الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى زمن الكورونا.. «الزواج بالفيديو كونفرانس» رخصة شرعية

يعتبر عقد الزواج من أخطر العقود التى يتعامل بها الإنسان فى حياته، وقد أسماه الله تعالى ميثاقًا غليظًا، ويترتب عليه مصير الزوجين وأبنائهما من بعد، لذلك لا بد فى عقد النكاح من توافر أركان الزواج من الإيجاب والقبول وخلو الرجل والمرأة من موانع النكاح، ويشترط لصحة الأركان كمال أهلية المتعاقدين وأن يعلم كل منهما ما صدر من الآخر واتصال وموافقة القبول بالإيجاب وعدم رجوع الموجب عن الإيجاب قبل القبول، وأن تكون الصيغة صريحة ومنجزة وغير معلقة.



 

وقد شدد الفقهاء على مسألة اتحاد مجلس الإيجاب والقبول فى عقد الزواج، فإذا وُجد فاصل بينهما فلا ينعقد العقد لاختلاف المجلس، إلا أنه مع أزمة كورونا ظهرت دعوات بضرورة أن يكون الزواج عبر تقنية الفيديو كونفرانس، واجتماع الأهل والعروسين عبر الفيديو كونفرانس لإتمام عقد الزواج.

وكانت دار الإفتاء عام 2015 أصدرت فتوى توضح أن الزواج لا ينعقد بطريق الفيديو كونفرانس، لما يكتنفه الكثير من أوجه العيوب التى يتعيب بها العقد مما يتصل بمبدأ الرضا على وجهه الحقيقى الذى دلت عليه نصوص الشرع، فضلًا عن حضور الشهود ومعاينتهم لكل مقومات العقد.

وأكدت أن الأصل فى عقد الزواج أنه يتم بالصورة المعتادة من حضور طرفى العقد أو من يُوكَّل عنهما، وإجراء الصيغة فى حضور شاهدين فى مجلس واحد، ولا يعتد بما يحصل من مشاهدة الصور مع الصوت-والذى صار أمرًا ممكنًا - سواء عن طريق الهواتف أو عبر برامج المحادثة عبر شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» ويتحقق به ما اشترطه الشافعية؛ لأن تحقق هذا الأمر قائم على الظن وليس أمرًا قطعيًا، كما أنه قد يدخله التزييف والتدليس عبر البرامج المختلفة التى تستطيع التغيير والتحريف فى الأصوات والصور والفيديو، والقاعدة الفقهية تقول: «يحتاط فى الفروج ما لا يحتاط فى غيرها، فلا يجوز لنا أن نُحِلَّ شيئًا منها بالظن»، وذلك سدًا للذرائع، وما قد يحدث من مفاسد جراء إباحة هذا الأمر. وحذرت دار الإفتاء فى فتواها الفتيات من الاستجابة لتلك الدعوات المخالفة للشريعة، والتى ستجر عليهن الكثير من الويلات، وتدخلهن دائرة التطرف عبر زواج غير شرعى لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

تغيير الفتوى للتيسير 

من جانبه يوضح د.مجدى عاشور المستشار العلمى للمفتى أن الأصل هو اليسر فى الشريعة، وإذا وجدت المشقة يأتى التيسير فى كل الأمور، ولذلك يقولون: إذا ضاق الأمر اتسع، فكلما ضاقت علينا الأحكام تتسع الرخصة، وهناك فى زمن الوباء تأتى الرخص.

وكشف د.مجدى عن مناقشة دار الإفتاء لمسألة إتمام الزواج عبر الإنترنت بسبب أزمة كورونا قائلًا: «لقد درسنا فى دار الإفتاء المصرية استخدام وسائل الاتصال والإنترنت لعقد الزواج فى وقت كورونا، حيث إن الظروف تمنع من الاجتماع بين الأهل بأعداد كبيرة، فمن باب التسهيل قلنا بجواز إتمام الزواج عبر الفيديو كونفرانس ووسائل التواصل الاجتماعى بشرط التحقق من العاقد والمعقود عليها، والشهود، ويتحقق التوثيق، فإذا تحققت هذه الضوابط يجوز عقد الزواج تيسيرًا على الناس، ولأن المشقة ستأتى، وهنا تطبيق قاعدة المشقة تجلب التيسير، فالشريعة تخشى على الإنسان من نفسه.

أضاف أن مسالة التجمعات فى عقد الزواج فى زمن كورونا أمر مرفوض، فالازدحام ممنوع شرعًا، ويأثم الإنسان إن خالف ذلك لأنه بذلك مظنة العدوى وإيذاء النفس والآخرين، وليس من المقبول شرعًا الذهاب للفرح مع جلب الضرر للنفس والغير.

من جانبه لم يختلف د.أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو اللجنة الاستشارية للإفتاء بالأزهر فى رأيه عما توصلت إليه دار الإفتاء حيث يرى أنه إذا تحقق اتحاد المجلس يقينًا عبر الفيديو كونفرانس بين طرفى العقد يجوز للضرورة مع أخذ تدابير التيقن والتوثق والاحتياط، وموافقة الجهة المختصة وزارة العدل.

زواج صحيح

الشيخ عبدالحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر يوضح كذلك أن عقد الزواج له عدة أركان، أولها الإيجاب والقبول من طرفى العقد، والتحقق منهما بحيث يكون الإيجاب والقبول من الرجل والمرأة طرفى العقد بقول صريح وأمام الشهود، ولذلك اعتبر عدد من الفقهاء أنه من الأمور اللازمة فى الزواج اتحاد مجلس العقد كما قال به الفقهاء حيث يتحقق التيقن، والإشهاد.

أضاف أنه فى زمن كورونا وانتشار الوباء فإن القول بإتمام الزواج عبر تقنية الفيديو كونفرانس جائز على اعتبار أنه يحل محل المجلس، خاصة أن اتحاد المجلس فى الزواج لا يعتبر شرطًا فى صحة عقد الزواج، بدليل أنه يجوز عقد الزواج بوكيل عن الزوج ووكيل عن الزوجة، وعليه فإتمام الزواج عبر تقنية الإنترنت يترتب عليه كل الآثار الشرعية مع التحقق من طرفى العقد حتى لا يحدث تدليس.

فما يوضح د. علاء الشال من علماء الأزهر أن الزواج سنة من سنن الله فى الكون، قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، وأسماه الله تعالى بالميثاق الغليظ (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، وهو من سنن الأنبياء وهدى المرسلين، وفيه ما فيه من تحصين الإنسان وإعفافه، ويُعتبر اللبنة الأولى فى تكوين الأسرة.

ولفت إلى أن الفقهاء اتفقوا على أن من أركان الزواج  الإيجاب والقبول، لا يصح الزواج بدونه، والإيجاب هو اللفظ الصادر من الولى أو وكيله. والقبول: هو اللفظ الصادر من الزوج أو وكيله.ويشترط أن يكون الإيجاب والقبول فى مجلس واحد وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ؛ وذلك لأنَّ عدَمَ الرَّدِّ فى المجلِسِ إعراضٌ عنه أشبَهَ ما لو رَدَّه.، كما تشترط الشهادة لصحة النكاح لحديث «لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل». 

ومع هذا يرى الشال أن عقد الزواج عبر الإنترنت فى زمن الكورونا فى الوقت الراهن يكون من باب التخفيف والتيسير ومنعًا للاختلاط وغيره، خاصة إذا كان الزوجان فى بلاد بعيدة مما يتعذر الحضور للولى والشهود، فيجوز إجراء عقد النكاح بالوسائل الحديثة كالهاتف والإنترنت بشرط أمن التلاعب. 

اعتراضات ومخاوف 

ولفت إلى عدد من الاعتراضات والمخاوف على مسألة الزواج عبر الإنترنت، أولها إمكانية تقليد الأصوات ومحاكاتها أثناء إجراء مفاوضات العقد. إذ إنه توجد حاليًّا برامجُ عديدة يمكن تحميلها على جهاز الحاسب الآلى، تتيح هذه البرامجُ معالجة الصوت وتغييره، بشكل شبه كامل أثناء المحادثة عبر الإنترنت، بالإضافة إلى أنه يمكن التلاعب فى الصورة وتغييرها أيضًا، بطرقٍ قد لا تستبين للطرف الآخر، بالإضافة إلى احتمال وجود بعض المشكلات الفنية التى تؤدى إلى انقطاع المكالمة بعد صدور الإيجاب من الولى وسماعه من الخاطب؛ وذلك لخلل فى شبكة الإنترنت المحلية أو الدولية، أو لخلل فى جهاز الحاسب، أو فى التوصيلات، أو غير ذلك، كما وقد تَطول فترة الانقطاع ساعاتٍ أو أيامًا، ومحلُّ الإشكال هنا أن الولى قد يتراجع عن إيجابه لأمرٍ ما، فيدَّعى الخاطب أنه أصدر القَبول فور سماعه، ولكن المكالمة انقطعت.

ويوضح د. علاء أن مسألة اتحاد محل العقد فى الزواج لا يشترط فى زماننا هذا اتحاد المكان حيث  يكفى بوجود شخصين على الهاتف فى نفس الوقت له حكم المجلس الواحد، وعبر برامج الفيديو المرئية على الإنترنت لها حكم المجلس الواحد، والشهادة على هذا العقد ممكنة، بسماع صوت المتكلم عبر الهاتف أو الإنترنت مع وجود الوكيل للزوجة والشهود، ويمكن مشاهدة الولى وسماع صوته أثناء الإيجاب.

أضاف أن مسألة كون العاقدين غائبَين فلا حرج فيه؛ فالعاقدان غائبان بشخصَيهما، ولكنهما يعقدان عقد الحاضرين، يسمع كلٌّ منهما الآخر، كما يسمعهما الشهود حين نُطقهما بالإيجاب والقبول.

واستطرد قائلًا: «الذى تستريح له النفس  فى هذه المسألة: أنه يجوز عقد النكاح عن طريق الهاتف والإنترنت إذا أُمن التلاعب، وتُحقق من شخص الزوج والولى، وسمع الشاهدان الإيجابَ والقبول. حيث تحقق أركان النكاح من تلفظ بالإيجاب والقبول، وسماع كل من العاقدين للآخر، ومعرفته لـه، ووجود الولي والشهود.