الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فنان يحمل من اسمه نصيبـًا: أسئلة لم يـُجب عنها «هادى الجيار» قبل رحيله!

أكثر من خمسين عامًا قضاها الفنان الراحل «هادى الجيار» في محراب الفن، رافعًا شعار الصدق فى الأداء، وعدم الانشغال بحجم الدور أو موقع اسمه على التترات، فاستطاع بفضل هذا الشعار أن يخلق من المساحة الضيقة التى منحه إياها المخرجون بطولة من نوع خاص، تعلو أسهمُها فى قلوب الجماهير لا أمامَ شباك التذاكر، ويتضح تأثيرُها بقوة فى التليفزيون، محطته الكبرى التى قدّم من خلالها عشرات المسلسلات، التى من المؤكد أن غيابه عنها سيُحدث فراغًا كبيرًا كان يملؤه بقوة أدائه، وحضوره الطاغى، ولا سيما فى السنين الأخيرة؛ حيث وصل إلى مرحلة عمرية سمحت له بمزيد من التنوع الذى ظل ملازمًا له حتى آخر أيامه قبل أن يهاجمه الفيروس اللعين، ويتسلل إلى جسده سريعًا فيرحل دون صخب.



 التزام

كان لـ«هادى الجيار» من اسمه نصيب، فقد عاش حياته كما غادرها، بهدوء شديد، ورُغم مشواره الفنى الطويل؛ فإن اسمَه لم يقترن أبدًا بأى مشكلة أو خلاف، فلم يشكُ يومًا من ظلم تعرّض له، ولم يطالب على صفحات الجرائد بزيادة أجره، أو يقارن نفسَه بغيره، ولم تنشر المواقع أخبارًا عن خلافات وقعت بينه وبين زملائه، ولم يُضبَط متلبسًا في أى لقاء أجراه بغيرة أو حقد من نجوم جيله الذين بدأوا مشوارَهم معه، ثم تصدّرت أسماؤهم الأفيشات، أو من نجوم بدأوا مشوارَهم الفنى بعده بعقود؛ حيث قرّر أن يتعاون معهم على مدار العشرين عامًا الماضية، متكيفًا على جميع المستجدات التى طرأت على الوسط الفنى بشكل عام، لكنه تعجّل الرحيل تاركًا خلفَه عشرات الأسئلة دون إجابة، حول قدرته على الاحتفاظ بالتزامه وسلامه النفسى فى زمن يتشاجر فيه الفنانون فى مواقع التصوير، ويهاجمون بعضهم بعضًا على صفحات الجرائد، ومداخلات البرامج، ثم بعد كل ذلك تبث جلسات الصُّلح بينهم على الهواء!

 مشوار

بدأ «الجيار» مشوارَه الاحترافى بمسرحية (القاهرة فى ألف عام) وهو لايزال طالبًا بالمعهد العالى للفنون المسرحية، وبَعدها دخل عالمَ الدراما التليفزيونية من خلال المخرج «محمد فاضل» فى مسلسل (القاهرة والناس) عام 1972، لكنه لفت أنظار الجمهور إليه لأول مرّة كواحد من تلاميذ (مدرسة المشاغبين) التى ضمت «عادل إمام» و«سعيد صالح» و«يونس شلبى» و«أحمد زكى»، ورُغم الشهرة التى حققها بوجوده ضمنهم؛ فإن المسرح لم يفتح ذراعيه له كما فعل معهم، وهو ما حدث معه أيضًا فى السينما التى لم يحقق فيها بصمة تُذكر، لكنه فى المقابل  كان حجر زاوية في غالبية الأعمال التليفزيونية التى شارك فيها، فهو من الجيل الذى واكب ظهوره التليفزيونى ظهور عدد من الأسماء المهمة فى مجال الكتابة للتليفزيون، مثل «محمد جلال عبدالقوى» و«أسامة أنور عكاشة» وغيرهما، والذين استطاعوا توظيف موهبته بشكل جيد، فتنوّعت أدوارُه، وقدّم كثيرًا من الشخصيات المُرَكبة التى أظهَر من خلالها مهاراته التمثيلية بكل سلاسة، فقدّم فى (الراية البيضا) شخصية الشاب المثقف الذى يقف ضد الهمجية، والظلم، وينضم إلى معسكر الدكتور «مفيد أبو الغار» حتى وإن كان والده فى المعكسر المواجه له، أمّا فى (المال والبنون) فقدّم شخصية «منعم» الذى يحلم بالثراء السريع، فيتناسَى ما زرعه والدُه فيه من مبادئ وقيم، وعلى هذا الحال ظل «هادى الجيار» يقدّم أدوار الخير، والشر، دون أن يُحصر نفسَه فى نوعية بعينها، ليثبت في كل مرّة أنه فنانٌ من العيار الثقيل.

 حيرة

قبل رحيله، انتهَى «الجيار» من تصوير %70 من مَشاهده فى مسلسل (الاختيار 2)، الذى كان يجسّد خلال أحداثه شخصية والد الفنان «أحمد مكى» أحد أبطال المسلسل، كما أنه كان يستعد لبدء تصوير دوره فى مسلسل (موسى)، الذى يلعب بطولته «محمد رمضان»، لكن الرحيل المفاجئ وضع صُناع المسلسلين فى مأزق، وإذا كانت مهمة صُناع مسلسل (موسى) في الأيام المقبلة تقتصر على البحث عن بديل يستطيع تعويض غيابه عن الشاشة، فمهمة صُناع (الاختيار 2) أصعب بكثير، وعليهم الاختيار ما بين تعديل جزء من السياق الدرامى الخاص بالمَشاهد التى صوّرها، أو الاستعانة بفنان آخر، وإعادة تصوير المَشاهد مرة أخرى.

 لا شىء

فى الساعات الأخيرة قبل تدهور حالته الصحية، كتب الفنان «هادى الجيار» منشورَين على صفحته الشخصية على الفيسبوك، أحدهما يعلن فيه إصابته بالفيروس اللعين، والآخر جاء بعده بساعات كتب فيه كلمة (لا شىء!) لم يفهم متابعو الفنان الراحل مقصده من الكلمة التى كانت آخر ما كتب، وظلوا يرددون الدعوات له بتمام الشفاء لكنه رحل دون أن يترك لهم تفسيرًا لتلك الكلمة التى أنهَى بها تواصله مع جمهوره، يبدو أنه كان يشعر بدنو أجله، وكان يقصد أن لا شىء من العمر تبقّى، والحقيقة أنه لا شىء يعوض غياب «هادى الجيار» أحد أكثر الوجوه الفنية ألفة، والذى برحيله تغلق «مدرسة المشاغبين» فصلًا آخر من فصولها التى لطالما كانت مصدرًا للإبداع.