الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

"رامز" مقاتل هزم "الصمم"

فى كل مَرَّة وفى كل مقال هنتكلم فيها مع بعض عن لحظة سعادة، ممكن تكون اللحظة دى فيها سعادة لكل إللى حواليك، وتكون لحظة حزن ليك أنت شخصيّا، والعكس كمان ممكن يحصل تكون لحظة سعادة ليك وتكون لحظة حزن لكل إللى حواليك.. لحظات سعادة كتير هنتكلم عنها بتحصل لناس كتير، سواء لحظة سعادة بالنصر أو لحظة سعادة بوظيفة كان صعب قوى تتحقق، لحظة سعادة بمنصب مستحيل أو لحظة سعادة للشفاء من مرض صعب جدّا الشفاء منه.



كل أسبوع هنتكلم عن لحظات كتير، وإللى هيجمع كل اللحظات دى إنها هتكون لحظات إيجابية، دائمًا أبدًا هحاول أخلّى فيها إن نهاركم يبقى سعيد ويومكم بيضحك. 

لحظات بتمُر على الإنسان وهو شايف الناس كلها بتتخانق مع بعض، ولحظات بتمُر وهمّا بيشَوَّحوا بأيديهم لبعض، ولحظات تانية تحس إن الناس كلهم بيتكلموا مع بعض فى وقت واحد، وأكتر واحد كان بيحس بلحظات دى هو بطل مقالة النهارده.

وكالعادة خلّينى أحكى لكم من البداية، والمَرّة دى هنرجع بالذاكرة لوَرَا شويّة إلى أوائل التمانينات، وبالتحديد 1985.

فى مدينة المحلة الكبرى، وفى بيت قديم وفى شقة صغيرة تجلس الجدّة وتحاول أن تهدئ الأب وتقول له متخفش يا ابنى مَراتك جدعة وبتستحمل وبإذن الله هتقوم بالسلامة، وبعد وقت مش قليل ومش كتير بنسمع صوت بكاء طفل. لتخرج أم نادية الدّايَة إللى مُوَلّدَة الشارع كله علشان تقول للأب مبروك يا محمود وَلد زى القمر، هتسميه إيه؟ يرد الأب: هسميه «رامز».. بطل مقالاتنا النهارده.

«رامز محمود عباس».. وبدأ يكبر رامز، ولكن شهور قليلة ورامز بيكبر وسط أبوه وأمه وجدته وعمّته أخت أبوه وصديقة عمر أم رامز، ووسط فرحتهم بـ «رامز» وترفض الحياة إنها تسيب العيلة الصغيرة دى فى حالها ويكتشفوا إصابة أم رامز بمرض السرطان، ومتعديش أيام قليلة لاكتشاف المرض وربنا يختار أم رامز ليصبح رامز بلا أم، ولكن علشان رحمة ربنا واسعة رامز تبنيته عمّته وهى إللى ربّته مع جدته وأبوه.

ودخل رامز المدرسة.. فى بداية المقال قولتلكم فى لحظات ناس كتير بتتخانق مع بعض وبتشَوَّح لبعض وتحس إنهم كلهم بيتكلموا فى وقت واحد، ده كان إحساس رامز لأنه مش سامع صوت الناس، رامز أصَمّ مش بيسمع، وده إللى اكتشفته مُدرسة الدين فى المَدرسة إن رامز مش بيسمع، وفعلًا بدأت العَمّة تحدّى جديد مع رامز؛ لأنها كانت مصممة أن رامز يتعلم كويس زى صحابه إللى فى سِنّة، وبدأ رامز يتعامل بالسّمّعات من وهو سنّه صغير لحد إعدادى، وبقى عنده حصيلة كلمات يقدر ينطق بيها ويتكلم، ومش بس كده عرف رامز إنه يفهم لغة الشفايف لأى حد بيكلمه.

ومرّت الحياة على «رامز» بحلوها ومُرّها، وحَب رامز القراية، ومش بس كده ده كمان بدأ بمحاضرات الحَكى لأصدقائه فى المَدرسة عن المماليك وعن محمد على والحرب العالمية الأولى، وأصبح حَكّاى شاطر بقصص وطريقة مشوقة رغم صعوبة النطق بس كان بيتكلم كويس فى الحاجات إللى بيحبها وبيحكيها.

وخرج رامز من المَحلة يدَوّر على حلم جديد، وبالتحديد فى أول شهر فبراير فى 2004، ويبدأ رامز فى الحَكى وبيقول وقفت أنا أمام عتبة مَدخل قاعة تحرير مؤسّسة صحفية مشهورة بجاردن سيتى ومعى ملف أحمل فيه موضوعات تم إعدادها بمعرفتى وإشعار يتصدر عنوانها جُملة (من حقك تعرف).

وفِضل مُنبهر بكل تفاصيل المكان، ما هو القادم من مدينة المحلة الكبرى إلى العاصمة، فجأة يظهر مساعد رئيس التحرير أمامه بشكل آلى: أيوه يا فندم، حضرتك عاوز حاجة أو جاى لحد؟!

رامز يرد.. والله حضرتك أنا صحفى بجورنال جيل الدلتا بطنطا وعايش بالمحلة وبتابعكم دائمًا ونفسى أشتغل معاكم وعاوز أقابل رئيس التحرير.

إيه يا بنى انت هتحكيلى قصة حياتك، ورّينى إللى بتكتبه وقولّى معاك إيه؟. 

بحماس يناوله رامز دُوسيه الأرشيف إللى معاه، يأخذه منه ويتصفحه ورامز يُكمل كلامه: والله يا فندم أنا معايا دبلوم فنى صناعى.. رد عليه مساعد رئيس التحرير وهو لايزال يقرأ الأرشيف: مش محتاجين حد دلوقتى، ورئيس التحرير مش فاضى، مع السلامة.

ولكن رامز ميأسش وقرّر يكرّر الزيارة تانى لعل وعسى، وفى آخر أسبوع فى شهر فبراير 2004 يذهب رامز لعمل محاولة أخرى ومعه الأرشيف الصحفى بتاعه، والمَرّة دى وصل لسكرتير مكتب رئيس التحرير إللى سأله: ليك معاد معاه؟

رامز: هو فى الواقع لأ.

السكرتير يرد: للأسف يبقى متقدرش تقابله، هو مشغول.

طيب قوله بس رامز عباس محتاج يقابلك ضرورى لمسألة مهمة جدّا من فضلك.

السكرتير: حاضر، اتفضل ادخل واقعد هنا لحد ما أبَلّغه.

وفى لحظة فارقة فى حياته لقى نفسه فى مكتب رئيس التحرير.

الأستاذ مجدى الجلاد، ويجده جالسًا مع مساعده الذى قابله المَرّة الماضية.

الأستاذ مجدى: أهلًا بيك، اتفضل، إيه إللى أقدر أقدمهولك؟.

رامز: والله دا أرشيفى يا أستاذ مجدى ونفسى أكون صحفى بالجورنال.

مجدى مخاطبًا مساعده: ياريت تهتم بيه وجرّب شغله فى المحافظات وهو وشطارته.

يرد المساعد: بس هو جه المَرّة إللى فاتت ومعه دبلوم يا فندم.

يرد الأستاذ مجدى: مش مشكلة، ندّيله فرصة.

رامز يُحَيّى الأستاذ مجدى الجلاد ويشكره هو ومساعده الذى يمتلئ غيظًا.

ولكن قبل ما يمشى قال لـ «مجدى»: على فكرة يا فندم فيه حاجة.

مجدى: اتفضل قول كل إللى عندك.

رامز عباس: والله حبيت بس تعرف أنى أصم ناطق مش سامعك بس فاهمك من الشفايف.

الأستاذ مجدى ومساعده: يبصُّوا لـ«رامز» فى حالة ذهول!

ولكن الأستاذ مجدى بخبرته مستدركًا: ميهمَّكش، المهم تثبت نفسك.  

ينزل رامز من مَبنى المؤسّسة بجاردن سيتى يملؤه الفرح بنجاحه فى الالتحاق بـ«المصرى اليوم» لتبدأ فترة جديدة من فترات حياته، والدرس إللى عايز يوصّله لنا رامز أوعى تسيب هدفك.. الأحلام اتوجدت عشان نحققها.. وبيقول رامز ومن هنا الكلام على لسانه: 

صحيح رغم إنى أصم مش بسمع تمامًا ولبست السّمّاعة 4 سنين بس بقى عندى حصيلة لغوية كويسة جدّا.

وبَحب القراءة ومتزوج وبَحب زوجتى وأطفالنا ومازلت وفيّا لأحلامى كلها وبكتب وببعت لمواقع كثيرة.

يمكن ساعات كثيرة بواجه حُزنى بالضحك وساعات كثيرة بواجه الدنيا بابتسامتى المميزة وليّا أحلام مش فى زراعة القوقعة ولا السماعة ولا نظرة الناس أنا متصالح بشكل كامل مع نفسى وبَحب نفسى كده بظروفها وبعتبر ده تحدى ليّا ولشخصيتى وحياتى.. أنا شاغل نفسى بالشغل وتحقيق أحلامى وأهدافى، والحقيقة أنكم تقدروا تصنعوا أبطال من ولادكم.. أبطال يحبوا ظروفهم ويتأقلموا عليها ويشوفوا أحسن ما فيهم عشان يميزهم عن كل الناس، ربنا خلقنا كلنا عشان نكمل رسالة مهمة فى الحياة.

أكيد فى حكمة لكونك بتمُر بظروف غير كل الناس.. عشان كده أنت لازم تكون بطل غير كل الناس.. اخلقوا من ولادكم أبطال تفتخروا بيهم.. واحنا معاكم.

وأنا بقولك يا رامز أنت بطل فعلًا ونهارك سعيد ويومك بيضحك.

وبقول لكل إللى يقرا المقالة نهارك سعيد ويومك بيضحك.