السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

البابا مُعلمًا!

يهتم البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية اهتمامًا كبيرًا بالتعليم بصفة عامة والتعليم الكنسى بصفة خاصة، وذلك؛ لإيمانه الشديد بأن نهضة المجتمع تبدأ بالنهوض بالمنظومة التعليمية بشكل عام.



ولكى تتضح رؤيته عن التعليم أصدر البابا تواضروس كتابه  «التعليم الكنسى»، الذى يوضح فيه رؤيته نحو تطوير المنظومة التعليمية الكنسية، والذى وضعها فى 7 محاور أساسية، وهى: «المعلم، المنهج، المتعلم، المساعدات، التاريخ،المكتبة وأخيرًا الاستنارة».

 

وقد أكد البابا فى كتابه أن هذه المحاور السبع تمثل مدخلًا نحو منظومة تعليمية كنسية ناجحة تتناسب مع معطيات الزمن الحاضر، وذلك؛ لتحقيق مستقبل أفضل. 

ويرى البابا تواضروس أن التاريخ هو أقوى مُعلم فى حياة البشر، ولذلك يرى أن معرفة ودراسة وتسجيل التاريخ فى كل زمان تُعَد من الواجبات الإنسانية التى يقوم بها كل جيل نحو الأجيال التالية، مؤكدًا أن من خلاله تتواصل الحياة ويستطيع البشر أن يعيشوا مراحل الزمن بمعرفة ويقين وفهم.

ويوضح البابا أن التاريخ يعنى الجذور والخبرة وتنشأ عنه الحضارة والثقافة والتقاليد والفنون الشعبية والأدبية، لذا؛ فإن خبرة التاريخ مفيدة لكل قائد فى مسيرة الحياة. مشيرًا إلى أن هذه الخبرة قد تختصر فى أمثال شعبية مُعَبرة تقدّم خلاصة المعرفة والاختبار الإنسانى.

وأضاف إن التاريخ يقدّم أيضًا النظرة إلى المستقبل؛ حيث نستنبط آفاق المستقبل القريب والمتوسط والبعيد من خلاله، لذلك؛ فإن التاريخ كعِلْم يدخل فى دراسة جميع العلوم والفنون والآداب واللغات والأديان، وهو بداية المعرفة لأى مجال من مجالات الحياة.

ولذلك؛ فإن الكنيسة تقوم بتدريس التأريخ فى كل منشآتها التعليمية؛ حيث تقوم بتدريس تاريخ العالم والحضارة الإنسانية وتاريخ انتشار الكنيسة المسيحية، وكذلك تاريخ مصر الوطن والأرض والإنسان، وتاريخ الكنيسة المحلية مكانًا وبَشَرًا بكل أشكالها.

ويشير البابا تواضروس إلى بعض مظاهر الاهتمام بالمجالات التاريخية، أولها المذكرات الشخصية، التى يعتبرها وسيلة مهمة فى معرفة الحقائق والأحداث والظروف التى مرّت فى حقبة زمنية معينة، من خلال حياة شخص تقلّد مكانًا أو مَنصبًا أو مسئولية مُعَيّنة فى الكنيسة.

ويرى البابا تواضروس أن هذا المجال ضعيف جدّا فى مسيرة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، رُغم أنه ذو نفع كبير ويُعتبر بمثابة أداة قوية ومؤثرة وصادقة فى كتابة التاريخ ومعرفة الخلفيات، كما يعتبر وسيلة تعليمية عبر الأجيال. 

كما يجد البابا تواضروس أن غرف الأرشيف التى توجد فى كل كنيسة أو مؤسَّسة كنسية من أهم مظاهر التأريخ؛ حيث يتواجد بها الأوراق المهمة والمستندات وعقود الملكيات والعقارات، مع الاحتفاظ بالصور التذكارية للأحداث المهمة، ولذلك يجب أن تكون هذه الغرفة مؤثثة جيدّا ومُرتبة ومصنفة؛ لأنها تُعد بمثابة «مركز المعلومات» الذى تملكه المؤسّسة. مشيرًا إلى أنه حاليًا يتم استخدام الحفظ الإلكترونى(الرقمى) بجوار الورقى.

بالإضافة إلى المظاهر الأخرى التى تتمثل فى كتاب السنكسار، وهو كتاب كنسى يُقرأ يوميّا فى القداس يسرد أحداث كنيسة محلية أو إقليمية أو عالمية، وأيضًا هناك المتحف القبطى وجمعية الآثار القبطية ومؤسّسة سان مارك للتاريخ القبطى، التى تأسّست منذ نحو 20 عامًا وتقيم مؤتمرًا دراسيّا كل عامَين يشترك فيه أكثر من 100 عالم وباحث ودارس من مصر والخارج.

 المكتبة

ولأن البابا تواضروس يرى أهمية الكتب والقراءة والبحث قام بإنشاء المكتبة البابوية، التى تضم الآلاف من الكتب. مؤكدًا أنه لا يوجد حظر على كتب، والثقافة والمعرفة هى للجميع. مشيرًا إلى توافر كل تفاسير الكتاب المقدس، سواء شرقية أو غربية، قديمة أو حديثة. مؤكدًا أن عاتق الإفراز والفرز يقع على الباحث، وهو الذى يختار المناسب له.

ويتخذ البابا من وصية الكتاب المقدس «قد هلك شعبى من عدم المعرفة» والموجودة فى سِفْر هوشع النبى منارة له، فيؤكد أنها وصية واضحة جدّا فى ضرورة توفير المعرفة لكل جيل وفى كل زمن، ومن هنا اعتبر البابا أى مكتبة هى المصدر الرئيسى للمعرفة.

ومن هذا المنطلق أسّس البابا تواضروس المكتبة البابوية، التى أقيمت على الطراز اليونانى بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، وهى مكتبة مركزية لأنها ستكون الوعاء الرئيسى للمعرفة بجوار عدد كبير من مكتبات الأديرة والكنائس والمراكز الأخرى..

وأكد البابا تواضروس أن الكنيسة القبطية كنيسة شعبية اندمجت مع الشعب فى كل آلامة وأفراحه وثقافته ولغته، كما أنها صارت عبر العصور خزانة أسرار الحضارة المصرية من آداب وعمارة وفنون وغيرها.

 العملية التعليمية

ويحدد البابا تواضروس عناصر العملية التعليمية فى المعلم والمنهج والتعلم ويعرف المعلم بأنه من يقوم بالعملية التعليمية الواجبة. مشيرًا إلى أنه ليس كل إنسان صالحًا إلى أن يكون معلمًا.

وقد صنّف البابا المعلم إلى عدة مستويات، القارئ وهو الإنسان الذى يقرأ لنفسه أو لآخرين، ويثقف ذاته بقراءاته، والمدرس وهو الذى له صلاحية التدريس ونقل المعرفة للآخرين، والواعظ والمحاضر، والباحث.

وكذلك المتأمل، وهو الذى عرّفه البابا بأنه الذى تعمّق وراء النصوص الدراسية، ثم الكاتب، وهو الذى يستطيع أن يصير معرفته وقراءاته فى صورة مكتوبة.

أمّا المنهج فيُعرّفه البابا تواضروس بأنه هو المادة التعليمية التى يقدمها المعلم ويحتوى على ثوابت ومتنوعات وتأخذ أشكالًا عديدة تبعًا لنوعية القطاع الذى يتلقى هذه المادة.

وبالإضافة إلى المناهج الكنسية يحدد البابا بعض المناهج العامة التى يتم تدريسها فى المؤسّسات الكنسية، مثل منهج التعليم الأساسى، والمقصود به المناهج المرتبطة بنظام التعليم المصرى، وكذلك المناهج الدراسية التى تقدّم فى الكليات الإكليريكية وتصل عددها إلى 25 مادة تعتمد على القراءة والفهم والبحث مع إدخال التكنولوجيا فيها، وأخيرًا المناهج النوعية، التى تقدم لقطاع معين مثل الشباب أو الخريجين أو السيدات.

كذلك قدّم البابا تواضروس شرحًا تفصيليّا عن المتعلم وتعريفه وتصنيفه؛ لينهى به رؤيته عن أركان العملية التعليمية.

 المساعدات

ويتحدث البابا بعد ذلك مُكملات العملية التعليمية، التى حددها فى عشر مساعدات أساسية، هى المبنى،المدرج، المعمل، المكتبة، المتحف، وهو المكان الذى يحفظ بعض الأشياء التى تُعَبر عن الماضى وقيمته، المسرح؛ حيث تقدم الكنيسة عروضًا ثقافية وفنية وأدبية، التى تساهم فى تقديم العملية التعليمية بصورة جذابة.

وأضاف البابا لهذه المكملات المعرض، وغرفة المعلومات وتسمى بالأرشيف،المكاتب وأخيرًا المخزن، كما يمكن أن يكون هناك ملعب رياضى لممارسة الرياضة به.

واختتم البابا تواضروس كتابه بوصفه للعملية التعليمية بأنها رحلة الاستنارة التى تنقل المتعلم من الجهل إلى الاستنارة. مؤكدًا أن جهل الإنسان يؤدى إلى انغلاق الذهن وانعدام البصيرة ويتسبب فى عبوس الوجه والحيرة، بينما العلم يؤدى إلى انفتاح الذهن ويحقق الاستنارة والفرح واليقين.

وأكد البابا أن انفتاح الذهن لا يعنى قبول أى شىء من دون فحص، ولكن يجب أن نعطى أنفسنا الفرصة لكى نفهم؛ خصوصصا أن انفتاح الذهن يتطلب دراسة وتعمقًا ووقتًا. 

وبذلك يكون البابا تواضروس استطاع فى كتابه « التعليم الكنسى» أن يؤرخ ويسجل ضوابط العملية التعليمية الكنسية؛ لتكون نواة للأجيال القادمة؛ ليبنوا عليها ويطوروها، وبذلك يضع الكنيسة المصرية فى الريادة التعليمية بصفته منارة يسعى إليها الباحثون من شتّى أنحاء العالم.