الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كنوز آمال العمدة.. أحمد مظهر: إللى «انقرص» من «التعبان» يخاف من «الحبل»!

كان «أحمد مظهر» فارسًا فى كل شىء، فى فَنّه وفى أخلاقه وفى حياته كلها، أبَى أن ينزل من فوق صَهوة جَواده حتى لاقَى وجْهَ رَبِّه، وحتى حينما واجَه فتنة بعض من كان يؤرقهم نجاحه تمسَّك بأخلاق الفرسان وتحداهم بنزاهة وكبرياء، ويكفيه فخرًا أنه احتل قلوبَ الملايين ولم يفارقها حتى بعد وفاته.



وهذا حوارى معه الذى أهديه لمجلة «روزاليوسف» ذات الـ 95 عامًا…

 

آمال: بحكم دراستك طوال هذه السنوات للسينما كأداة لتوصيل الفن للناس والبَشر والمواطن العادى..  ماذا يريد المواطن من السينما؟

أحمد مظهر: المواطن كمتفرج نوعيات، فهناك الزوجة المَعنية بعملها، وهناك العامل الكادح المحاصَر بين أربعة جدران وآلة، وهناك الطالب والمراهق ونوعيات وشرائح أخرى لدرجة أنه فى المسرح تراعى بعض الفرق؛ خصوصًا المتجولة أن يلائم الأداء يوم الأحد طبقة ما ويوم الاثنين طبقة أخرى وهكذا، بحيث تؤدى نفس الرواية بأداء مختلف تبعًا لنوعية المُشاهد.

آمال: هل اكتفيت برصيدك عند الجمهور وجوائزك وتقلص طموحك السينمائى؟

أحمد مظهر: طموحى السينمائى لن يتوقف مادمت حيّا ولحظة أن أشعر بذلك فسأعتزل فورًا، وإن كنت أشعر أن كلمة الاعتزال فيها غرور وأن الفنان يجب أن يكون متواضعًا ولا يقول اعتزلت لكن له أن يرفض ما يُعرَض عليه من أعمال مما لا يناسبه إلى ما شاء الله، ويضيف: أنا بصراحة أذوب فى الصالح العام وفى مجتمع أكبر ولا أشعر بنفسى ككيان فرد، بل أنا جزء من كل، فعلى هذا لا أشعر بالمعاناة ولا أعانى فأنا قمت ببطولة مائة وثلاثين فيلمًا وحصلت على جوائز وأوسمة كبيرة وحققت الكثير وقرأت من النقد ما أفخر به.

آمال: فى البلاد المتحضرة هناك استفادة كبرى من أصحاب الخبرات الفنية القدامَى فى حين الوضع يختلف هنا ويحدث اعتزال إجبارى، والسبب أن ليس لهم مكانٌ على الخريطة؟!

أحمد مظهر: أوافق على كل ما قلتيه الآن وكأنك تقولين رأيى الشخصى، فإن كنتِ تُسَمّين عدم استغلال المواهب المتاحة تخلفًا فليكن هو كذلك، فإن كان فى بلدى معدن من المعادن على بُعد متر ومترين من الأرض أو على سطح الأرض ولكنى لا أريد استغلاله رُغم سهولة وجوده وأبحث عن الصعب، فهذا بالتأكيد تخلف؛ خصوصًا أن القائمين على السينما وضعوا الممثلين فى كوادر معينة وطّنوا أن كل ممثل لا يستطيع أداء أى نوعية أخرى من الأدوار.

آمال: لكن هناك من تمرّدوا على هذا الكادر، ودخلوا فى أدوار غير تلك التى أرادوا وضعهم فيها، مثل حالة «فريد شوقى» الذى استطاع أن يفلت من كادر الشرير العنيف الذى وضعوه فى قالبها فترة طويلة من الزمان إلى أدوار الرجل الطيب ووصل إلى قلب الجمهور.. فكيف فعل ذلك؟

أحمد مظهر: لا شك أن فريد شوقى عبقرية فذة؛ لأنه كان يلعب دور الشرير ومع ذلك يدخل إلى القلب، وهى ميزة نادرة جدّا فى الطبيعة البشرية، أن يقوم الإنسان بدور الشر ويدخل قلوب المشاهدين بنفس الدرجة وفى بعض الأحيان بدرجة أكبر ممن يقوم بدور الخَيِّر، ولكن ليس هذا كل شىء؛ لأن التحول من أدوار الشر إلى الخير كان يتطلب جهدًا كبيرًا ودراسة وشجاعة فى القرار، فلا شك أنه قد حدث تطور فى أذواق الجماهير، وأذواق الجماهير تتقلب بشكل طبيعى،  فطبيعة الإنسان أنه مزاجى،  فيقال إنه بَعد فترات الحروب والأزمات يميل الشخص إلى الأدوار الترويجية وعندئذ تنتشر الأفلام الاستعراضية والكوميدية وتحقق أرباحًا كبيرة، لكن بعد فترة طويلة من المَلل الاجتماعى والدولى وعدم وجود أحداث جسيمة يميل الإنسان إلى أفلام المغامرة والرعب، وهذا يتطلب دارسين، والشركات الكبرى لديها علماء اجتماعيون ونفسيون يستطيعون تحديد طبيعة الجماهير فى المواسم المقبلة.

آمال: إذا وقفنا وقفة مع تجربتك الشخصية فى الإنتاج، هل تعتقد أنك لم تضع يدك على ما يحقق الربح كأى منتج؟ ولِمَ لَمْ تستطع فعل ذلك مع خبرتك الكبيرة وقدرتك الفنية غير العادية؟

أحمد مظهر: أنا أستطيع أن أدافع عن نفسى بشىء من اللا تواضع الذى لا أحبه، فأنا ناجح جدّا كممثل ومطلوب فى السوق، ثم أردت أن أنتج، وكنت أريد أن أرتفع عن المحيط الفنى وأقدم شيئًا أسْمَى وأعلى، لكن للأسف فإنه لا الجمهور كان مستعدّا لتقبُّل ما هو أسمَى وأعلى، ولا أنا استطعت أن أقدم لهم ما هو أسمَى وأعلى، فحتى أدركت أن الإنتاج وحده لا يكفى وأنه يجب أن أنتج وأخرج حتى أنفذ كل ما فى فكرى،  لكن ما حدث أننى تسببت فى كارثة أسوأ من الأولى.

 أنا فشلت كمخرج ومنتج

آمال: هل كانت محصلة انتقالك من أمام الكاميرا كممثل إلى خلف الكاميرا كمايسترو ومُخرج كانت عملًا فنيّا فاشلًا؟

أحمد مظهر: نعم كان عملًا فنيّا فاشلًا، وهناك قاعدة معروفة للقائد وهى أنه لا يستطيع الجندى أن يكون حاملًا بندقية وفى الوقت نفسه قائدًا يقود تخطيط المعركة، فهذا مستحيل ومصيره الفشل، حتى مدرب الكرة يكون مصيره الفشل إذا قام بتدريب نفسه ولكن عليه أن يدرب غيره، وحتى الفروسية كانوا يحذروننا من عدم سماع تعليمات قادتنا بل كان لابد من تنفيذ التعليمات حتى نكون راكبى خيل ولسنا مدربين، وكانت القاعدة أنه لو حاول الفارس تدريب نفسه وهو على حصانه فلا بُد أن يفقد شيئًا من فن الفروسية الذى يملكه، وهذا ما حدث لى كفنان، فأنا أردت التمثيل والإخراج فى الوقت نفسه وكان مصيرى الفشل، وربما لو كنت خلف الكاميرا تمامًا وليس لى شخصية الممثل فى العمل، فربما كانت النتيجة أفضل مما حدث، لكن النتيجة العامّة التى لا يمكن إنكارها هى أننى فشلت فى عملى كمخرج وكمنتج أيضًا؛ لأن الإنتاج يحتاج لاتصالات وتسويق وتجارة وعقلية حسابية وأشياء ليست موجودة فيها.

آمال: بعد مائة وثلاثين بطولة سينمائية كنت فيها قمة فى الأداء واللياقة والفن.. أسألك ماذا كان مدخلك للسينما؟ هل لياقتك أمْ موهبة كانت كامنة فيك؟

أحمد مظهر: دخولى السينما كان على ظهر الحصان فى (ظهور الإسلام) عن قصة الدكتور «طه حسين»، (الوعد الحق) إخراج وإنتاج إبراهيم عز الدين، وهو فنان رائع قام بتعليم كل من شارك فى هذا الفيلم، فكان يعطينا محاضرات ويعلمنا كل شىء عن السينما من خلال خبراته فى أمريكا؛ لأنه درس السينما هناك وجاء إلى مصر لإنتاج وإخراج هذا الفيلم، واستطاع أن يقدم فى فيلم واحد العديد من النجوم مثل توفيق الدقن وكمال ياسين وسعد أردش وعبدالحفيظ التطاوى، وقام هو بإخراج الفيلم بهذه المجموعة من الوجوه الجديدة ولم يستعن من الكبار إلا بعماد حمدى وسراج منير وكوكا، وكان باقى الممثلين كلهم من الوجوه الجديدة، فخرج الفيلم بشكل جيد جدّا.

آمال: هناك أخلاقيات ومفاهيم ومعتقدات وسلوكيات عند مَن يسلكون دنيا الحياة العسكرية.. فهل أفادتك هذه المناهج، بمعنى هل مارست الانضباط العسكرى فى البلاتوه؟

أحمد مظهر: لقد عشتُ الحياة الفنية باحترام وانضباط نابعَين من تقاليدنا العسكرية، فمن المفروض أننا نقدم قدوة بطبيعتنا التى اعتدنا عليها، وينبغى علينا أن نستمر فى هذه الصورة مَهما انتكست النتائج، ومَهما لم نقابَل بالترحيب من بعض الفنانين الآخرين؛ لأنها رسالة، وأنا أعتبر أن هذه الرسالة مع كل مثقف فى كل موقع وهو يقود سيارته أو يتعامل مع الناس، فينبغى أن يقدم التنازلات فى سبيل أن يلتزم بما أنشئ عليه. 

ويضيف: فهى رسالة أسمَى بكثير من النفع الشخصى،  والفن فى جملته لا بُد أن ينتهى بأن يقوم برسالة النفع العام.

 لغة مشتركة بينى وبين الخيول

آمال: اسمح لى أن ننتقل إلى دنيا الحيوان الذى قلت إن هناك لغة مشتركة تتخاطب بها مع الخيول..

أحمد مظهر: الإنسان وُلِىَ على الحيوان بمقتضى الأديان ومقتضى وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم الذى قال إنه رأى امرأة دخلت النار لأنها حبست قطتها فلا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض.. ومعنى هذا أن هذه السيدة لم تنفعها الصلوات ولا الحج ولا أى شىء، بل دخلت النار من أجل قطة، والقرآن يقول (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، أى أن الله خَلَقَ الخيل والبغال والحمير ليركبها الإنسان وأيضًا كزينة، أى أن الحيوان زينة لكننا نجد من يضربونه ضربًا قاسيًا لنولد منه طاقة لم يعطيها الله له.

آمال: لو تحدثنا عن معنى أو قيمة علّمَتْها لك رياضة الفروسية.. فماذا تقول؟

أحمد مظهر: علمتنى أن الله يعطى ويعوّض الإنسان حبه للحيوان بأضعاف ما يعوضه عن حبه للإنسان؛ لأن الإنسان مخلوق قادر ناطق متكلم يستطيع أن يدافع عن نفسه، أما هذا المخلوق البرىء الذى كلفنا الله برعايته فعدم الرأفة به إجرام لا أستطيع تحديد عقوبته.

 رسائل الأحمد تفيد المظهر والجوهر

آمال: ماذا تقول للشباب المستجدين على السينما؟

أحمد مظهر: أحذرهم من الغرور.

آمال: وما الأخلاقيات التى تعلمتها من السينما؟

أحمد مظهر: كلما أعطيت أكثر قوبلت أسوأ.

آمال: هذه فلسفة انتقادية لما يجرى فى السينما على لسان أحمد مظهر؟

أحمد مظهر: نعم؟

آمال: ماذا تقول عن أحمد مظهر الأب؟

أحمد مظهر: أب مثالى.

آمال: وأحمد مظهر الزوج؟

أحمد مظهر: يعنى.

آمال: الفنان والمرأة والزواج ماذا عنهم؟ وهل المرأة كزوجة فى حياة فنان تمثل عائقًا له أمْ العكس؟

أحمد مظهر: أنا لا أميل إلى التعميم ولا أومن به، رُبَّ امرأة استطاعت أن تقف بجوار زوجها الفنان وأن تدفعه وتوصله إلى أعلى مراتب الفن، ورُبَّ زوجة أخرى غيورة مُعَوِّقَة تؤخره، وليس هذا مع الفنان فقط بل مع أى مهنة أخرى مرموقة أو منظور إليها بنظرة خاصة وتوجد فى بؤرة الأضواء.

آمال: أسأل الفنان الكبير أحمد مظهر صاحب التاريخ الحافل بروائع والتحديات والتضحيات فى سبيل تقدم فن راقٍ مشرف ورسالة سامية.. يقولون إن فنانين تحوّلوا إلى شنطة سمسونايت ويتحركون بها من بلاتوه إلى آخر لتحصيل الإيراد.. هل تنتقض أداءهم أمْ تلتمس لهم العذر؟

أحمد مظهر: العالم كله اليوم يجرى وراء المادة ومصادر التكسب أصبحت غير معقولة، فلم نستكثر على الفنان أن يحاول تغطية موقفه المالى وأن يقاوم طلبات مصلحة الضرائب وزواج أبنائه وما إلى ذلك.