الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

"نبيل فاروق" زائر المستقبل الذي أنهي مهمته!

«يمكننا أن نقول كل ما نريد للشباب بشكل جذاب لا ينفرون منه أو يعتبرونه مجرد مواعظ متعالية من جيل سابق».. بهذه الطريقة لا يمكن اعتبار د.نبيل فاروق مجرد كاتب روايات بوليسية وخيال علمى يستهدف تسلية جيل الشباب والمراهقين.. إذ امتلك مشروعًامتكاملًا وأفكارًا رأى أن من واجبه تقديمها للشباب،ليوجه رسالته إلى أجيال عانت لوقت طويل من غياب من يسمع صوتهم أو يفهمهم.



 

أكد صاحب «رجل المستحيل» و«ملف المستقبل» فى أكثر 300 عدد هو مجموع أعداد السلسلتين،أن بإمكان ذلك الجيل التائه أن يحول المستحيل إلى ممكن، إذ جاءت مشاركة أدهم صبرى فى مغامراته ضد أجهزة المخابرات العالمية،لترسخ مفهومًا لطالما أكد عليه «فاروق» حتى فى مقالاته الصحفية، وهو أن تنمية مهاراتك الذاتية يجعل بإمكانك التغلب على الخصم حتى لو تفوق عليك تكنولوجيًا وماديًا، لذلك يمكننا أن نقول: «أدهم صبرى كان بطلًا حتى بأقل الإمكانيات» فى مواجهة كل أبطال الروايات الغربية، فاستحق أن يكون رجل المستحيل.

 رحلة أجيال

بشكل شخصى تعرفت على سلسلة «رجل المستحيل» عندما كنت فى المرحلة الإعدادية، من أحد جيرانى فى الجامعة، هكذا كان الأمر مع نبيل فاروق «جيل يسلم جيلا»، وكأنه وضع سرًا ما فى أفكاره التى صاغها خلال حبكة القصص وتفاصيل مغامرات أبطاله، جعلها صالحة ومدهشة حتى لو تغير الزمن أو الجيل الذى كتب له بشكل مباشر، أفكار حية تكسبها القراءة عمرًا أطول وبعدًا جديدًا، ومن «رجل المستحيل» إلى «ملف المستقبل» ثم بعد ذلك «كوكتيل 2000»، التى كانت مجلة متكاملة، تجمع بين عدد من القصص القصيرة وقصة رئيسية أطول تنشر على هيئة سلسلة.. عشت وعاشت أجيال كثيرة ولاتزال فى ذلك العالم الخاص بـ نبيل فاروق ومغامراته.

على الجانب الآخر، كان فاروق يجلس فى السابعة صباحًا كل يوم، لكتابة الكثير من الحكايات والمغامرات، وفى الوقت نفسه كان يريد لكل من يقرأه ألا يتوقف عنده، ليصبح عالمه السحرى بمثابة بوابة لعالم القراءة الكبير، وكأنه حارس الجنة/ المكتبة فى تعبير بورخيس، يقودك بكل سهولة إلى قراءة يوسف إدريس وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ، يقول: «عندما بدأت الكتابة كانت المعادلة فى رأسى أن الناس نصفان من يحب القراءة، ومن لا يحبها.. وكان هدفى من اللحظة الأولى أن أدفع من لا يقرأ للاستمرار، وأعمل على جذب شريحة أخرى لعالم القراءة».

 قراء لا دراويش

لم يكن فاروق ذلك الكاتب الذى يجلس فى برجه العاجى ينظر إلى رعاياه من القراء ويفصله عنهم حاجز زجاجى، بل حافظ على مساحة تواصل وقرب شديدة، حتى إنه قدم الموهوبين فى الكتابة والقصص القصيرة فى سلسلة «مختارات نبيل»، التى قال عنها: «لا أريد من الجيل الجديد من الموهوبين أن يمروا بنفس المعاناة التى خضتها من أجل نشر أعمالى»، حتى إنه هو الذى قدم الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق.

أهم ما يميز مشروع صاحب «رجل المستحيل» أنه عمل على تقديم قراء جدد لا أتباع له يرددون ما يقول فقط، لذلك ليس غريبًا أن نجد قراءه اختلفوا معه بل وهناك من اشتبك مع أفكاره، لكنهم أحبوه واحترموه، فيقول فى أحد مقالاته المنشورة فى العام 2012: «لم أحزن نهائيًا ممن يختلف معى.. لأن ذلك ما كنت أهدف إليه فى بداية مشروعى.. أن أرى عقولًا قادرة على التفكير والاختلاف والمناقشة بوعى ومعرفة».. بهذه الطريقة قدم قراءً لا دراويش.

 سر المهنة

فى سلسلة حلقات مصورة تحت عنوان «ملف الأسرار» قدم فاروق ما يمكن أن نطلق عليه «سر المهنة»، إذ تضمنت الحكايات والقصص الواقعية حول العالم التى تعد المادة الخام لروياته، بداية من راسبوتين الذى كشف سر عدم موته بعد تناول السم، إلى القصص الحقيقية لجواسيس المخابرات البريطانية والألمانية والروسية، فكانت كل حلقة هى كشف عن سر جديد ومعرفة حكاية حقيقية فى قصور الحكم والمخططات العالمية.

«أدهم صبرى» نفسه وهو البطل الرئيسى والأكثر شهرة من أعمال نبيل فاروق، لم يخف السر الذى دفعه للكتابة عنه وبلورة تلك الشخصية فى رأسه إذ قال فى حواراته التليفزيونية منذ أكثر من عام، إنه أثناء وجوده بالسنة الأولى بكلية الطب فى فترة السبعينيات، تعرف على شابين أجنبيين جاءا إلى طنطا، بهدف تعلم اللغة الإنجليزية، وأصبحوا أصدقاء، وفى أحد الأيام تم استدعاؤه إلى أمن الدولة.. حيث اكتشف أن صديقيه الجديدين مشتبه بكونهما جواسيس..ليبدأ فى التعاون مع أمن الدولة والمخابرات العامة.. وشاهد العديد من رجال المخابرات ذوى قدرات عالية وكفاءة كبيرة، وهنا بدأت شخصية أدهم صبرى تولد فى رأسه.

كما أكد أن الشخصية الأكثر شهرة عربيًا، مستوحاة من عدد من رجال المخابرات الذين قابلهم فى تلك الفترة، قائلًا: «حوالى 3 أو 4 شخصيات رسمولى صورة رجل المستحيل، وكان فى شخص أنا مرتبط بيه جدا فأخدت أول حرفين من اسمه وكتبت عن أدهم صبرى».

أكثر من ذلك عندما سُئل أكثر من مرة عن تنبؤه بوجود فيروس قاتل فى إحدى قصصه التى تحمل اسم «هشيم» وهو اسم الفيروس الذى قال عنه إن «البشرية كلها ستتكاتف لمواجهته» لم يدع الرجل البطولة وقتها باعتباره قادرًا على استشراف المستقبل، ويمتلك رؤية تسبق الحدث بسنوات، خصوصًا إذا كان حدثًا عالميًا ومهمًا كوباء كورونا؛ لكنه كشف سرًا جديدًا من أسرار المهنة، وقال بكل بساطة: «هذا طبيعى لمن يفكر بمبادئ التفكير العلمى.. بحسابات بسيطة جدًا لمن يتابع الإصدارات العلمية الخاصة بالفيروسات يعرف أنها تتحور بشكل سريع جدًا.. وبمد الخط على استقامته يشير ذلك إلى احتمالية كبيرة لوجود فيروس مختلف قد يواجهه البشر».

 نساء فى عالم نبيل فاروق

وسط تلك المغامرات البوليسية والمخابراتية التى امتلأت بها قصص وحكايات نبيل فاروق، كانت المرأة حاضرة بقوة ليست بين السطور فقط، بل أيضًا على أغلفة الأعداد بجوار البطل أدهم صبرى، ولم يكن حضورها مجرد ديكور للحبكة التى يصنعها، أو إحدى الوسائل لجعل المغامرة أكثر تشويقًا فقط، بل كانت - ككل شىء فى عالم فاروق- لها معنى وهدف، يرسم من خلال الشخصيات النسائية فى رواياته صورة كاملة لمعاناة المرأة فى مجتمعها، حتى إنه كتب بعد ذلك دراسة فى 150 صفحة، تحت عنوان: «المرأة مشكلة صنعها الرجل»،  وضع صاحب «رجل المستحيل» يديه على أصل مشكلة المرأة فى مجتمعنا منذ ميلادها، كما من خلال كتاب صغير يضم رسائل قرائه ورده عليها، لتبدو وكأنها مناقشة على الورق، وكتب على الغلاف الخلفى للكتاب بشكل موجز: «رغم أن العلاقة بينهما أساسها المودة والرحمة، لكن طبيعة العصر وتعقيداته جعلت الحرب بينهما مستعرة طوال الوقت.. بلا هدنة أو هوادة أو وقف إطلاق نار.. المرأة تشكو والرجل يشكو والدنيا كلها تشكو وهذا لأن المرأة بالفعل مشكلة.. مشكلة صنعها الرجل عن عمد».

وبين سطور قصصه كون الكاتب صورة مليئة بالتفاصيل الدقيقة عن المرأة فى المجتمع، من خلال إلقاء الضوء على كل المشاكل التى تواجهها فى المجتمع سواء فى الريف أو المدينة.

 موقف واضح من الإخوان

كان من الطبيعى أن نجد من تبنى مبادئ التفكير العلمى طوال حياته ومسيرته على عداء شديد مع جماعة الإخوان الإرهابية، وأفكارها المتطرفة، وهو ما حدث بالفعل، إذ توقع د.نبيل فاروق سقوط جماعة الإخوان، قبل ثورة 30 يونيو، وقال وقتها إنهم انتهجوا طريقة حكم النازيين فى أربعينيات القرن الماضى، وبالتالى توقع لهم سقوطا مثل الطريقة التى سقط بها هتلر، كما أطلق عليهم «جواسيس الغرب».

كما أكد وقتها أن الجماعة الإرهابية متورطة مع أجهزة مخابرات عالمية لهدم الدولة المصرية.

 الوصية

رغم أن حكايات ومغامرات أدهم صبرى ظلت حبيسة الأوراق لسنوات طويلة ولم يتم تجسيدها على الشاشة، فإنها استطاعت أن تجذب جمهورها الخاص وقراءها المخلصين، الذين رافقوا «رجل المستحيل»: الكاتب والبطل، بحثًا عن حل اللغز، لذلك لا يمكننا اعتبار رحيل نبيل فاروق، الأسبوع الماضى رحيلًا، فقط مجرد توقف للقلب، لكن تبقى الحكاية ممتدة ومستمرة فى إبهار أجيال جديدة.

وقبل أيام أعلن الكاتب أحمد مراد بدء كتابة سيناريو «رجل المستحيل» استعدادًا لعرضها على الشاشة قريبًا، مشيرًا إلى أن ذلك كان «حلم ووصية نبيل فاروق».

 بداية جديدة

«أنا محترف سباق حواجز» جملة قالها صاحب «ملف المستقبل» عند سؤاله عن الصعوبات التى تعرض لها فى بداية مشواره لنشر أعماله، أو دخوله اتحاد الكتاب الذى تقدم إليه أكثر من 22 مرة، لكننا يمكننا قولها الآن بدلًا منه لنؤكد أنه استطاع - حتى بموته - تخطى حاجز الزمن، وأن حكايته عصية على النسيان لأنه ببساطة علمنا كثيرًا لم نكن نعرفه والأهم أن ذلك حدث من دون تلقين أو وعظ.. رحل نبيل فاروق و«البقية فى عقولنا».