الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

طارق الشناوي يحاور الفلاح الفصيح وحيد حامد (1):الكاتب الكبير وحيد حامد: مقتل فرج فودة دفعنى لكتابة أول مقالاتى فى «روزاليوسف»

إنه أكبر من أن نُطلق عليه صفة كاتب كبير أو سيناريست كبير أو مفكر كبير، أو مناضل كبير، أو إنسان كبير، كل هذه الصفات وغيرها تجسّدت فى وحيد حامد، أصبح يكفينا وزيادة أن نقول وحيد حامد حتى نكتشف حضور قيم الحق والخير والجمال، أحبّ السينما فأحبته السينما، أحب الناس فأحبه الناس، أحب الله فحبَّب الله فيه خلقه.  كنت من أوائل الذين عرفوا وحيد حامد فى جيلنا ممن مارسوا الصحافة والإعلام وصار عدد كبير منهم نجومًا فى مجالهم سواء من احترف الكلمة المكتوبة أو من أصبح واحدًا من نجوم الشاشة الصغيرة.



فى بداية المشوار الصحفي، نهاية السبعينيات، أثناء مرحلة التدريب على بلاط صاحبة الجلالة فى مجلة (روزاليوسف) كنت أحرص على أن أضع خطة محكمة للحصول على الأخبار، ووجدت فى مبنى الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو) نقطة انطلاق،  حيث قسم التمثيليات فى التليفزيون وأيضا مخرجى الإذاعة، وكثيرًا ما رأيت الشاب «وحيد حامد» فى الطابق الرابع (البرنامج العام) مع المخرج الكبير «مصطفى أبو حطب»، كانت لدى الأستاذ مصطفي، إعاقة ما فى الحركة والنطق، ورغم ذلك كان هو المخرج الأهم فى المبنى أو فى الحد الأدنى واحدًا من الكبار، لاحظت تواجد«وحيد حامد» معه دائمًا وشفرة الحوار التى كنت أجد صعوبة فى فهمها كان وحيد يستوعبها ببساطة. فى تلك السنوات كانت الإذاعة تحظى بالاهتمام والمتابعة، وبالتالى ساهمت فى صُنع اسم وحيد حامد، ثم انطلق وحيد فى المجال المرئى وفتحت له السينما مع اقتراب نهاية السبعينيات الباب بفيلم (طائر الليل الحزين) والتليفزيون (أحلام الفتى الطائر)، وبخطوات متسارعة تصل إلى حدود القفزات، بدأ اسم وحيد يحقق بدايات الانتشار.

 كانت علاقتنا تتجدد ، وكنت سعيدًا به ككاتب وأيضا كإنسان دائمًا أراه فى كل المواقف معتزًا بكرامته، وكثيرًا ما تواعدنا على المقهى الذى يتواجد فيه مساءً، وحيد مدخن محترف وشرس للشيشة، أقصد طبعًا كان كذلك، بينما أنا لا أطيقها، إلا إنى كنت أتحمل دخانها من أجل لقائه، حيث يذهب ليلا إلى مقاهى وسط البلد، بينما فى الصباح يذهب لأحد الفنادق المطلة على النيل ويكتب. بين الحين والآخر نلتقى داخل الحدود، ودائمًا فى رحلات السفر خارج الحدود يمتد اللقاء زمنًا أطول، بحكم تواجدنا فى مكان واحد.

لا أتصور أننا خلال رحلتنا التقينا فى حوار صحفى طويل رغم تعدُّد اللقاءات فى «القاهرة» و«كان» و«دبي» و(باريس) وغيرها من المدن، نلتقى غالبا بعيدًا عن الصحافة حتى يفضفض وحيد بما يراه،هذه المرة كان جهاز التسجيل ثالثنا.

 قررت أن أبدأ الحوار معه متبعًا سياسة الخطوة خطوة، لدىّ قطعًا مثلكم تساؤلات عديدة فكريّة وسياسيّة وداعبته فى البداية ونحن نلتقى فى مكانه المفضل (جراند حياة) فى الكافيتريا المطلة ع النيل، قبل هذا الفندق الخمس نجوم، أين كنت تكتب؟

- أجابنى: على كافيتريا اسمها «حورس» فى شارع 26 يوليو تحتها الهيئة العامة للكتاب، مقهى شهير جدًا أشبه بملتقى ثقافي، رأيت هناك «صلاح السقا» و«على سالم» و«نجيب سرور» و«ألفريد فرج» والإعلامية «سلوى حجازي»، وغيرهم، وكتبت أيضًا فى «اكسلسيور»بجوار سينما مترو.

 ألم تكتب فى البيت؟

- عندى بالمناسبة غرفة مكتب كبيرة، ومكتبة لكننى لا أستطيع الكتابة بين أربعة جدران، ولا أعرف أكتب غير فى الصباح حتى الساعة الواحدة ظهرًا ومع الناس وفى الهواء الطلق.

على طريقة نجيب محفوظ تخصص وقتًا معينا يوميًا للكتابة؟

- لأ.. أستاذنا نجيب محفوظ قالها لى ذات مرة: أنا حأكتب عشرين ورقة فى اليوم.. وكان يلزم نفسه بهذا العدد، يأتى عليه الصيف لا يعمل إطلاقًا لأن «عينيه كانت تتعبه»، لكن أنا بالنسبة لى الكتابة على حسب المزاج، ممكن آه وممكن لأ.

 أنت لا تصحو كى تكتب مثل الموسيقار «محمد الموجي» كان يصحو على العود يداعبه وتتدفق الأنغام؟

- لا لا، أنا لا ألزم نفسى بالكتابة إطلاقًا، فقط أهيئ نفسى ولكن، مثل الصياد أرمى الشباك ثم قد لا يأتى ولا حتى ( بسارية).

فى الماضى مؤكد كنت تلزم نفسك لتنفيذ سيناريو؟ 

- لم أفعل ذلك ولا مرة، سأقول لك على شيء لا يعرفه أحد، أنا لا أمضى على أى عقد باستثناء ربما أول وثانى فيلم لي، ولكنى بعدهما لا أتعاقد إلا عندما أنتهى من الكتابة وتوافق الرقابة والمخرج والمنتج على السيناريو، وأراجعه والفيلم يدخل حيز التصوير، ساعتها أمضى العقد حتى لا يستعجلنى أحد، لاحظ إن أنا أصلا كاتب إذاعى، فأنا محترف، حتى عندما كنت أكتب مسلسلًا  للإذاعة على مدار الشهر كله كنت أقدم خمس حلقات بخمس حلقات.

لو كتبت أول خمس حلقات وتم تسجيلها ومطلوب خمس حلقات أخرى نفترض لا يوجد بداخلك إحساس إبداعي، أو مزاج كما قلت ما العمل؟

- دى هى الحاجة الوحيدة اللى لازم أكون ملتزما بها، على سبيل المثال أذكر من أنجح المسلسلات التى قدَّمتها للإذاعة مسلسل «الدنيا على جناح يمامة» لـ«محمود عبدالعزيز» و«نجلاء فتحي»، والمخرج «يوسف حجازي»، تصادف إن شهر رمضان توافق فى نفس التوقيت مع رحلتى السنوية إلى مهرجان «كان» فلما طلبوا منى أكتب المسلسل قلت لهم لأ رمضان آخر الشهر، وأنا لازم أسافر مهرجان «كان» صمموا إنى أكتبه كان وقتها «فهمى عمر» رئيس الإذاعة قلت لهم أسلم لكم خمس عشرة حلقة وقبل أن تنتهي أكون رجعت وأكمل الباقي، فقال لى «فهمى عمر» جملة أتذكرها إلى الآن: (القصب لا يغطى خائف) باللكنة الصعيدية، فقال له «أمين بسيوني»: لو وحيد تأخر أنا اللى هأكمل المسلسل، وسافرت «كان» فحدث شيء ما وقتها وتعطل الطيران فكتبت حلقة فى مطار «أمستردام» وبعتها بالفاكس.

قلت لوحيد أتذكر الكاتب الإذاعى الراحل «سمير عبدالعظيم» قال لى إنه يكتب بناء على ردود فعل الناس؟

-  أنا لا أفعل ذلك إطلاقا «ما ينفعش تشوف الناس عاوزة إيه وتكتبلها»، فرضًا الناس ماشية غلط، ولعلمك هذا النوع دارج الآن ما يعجب وما الذى لا يعجب، الكاتب المفروض أن يقدم جديدًا للمتلقى ولا بُدّ أن يرتفع بمستواه وإلا يجلس فى بيته أفضل، لا تكتب قطعًا بالضرورة عكس ما يريده الناس، ولكن عليك أن تكتب ما تعتقد أنه المنطق والصواب وقد يتفق بعدها أو يختلف مع الأغلبية.

هناك قاعدة مهمة جدًا فى الكتابة «لا تطاوع الجمهور ولا تطاوع الحكومة» إنما لا تنفصل عن الجمهور،  لا بُد أن تعايش المشاكل الحقيقية التى يعانى منها الناس، وأعتقد إن أغلب شغلى من البداية وحتى النهاية كان نابعًا من مسألة إحساسى بمشاكل المجتمع لا يجوز تنفصل عن الناس إنما خذ من الناس واكتب لهم.

 قبل ما نوصل لمرحلة الإذاعة هل كانت مرحلة الطفولة تنبئ بشيء نظرًا لأنك من عائلة لا علاقة لها بالكتابة والأدب والفن؟

- أهلى فعلا ليس لهم علاقة بمسألة الكتابة، ولا الفن عمومًا، لكن الحكاية ببساطة شديدة، خالى كانت معه الابتدائية القديمة، ويُعتبر مستنيرًا، فكان يقرأ الروايات القديمة «الهلال»، أما أنا فكنت أقص الصور وأحتفظ بها وهذه كانت بداية علاقتى بالكتابة، لكن بداية حبى للأدب يرجع الفضل فيه للأستاذ «العوضى» بالمدرسة الإعدادية حين أسندوا إليه أن يصبح أمين المكتبة، وطبعًا أغلب الفلاحين كانوا لا يقرأون فى هذا الوقت، المهم عملوا غرفة للمكتبة وكان من حسن حظى إنه طلب منى أن أساعده فى تبويب المكتبة، هذا الرجل كان يسمح لى أن أستعير الكتب حتى وصلت إننى استعرت واحدًا وعشرين كتابًا مرة واحدة، رغم أن قانون الاستعارة من المكتبات أن تستعير كتابًا وترجعه وتأخذ آخر وهكذا إنما تستعير أكثر من كتاب كان ولايزال ممنوعًا، وطبعًا كان أهالينا عندما يدخلون علينا يجدوننا فاتحين الكتب دون أن يعرفوا إن كان كتاب المدرسة أم رواية، فى هذه الفترة تحديدًا «فترة البناء» قبل الانتقال للقاهرة، كانت هناك مجموعة كتب بتطلع أيام دكتور «عبدالقادر حاتم» كان الشعار هو مصر كل ست ساعات كتاب، وأيضًا فيه سلسلة روايات عالمية وكان كل يوم تطلع قصة مترجمة مختلفة، كنت أشتريها من بائع الجرائد بـ«3 قروش»، وبدأت أكتب قصة قصيرة وأنا فى المرحلة الإعدادية وأروح للطلبة الأكبر منى خصوصًا طلبة المعهد الدينى وأقرأ لهم القصص «تحت الجميزة» مثل مسرحية «يوسف عوف» يقولو لى حلو. وتكرر الأمر كثيرًا حتى وصلت إلى المرحلة الثانوية والتى أحدثت طفرة فى حياتى.

 كنت فى أية قرية بالزقازيق؟

- قرية «بنى قريش» التابعة لمينا القمح، ودرست فى مدرسة (شنبارة) الإعدادية التى كانت مدرسة «أحمد زكى».

 هل لحقت أحمد زكى فى المدرسة؟

- لم أره لكن علمت أنه كان طالبًا فيها من قبل، أهم شىء فى تلك الفترة، هو الطريق الذى كان بين قريتى وبين مدرستى الإعدادية مسافة حوالى 2 كيلو متر على طريق زراعى أقطعه يوميًا سيرًا على الأقدام. كان أهم مشوار فى حياتى.

 قلت لى ذات مرة أنك لم تكن فى تلك المرحلة ترتدى الحذاء؟

- كلنا كنا نروح المدرسة حفاة واحنا صغيرين فى ابتدائى.

 كان وقتها ثقافة القرى إنك تعلم ابنك القراءة والكتابة؟

- كان الأزهر واللى يودى ابنه المعهد الدينى كانوا بياخدوا حاجة اسمها «جراية» اللى هى الطعام، لكن أنا أبويا ودانى مدرسة مثل أولاد الأكابر، ورحت «الكُتاب» لكن لم أُفلح فيه بالكثير حفظت عددًا قليلًا من قصارى السور، فى قريتنا فى هذا الوقت لم نكمل عشرة أشخاص متعلمين، أما الآن فى كل القرى لا يوجد شخص غير متعلم.

 المرحلة المهمة فى حياتك فى مرحلة التأمُّل وأنت تسير على الأقدام فى طريقك للمدرسة ما الذى تتذكره عنها؟

- هذه هى أهم مرحلة فى حياتى، كنت أعيش خلالها أحلام اليقظة، فى القرية كانت الغجريات يقرأن الكف والودع لأمهاتنا فتلاقى طفلًا يجلس بجوار أمه فكانت تقولها ابنك لازم يطلع ضابط.

كان زمان فيه مدرسة اسمها مدرسة (المعلمين) والدى صمم أن ألتحق بها لهدف غريب جدًا علشان أشتغل مدرس فى البلد وآخذ أجازة 3 شهور، أعتقد من أنقذنى من هذه المسألة بزيارة خاصة للبلد الأستاذ العوضى قال لوالدى لا لا وقد كان.

النقلة المهمة عندى كان «نادى القصة» اللى فى شارع قصر العينى عمل مسابقة للقصة القصيرة وقدمت فيها، فوجئت إنها فازت فى المستوى الخامس وبعتو لى، وقتها قلت لنفسى ده الموضوع بجد بقى، اعتراف من نادى القصة و«يوسف السباعى».

كانت تذكرة القطار من الزقازيق للقاهرة نصف جنيه، وأصبحت أتردد على نادى القصة وأحضر الندوات وتعرفت على الأساتذة يوسف السباعى و«يوسف الشارونى» و«محمد عبدالحليم عبدالله» و«توفيق حنا» كان صديقى، والأستاذ الصحفى محمد صدقى وجد رواية لى بهر بها وبدأ يكتب عنها فى جريدة (الجمهورية) ويقول أنا أبحث عن مؤلفها، أيضا عباس خضر، وفى ذلك الوقت كان الوعى لدىّ قليلًا نوعًا ما ولم أكن أعرف علاقة «عباس خضر» بـ«سيد قطب».

جئت إلى القاهرة سنة 1962، بعد المرحلة الثانوية، كنت قد تقدمت بأوراقى بكلية التجارة، وكان وقتها ندوة «نجيب محفوظ» وسمعته يقول: أنا لو كنت أعرف إنى حكون كاتب ماكنتش درست فلسفة وكنت درست أدب، فقلت لنفسى طيب أنا إيه اللى حيودينى تجارة «اعتبرت نفسى كاتب»، كنا وقتها أنا و«جمال الغيطانى» و«عبدالرحمن أبو عوف» و«أحمد هاشم الشريف» وأسماء عديدة أخرى، نجلس بجوار «نجيب محفوظ» وعندما يدخل فى جدل مع سيدات كازينو «صفية حلمى» يتبادل معهن الكلمات من نفس عينة كلماتهن، أقصد بها مساحة من الشغب والمباشرة حتتوافق معهن،كان لا يخجل منا ولا نخجل منه، جاء لى إحساس إنى واحد منهم وأمشى على خطى الأستاذ.

كانت هناك مشكلة عن كلية الآداب ولو جبت سيرة تلك الكلية فى البلد عندى أترجم فورا بالطوب، الحكاية إن فيه واحد عندنا دخل كلية الآداب اسمه الأستاذ «عشرى» وفى الإجازة الصيفية الكل بينزل بلده ويتجمعوا فى مناقشات على «المصاطب» فى ضوء القمر، قال الأستاذ «عشرى» إن مفيش ربنا، ولعت القرية كلها، انتهى الحال بـ«عشرى» إنه قاعد لابس جلبية بيضاء متسخة منبوذ من الجميع، مثل المجاذيب، فقالوا وقتها كلية الآداب بتطلع ناس «كفرة» فلا أستطيع أن أذكر اسمها حتى، وهذه كانت قصة كلية الآداب فى قريتى، لكننى التحقت بها سرًا دون أن يعرف أحد حتى والدى، ووجدت أنى مقبول فى قسم الاجتماع.

 كنت قاصد تدرس علم اجتماع؟

- لا، لم أفكر جاءت هكذا، وفى الوقت نفسه كنت قد حققت خطوات كبيرة فى عالم الكتابة كنت بدأت أكتب للمسرح، وبدأت أعمل برامج فى الإذاعة 46 / 120.

 مثل «من الجانى»؟

- أه والحل بالليل.

 هذه كانت البدايات فكيف دخلت مبنى ماسبيرو؟

- أفتكر كنت رايح أستلف من دكتور «نبيل منيب» 2 جنيه، قال لى مش معايا لكن ها أروح الإذاعة أسجل تمثيلية وتقبض على طول بس تعال معى، وانتظرته فى استراحة الإذاعة والحقيقة سجل وأعطانى الـ2 جنيه وكان الاثنين جنيه قيمة وده كان أول دخولى مبنى الإذاعة.

فى نفس اليوم تقريبًا حصلت حكاية كانوا يعملوا المسلسلات خمسة وربع، وباللغة العربية قال يعنى حزن على نكسة 67، لكنها طفّشت المستمع،كان وقتها آخر الشهر يوم 26 واتفقنا نغير رسالة فبراير تبقى بالعامية وعمل اجتماع عاجل كان الله يرحمه والمخرج المسرحى جلال توفيق قال لهم: بصوا أنا أعرف ولد يكتب مسرح عندنا ممتاز، الإذاعى «على عيسى» وقتها طلب منى أكتب للإذاعة، قلت لهم لا أعرف فأعطانى (اسكريبت) وقال لى تكتب مثل هذا، كررت له لا أعرف وكان (46/120إذاعة) المسلسل الشهير لم يكن يكتبه غير «العتاولة» الكبار منهم على شاكلة عبدالرحمن فهمى، لما أنا آجى عيل صغير من الاستراحة أكتب مسلسل وينجح، كان مسلسلا يُشارك فيه محمود مرسى وسميحة أيوب، وبعدها محمود مرسى يقول هاتوا لى المؤلف ده بصوته المعروف. ومن الطرائف إن أحد المخرجين كان مستكثر عليّ أنى أعمل مسلسل كل الناس الحقيقية كانت مستكثرة عليّ.. كان رأيهم إنى أعمل الأول خماسية.

 محمود مرسى إذا لم يعجبه الكلام يضرب المؤلف فورًا كان معروف عنه الحكاية دى، أنا كنت أخاف أروح الاستوديو، فى الوقت ده «محمود مرسى» بيقول فين المؤلف ده، بقيت خائف أروح لكن تشجعت ورحت ولقيت الراجل لطيف وهنأنى؛ وبعدها صارت علاقة بينى وبينه وبين سميحة أيوب وكوكبة كبيرة من النجوم، وبعد ذلك قابلت مخرجًا عظيمًا اسمه «مصطفى أبو حطب» عرفت مصطفى أبو حطب وظللت أتعامل معه حتى وقت مرضه، أعتقد أن «تحية كاريوكا» كان لها دور كبير فى علاجه.

 هى كانت ساكتة دماغية مثلا؟

- لا أعرف ما الحكاية لكن عندما رأيته فى طرقة الإذاعة نادانى، وقال كلام غير مرتب وغير واضح؛ فانتبهت أن لديه مشكلة فى النطق، فقال لى أنا أبوحطب عايزك تعملى مسلسل.

واستكمل «وحيد» وهو يستعيد ذكريات بداياته فى الإذاعة: أنا لم ألق ريق حلو فى الإذاعة إلا من كاتب الله يرحمه «عبدالرحمن فهمى» أخذنى بالحضن وقال لى أنت كاتب كبير وهو والد الموسيقار ياسر عبدالرحمن.

 وأيضًا كاتب جديد وهو «فراج إسماعيل» علمت أنه كان يشتغل فى قطاع الإنتاج.

بعد ذلك عملت مسلسل «طائر الليل الحزين» جاء المنتج «مخلص شافعى» أخو «منيب شافعى» رئيس غرفة صناعة السينما السابق، يشتريه من الحلقة السابعة، قال لى نشترى منك القصة ونجيب كاتب محترف يكتب السيناريو، رفضت وقلت له لا (أنا اللى أكتب السيناريو).

 وأنت عمرك ما كتبت سيناريو؟

- إطلاقًا، ولا لى أى محاولة، حتى لو فاشلة، أيضًا كنت أكتب للمسرح من قبلها كان سيخرج لى وأنا عيل صغير جدًا مخرج كبير هو الأستاذ «نبيل الألفى» فى المسرح القومى، لكن وقفها الله يرحمه ويحسن إليه «الشيخ الغزالى» خطب فى خطبة جمعة، ضد المسرحية، كان اسم العمل «أحزان الفتى المسافر»، والفكرة عبارة عن أبواب، باب العقلاء رقم 17 الذى يستقبل أموات مصر على أساس إن كل دولة لها باب فيه جهاز، أخضر الجنة ونعيمها والأحمر جهنم وبئس المصير وهكذا؛ فجاء رجل دخل من الباب (المصباح) ولع أصفر فالملائكة تسأله أنت معاك ممنوعات؟ وفتشوه تفتيش ذاتى مفيش معاه حاجة خالص، فقال له اخرج وادخل مرة أخرى ويضعه أمام الجهاز وكأننا الآن، الملائكة قالت له يرجع ويدخل ثانى نفس الحكاية فقالوا له أنت معك إيه هات من الآخر؟ قال أنا معى أحزانى فقالت الملائكة نحن لا نقبل هنا أحزان يا إما حسنات أو سيئات فقط، الأحزان دى ارميها على الباب وادخل أنت ونصيبك، فالفتى المسافر ده جلس يفرغ فى الأحزان، وكانت ترمز إلى أحزان مصر وبعدها وكالعادة فتحت عليّ كل الأبواق والاتهامات، من نار الكفر والإلحاد.

 الغزالى عرف حكاية المسرحية عندما بدأت الجرائد تكتب عنها؟

- لا كان وقتها رقابة المسرح ماسكها الأستاذ «أحمد حلمى» وكانت المسئولة عن السينما السيدة العظيمة «اعتدال ممتاز» لكن أحمد حلمى رفض المسرحية حقه.

إنما عندما قرأت مدام اعتدال ممتاز المسرحية وطلبتنى كى أحضر عندها ونظرت إلىّ وأمسكت بقلمها وقالت أنا وافقت لأنى لا أستطيع فى عمل مثل هذا أن أحبط الكاتب، الأمر الذى أغضب حلمى فأخذها وأعطاها للشيخ الغزالى.

 كان يرى فيها تفاصيل ضد الدين؟

- كان نبيل الألفى فى ذلك الوقت رئيس هيئة المسرح، كانت إحباطات مبكرة والمسرح القومى، لم يكن أحد يقدر يعاتبه وقتها نهائى، إلا الكبار أمثال ميخائيل رومان وسعد وهبة ونعمان عاشور ويوسف إدريس وغيرهم.

 هل أصل المسرحية لايزال لديك؟

- ضاعت أنا ضيعت أشياء كثيرة جدًا.

 معنى ذلك إن أعمالك لو لم تُنفذ فلن تحتفظ بالأصول الخاصة بها؟

- حتى الأعمال اللى اتنفذت لم أحتفظ بشىء، أنا أحاول حاليًا أجمع الأعمال التى ضاعت منى، ولكن مع الأسف أغلبها لم يعد فى حوزتى.

 هل الإقامة فى القاهرة كانت صعبة والنقلة صعبة من الريف إلى القاهرة؟

- أنا جئت على الوسط الفنى وليس فقط القاهرة، عندما جئت إلى القاهرة خلال فترة الدراسة سكنت فى «درب الجماميز» ذكرياتى وكتبى القديمة هناك، كنت واخد شقة صغيرة أوضة وصالة، تلك الفترة ثرية جدًا، وهناك عرفت الكاتب مصطفى محرم كان ساكن فى حارة اسمها «السادات» وأنا كنت ساكن فى حارة اسمها «حارة الوزان» كان معروف هناك إنه «مصطفى بيه» كل ما يمشى فى الشارع كل الناس تقوم تعظم له لأنه كان يكتب وقتها، وعرفونى به وقالوا له الكاتب الناشئ «وحيد حامد». أنا أعتبره أستاذى لأنه علمنى، ورأيته وهو يعمل مع أشرف فهمى مرة فى كازينو «صفية حلمى» لوضع اللمسات الأخيرة وقتها لفيلم «ليل وقضبان».

كان فيه ممثل مجتهد جدًا اسمه «محمد عنانى»، هو الذى عرفنى على «كرم النجار» وقال إنه عنده شقة غرفتين؛ أخدت غرفة وكرم غرفة، عشت معه حتى تزوجت.

 إيه حكاية أنك لم تعرف أنه مسيحى الديانة إلا بعد سنوات من العيش معا؟

- ولا عمرنا فكرنا بالشكل ده، لا أنا ولا هو، عرفت بالصدفة، عندما جاء خطاب له من النيابة واسمه مكتوب رباعى «كرم وديع بولس النجار» فعرفت أنه مسيحى، كرم عندما التقيت به كان كاتب مسلسل شهير جدًا «محمد رسول الله»، واسمه معروف ومقترن بأشهر مسلسل إسلامى يتابعه الملايين.

 كرم كان يسبقك بخطوة؟

- كرم كان متحققًا وموجودًا فى التليفزيون وأنا فى الإذاعة، من الطريف إن الأزهر أرسل له جواب شكر قال فيه: «أحييَ فيكم حسن إسلامكم»، أيضًا سمير سيف اشتغلت معه ولم أكن أعرف أنه مسيحى؛ لم يكن يشغلنا هذا الأمر ولم نكن نسأل عن الديانة إطلاقًا ولا تفرق، إلا إذا كان الاسم يشير مباشرة للديانة، غير كده لا أحد يهتم أو يسأل.

 كنت فى فترة من الفترات زميلًا صحفيًا لنا فى مؤسسة (روزاليوسف) على يد الأستاذ الراحل «لويس جريس»؟

- بصراحة لأنه كان سيعيننى، بمرتب ثابت وأنا قطعًا كنت أحتاج لدخل ثابت.

 ما الذى جعله يفكر فيك كصحفى وهو عرفك وأنت كاتب درامى؟

- لم أكن موظفًا فى أى مكان لسبب بسيط جدًا إن الوظيفة كانت تمنح الجامعى 25 جنيهًا وأنا كان أقل عمل لى فى الإذاعة يضمن لى 50 جنيهًا، وكنت بأعمل فى مسرح المتحدين، وقتها مدام سناء جميل رشحتنى وقالت للأستاذ لويس جريس، (لوى) حبيبى فى كاتب كبير اسمه «وحيد حامد» ولما قابلنى قال لى طيب ما تيجى تشتغل عندنا فذهبت للعمل كصحفى وقال لى تبقى صحفى فنى رفضت وقلت له مينفعش أكتب عن زملائى، أرسلنى للأستاذ «منير عامر»، كلفنى بكتابة واحد من هذين الموضوعين الأول عن القاهرة بعد الساعة الثانية ليلًا أو موضوع عن المتحف المصرى، وافقت واخترت المتحف المصرى وبالفعل ترددت ثلاثة أيام على المتحف، وقابلت أجانب ومصريين هناك؛ لكن مش عارف أكتب فذهبت إلى «منير عامر» وقلت له أنا دماغى كلها فيها دراما، ما ليش دعوة بالصحافة.

 مع إنك بتكتب مقالات صحفية منذ التسعينيات؟

- نعم لكن متى كتبت صحافة لو رجعت بالزمن أيام «عادل حمودة» بعد مقتل «فرج فودة» فجن جنونى وانفعلت فكلمت عادل وقلت له أنا ح أكتب مقالًا، قال لى اكتب يا أستاذ وحيد، وأنا لم يكن بينى وبينه سابق معرفة، ولذلك فاكر أول مقالة كتبتها حتى إننى اقتبست عنوانها من مسرحية عالمية اسمها «استيقظوا أو موتوا» وهذه كانت أول مقالة ثم توالت المقالات بعدها لأنى وقتها كنت وقفت على قدمى

 هذا الطريق الذى فتح بعد ذلك كتابة فيلم «الإرهاب والكباب»؟

- كان مقالا وكنت سأنشره لأننى كنت وقتها أكتب كل أسبوع، بالصدفة جاءنى المنتج عصام إمام، ولم أكن جالسًا على المائدة فقرأ المقال، وعندما جئت بادرنى قائلا ده ينفع فيلم، وطلب منى ألا أرسل المقال حتى لا يسطو أحد على الفكرة وقد كان.

بمبادرة منك قررت أن تكتب، ولكن فى المرحلة الأخيرة لم تعد تحرص كثيرًا على الكتابة الصحفية؟

بمبادرة منى قررت أن أكتب وبمبادرة منى قررت أن أنسحب بإرادتى.

مرة قابلت الصحفى والمخرج مدحت السباعى قلت له مرتبك كام يا مدحت قال 90 جنيهًا فلم أشعر أننى قد خسرت شيئًا بعدم تعيينى فى مكان ما، فى بدايتى فى الإذاعة كنت أتقاضى أجر 8 جنيهات ثم 12، ثم قدمت مسرحية للإذاعى شريف خاطر كان اسمها «الرجل الذى يريد أن يضحك» كان أجرى 8 جنيهات وأعلى أجر 20 جنيهًا كان وقتها أكبر أجر يدفع لمؤلف فى الإذاعة عن الربع ساعة، وفى الحقيقة اقترابى من أستاذ سمير خفاجة، وفر علىّ الكثير، كنت أراها فى مناسبات كثيرة جدًا فقالت لى «وحيد» هو مش آن الأوان علشان تكتب لى دور، فقلت لها حاضر يا مدام سناء، فى يقينى كنت شاهدت سناء جميل فى (الزوجة الثانية) وقلت إن هذا هو قمة الأداء، ففكرت كثيرًا إلى أن وفقنى الله وكتبت فيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة» وأبدعت. كنت أكتب وأمامى سناء وهذا الشىء لم يحدث معى غير مرتين فقط، سناء جميل ونبيلة عبيد، نبيلة لها قصة، كانت اشترت قصة فيلم «الراقصة والسياسى» وأعطتها لأكثر من كاتب لإعداد السيناريو، أنا بالصدفة كنت فى مكتب المنتج «إبراهيم شوقى» وقابلتها عنده، فقال لى إبراهيم بشكل تهكمى: بيقولوا عليك أفضل وأغلى كاتب فى مصر ما تاخذ هذه القصة تعملها، فقلت له أمام نبيلة «للأسف لا أفصل قصصًا لفنان محدد» مزيدًا من الاستفزاز قال لى أنت لا تعرف تعملها، فقلت له أنا أعملها بإصبع قدمى، ورطت نفسى من باب العند، وأنا كنت مذاكر «نبيلة عبيد»، فوجدت سطرًا فى القصة لفت انتباهى فلقطها وعملت (الراقصة والسياسى).

الله يرحمه سمير سيف قبل وفاته بأسبوعين بالضبط كان المنتج «جابى خورى» عامل أسبوع لأفلام «نبيلة عبيد» فى سينما كريم وعملوا ندوة للراقصة والسياسى وكان يحضرها أبناء إحسان عبدالقدوس، سمير سيف أول جملة قالها فى الندوة لولا «وحيد حامد» ما كان لهذا الفيلم أن يرى النور، وسمير مخرج كبير وشهادته من ذهب.

ما هى الجملة التى نورت معك فى «الراقصة والسياسى»؟

- (أنت بترقص بلسانك وأنا بأرقص بوسطى)، هى دى الحدوتة كلها وهى سر موافقتى على تحويلها لسيناريو، إنما القصة الحقيقية ملك وطرابيش، لكن هذا السطر الذى بنيت عليه القصة، النفاق السياسى، كله بيرقص كلهم كذابين. 