الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

GERMAN لكن ابن بلد وصاحب صاحبه

هناك دائمًا رسائل يرسلها لنا الله لكى نتعلم منها حتى لو كانت الرسالة من خلال كائن أخرس..  ففى صباح أحد الأيام وكالعادة كنت أمارس مهامى المنزلية عندما سمعت صوت ابنى ينادى علىَّ ليخبرنى بأنه مساء الليلة السابقة حدث له موقف غريب جدّا.



القصة بدأت عندما كان هو وصديقه فى طريقهما للمنزل قرب الفجر فى شارع مصدّق بالدقى وأثناء سيرهما لمحا كلبًا يجلس وحيدًا فى الشارع، لم يكن هذا الشىء الغريب فى المَشهد، بل كان نوع الكلب وشكله ونظافته- وهو من سلالة (جيرمن شيبرد)- كلها أسباب لغرابة مَشهد وجوده بالطريق وحيدًا.

بما أن ولدى من محبى الكلاب نزل من السيارة واقترب منه وأخذ يربت على الكلب ويهدئ من روعه لمدة دقائق، ثم رجع ولدى للسيارة ظنّا منه أن صاحب الكلب على مَقربة منه وربما ذهب لشراء شىء أو إحضار سيارته، وسيعود للكلب فترك الكلب وعاد للسيارة وانطلق بها مع صديقه، ولكن الكلب أخذ يعدو وراءهما من شارع مصدّق حتى شارع جامعة الدول العربية وهو ينبح بشكل لا يَنُمّ عن مطاردته لهما بشكل عدائى، ولكن كأنه غارق وتعلّق بقشة؛ فتوقف ولدى مشفقًا على الكلب وأخذه وعاد للمكان الذى كان جالسًا فيه وانتظر وقتًا طويلًا ربما عاد صاحبه، ولكن بلا جدوَى، فاضطر لاصطحابه إلى شقة خالية لا نتردد عليها كثيرًا لأنه يعرف رفضى لإحضار أى حيوانات للمنزل وقدّم له الطعام والماء، ثم عاد للمنزل واستيقظ بالصباح يخبرنى بالقصة ويرينى صور الكلب ويقول لى إنه لم يَرَ فى حياته كلبًا بهذه النظافة والتربية والتدريب، والأغرب أن الكلب رفض أن يقترب أو يتعامل مع أى أحد من أصدقاء ولدى وحتى الطعام والشراب والاستجابة للأوامر، ولاحظ ابنى أن الكلب له ذوق راقٍ فى الطعام، ولاحظ أيضًا أنه حزين ومكتئب طوال الوقت، فاقترحتُ على ولدى أن يعود إلى نفس الشارع ويُعَلق لافتة بها رقم الموبايل ويكتب لمَن فَقَدَ كلبًا يتصل بهذا الرقم، وبالفعل ثالث يوم رجع إلى الشارع ووجد سوبر ماركت فسأل صاحبه: هل يوجد أحد فى الشارع فَقَدَ كلبًا «جيرمن شيبرد»؟ وكانت المفاجأة أن صاحب السوبر ماركت أكد له أن أصحاب الكلب يبحثون عنه فى كل مكان منذ أيام، وأن الأمل فى العثور عليه كان ضعيفًا لأن أى شخص سيجد كلبًا بهذه المواصفات لن يعيده أبدًا.. وقام بالاتصال بالشاب صاحب الكلب وأخبره بأن هناك شخصًا عثر على الكلب ويريد إعادته، وسرعان ما جاء صاحب الكلب يكاد يبكى فرحًا غير مُصَدِّق أنه عثر على أليفه الذى ضاع.. وحكى لولدى أن أخاه الأكبر هو مَن ربى هذا الكلب منذ كان جَرْوًا صغيرًا، ولكنه سافر للخارج منذ فترة، ومن وقتها أصيب الكلب بالاكتئاب، ويومها غافلهم وفتح باب الشقة ونزل للشارع يبحث عن صاحبه الذى ربَّاه ودرَّبه، ولكن الذى حدث أنه تاه ولم يستطع العودة للمنزل.

وقال إنه كان قد فَقَدَ الأمل فى العثور على الكلب بعد اختفائه وكان يبكى لأمّه التى قالت له بالحرف: (ياحبيبى متزعّلش نفسَك مِسير ابن حلال يلاقيه ويرجَّعه)، وكان أكثر ما يزعجه أن أخاه سيعود من السفر ويعرف أنهم لم يعتنوا به وسيحزن جدّا لضياعه. 

سمعتُ القصة كلها ولم أتخيل أن هذا الكائن ذا الشكل المخيف أحيانًا يكون بداخله كل هذه المشاعر والوفاء، وكم كنت مخطئة عندما منعتُ ابنى من تجربة مماثلة إذا ما اقتنى كلبًا وقام بتربيته فهى تجربة تُعَلم الإنسانَ الوفاءَ وترقق قلبَه وتُشعره بالمسئولية تجاه روح يرتبط بها وترتبط به. لا تُحرموا أبناءَكم من هذه التجربة وتعلّموا معهم.