس بعض السلبيات الموجودة فى مجتمعنا، ومنذ أن قدمنا أول مسرحية وهى مسرحية المجنون وداومنا على تقديم هذه المسرحيات المترجمة كنا نراعى دائمًا أن يستفيد الجمهور من هذه المسرحية، وأن ننشر الوعى المسرحى ونحبب الفن للمتفرج لأنه يحضر من منزله، ويكلف نفسه عناء المجيء إلى المسرح كى يستمتع بالمسرحية فيجب أن نجعل له المسرح متعة ودرسًا يستفيد منه فى نفس الوقت وكانت مصر فى ذلك العهد مليئة بالسلبيات الاجتماعية وتئن من الاستعمار ومن العادات الأجنبية السيئة ومن التقاليد البالية وكثير من الأمور السيئة التى كثرت لأننا كنا فى عهد الانتقال، ولو لم نكن نحذر من اقتباس عادات ماجنة أو نفهم الجمهور أنه يجب أن يتبع طريقة معينة يرتفع فيها بمستوى أمته لما كان للفن فائدة على الإطلاق. ويضيف: كنا نقدم فنًا هادفًا لكى نجعل من المسرح محكمة تحاكم القضايا وتحاسب الأفراد وتحكم على السيئ وتجازى الرجل الذى أفاد أمته، حتى شعر الجمهور وكأنه يشاهد حياته الشخصية فى المسرح فأصبح المسرح عنده منبرًا بستطيع أن يضع أمام الشعب قضيته مفصلة كاملة، ومطالبه التى يطالب بها، وشكواه التى يشكو منها.

آمال: إذن نستطيع أن نطلق على مسرحك اسم المسرح الانتقادى الاجتماعى السياسى الذى كان جامعة ومحكمة.. فهل ترى فى مسرح اليوم جامعة ومحكمة أيضًا؟

يوسف وهبي: ما يقدم اليوم هو تهريج فى تهريج ونوع من الإهانة للذوق الفنى وإساءة إلى أخلاق الشعب، فقد يعتمدون على الإضحاك بارتداء الملابس الواسعة أو الطربوش التالف أو وردة كبيرة على الصدر أو يقولون بذاءات يكررونها أمام الجمهور وفى هذا إساءة ليس فقد للجمهور؛ بل أيضًا للجيل الجديد من أبنائنا وخاصة إذا قدمت هذه المسرحيات فى التليفزيون أو الإذاعة لأنهما يدخلان البيوت ويستمع إليهما الشباب والصبيان فيقتبسون بعض الألفاظ  منها أو يستبيحون بعض مشاهدها التى يشاهدونها أمامهم، فأنا أرى ضرورة عمل دراسة وافية لما يقدم لهذه العائلات وهذه الأسر التى تشاهد كل يوم عشرات الأعمال التى تتسلى بها ويجب أن تكون هذه التسلية مفيدة وليست ضارة.

 ذكرى أسمهان وأنور فى قلبي

آمال: إذا تحدثنا عن قصة أبوتك الروحية للفنانة «أسمهان» وليلة العرض الأول لفيلم «غرام وانتقام» وهى غائبة.. فماذا تقول؟

يوسف وهبي: كنت يومها امتلئ بالأسى والألم لفقد فنانة عظيمة وممتازة خلقًا وفنًا، فقد توقعت لها النجاح وكنت أتمنى أن تكون موجودة فى الحفلة الأولى التى ستقدم فيها هذا الفيلم الكبير، لكننى شعرت أنها كانت موجودة بجوارى فى دار العرض، وأنها شهدت كل هذا النجاح، وفى الحقيقة لو كانت «أسمهان» قد عاشت لغيرت مجرى تاريخ الفن الاستعراضى أو الغنائى فى السينما، لأنها تملك كل الاستعداد والإمكانات لتكون فنانة ممتازة والدليل على ذلك نجاحها الساحق فى فيلم «غرام وانتقام» لكن الإنسان يجب أن يخضع للقدر، أما ذكراها فهى دائمًا فى قلبى وأشعر دائمًا بالألم كلما رأيت الفيلم وهو يذاع فى التليفزيون، ورأيت «أسمهان» وألمى يرجع إلى شعورى بأننا فقدنا فنانة كانت ستحدث أكبر الأثر فى تاريخ السينما المصرية.

آمال: لو حاولنا استحضار روح شخص من أعزائك الذين رحلوا عن هذا العالم ويعيشون فى الحياة الأخرى.. فمن نستحضر روحه؟ وما هو الحوار الذى يمكن أن يدور بينكم؟

يوسف وهبي:  أتمنى أن أستحضر روح «أسمهان» أو «أنور وجدي». وكنت سأسألهما كيف يعيشان، وسيؤكدان لى أنهما سعداء وأطمئن على أنهما كوفئا على جهودهما فى الدنيا، لكن الأرواح لا تحضر إلا بإذن الله تعالى وإلا لكنا قد استحضرنا أرواح من فقدناهم فى الحياة ومن أسفنا على من ماتوا، لكننا سنقابلهم فعلًا فى دنيا الخلود.

آمال: كلامك عن الموت يدلل على أنك لا تهاب الموت؟

يوسف وهبي: يجب ألا نهاب الموت إطلاقًا، فالموت مسألة حتمية ولا يوجد خلود فى هذه الدنيا، وما قرأناه فى الكتب الدينية أقنعنا تمامًا بأن هناك حياة أخرى وأن الروح بيد الله وأنها خالدة لن تموت، إذن فسوف نمثل بين يديّ الله وهو أروح شىء يتمناه الشخص فى الدنيا أن يمثل بين يدى خالقه وأن يشهد هذا العالم الجميل الجديد المليء بالسعادة، فليس هناك مجهود أو مرض أو حاجة أو قلق أو خشية من فقر وبؤس أو ظلم، فهى حياة كلها سعادة وعدالة وهناء وفيها استعاضة عن جحود الحياة.

 أحببت زوجتى إلى المنتهى

آمال: أحدث زواجك ضجة فى يوم من الأيام داخل الوسط الفنى والمجتمع المصري، فأين مكانة المرأة فى حياتك بعد أن أعطيت كل قلبك وأحاسيسك وعشقك للمسرح؟

يوسف وهبي: حبى للمسرح حب مقدس، ولكن ليس معناه أن قلبى كان مشغولًا، بل كان قلبى على استعداد لأن يحب كقلب كل شاب فحدثت بعض التجارب فتزوجت عدة مرات، ولم تكن هذه الزيجات موفقة، لأن الزوجة الأولى كانت فنانة أمريكية كبيرة جدًا، وكان عملها يتطلب أن تكون متغيبة عنى وأن تعمل فى مسارح أوروبا وأمريكا، والزوجة الثانية كانت تغار غيرة شديدة جدًا إلى درجة أنها بدأت تضر بمظهرى الفنى فى المسرحيات، ثم الزوجة التى وفقنى الله إليها فلأول مرة فى حياتى أشعر بأن المرأة تذوب فى نفسية الرجل وتتحول إلى شخصه ذاته، وتوفر له كل ما يرغبه من راحة وطمأنينة وعدم تدخل فى العمل وعدم الغيرة وتلبى كل ما يطلبه الزوج من سعادة وحب فلقد أدركت بذكائها أننى أشعر بالبوهيمية لأنى محروم من امرأة تفهمنى فهمًا تامًا، ووصلت لدرجة من الفهم أنها كانت تدفعنى للرد على تليفونات المعجبات إذ ما تكاسلت فى الرد عليهن، ولم تظهر غيرتها عليَّ إطلاقًا رغم أننى عملت مع فنانات جميلات ولكنها كانت تحبهن جدًا ومن المعروف جدًا حبها الشديد لأسمهان وقبل الحادث الذى ماتت فيه قضت معنا فى منزلنا شهرًا كاملًا، وكانت زوجتى تشعر بسعادة بالغة طوال هذا الشهر، وأيضًا تسعى لراحتى وعدم إزعاجى وإعداد الطعام الذى أحبه، فكل ما يتخيله الإنسان من أن لديه شخصية أخرى تماثله تمامًا تنوب عنه فسدت كل الفراغ فى قلبى وكل سعيى وراء أى مغامرة من المغامرات وأصبحت لا أشعر بالهناء والسعادة إلا وهى معى لدرجة أننى لم أذهب إلى دار سينما أو إلى أوروبا أو إلى أى رحلة إطلاقًا إلا وهى معي، فالمرأة تستطيع أن تسعد الرجل سعادة تامة أو تشقيه أكبر شقاء، وإذا وثق الرجل من المرأة ومن حبها له يستطيع أن يواجه صعاب العالم أجمع، فلقد واجهت زوجتى معى الصعاب وإشهار إفلاسى وبدأت أكون حياتى من جديد، وبدأت تجمع لى ما تستطيع من أموال وتدفعنى للعمل ليلًا لاحتياجى للعمل لوقوعى فى الضيق المالي، ثم تدفعنى للكتابة حتى الفجر ثم تسلم ما أكتبه بنفسها للكاتب الذى يأخذ أصول المسرحية لكى يكتب الأدوار، واستمرت حياتنا على ذلك حتى ارتاحت أعصابى وأدركت تمامًا أن الثروة لا تساوى أى شيء أمام قيمة المرأة وعظمتها إذا كانت امرأة مخلصة ووفية لزوجها وهى التى تبدد الجحود الذى ألاقيه من أولادى فى الفن فى الوقت الحالي.

 أحب لقب فنان الشعب

آمال: ما هو شعورك وأنت فى مقعد المتفرجين وترى الستارة وهى تفتح وتغلق والديكورات وتصفيق  المعجبين؟

يوسف وهبي: أشعر أن هذه هى الدنيا التى أتمنى أن أعيش فيها، ليس كمشاهد بل كفنان، لكنى ولله الحمد عشت فيها وكافأتنى مصر أحسن مكافأة سواء من المسئولين أو من الجمهور، ويكفى أننى أستمتع وأهنأ وأسعد بلقب فنان الشعب، فهذا اللقب معناه أن الشعب يحبنى فإذا أحبنى الناس أحبنى الله لأن هذا معناه أن الشعب راضٍ عنى ورضاء الناس يصعد إلى السماء فأنا سعيد جدًا ولا أشكو لأننى حققت وحصلت على كل ما تمنيته من نجاح ورضاء، وجمهور مصر من أفضل الجماهير فى العالم لأنه يعبر عن هذا الحب بكل الوسائل لدرجة أننى فى يوم يوبيلى الذهبى كانت تكرمنى كل الهيئات وعلى رأسها الرئيس «أنور السادات» وكل النقابات فكان الناس دائمًا وأنا فى الطريق يكررون هذه التهانى عليَّ وكنت قد ذهبت إلى مطار مصر الجديدة لكى ألتقى بصديق أجنبى يزور مصر، فتقدم إلىّ ماسح أحذية وطلب منى أن يمسح لى حذائى وقال لى إن كل الناس تكرمنى وأنه فقير ولا يملك ما يكرمنى به إلا مسح حذائي، وأنا لم أشعر بأعظم أو أكرم أو أبلغ من هذا على حب الناس لي.

آمال: وهل كنت تسمع وتشاهد نفسك على المسرح وتنتقد أداءك؟

يوسف وهبي: طبعًا أنا كنت أسمع صوتى على المسرح، وأعرف كيف ألقى وكيف أعلو وكيف أنخفض بالنغمة، وهذا لم يأت إلا بالتجارب ففى البداية لم أكن أصل لدرجة سماع نفسي، لكن وصول الفنان لسماع نفسه هى قمة الإجادة والإتقان والتحكم.

آمال: كان لديك قدرة فائقة على جذب المشاهد والإمساك بتلابيبه على المسرح.. فما سر ذلك؟

يوسف وهبي: ليس هناك أى سر؛ بل هو نوع من علم المسرح فأولًا لا يكفى أن يكون هناك إلقاء بل للمسرح أصول، وكيف يتجمع الانفعال فى الفنان فلا يكتفى الفنان بصوته بل لا بُد أن تكون هناك دراسة للإماءة والإشارة وطبقة الصوت والسكتات والاندفاع الخاص بالموقف حينما يصل إلى القمة وهو ما يسميه المطربون «القفلة» ففنان المسرح لا بُد أن يبدأ أولًا بالتدريب على أداء دوره لكن لكى يؤدى هذا الدور لا بُد أن يدرسه ويدرس سيكولوجية الدور وماذا يقدم، هل هو رجل مريض أم رجل مليء بالصحة أم رجل مغرور فيدرس مواصفات البطل  حتى فى ثقافته ومهنته لكى يعايش الفنان الدور ويلبسه بكامله، ولا بُد لهذا أن يشعر الممثل بالرغبة فى أن يجعل المتفرج ينسى أنه يمثل وإذا نسى الممثل نفسه فسوف يكرر نفسه باستمرار، لكن إذا شعر أنه ممثل فهو يصبح كالرسام الذى بيده ريشة، وهذه الريشة يرسم بها أحيانًا اللهب دون أن يشعر بالنار فى ثيابه، ومعنى ذلك أنه يجب أن يشعر أنه يؤدى فنًا له أركانه وأصوله وصناعته، ولكى أكسب هذا الجمهور أولًا فيجب مراعاة عدة شروط قبل التمثيل فأولًا يجب أن أجعل المتفرج يتعلم أدب الاستماع بمعنى أنه لا يحدث أى ضوضاء بل يصغى إصغاءً تامًا ولا يحدث أى صوت من الأصوات التى تزعج الفنان وتخرجه من دوره فطالما هو يؤدى الدور فهو يندمج فيه.

 خلافى مع روزا وليس طليمات

آمال: علمنا أن هناك خلافًا قد حدث فى فترة من الفترات بينك وبين الأستاذ الكبير «زكى طليمات» فما هو سر خلافك معه؟

يوسف وهبي: الغريب أن الجمهور يعتقد بهذا رغم أن هذا غير صحيح بالمرة، وليس له أى أساس على الإطلاق، فخلافى مع الأستاذ «زكى طليمات» لم يكن من أجل الفن مطلقًا، بل لأنه كان زوج «روزاليوسف» التى كانت بطلة الفرقة ثم تركت فرقة رمسيس فأصبح بيننا جفوة، وحينما بدأت السيدة «روزاليوسف» تكتب أو تخرج مجلة اسمها «روزاليوسف» كانت الجفوة بيننا قد اشتدت وكانت هى تشعر بأن من واجبها أن تهاجم «يوسف وهبي» فبدأت نوعًا من النقد المقصود منه النيل من «يوسف وهبي»، لكن قلوبنا أنا و«زكى طليمات» كما هي، فلا يزال حبى له كفنان باقيًا إلى الآن، وكنت أدرك تمامًا أن كثيرًا مما يكتبه لم يكن يعبر عنه كفنان بل كان تحت تأثير غضب فنانة تركت المسرح الأول فى مصر، وليس معنى هذا أننى لا أستحق النقد بل قد يكون بعض ما كتب عنى من نقد من مجلة وفى كل الأحوال كان «زكى طليمات» صديقى وتعاون معى فى افتتاح مسرح رمسيس.

آمال: حينما تركت «روزاليوسف» فرقة رمسيس جاءت مكانها الفنانة «أمينة رزق» التى استطاعت أن تملأ فراغها وتتجاوز أيضًا «روزاليوسف» فى الفن؟

يوسف وهبي: أولًا أريد أن أسجل للتاريخ أن «أمينة رزق» لم تحل محل «روزاليوسف» بل جاءت مكانها الفنانة «فاطمة رشدي» التى أخذت أدوار «روزاليوسف» ولم تخرج «روزاليوسف» من فرقة رمسيس لخلاف فنى بل لخلاف بسيط واعتبرته هى كبيرًا، لأن العادة فى هذا الزمن أن تكون بطلة الفرقة هى التى تأخذ دائمًا أدوار البطولة سواء كان الدور لفتاة أو لامرأة، ولما كانت السيدة «روزاليوسف» قد تجاوزت سن الفتاة وكنا نستعد لعرض مسرحية «الذبائح» وبطلتها عمرها 14 سنة وسن الأم تتناسب مع سن الفنانة «روزاليوسف» فقد عرضت عليها أن تقدم دور الأم على أن نجد فتاة تؤدى دور الفتاة، وكانت «أمينة رزق» حديثة الانضمام وكان عمرها 14 سنة أى أنه يتناسب مع الدور لأنى لا أضع قيمة مطلقًا لأى فنان، بل أضع قيمة أولًا للفن ذاته، وما يجب أن يفعل فى أى مسرحية وكيف يحترم المخرج الأداء الفنى الصحيح.

آمال: ولذلك فلقد أعطيت دور البطولة للفنانة «أمينة رزق»؟

يوسف وهبي: نعم وهددت السيدة «روزاليوسف» بصفتها بطلة الفرقة إن لم تأخذ الدور فستترك الفرقة، وبالرغم من أن تركها للفرقة كان ضربة قاسية جدًا قد تسيء إلى سمعة الفرقة ومقدرتها الفنية؛ فإن فنى تغلب على كل شيء، وقلت لها إن هذا التهديد جائر ولا يصح أن يحدث منها، فلزمت بيتها وقمنا بعمل مسرحية «الذبائح» بدونها، واستمر المسرح يعمل بقدر طاقته مع فنانات أخريات حيث جاءت الفنانات فاطمة رشدى وزينب صدقى وفردوس حسن وبدأت أعطيهن الأدوار التى تتناسب مع سنهن ومظهرهن، وبما أن الأداء فى مسرح رمسيس كان يعتمد على فنانين كبار وإجادة فى الإخراج والإضاءة وكل ما اقتبسناه من الغرب، فقد غفر الجمهور لنا هذا ونجح مسرح رمسيس من دون «روزاليوسف» التى انضمت لفرقة «نجيب الريحاني» المنافسة لنا، ووقع «نجيب الريحاني» ضحية فى هذا حيث أقنعوه بأنه يستطيع أن ينافس «يوسف وهبي» إذا جعل «روزاليوسف» بطلة لفرقته وبالفعل قدم مسرحية «المتمردة» وبالرغم من اعترافى بأن «نجيب الريحاني» كان يصلح لأن يكون ممثلًا دراميًا؛ فإن شخصيته الفكاهية التى اشتهر بها طغت على دوره فكان المتفرج يضحك فى أوقات الدراما، مما أقنعه بأنها تجربة يجب ألا تعود.

 أنا لا أتشاءم ولا أتفاءل

آمال: هل أنت إنسان قدري؟

يوسف وهبي: أنا إنسان قدرى بكل ما فى الكلمة من معانٍ، وأومن بأن الإنسان يجب أن يخضع للقدر وما يريده القدر وأن الحظ يلعب دورًا كبيرًا جدًا فى حياة الإنسان، لكن اختلافى عن الناس أننى لا أستاء من ضربات القدر؛ بل أواجهها وأحاول أن أحطم الصعاب ولا أشعر باليأس إطلاقًا بل أحاول بكل جهدى أن أخرج من أى مأزق فيه مهما كان هذا المأزق.

آمال: ما أهم صفاتك الشخصية؟

يوسف وهبي: عدم اليأس والثقة بالنفس.

آمال: وما هو شعارك فى الحياة؟

يوسف وهبي: الأمل وأنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس فلا يجب أن يولد اليأس فى حياة أى إنسان.

آمال: ألم يعرف التشاؤم طريقه لك من قبل؟

يوسف وهبي: أنا لا أتشاءم ولا أتفاءل أبدًا.

آمال: ماذا يضحكك؟

يوسف وهبي: تفاهة عقليات الناس.

آمال: إذن أنت تسخر من بعض الناس؟ 

يوسف وهبي: نعم أنا أسخر من بعض الناس لكنى فى الوقت نفسه أعجب ببعض الناس.

آمال: ماذا يبكيك؟ 

يوسف وهبي: منظر الفقير بثيابه الرثة فى البرد.

آمال: إذا قلنا أنك خرجت بعد مشوار العمر الطويل بفلسفة.. فما هى هذه الفلسفة؟

يوسف وهبي: الاعتزاز بالنفس والحياة الكريمة وعدم تصغير الخد لأى مخلوق، وعدم الاحتياج لممالقة أى فرد بل لا بُد من قول الرأى بصراحة مطلقة.

آمال: ما إحساسك بالنميمة؟ 

يوسف وهبي: النميمة أكثر شرًا من طعنة الخنجر فى الظهر، فهى عبارة عن سم صاعق يضعه النمّام فى الفرد كى يقضى عليه قضاءً تمامًا.

آمال: ما هى أهم قيمة تحرص على وجودها فى أصدقائك؟ 

يوسف وهبي: الوفاء والاستعانة به فى ساعة الحاجة.

آمال: ماذا يغضبك؟

يوسف وهبي: عدم التقدير.

آمال: ما هى الرسالة التى توجهها لشباب الفن؟

يوسف وهبي: أقول لهم احترسوا من الغرور، فالفن ليس له شاطئ ولن تكون فنانًا إذا اعتقدت أنك وصلت إلى شاطئ الفن.