الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فتاوَى ضالة ضد لقاح «كورونا»

بينما ينتظرُ العالمُ لقاحَ «كورونا» بفارغ الصبر، ويحاول حَل مشكلات تخزينه وتوزيعه؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح البَشر الذى راح ضحية هذا الفيروس الخطير الملايين من الناس، ظهرت  بعضُ الفتاوَى تحرم استعمال  اللقاح؛ لكونه يحتوى على مواد نجسة،  تلك الفتاوَى نُسبت إلى مجالس تحمل مسميات إسلامية فى الخارج، كالمجلس الطبى الإسلامى ببريطانيا، وبعضها تتدوالها  أفرادٌ عبر حسابهم الشخصى على «فيس بوك».



 

تبرز خطورة  تلك الفتاوَى فى أنه يُنظر إليها على أنها تُعبر عن الإسلام ومعتقدات المسلمين فى مواجهة الأوبئة، الأمرُ الذى اعتبره العلماءُ المتخصصون منافيًا لحقيقة  الإسلام، ووصفه علماءُ مسلمون بالغرب بأنه يدعم تشويه الإسلام والمسلمين، وهو ما أكدَه د.«عبدالحميد متولى»- رئيس المجلس الأعلى  للأئمة  والشئون  الإسلامية فى البرازيل-  موضحًا أن هذا الكلام مغرض، الغرض منه تشويه الإسلام والمسلمين وتصويرهم فى صورة من يحارب الخير ويقف حَجَر عثرة أمام حل المشكلات ودواء الأمراض العامّة التى تتعلق بالإنسانية. 

وأوضح قائلًا: أغلب الظن أن دخول شىء من النجاسة فى تصنيع اللقاح من قبيل الشائعات والتشكيك، وعلى فرض صحة هذه الشائعة؛ فإننا نقررُ أن النجاسة فى الفقه الإسلامى إذا استحالت جنسًا آخر أو مادة أخرى طهرت؛ حيث إن اليقينَ لا يزول بالشّك، واليقين هو الطهارة، فلا يحكم بنجاسة الأشياء بالشّك وعلى من يدّعى أن اللقاح داخله نجاسة أن يقيم الدليل.

وحذّر د.«متولى» من المتجرئين على الفتوى بغير علم بمقاصد الدِّين.

ويشير «الصادق العثمانى»- الباحث فى منهج الوسطية، المقيم بالغرب-  إلى أنه تم تداوُل فتوَى صادرة عن  المجلس الطبى الإسلامى البريطانى بتحريم لقاح شركة فايزر؛ لاحتوائه مواد نجسة، مع أن الإسلامَ يبيح أكل النجاسات كالمَيْتَة والدَّم ولحم الخنزير فى حالة الضرورة بأن يخشى الإنسان الهلاك والموت، ولم يجد طعامًا غيرَها، قال الله تبارك وتعالى: «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»، فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ». 

 مصلحة البشرية 

د.«محمد الشحات الجندى»- رئيس الجامعة المصرية الإسلامية بكازاخستان، وعضو مجمع البحوث الإسلامية- يَعتبر نشر مثل هذه الفتاوَى بهذا الشكل أمرًا ينطوى على قدَر كبير من الخطورة ويعطى صورة غير صحيحة عن مقاصد الإسلام التى تجعل من الحفاظ على النفْس على رأس مقاصد الدِّين، مُعللًا ذلك؛ بأن «كورونا»  طاعون وإصدار فتوَى تحريم لعلاج هذا الوباء  يجعل العالمَ ينظر  للإسلام على أنه ضد مصلحة البشرية. 

ويشدد «الجندى» على أن مَن يفتون  بنجاسة لقاح «كورونا» لم يتثبتوا من ذلك، ونصبوا أنفسَهم قضاةً على داوء هدفه إنقاذ البشرية من الوباء، وعلينا فى مثل تلك اللقاحات أن نعتمد على أهل الاختصاص الطبى؛ لأن الله تعالى يقول: «وأسألوا أهل الذِّكْر إنْ كنتم لا تعلمون»، فأهل الطب هم أهل الذِّكْر فى هذا المجال. 

أضاف إن  اللقاح المطروح ضد «كورونا» إن كان سيشفى من المرض فتداوله حلال، ولا ننسى أن الإسلام يفتح مجال التداوى، والحديث الشريف واضح فى قوله- صلى الله عليه وسلم: «ما خَلق الله داءً إلّا وخَلق له دواء»، موضحًا إنه لو سلّمنا أو توافقنا على أن اللقاحَ المطروح لـ«كورونا» به مواد نجسة؛ فإن هناك قاعدة شرعية تقول «الضرورات تبيح المحظورات»، وجائحة «كورونا» جائحة خطيرة ومآلها الموت إلّا من عصم الله، فعلى فرض أن لقاحات «كورونا» بها مواد نجسة؛ فإنه يجوز تعاطيها للإنقاذ من الموت. 

واختتم د.«محمد الشحات» كلامه قائلًا: «إن مثل هذه الفتاوَى تُنفر من الإسلام وتؤكد على وجود بلاء نعانى منه، وهو نشر الـ«إسلاموفوبيا»؛ حيث إن تلك الفتاوَى تؤكد على منحَى غير صحيح، وهو أن الإسلام يقف ضد مصالح الناس ولا يراعى حياة الناس!!، و«كورونا» وباء من عند الله وعلينا أن نلتمس له الدواءَ، فلماذا ننشر تلك الفتاوَى التى يطلع عليها الجميعُ ومنهم قليل العلم  الذين يصدقون أى فتوَى يحصلون عليها، وعلى مَن يُطلق مثل هذه الفتاوَى أن يتقى الله فى الدِّين والبشرية جميعًا». 

 كلام مفترى 

كما يتفق د.«حامد أبو طالب»- عضو مجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية الشريعة والقانون السابق بالأزهر- على أن هذه الفتاوَى هى فتاوَى ضالة. ويؤكد قائلًا: هذه الفتاوَى هى امتداد لدعوات قديمة أطلقت من أشخاص ليس لديهم علم للدِّين وقالوا إن تطعيم شلل الأطفال به مواد نجسة وإنه يؤدى للعُقم، وأمور أخرى تم افتراؤُها على التطعيم، ما أدّى إلى إعراض بعض الفئات عن أخذ تطعيم شلل الأطفال، ونتج عن ذلك انتشار المرض مرّة ثانية، وهم الآن يكررون الأمر  فى مرض أشد فتكًا وخطرًا من شلل الأطفال ألا وهو  «كورونا» والتطعيم ضده، ويدّعون أن  فى لقاحات «كورونا» مواد نجسة  لمنع أخذ اللقاح».

أضاف إن «تلك الفتاوَى هى كلام مفترى؛ حيث إن دول العالم الإسلامى لديها من المَعامل ما يمكنها من معرفة ما إذا كان اللقاح به مواد نجسة، أمَا وأنه لم يصدر شىء عن ذلك فالأصل طهارته».

وشدّد أنه «إذا سلمنا جدلًا أن اللقاح  به مواد نجسة، ولكنه تعين لأن يكون وقاية من مرض «كورونا»؛ فهنا الضرورة تجيز لنا شرعًا أن نتداوَى بهذا اللقاح». مؤكدًا أن من يساعد فى نشر تلك الفتاوَى الكاذبة سيلقى الجزاءَ الشديدَ من الله. 

وناشد د.«حامد أبو طالب» المسئولين فى العالم الإسلامى؛ أن يقرّروا عقوبات لمَن يفتون بمثل تلك الفتاوَى الضالة  التى تتسبب  فى تضليل الناس وإضلالهم، مؤكدًا أنه لا بُدّ أن يبادر أهل الرأى والإعلام التصدّى لهذه الأقوال الكاذبة التى يُقصَد منها إيذاءُ الناس وإيقاعُهم فى الحَرَج.

 فتاوَى الجهلاء 

ويرى د.«عطا  السنباطى»-  أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون وعضو اللجنة الاستشارية للفتوَى  بالأزهر  الشريف- أنه على فرض أن تلك اللقاحات نجسة؛ فإنه يجوز التداوى بها إذا لم نجد طاهرًا  فى مواجهة المرض؛ لأن مصلحة العافية والصحة أهم من مصلحة اجتناب النجاسة، وهذا منصوصٌ عليه فى قواعد الفقه.

وأوضح قائلًا: «المشكلة أن هذه الفتاوَى  هى فتاوَى الجهلاء؛ لأنها تصدر ولم يتم التثبت من صحة ما فيها، ولذلك فمَن يقول بها نعده من قبيل المفتى الجاهل الذى لم يتثبت من فتواه.

ويذهب د.«عطا» إلى أنه يحرم  شرعًا تداوُل مثل تلك الفتاوَى التى تصدر من مصادر غير موثوق بها؛ حيث يقول  تعالى: «وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ»، فلا بُدّ من أهل الاختصاص فى مسألة الأمراض، ومواجهتها.

وحول ما إذا قام شخصٌ بنشر تلك الفتاوَى التى تحرم أخذ لقاح «كورونا»  فتسبب بامتناع شخص عن هذا اللقاح  فمات  بالمرض؛ قال د.«عطا» إنه يحمل إثمًا كبيرًا ويكون متسببًا  فى قتل نفْس.