الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عمرو محمود ياسين يكتب: اضحك الصورة تطلع حلوة.. الشجن فى عبارة يملأها الأمل

(اضحك  الصورة  تطلع حلوة).. كم توقفت أمام  تلك الكلمات وكم دهشت من اختيار هذا العنوان اسما لفيلم  سينمائى،  وسبب الدهشة هو دقة الاختيار وتفرده وقوة الجذب بالكلمات المكونة له.



ألفاظ  كلها طاقة إيجابية اختارها الكاتب الكبير «وحيد حامد» عنوانًا لفيلم يحمل الكثير من لحظات الشجن والألم عبارة كلها أمل  تُجبرك على البسمة والتفاؤل. 

مصور بسيط  يحمل على عاتقه رعاية أمه وابنته الوحيدة، بافتتاحية الفيلم استعرض لنا «وحيد حامد» نماذج مختلفة من الشخوص وكيف كان هذا المصور البسيط يتعامل مع  كل   منهم  بمبدأ  أساسى لا يتغير هو مبدأ الإنسانية. دروس سريعة عن  كيفية أن تكون إنسانًا،  وقدَّم لنا  ذلك  فى إطار مجموعة  لقطات خفيفة الظل بحوارعفوى صادق.  

شعرت وأنا أشاهد تلك اللقطات، كيف أن «وحيد حامد» بدا لى وكأنه جراح وليس كاتبًا، لديه دقه متناهية وحنكة كبيرة فى تشريح النفس البشرية وفهم لحظات معقدة قد يشعر بها الإنسان ولكن لا يستطيع وصفها، ولكن كاتبنا الكبير كان أستاذًا فى تلك المسألة، هو أستاذ التفاصيل وخصوصا المعقدة منها، فقط راجعوا افتتاحية هذا الفيلم وكيف كان يوجه كل زبون لإظهار  صورته بأفضل شكل.   

فى لحظات كثيرة من الفيلم، لا بُد وأن تسرح  وتقول كيف فكر «وحيد حامد» فى تلك اللقطة؟  مثلا، عندما عاد «سيد» يحمل بشرى نجاح ابنته «تهانى» فى الثانوية العامة، نراه  قادما  يحمل عصا  أكياس غزل البنات بألوانها المفرحة ويهلل سعيدًا فخورًا بنجاح ابنته، اللقطة غاية فى الروعة والإيجابية، والأم تنتظره بلهفة وحفيدتها «تهانى» فى شرفة البيت لسماع الأخبار وبينما يستعد هو لإخبارهما، يمر قطار يفصل بينه وبين بيته ويغطى صوت القطار على صوت «سيد» وهو يعلمهم بالخبر السعيد. شعرت وقتها أن كاتبنا يرصد معاناة تلك الطبقة التى اختار الحديث عنها بالفيلم.. كل شيء حولهم يفسد لحظاتهم الحلوة القليلة بالأصل. 

لا أنسى أيضا المشهد الذى يصل فيه «سيد» وأسرته إلى القاهرة وقد استأجر شقة بسيطة  قريبة  من المدافن ويرصد بهذا المشهد  تفاوت المشاعر بين الشخصيات الثلاثة «سيد والأم روحية والابنة تهانى». فالأخيرة، تشعر أن الشقة دون المستوى ومن منطلق صغر سنها فهى طموحة تسعى للأفضل وتحلم به لكن من منطلق تربيتها الطيبة تحسب كل كلمة حتى لا تجرح الأب وتشعره بأنها غير سعيدة بهذا المكان. أما هو فيريد اختطاف بعض لحظات السعادة لهما ويعدهما بـ«أكلة» حلوة فى مطعم ثلاث نجوم، بينما الأم  التى لم يعد لها طموح بالحياة سوى الاطمئنان على مستقبل الابن والحفيدة تطالبه بالحرص وتقول له (مستعجل قوى على فرتكة القرشين اللى حيلتك). 

وأخيرًا، أذكر هذا المشهد الذى يذهب فيه «سيد» إلى فرح ابن الأكابر «طارق»، لينتقم منه، بعد أن ترك ابنته وعلقها بحبه وطلب يدها منه، لكن بالنهاية ذهب ليتزوج من فتاة أخرى بنفس  مستواه الاجتماعى. 

فى هذا المشهد  يعطى «وحيد حامد» درسا فى الأخلاق لكل من يشاهد ويتابع أحداث الفيلم ومفاد هذا الدرس هو الصدق.. كيف يجب أن يكون الإنسان صادقًا مخلصًا، أمينًا، كيف أن الكلمة عقد، الاتفاق الشفوى عقد، وقد قالها «سيد» جملة فى منتهى الروعة والتفرد «كلمة بحبك  عقد». أراد «وحيد حامد» هنا أن يذكر الناس بقيمة تلك الكلمة التى تستخدم فى هذا الزمان مثل صباح الخير.. 

«وحيد حامد»، وفى آخر لقاء له مع جمهوره بمهرجان القاهرة، قال «لقد أحببت أيامى».. ونحن نقول لك «ونحن أحببنا أيامك وسنفتقدها كثيرا ولكن سنعيش مع أيامك تلك دائما من خلال شخوصك وأحاسيسك ومشاعرك وسنضحك دائما عند كل انكسار ربما الصورة تطلع حلوة». وداعا «وحيد حامد».