الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

محمد عبدالعزيز يكتب: انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط حرفية الكتابة فى التصور الكامل والتفاصيل

فى أوائل السبعينيات كان مطعم «night and day» الموجود فى فندق «سميراميس» الشهير ملتقى لكل المبدعين، كان يسهر معنا الكاتب «على سالم»، والمنتج «ممدوح الليثي»، الذى كان لا يزال ضابط شرطة وقتها، وكان يأتى إلينا ببدلته الميري، كما كانت السهرة تضم الدكتور «لويس عوض»، والشاعر «أحمد عبد المعطى حجازي»، والناقد الكبير «محمد عودة».. وفى أحد الأيام وجدت شابًا، يجلس وحده على طاولة بعيدة، ويضع أمامه عددًا من الصحف والمجلات يقرأ فى إحداها، سألت «على سالم» عن هويته، فقال لى إنه شاب موهوب يكتب للإذاعة والمسرح، واسمه «وحيد حامد» فطلبت منه أن يدعوه ليجلس معنا، لكن خجل «وحيد» منعه يومها من أن ينضم إلينا، فاعتذر، كان هذا يحدث بينما كان «وحيد» قادمًا من الريف حديثًا، قبل أن يضع قدمه فى السينما، ويصبح على علاقة بكل مبدعى عصره.



بعد هذا المشهد بسنوات طويلة، وتحديدًا فى أوائل الثمانينيات، عرض «وحيد» علىّ سيناريو فيلم (انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط) فى ظل رغبة «عادل إمام» أن يبتعد قليلًا عن الكوميديا، حتى يثبت أنه ممثل إبداعاته ليست مقصورة على لون واحد، ولم يكن السيناريو يحمل هذا الاسم فى البداية، وكنت صاحب مقترح تسميته بـ(انتخبوا الدكتور سليمان..) ولم أواجه منه أى اعتراض، وكعادة «وحيد» فى كل أفلامه لا يبذل المخرج أو البطل مجهودًا كبيرًا فى السيناريو الموقع بقلمه بعكس سيناريوهات أخرى لكتاب آخرين قد تستهلك سنوات حتى تصبح بالجودة المطلوبة.

حدثت بيننا جلسات استمرت شهرًا كاملًا فى منزل «عادل إمام» نذهب إليه يوميًا، لنقرأ مشاهد الفيلم جميعها، وليس مشاهد «عادل» فقط، ونستمع إلى «وحيد» ليحكى لنا تفاصيل كل كلمة مكتوبة لأى شخصية من شخصيات الفيلم، فقد كان فى ذهنه تصور كامل لكل شىء، حتى اكتمل العمل بشكل ارتضيناه جميعًا، وقد كان من أنجح الأفلام التى قدمها «عادل إمام» فى تلك الفترة، وبعدها حدث بينى وبين «وحيد» لقاء آخر فى فيلم (الثعلب والعنب) من بطولة «فؤاد المهندس» و«يونس شلبي» لكنه لم يحقق النجاح الذى حققه (انتخبوا الدكتور سليمان..) وقد سبب له هذا الأمر ضيقًا شديدًا، وبعدها قررنا أن نلتقى مرة ثالثة، فقدم لى سيناريو لفيلم يحمل اسم (المتهمة) وكان من أجمل السيناريوهات التى قرأتها، لكن ظروفًا حالت دون استكمال المشروع، فقدمه بدلًا منى المخرج الراحل «عاطف الطيب» تحت اسم (التخشيبة)، وإذا كانت لقاءاتنا السينمائية نادرة، فإن علاقتنا الإنسانية كانت قوية جدًا، وعندما كان ابنه «مروان» طالبًا عندى فى معهد السينما كان دائمًا ما يتصل بى ليطمئن على مستواه الدراسي. 

وفى إحدى رحلات بيروت التى كنا لا نفترق فيها أبدًا فوجئت به يحدثنى عن ابن شقيقتى المخرج «محمد ياسين» الذى كان وقتها لا يزال مساعد مخرج، ويقول لى إنه متحمس له جدًا، وأنه يريد أن يقدمه كمخرج، وأن عمله الأول سيكون من كتابته، وإنتاجه، فذهلنى هذا الحماس، وكان فيلم (محامى خلع) جواز مرور «ياسين» إلى عام الإخراج السينمائي، وبعده تعاونّا سويًا فى (دم الغزال)، (الوعد) ومسلسل (الجماعة) الجزء الأول، ثم الجزء الثالث، والذى مع الأسف لم يكتمل برحيله.

 وعندما كبرنا، وتعاون ابنى «كريم عبد العزيز» مع ابنه «مروان حامد» محققين نجاحًا كبيرًا، زادت علاقتنا متانة، ورسوخًا. والآن رحل «وحيد حامد» تاركًا فى قلبى غصة شديدة، والمرارة التى أشعر بها ليست فقط لكونه صديقي، لكن لأننا فقدنا قيمة فى وقت صعب أن تتواجد فيه القيم، لكن عزائى الوحيد أن مهرجان القاهرة السينمائى لم يغفل تكريمه، وصنع له ندوة كانت أشبه بوداع لمبدع كبير.