السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حكايات المحروسة

عند مرور الحِقَب الزّمنية الطويلة يحدث للبلاد العديد من التغيرات؛ إمّا أن تختفى الأشياءُ الثمينة التى تحمل تاريخَ وعَبَقَ المدينة، وإمّا أن تتوارَى وراء التراب وقُبح التغيُّر؛ وفى مناطق أخرى فى العالم تبقى ويزداد حرصهم عليها، فهى التراث والطعم واللون والرائحة، فإن رأيتها عرفت بها البلاد وطبيعة العباد، ومنها أتت العبارة الشهيرة بالإنجليزية أو «كلما هو قديم هو ثمين»؛ لسفرى الدائم وبُعدى كثيرًا عن القاهرة؛ أخذت أبحث عن كل ما واراه الثرَى وما تبقى وما هو باقٍ من العهد القديم «Old is Gold».



ليس بالضرورة أن يكون مكانًا قديمًا، فمن الممكن أيضًا أن يكون يدًا بشرية تلف فى الحرير لندرة حرفتها اليدوية؛ اسمحوا لى أن أقدّم لكم مَلمَحًا بسيطًا من القاهرة التاريخية؛ لعله يُرجعنا لوقت ثمين؛ كانت تقدَّر فيه أشياءٌ كثيرة من أول الإنسان إلى المعمار الذى وقف أمامه العالم أجمع منبهرًا؛ فعلًا المعمار الإسلامى كان ولايزال مَنارة كبيرة لفن وطرُز المعمار فى العالم كله، فهو معمار غنى وتفاصيله مبدعة وتصل لحد العبقرية وإن جاز التعبير فى بعض الأحيان تصل لحد التعقيد.

وصنايعية مصر المحروسة يُعَدّون من أكفأ الحرفيين فى العالم؛ فمصر من أولى الدول التى إن أرادت أن تبنى فهى تبنى بسواعد أبنائها، ولأنها كانت لفترة مَقصدًا لكل شعوب العالم، فأمتعها ذلك بالعديد من الخبرات فى جميع المجالات والمهن؛ فمثلًا الخرّاط والميكانيكى كانا زمان ألمانيين؛ والترزى كان طاليانيا؛ وغيرهما من مختلف جنسيات العالم ممن هاجروا للعمل فى مصر، ويُعد ذلك فى العصر الحديث، فما بالكم بعصر الفاطميين والعثمانيين وأسطوات البناء الذين تتم كتابة أسمائهم على جدران أكبر وأشهر المبانى والجوامع الإسلامية.

كل ذلك يترجَم إلى ذكريات حميمة نُعايشها وتسيب فى أنفسنا أثرًا طيبًا يجعلنا مَهما سافرنا لبلاد العالم نشعر بالفخر والهوية، ونشتاق للرجوع لنجلس بين طيّات هذا التراث العظيم؛ الخَيّامية وصوانى النحاس المُطعَّمة بالفضة وغيرهما من مهن ثمينة فقدنا بعضها ومحافظين على البعض.

سنلقى الضوء على ملامح مصر القديمة التى تُعَد ذهبًا حقيقيّا، له بريق يصل لمشارق الأرض ومغاربها؛ أتذكّر كلمة من فنانة صديقة لى ونحن نعرض أعمالنا الفنية بمتحف الفن بإيطاليا «كينتشانو»، قالت لى: «أنتم لكم كل الحق فى هذا الإبداع العظيم، فحضارتكم عريقة وغنيّة مما تثرى أى أحد يعيش هناك»، الحقيقة تلجمت قليلًا وملأت عينى الدموع وقلت ليت أهل بلدى جميعًا يسمعون ما يلقى على مسامعى الحين، شعرت بفخر فوق الفخر الذى أشعر به لكونى فنانًا مصريّا أتى إليهم بصبغته وطينه ولونه؛ فقد كنت أشارك بصورة عن التنّورة المصرية، وبالفعل فازت بجائزة وكرّمت عليها فى عام 2013، وأتذكر «لونى شلاين» محرر قسم الصورة بمجلة الـ «نيويورك تايمز» لـ 35 عامًا، وكان حينذاك رئيس اللجنة المسئولة عن الفوتوغرافيا فى البينالى، قال لى: «لقد ذهبت مرتين لهذه الصورة أقف أمامها وأسرح بخيالى».

عندها تعلمت بالتجربة العملية أن الوصول للعالمية يأتى من التمسك بالهوية؛ فهى الصبغة واللون والرائحة، هى الكيان، فعلًا «كل قديم ثمين».