الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مكاسب الرعاية المصرية للعملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين

تتبلور خلال الفترة الأخيرة معالم دور كبير تاريخى متجدد للدولة المصرية فى الملفين الفلسطينى والإسرائيلى، كل على حدى، وبين الفلسطينيين والإسرائيليين من ناحية أخرى، فى محاور تقليدية وغير تقليدية، تحقق العديد من المكاسب المصرية وسط تحديات كثيرة فى غاية الصعوبة، وهذا يعد تجاوبا مهما  مع المتغيرات الإقليمية والدولية، لصالح الأمن القومى المصرى، بإعادة قوية للرعاية التاريخية المصرية للعملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بإطار متجدد، بعد القضاء على ما يسمى بصفقة القرن وسط تصورات حول ظهور اتفاق إبراهيمى مختلف برؤية ديمقراطية أمريكية مغايرة.



 

التحركات المصرية متسارعة، وتدور فى عدة سياقات فى هذا الملف المعقد، ونحقق بشكل أو آخر تقدما كبيرا مع تقدم المشهدين وتفاقم الأجواء الصحية والسياسية بكل أبعادها الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية، ورغم مواجهات أطراف دولية للتحرك المصرى فى محاولة لتعطيله على عدة محاور، منها الإيرانية والقطرية والتركية، وحتى الأمريكية والروسية  والفلسطينية والإسرائيلية فى سياقات ما.

 وسط حقول الألغام غير التقليدية هذه، والأجواء المتلبدة بالتوترات والتصعيدات المتواصلة، تمضى الدولة المصرية بكل مؤسساتها الوطنية ذات الصلة بهذه الملفات، فى طريقها بإنجاز واضح فى سياقات عدة، نرصدها فى النقاط التالية، مع الاستعراضات لها فيما بعد:

1 - تقوية الريادة المصرية لمنتدى غاز شرق المتوسط، باتفاقات جديدة مع الفلسطينيين والإسرائيليين لها إسقاطات فى غاية القوة وذات تأثيرات إقليمية ودولية إيجابية جدا.

2 - المضى قدما فى طريق الانتخابات الفلسطينية المختلفة، برلمانية ورئاسية للإنهاء على الحجة الإسرائيلية بعدم وجود شريك فلسطينى لإقرار أى سلام.

3 - تحقيق التهدئة  فى غزة  فى إطار المصلحة المصرية   والفلسطينية والإسرائيلية المشتركة والعمل على إقرار صفقة تبادل أسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين ذات أبعاد متعددة، نكشفها فى مساحة أخرى من تحليلنا المعلوماتى.

4 - شق مساحات ثقة برجماتية بين إدارة بايدن والقاهرة، رغم محاولات التوتير خاصة  فى الملف الحقوقى، فى إطار الرؤية الديمقراطية الأمريكية المغايرة للشرق الأوسط.

5 - عودة قوية للدور المصرى للوساطة المنوعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع توقعات بتوسعه لسياقات أخرى تتكشف مع الوقت، وسط ترحيب ودعم إقليمى ودولى وفلسطينى وإسرائيلى لتحقيق المصالح المشتركة لكل طرف مباشر وغير مباشر.

6 - إيجاد طريقة غير تقليدية لمواجهة التمدد الإسرائيلى بالمنطقة وبالذات فى الوطن العربى، فى إطار موجة التطبيع الأخيرة بدون خسائر بل بمكاسب رغم التعقيدات المتزايدة فى هذا الملف بالذات، رغم تغيير رؤى الإدارات الأمريكية.

وليس محركنا الوحيد فى سياق هذا الرصد والتحليل المعلوماتى، نتائج الزيارة المهمة الأخيرة لوزير البترول المصرى طارق الملا لتل أبيب ورام الله، وغيرها من التواصلات المصرية الفلسطينية الأردنية الأوروبية الأمريكية الروسية الإسرائيلية المتواصلة، بل على العكس فرغم محور اتفاقات الملا، فإنها مجرد محور من محاور التحرك المصرى المتعاظم فى هذا الملف، لكنها حققت إنجازا مهما ذا عدة إسقاطات داخلية وإقليمية ودولية، وأظهرت الفارق بين الدور المصرى والدور القطرى فى سياق التحرك بالملفين الفلسطينى والإسرائيلى، فالرؤية القطرية التى لا تضع الثوابت العربية فى مخيلتها، تتدخل فى الملف الفلسطينى بتنسيق موسادى وإيرانى وتركى، وبالتالى فالمصالح والأهداف مختلفة بين الرؤية المصرية التاريخية والرؤية القطرية الدخيلة.

لكن عموما، الإنجاز الغازى المصرى محرك كبير  للعودة المصرية القوية للملف الفلسطينى الإسرائيلى، فالثوابت والحقوق مهمة بالطبع، لكن دمجها بالمصالح والمكاسب يقويها بشكل أو آخر، وهذا ما تفعله مصر فى عدة محاور خلال تحركها الجديد، منها الاتفاقات الغازية مع الفلسطينيين والإسرائيليين، بالإضافة إلى صفقات تبادل الأسرى والتهدئة وحتى إرسال الإسرائيليين للقاحات كورونا لأراضى السلطة الفلسطينية، خاصة أن القاهرة مدعومة فى هذا الإطار بدعم دولى منوع.

وهناك ترحاب برجماتى إسرائيلى بتوسيع الدور المصرى لإعادتها لإطارها التاريخى، بضغوط دولية فى هذا الإطار، وهذا بالتأكيد يقوى هذه التحركات المصرية، التى تتم حتى قبل أن يصل بادين للبيت الأبيض، لكنها زادت على خلفية فوز بايدن والرؤية المختلفة للإدارة الديمقراطية، رغم ما يردده البعض حول خلافات فى الرؤى بين القاهرة وواشنطن فى إطارات ما، لكن هذا لم يتحدد بصورة أو أخرى فى اتصال وزيرى الخارجية المصرى والأمريكى وزيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية للقاهرة ومشاركته فى تدريب أحمس3.

ويشدد التوجه المصرى على إنه يتعامل مع ما يسمى بحكومة تسيير الأعمال الإسرائيلية، وليس مع طرف إسرائيلى معين، حتى الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة فى نهاية مارس، دون أى تدخل لصالح طرف على حساب آخر فى هذا الصراع السياسى الإسرائيلى الداخلى، وبالطبع هذا واضح تماما، فى التواصلات الرسمية المصرية مع رئيس حكومة تسيير الأعمال ورئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية جابى إشكنازى، وهو أيضا القيادى البارز بالحزب المنافس والحليف السابق «كاحول لافان»، ولا علاقة للقاهرة بأى استغلالات داخلية إسرائيلية للتحركات المصرية، والتى تغضب القوى اليمينية المتطرفة بالطبع.

ولا تتدخل الدول المصرية  فى الصراع الداخلى الذى يكاد يفجر إسرائيل، بين معسكرى نتنياهو ولا نتنياهو، ولا تقترب من قريب أو بعيد بالتعليق على هذا الشأن الإسرائيلى الداخلى، لكن الدولة لمصرية مهتمة بتسريع تحركاتها فى الملفين الفلسطينى والإسرائيلى، رغم التطورات المتسارعة التى تتم فى هذين الملفين بإسقاطاتها المعقدة على كل الأوجه، لبلورة أجواء مناسبة لعملية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بمباركة إقليمية ودولية فى الغالب للمبادرة المصرية، يكون أساسها حل الدولتين، وملاحظة التغير فى الموقف الأمريكى، والذى وصل لحد تصريح وزير الخارجية أنطونى لينكن حول كون مصير القدس يحدد فى مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن السيطرة الإسرائيلية على الجولان لن تكون أبدية بل مؤقتة.

 ليست هذه التعقيدات الوحيدة المحاصرة للتحركات المصرية المنجرة، بل هناك أجواء أخرى صعبة بسبب التدخلات الدولية مختلفة الأهداف، ومنها التعاملات القطرية والإيرانية والتركية وحتى بعض العربية والإسرائيلية والفلسطينية نفسها.. لكنها مرصودة من الدولة المصرية، وجاهزون لمواجهتها بقوة ونجاح واضحين.

 لقد اتضح التدخل القطرى المدعوم موساديا وتركيا وإيرانيا، بالتمويل الكبير لمشروع إمداد محطة الكهرباء الفلسطينية فى القطاع بالغاز الإسرائيلى، فى وقت وقعت مصر مع السلطة الفلسطينية من قلب رام الله، على إتفاق ينعش الحلم الغازى الفلسطينى رغم العراقيل الإسرائيلية المتواصلة، حيث تعمل مصر على تقوية الدور الفلسطينى فى منتدى غاز شرق المتوسط، بالبحث عن الغاز الفلسطينى أمام سواحل غزة، وليس كما يفعل القطريون بدعم الغاز الإسرائيلى على حساب الفلسطينيين بحجة تقوية محطة الكهرباء الفلسطينية وحل أزمة الكهرباء فى القطاع، فى صفقة تمولها بـ60 مليون دولار، فيما يدعمها الاتحاد الأوروبى بعشرين مليون يورو، وهكذا تتضح فلسفة التحرك المصرى الوطنية، فى مقابل الرؤية القطرية المقلقة دائما، لكنه رغم ذلك فالتحرك القطرى وغيره من التحركات فى الملفين الفلسطينى والإسرائيلى، مفيدة للقاهرة فى الإجمال.

فالكل، بالإجبار الدولى المتزامن، يسير فى طريق المصلحة المصرية العامة، والتى تهدف لسيولة إيجابية واستقرار فى الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية، وهذا هو أساس دهاء المبادرة المصرية الجديدة، وهذا يتضح أكثر وأكثر فى التهدئة الفلسطينية الفلسطينية، حيث استسلمت القوى الدولية المختلفة للرؤية المصرية بالتراجع عن دعم الانقلاب الحمساوى فى غزة، ودعم التحرك نحوالانتخابات الفلسطينية المنوعة، لتحقيق حالة من الاستقرار السياسى والاقتصادى والأمنى فى الساحة الفلسطينية، مبنية على ثوابت انتخابية متجددة، تجرى مع مايو المقبل، وتستعد  لها مختلف القوى الفلسطينية بقوة، وسط تجاوب شعبى غير مسبوق، حيث وصلت نسب تسجيل الناخبين فى الضفة والقطاع إلى لأرقام غير مسبوقة، تقارب جدا الـ100 %، حتى إن هناك سخونة حقيقية فى الصراع الرئاسى، والكرسى ليس مضمونا هذه المرة للرئيس أبو مازن، وهنا محاولات لتوجيه الأضواء على النسخة الفلسطينية لمانديلا، المقصود هنا « الأسير مروان برغوثى»، بإقناعه  بالترشح للرئاسة الفلسطينية فى مواجهة أبو مازن، ولايزال أمامنا الوقت لرصد التحولات الدرامية فى الانتخابات الفلسطينية المختلفة، لكن هناك أحداثا  كثيرة فى «تمثيلية» الانتخابات الداخلية الحمساوية، التى لا تشير لتغيير فى الأسماء البارزة للحركة الإخوانية.

وهناك مؤشرات لمكاسب فلسطينية كبيرة فى الشأن الانتخابى، تدعمه مصر وقوى دولية عديدة، ومنها إجراء الانتخابات فى القدس الشرقية المحتلة، وهذا تأكيد مهم جدا على أحقية الفلسطينيين فى القدس الشرقية لتكون عاصمة الدولة الفلسطينية المرتقبة، وبالطبع هذه المرة لن تكون الأولى التى تجرى فيها الانتخابات الفلسطينية بالقدس الشرقية، لكن المكسب الحقيقى فى إنها تأتى بعد ما يسمى بصفقة القرن، وسط مستجدات عرضت المبادرة العربية للسلام والثوابت العربية عامة لتحديات مصيرية واجهتها مصر تقريبا بشكل كبير، فى ظل موجة تطبيع غير منظم بحجة مواجهة التهديد الإيرانى، مع تراجع تقدير خطورة التهديد الإسرائيلى لدى بعض الأطراف.