الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تراث روزاليوسف .. مدرسة الكاركاتير فى آخر إصدارات الأستاذ رشاد كامل نستعيد عالم عبدالسميع.. فنان النكتة المرسومة!

 فى آخر إصدارات مؤسَّسة «روزاليوسف»  «عبدالسميع.. ومعارك كاريكاتير روزاليوسف» يستمر الأستاذ «رشاد كامل» فى تقديم تراث المؤسَّسة العريقة، وهو المشوار الذى بدأه منذ 7سنوات، قدّم لنا خلالها 15 كتابًا من أرشيف كبار وأسطوات مدرسة الصحافة.



ولا يمكن الحديث عن الكاريكاتير فى مصر من دون الحديث عن مجلة «روزاليوسف» والعكس، إذ عُرفت فى انطلاقاتها الأولى بـ مجلة الكاريكاتير، إذ قدمت على صفحاتها وأغلفتها الكثيرَ من نجوم الكاريكاتير، أو على وجْه الدقة: الذين أصبحوا نجومًا بعدما ظهروا على صفحاتها.

الأكثر من ذلك أنه فى «روزاليوسف» ظهر ولمع أول رسام كاريكاتير مصرى خالص «رخا»، بعدما كان «سانتيز» أبرز الرسامين الأجانب يرسم فى مجلة «الكشكول» ضد الحركة الشعبية فى مصر، وفى ذلك الوقت بدأت «روزاليوسف» تُقدم «صاروخان» (الأرمنى الذى استقر فى مصر)، ثم من بعده «رخا»، لتؤسِّسَ بخطوت متتالية اسمَها كـ «بيت ومدرسة الكاريكاتير المصرى».

وفى مقال نادر عن «سانتيز» كتب «عبدالسميع» فى («روزاليوسف» يونيو 1949) بعنوان «الفيلسوف الساخر»: «تمُر الأيام والشهور والأعوام وذكرى الرسام سانتيز تذوب شيئًا فشيئًا من تاريخ النهضة الصحفية المصرية، فقد كان الدعامة الأولى لفن الكاريكاتير المصرى الذى يُعبر عن صميم الخصائص المصرية.. ومجلة «روزاليوسف» كانت ولاتزال حاملة مشعل الفن الكاريكاتورى، لا فى مصر وحدها؛ بل فى الشرق العربى كله».

كان الثالث فى سلسلة نجوم كاريكاتير المجلة هو «عبدالسميع»، بعدما رحل «رخا» إلى أخبار اليوم، وفى حكاية تدلل على أهمية الكاريكاتير فى المجلة ودوره الأساسى فى صياغة دورها وشكلها أمام القارئ، يذكر الكتاب موقفًا بين إحسان عبدالقدوس والست «روزا» بعدما قرر رخا الرحيل أو «خُطف» بتعبير إحسان، إذ يقول: «أول صدمة تلقيتها كانت خطف الرسام رخا من «روزاليوسف»، ليزرع فى أخبار اليوم، لقد انهرت يومها انهيارًا كاملًا، وخُيّل لى أنى لن أستطيع تحمُّل المسئولية بعدما تركى رخا».

بهذه الطريقة كان الكاريكاتير عمودًا أساسيّا فى المجلة، وبهذا القدر أيضًا كانت الجرائد الأخرى تتنافس على نجوم «روزاليوسف»، فى هذا الموقف الصعب الذى يصفه «إحسان» تدخلت الست «روزا» ترب على كتف إحسان وتقول له بثقتها المعهودة: «لقد كان صاروخان هنا ثم خطفوه.. فبذرنا مكانه بذور رخا.. وخطفوا رخا، فتعال نبذر بذورًا جديدة فى مكانه».. لتبدأ بعد ذلك رحلة عبدالسميع عبدالله، الذى كان يرسم فى مجلات أخرى، لكنه بالطبع أصبح نجمًا فى «روزاليوسف»؛ خصوصًا بعدما تسلم مهمة رسم «المصرى أفندى» شخصية المجلة الأكثر شعبية.

عبدالسميع فى ملكوت «روزاليوسف»

اشترط «عبدالسميع» فى بداية عمله ألا «يهاجم فى رسوماته أىَّ حزب أو شخصية عامّة لمجرد أن الهجوم يتوافق مع سياسات المجلة، وكذلك لن يعمد إلى أى تصدٍّ أو هجوم يندرج أو نقد إلّا بعد اقتناعه شخصيّا بضرورته وجَدواه»، وهو الشرط الذى كان غريبًا على راسمى الكاريكاتير وعلى الوسط الصحفى عمومًا؛ خصوصًا أن أغلب أفكار الرسامين وقتها كانت لرؤساء التحرير.

مَهدت الصدفة الطريقَ أمام «عبدالسميع» ليجد لنفسَه مكانًا تحت الشمس، وسرعان ما أصبح أحدَ نجوم الكاريكاتير فى المجلة، حتى إن إحسان عبدالقدوس قال عنه: «كان أول رسام كاريكاتورى أقابله فى حياتى له مبدأ يتمسك به ويدعو له بفنه، عصامى فى فنه حَلّقَ نفسه بنفسه، وبدا لى عبدالسميع مُعجرة».

خلال رحلة استمرت 10 سنوات تركت ريشة عبدالسميع أثرَها الواضح على صفحات المجلة، ليسبق جورج بهجورى وصلاح جاهين فى تصميم غلافها.

وعلى صفحات المجلة أيضًا كان الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين شديد الإعجاب بكاريكاتير عبدالسميع، حتى إنه نشر فى كتابه «فاروق ملكًا» الكثيرَ من رسومات عبدالسميع فيما بعد.

حارب الفساد والإرهاب بريشته

ينقل الأستاذ رشاد كامل قول الرسام الكبير مصطفى حسين خلال حواره معه: «عبدالسميع كان له دوره الذى لا يُنسَى فى «روزاليوسف» قبل ثورة 1952، رُغم أنه ينتمى إلى مدرسة صاروخان؛ فإنه انسلخ عنها وأصبح له أسلوبه المميز وشخصياته المبتكرة، مثل «أبو جهل والشيخ متلوف»، وغيرهما.. ومع أنه أصبح يرسم بأسلوب أكثر حداثة إلّا أننى أفضّل أسلوبه القديم.. فقد كان أقرب للجماهير ومليئًا بالنبض والحسّ».

يشير «حسين» فى حواره إلى مَرحلتين مرت بهما رسومات عبدالسميع: قديمة وحديثة، قبل وبعد 52، وعن طبيعة المَرحلتين، يوضح الكتاب أنه قاد حملة كبيرة ولاذعة ضد القصر قبل ثورة يوليو، ينتقد من خلالها الفساد بمؤسّسات الدولة، كما خصت سخريته 3 نساء وقتها، هن: الملكة نازلى فى القصر.. وجاكلين لامبسون فى السفارة البريطانية، وزينب الوكيل زوجة مصطفى باشا النحاس.

بعد ثورة يوليو استهدفت ريشة عبدالسميع، «الإخوان المسلمين» الذين هددوه بالقتل وقتها وعُيّنت له على إثر تلك التهديدات حراسة خاصة، لكنه فى الوقت نفسه لم يُهادن أو يتراجع عن موقفه.

بعد بتر قدمه.. عبدالسميع يتحدث عن طفولته

يشير الكتاب إلى أحد الحوارات المهمة مع عبدالسميع، وهو على كرسى متحرك، بعدما أجرى عملية جراحية لبتر قدمه، إذ يقول فى حوار (آخر ساعة سبتمبر 1983) متحدثًا عن طفولته: «طفولة أى إنسان جزء لا يتجزأ من تكوينه، خطوطها لا تفارق الإنسان طوال حياته.. نشأت فى حى السيدة زينب، وكان بالقرب منّا جبل بجانب طولون، نذهب إليه، نحن أطفال الحى وأطفال الأحياء الأخيرى وكثيرًا ما تدور المعارك بيننا هناك.. تعلمت أن الحياة معارك مستمرة، لكن يجب ألّا تستغرق المعارك حياتنا».

وعن دخوله عالمَ الصحافة يضيف:«دخلت عالمَ الصحافة وكان فى ذهنى ألّا تنسى المعارك الخط الفنى حتى لا يُهدر جهد الإنسان ولا يُحقق ما يريده، فالمعارك تأخذ جزءًا من الاهتمام، لكن لا تستغرق جهدَه كفنان».

يضم الكتاب أكثر من 160 من رسومات عبدالسميع، تتوسط مقدمة ثرية عن حياته وتضفر التفاصيل جوار بعضها لرسم صورة كاملة.. ليأتى بعدها مُلحق وثائقى يحمل عنوان «عبدالسميع بعيون هؤلاء» يحتوى على 7 مقالات عن عبدالسميع بأقلام: إحسان عبدالقدوس.. فتحى غانم.. محيى اللباد.. زهدى.. رخا.. د.عمرو عبدالسميع.. عبدالتواب عبدالحى، ذلك بالإضافة لـ حوار مع عبدالسميع أجراه الأستاذ رشاد كامل فى نهاية الكتاب.

الكتاب لا يؤرّخ فقط لحياة أحد أهم وأبرز رسامى الكاريكاتير، لكنه أيضًا يستكمل سلسلة المبدعين فى «روزاليوسف»، ليكونَ بذلك الكتاب الثانى فى سلسلة «روزاليوسف.. بيت الكاريكاتير» التى انطلقت فى 2016، والرابع فى كتب الكاريكاتير الصادرة عن المؤسَّسة طوال 96 عامًا.