الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الإعلام المعادى والهوية 2

كيف يتم استهداف الشخصية المصرية؟

ما هى الهُويَّة؟ - هل لها نشأة الفرد تؤثر على هُويَّته؟ 



هل الوطن الذى يعيش فيه الفرد يؤثر على هُويَّته؟ - كيف تبنى الهُويَّة؟ 

هل الفرد الذى يملك هُويَّة مختلفٌ عن الفرد من دون هُويَّة؟

هل الإعلام قادر على تغيير وتغيُّر الهُويَّة؟ 

كل هذه الأسئلة يجب أن تكون أجوبتُها عند كل أب وأمّ داخل كل أسرة.. يجب أن يعلمها كل مُعلم ومُعلمة داخل المدارس.. كل دكتور داخل الجامعة.. كل كاتب وروائى.. كل هؤلاء المنوط بهم بناء الوعى الجَمعى الحقيقى داخل المجتمع وإثراء العقول بالفكر المستنير وتوجيه الشباب بأهمية الوطن والبُعد عن الاستغراب الناتج عن الاغتراب.

الهُويَّة ذكرت فى القرآن الكريم، فذَكرها الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم» (آية رقم 13 من سورة الحجرات). وكلمة شعوب تعنى قوميات وقبائل لتعارفوا، القرآن يقر بأن القوميات جُعلت ليس بإرادتكم أصبحتم قوميات فالله سبحانه وتعالى هو مَن جعلنا قوميات. وذكرها أيضًا «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَليْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولكنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» (آية رقم 30 من سورة الروم). وتتحدث الآية الكريمة عن خَلق الله للإنسان وفطرته التى فَطرَه الله عليها.

وعندما نبحث عن كلمة الهُوية فى اللغة العربية نجد هَوِيَة : فاعل من هَويَ ، هَويّة: (اسم) ، مَنْسُوبٌ إِلَى هُوَ ، هُوِيَّةُ الْإِنْسَانِ : حَقِيقَتُهُ الْمُطْلَقَةُ وَصِفَاتُهُ الْجَوْهَرِيَّةُ ، الْهُوِيَّةُ الْوَطَنِيَّةُ: مَعَالِمُهَا وَخَصَائِصُهَا الْمُمَيَّزَةُ وَأَصَالَتُهَا ، بِطَاقَةُ الْهُوِيَّةِ: الْبِطَاقَةُ الشَّخْصِيَّةُ تَحْمِلُ اسْمَ الشَّخْصِ وَتَارِيخَ مِيلاَدِهِ وَعَمَلَهُ وَجِنْسِيَّتَهُ . ونجد الهُوِيَّةُ (فى الفلسفة): حقيقةُ الشىءِ أَو الشخص التى تميزه عن غيره، الهُوِيَّة: إحساس الفرد بنفسه وفرديّته وحفاظه على تكامله وقيمته وسلوكيَّاته وأفكاره فى مختلف المواقف، أزمة الهُوِيَّة: الاضطراب الذى يصيب الفرد فيما يختصّ بأدوار فى الحياة، ويصيبه الشّكّ فى قدرته أو رغبته فى الحياة طبقًا لتوقّعات الآخرين عنه، كما يصبح غير متيقن من مستقبل شخصيته إذا لم يتيسّر له تحقيق ما يتوقَّعه الآخرون منه فيصبح فى أزمة.



عَرَّفَ «ابن خلدون» الهُوية بقولة «المقدمة لكل شىء لها طبيعة تخصُّها، وعلى هذا؛ فإن انتفاء خصوصية الشىء هو انتفاء لوجوده ونفيه «يعمم ابن خلدون الخصوصية الوجودية على كل شىء جمادًا كان أمْ نباتًا أمْ حيوانًا أمْ إنسانًا، فالإنسانُ مَثلًا له طبيعة تخصه، إلا أنه داخل هذه الطبيعة وله تنويعات واختلافات فى اللون والعرق والمنشأ والعادات والثقافات وأشكال العمل والحياة والممارسات والعلاقات ومستويات المعيشة وغيرها، ولهذا؛ فإن خصوصية الإنسان الحقيقية ليست خصوصية طبيعية.كما عَرَّفها «الفارابى» إن هُويَّة الشىء هى عينيته وتشخّصه وخصوصيته ووجوده المنفرد له، الذى لا يقع فيه اشتراك.



عندما نبحث عن معنى الهُوية اعتبر «ديكارت» أن حقيقة الإنسان كشخص تتحدد بطبيعة الأنا كشىء مفكر، يتميز بأفعال متعددة ومختلفة مثل الشك، الفهم، الإثبات، النفى، الإرادة، وغير ذلك، وأن هذا التعدد أو الاختلاف فى أفعال الأنا لا ينفى وحدتها.  وعَرَّف «بليز باسكال» أن الشخص يمكن يفقد صفاته الجسدية أو النفسية دون أن يفقد ذاته، ويعنى أن هناك ثابتًا ومستمرّا فى الإنسان رُغْمَ تغيُّر صفاته، وهذا الشىء هو الذى يمثل هُويته الشخصية. كما يرى «جون لوك» أن الوعى والذاكرة يكوّنان الهُوية الشخصية للفرد. وميز بين هُوية الإنسان ككائن وهُويته الشخصية، فهُوية الإنسان إنه كائن مفكر عاقل يملك جسدًا ، أمّا هُويته الشخصية فيحددها وعيُه بالذاكرة التى هى امتدادٌ للوعى فى الماضى؛ لأن الوعى هو الذى يربط بين وجوده وأفعاله فى الماضى والحاضر. كما قال «جون بول سارتر» أن الإنسان مشروع وجود مفتوح على المستقبل، يحيا ذاتيّا، ويتحقق وجوده حسب ما يفكر وما يطمح فى فعله، وبذلك تكمن هُويته.

ونخلص من هذا؛ أن الهُوية مجموع الصفات والسمات الشخصية التى تميز الفرد أو المجتمع عن غيره من الأفراد والمجتمعات، وهى صفات وسمات متغيرة تؤثر وتتأثر بما حولها، وهى بذلك متغيرة ومتطورة بحيث لا يلغيها التغير والتطور بل يغنيها ويجعلها فاعلة بشكل إيجابى على أن حقيقة الهُوية وقوتها وفاعليتها تكمن فى أصالتها وتضافر وتفاعل كل مقوماتها، فالهُوية مجموعة صفات وأحاسيس، ونمط حياة، هى فى كل شىء، فى المَلبس والمَأكل والموسيقى والفنون والثقافة، فى الحرية والمقاومة والصمود، وحُب الوطن والانتماء، وهى أيضًا نمط معيشى يتفاعل مع المتغيرات المحيطة به فيتطور وربما تتغير فى فترة من الفترات، دون الذوبان فيه.

من خلال ما سبق وبعد فهمة؛ نقدر أن نعرف الهُوية المصرية ونشرح مميزاتها وكيف ممكن أن تتأثر وهل ممكن المساس بها.. الشخصية المصرية هى كل مصرى مَهما تكن درجة علمة أو ثقافته، ابتداءً من أستاذ الجامعة المتعمق والمتفتح على حضارات عصرية إلى الفلاح البسيط الذى قد يكون لا يقرأ ولا يكتب فى عمق الريف أو صعيد مصر؛ متأثرًا بالزمان والمكان، فكل مصرى فى أعماقه تاريخ أمَّته من العصر الفرعونى وإلى يومنا هذا؛ مرورًا بمَراحل الفارسية ثم اليونانية ثم القبطية ثم الإسلام، لا بُدَّ أيضًا أن يكون متأثرًا بالمكان، أى الموقع الجغرافى المعاصر، ومن ثم فهو «عربى»؛ لأن مصر تقع فى موقع القلب بالنسبة للمتكلمين باللغه العربية، ثم هو بحر أوسطى بحُكم الإطلالة التاريخية والجغرافية على هذا الحوض العتيد الذى تكونت من حوله حضارات العالم من السَّلوم ومرسَى مطروح غربًا إلى العريش ورفح شرقًا وصولًا إلى حلايب وشلاتين.



عُمق الشخصية المصرية يتضح من خلال كتابات «جمال حمدان»؛ حيث قال فى كتابه عن (شخصية مصر) إن الاستمرارية المصرية لا تعنى التكرار؛ وإنما تعنى التراكمية الوطنية والهُوية يجسدان معًا الانتماء، سواء فى الأبعاد السياسية والقانونية والاجتماعية على وطن محدد المَعالم، ويرى البعض فى قضية الانتماء والهُوية أن الأمور ليست مجرد اتفاق بين مجموعة من البَشر فى اللغة أو الدين أو الثقافة أو الأصل أو وجودهم المشترك على أرض واحدة، لا لأنهم يعيشون حياتهم المشتركة على هذه الأسُس أو حتى على شعورهم بهذه الروابط المشتركة؛ ولكن للإحساس بالانتماء. والهُوية تلعب المواقف المشتركة والكفاح المشترك ومعارك النضال دورًا مُهمّا فى تغذية الانتماء والولاء النابعة أصلًا من حُب الوطن ومؤشر هذا الحُب هو الروح الوطنية. الهُوية المصرية هى الشفرة التى يمكن للفرد عن طريقها أن يعرف نفسَه فى علاقته بالجماعة الاجتماعية التى ينتمى إليها، والتى عن طريقها ومن خلالها يتعرّف عليه الآخرون باعتباره منتميًا إلى تلك الجماعة، هذا يعنى أنها شفرة تتجمع عناصرها العرقية على مدار تاريخ الجماعة وتراثها الإبداعى وطابع حياتها الملامح الحقيقية للهُويَّة هى تلك التى تنتقل بالوراثة داخل الجماعة، وتظل محتفظة بوجودها وحيويتها مثل الأساطير والقيم والتراث الثقافى،  ووفقًا لذلك تُحَدد الهُوية أو تُعرف بأنها «الشعور العميق الوجودى الأساسى للإنسان».



أنهى هذا السَّردَ لمفهوم الهُوية أنها طوق النجاة  الوحيد للتصدّى لأى إرهاب أو شر يحاول المَساس بالدولة المصرية، رُغْمَ المحاولات الهائلة التى استهدفت الهُوية المصرية وحاولت تغييرها عكس السياق التاريخى لها؛ فإن هويتنا المصرية صمدت أمام كل هذه المحاولات، ورُغْمَ ذلك فلم تتوقف محاولات الاستهداف، ولعل ما نشهده كل عام من فتاوَى سلفية تحرّم تبادُل التهانى مع المسيحيين المصريين، وفتاوَى أخرى تحقر من المرأة وتزدريها تعد مثالًا على ذلك.. فكل محاولات التيار السلفى للنَّيْل من الهُوية المصرية محاولة لزرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، ولكنها محاولات محكوم عليها بالفشل بفعل رفض الغالبية الساحقة من المصريين الخروج على مكونات هذه الهُويَّة.

و للحديث بقية..