الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أعماله الفنية أيقونات تؤرخ لتاريخ مصر وجزء من كنوز روزاليوسف:

جورج البهجوري "جبرتي" الرسامين

قد تتمكّن من هزيمة وجوه مُدجّجة بالغضب تتدلى منها ملامحُ الغِلّ والحِقد والتشفّى ذات عيون جاحظة وجِباه غاضبة وفكوك منقبضة تعجُّ بمعانى القوة والتسلط، لكن لا يمكنك هزيمة وجه قادر على الضحك وروح تتخذه منهجًا وفلسفة، فهنا مكمَن القوة.. قوة «بهجورى» كما يوقّع أعماله.. أو «جورج بهجورى» الفنان العظيم.



 

لا  يمكنك أيضًا خداع ذلك الوجه أو  ترويض ملامحه بسهولة، إذ لن تمكّنك روحُه الحرّة من المساس بحريتها، هى روح الفنان القوية المتمردة الباحثة دومًا عن الأفضل، تضحك دومًا إمّا عجبًا أو غضبًا وربما ألمًا أو حُزنًا أو حتى فرحًا بخيال غير محدود وخطوط تمتد إلى فضاء لا نهائى، تتمرّد دومًا على المساحة المحدودة والأفكار التقليدية ومَلل التكرار يتخلص من قيود الأعراف والثقافة والتقاليد المحلية الضيقة ليركض حُرًّا فى فضاء واسع خلف حدسه الفنى.

منذ البدايات تكوّنت الملامحُ وصقلت بأحداث جَلل فى حجر السياسة وذروة صعود الحقبة الناصرية التى ما لبثت تتحول إلى كارثة وانتكاسة كبيرة دفعت الفنانَ للحفاظ على هويتها الوطنية حتى عبرَتْ وانتصرتْ.

ولأن هذه الأيام تحل ذكرَى ميلاد الفنان «جورج بهجورى» المولود بقرية بهجورة بالأقصر عام 1932 ميلادية نتذكر معه عبر تاريخ ممتد بعضَ أهم المحطات المهنية كيف ساهمت أعماله الكاريكاتورية النضالية المنشورة بمجلتَى «روزاليوسف»، و«صباح الخير» بعد تخرّجه فى كلية الفنون الجميلة والتحاقه بالعمل رسامًا ضمن الرعيل الثانى لدولة الكاريكاتير التى تأسَّسَتْ بـ«روزاليوسف»، فى محاولة لرفع الروح المعنوية والالتفاف حول الوطن عَبر التأريخ لفترات الانكسار ثم تجاوُز الهزائم والعبور إلى النصر والحرية والازدهار فى أثناء وبعد العُدوان الثلاثى.. لذلك لم نجد وسيلة لرصد المحطات المفصلية فى حياته أفضل من أعماله الفنية التى سنعرضها لكم.

أرّخَ كذلك لعبور الانتكاسة والانكسار إلى النصر فى أكتوبر بالفترة المجيدة ما قبل الحرب مباشرة حتى نهاية عام 1973م.

ضمن كتيبة الرّسّامين المجاهدين «حجازى ومحسن جابر ورءوف عياد وتاد ودياب وليثى وجمعة فرحات وحازم وجمال كامل ومأمون» وغيرهم من أبرز وأشهَر الفنانين.

 

وشارك بالمعركة المشتعلة بضراوة شديدة؛ حيث بدأت حينئذٍ ريشات الكاريكاتير العبورَ المبكرَ وشاركت فى الحرب بمدفعيتها الفنية الثقيلة وألهبت مشاعر المواطنين والقراء بعد أن ارتفع النداءُ مرسومًا «الله أكبر». بعد أن تضافرت كل عناصر العمل الصحفى لتشارك فى الزَّود عن الوعى وتساهم فى بناء وتثبيت الجبهة الداخلية؛ حيث ساهم بريشته فى تقديم مَلحمة الجندى المجاهد الشجاع والنزيه عبر الكاريكاتير المنشور إضافة للمَعارض الفنية التشكيلية.  

عالم آخر كان ينبع من وجدان رسّام الوجوه المألوفة كان يثير صخبًا كبيرًا كلما رسم أحد عمالقة الفن أو ما يشدو به، فتارة تجد العملاق «فريد الأطرش» يصرخ غاضبًا «كيف له أن يرسمنى هكذا!»، وتارة تبدى «أم كلثوم» التى كان مُتَيّمًا بها الإعجاب، ومَرّات أخرى تجدها تبدى الغضبَ والرفضَ والاستنكار حين كان يرسم ما تطرب له الأُذُن من أداء فنى للسّت بعد كل حفل غنائى.

تقف متعجبًا إزاءَ وجوهه المدهشة والمرسومة بشكل اختزالى لتفاصيل الملامح يصل إلى وجدان المتلقى ويُعَبر جيدًا عن هوية المرسوم بحِرفية عالية فيما قَلّ ودَلّ من الخطوط والتفاصيل والألوان، كما تختلط الهُويتان الراسم والمرسوم، فهو يرسم نفسَه فى كل من يرسم بشكل يُعبر عن أصالة وتفرُّد لا تخطئهما الأعينُ بسهولة.   

أقام «البهجورى» الكثيرَ من المَعارض التشكيلية بشكل فردى وجماعى محليًّا ودوليًّا، وحصل على العديد من الجوائز والتكريمات الدولية والمحلية والعربية، أبرزها جائزة الملك عبدالله الثانى للإبداع والآداب والفنون، كما أدرج ضمن كتاب «أيقونة مصرية» الصادر عن مؤسَّسَة بيكاسو إيست للثقافة والفنون 2017، كما شارك بالعديد من الأنشطة الثقافية وألّفَ وشارك بالعديد من الكُتُب، منها (كتاب بورسعيد 56 - السادات 80 - باريس 1990). رواية ثلاثية الأيقونة، كتاب (ذكريات الجوافة.. رسم على رسم) الصادر عن دار الثقافة الجديدة 2016، أيقونة فلتس، بهجر فى المهجر، كتاب (من بهجورة إلى باريس).

وله العديد من المقتنيات لدَى أفراد ومؤسَّسَات محلية وأجنبية ومتاحف، مثل «اللوفر ومتحف الفن الحديث بالأوبرا»، كما جمع أيضًا بعضَ أعماله الممنوعة من النشر فى كتاب بعنوان (الرسوم الممنوعة) الذى يطرح من خلاله المزيد من الأسئلة فى سبيل الحقيقة المليئة بأكاذيب السياسة.