الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

طبول الحرب تدق فى اسيا:الصين و الهند.. «الصراع البارد» يشتعل!

فى  الوقت الذى تحشد فيه بكين قواتها العسكرية المختلفة فى منطقة بحر الصين الجنوبى، استعدادًا لتعزيز قوة الردع ضد احتمال التدخل الأمريكى فى قضية تايوان.. تصاعدت مؤخرًا حدة التوترات بينها وبين الهند عقب حظر الأخيرة مئات التطبيقات الصينية فى أراضيها مما ينذر بحدوث شىء ما أكبر من مجرد المناوشات الحدودية بين البلدين.. ويجعل احتمال نشوب صراع إقليمى متعدد الأطراف مسألة واردة وغير مستبعدة، مع شكوك تقترب حد اليقين بأن البلدين لا يمكنهما المغامرة بدخول حرب واسعة النطاق، بما يحول المواجهة بينهما إلى حرب فناء آسيا.



 

ارتفعت وتيرة الصراع البارد بين نيودلهى وبكين، لأسباب بعضها اقتصادى، وبعضها ذو طابع جيواستراتيجى متعلق بالمخاوف الأمريكية والهندية من تنامى قوة الصين ونفوذها فى منطقتى المحيط الهادى الهندية وآسيا الوسطى من خلال المشروعات الضخمة المرتبطة بما يعرف بمشروع طريق الحرير الجديد، الذى سيكون له تأثير كبير فى تغيير التوازنات الجيوسياسية فى العالم. ينبئ بتطورات دراماتيكية خطيرة على الأرض، ويشير إلى أن المواجهات الأخيرة بينهما على تخوم الهيمالايا تخفى وراءها أسبابًا استراتيجيةً شديدة الأهمية بالنسبة للدولتين.

صراع رقمى

التطورات السريعة للأزمة الحدودية الأخيرة بين البلدين قد تجاوزت حدود التوقعات، إذ تحولت إلى صدام متعدد المستويات (تجارى - تكنولوجى - عسكرى) بعد أن شاركت الحكومة الهندية الولايات المتحدة فى قمع شركات التكنولوجيا الصينية وقامت بحظر - حوالى 224 تطبيقًا صينيًا - خلال الأشهر الثلاثة الماضية بحجة «حماية السيادة والأمن القومى»، وأهم تلك التطبيقات وأشهرها «ويتشات» و«كيوكيو» للمراسلة و«ويبو» وتيك توك للتواصل الاجتماعى و«رايز أوف كينجدومس» وبابجى للألعاب.

خسائر بالمليارات

وذلك رغم تحميل الشركات المحلية الهندية خسائر تقدر بالمليارات جراء هذا الحظر، بالإضافة إلى القبول الكبير الذى تحظى به هذه التطبيقات الصينية فى الهند، إذ إن عدد تنزيل تيك توك تجاوز 500 مليون مرة فى البلاد، كما أن لعبة بابجى تعد اللعبة الأكثر رواجًا لدى الهنود، حيث بلغ عدد لاعبيها 50 مليونًا، فضلاً عن فقد عدد كبير من مدونى بلوجر والعمال الآخرين أعمالهم بسبب الحظر. فيما اعتبرت الحكومة الصينية الحظر الهندى انتهاكًا واضحًا لقواعد التجارة الدولية.

تحريض أمريكى

وقد سبق حظر تلك التطبيقات الصينية فى نفس التوقيت من العام الماضى، قيام الهند باتخاذ إجراءات خطيرة بشأن إقليم كشمير وضمه إليها لاستفزاز باكستان الحليف الاستراتيجى للصين والمرتبطة معها بمشروعات كبرى – الأمر الذى فسره المحللون – بأن نيودلهى تستهدف دفع إسلام آباد لعمل عسكرى وجر المنطقة التى تعتبر من أهم محطات الحزام والطريق (مشروع الصين العظيم) إلى نزاع مسلح بهدف عرقلة مشروع بكين وتعطيله بإيعاز من واشنطن، ولكن فشلت الهند فى ذلك فلجأت إلى المناوشات على الحدود.

حرب إعلامية

هذا إلى جانب مشاركة كوادر هندية بارزة فى الحملة الإعلامية التى رافقت الحرب الدبلوماسية التى شنتها واشنطن منتصف العام الجارى ضد الصين، للطعن فى شرعية نظام الحكم فى بكين، واتهام الحزب الشيوعى الحاكم والرئيس الصينى شى جين بينج بالسعى لإقامة إمبراطورية عالمية، ونفذتها مؤسسات إعلامية كبرى حول العالم. 

تحالف رباعى

مما يعنى أن تصعيد الصراع، واحتمال الصدام بين القوتين الآسيويتين، قد زاد إلى حد غير مسبوق، منذ واقعة الاشتباكات على الحدود بينهما قبل 3 سنوات، ولاسيما مع انضمام الهند ضمنيًا إلى التحالف الرباعى المكون من كل من الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، والذى قامت واشنطن بتشكيله تحت قيادتها لمواجهة نفوذ الصين فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

التهديد الصينى

كما دعت خطة رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى المالية، بالتزامن مع بداية الحرب التجارية التى شنها ترامب ضد الصين فى 2018 إلى رفع التعريفات الجمركية على الواردات بشكل يستهدف مباشرة الواردات من الصين. وكان هدف – مودى- هو حماية الصناعة التحويلية فى الهند مما يسمى «التهديد الصينى».

التنافس التكنولوجى المحموم

وبالنظر إلى جوهر الصراع بين البلدين نجد أن النزاع بين الهند والصين لا يقتصر على المجال الاقتصادى فقط، فمن ناحية تشعر الهند بالخوف من النمو المُفرط للتنين الصينى فى آسيا، ومدى تأثير ذلك على الدول المجاورة لها، لاسيما وقد بلغ إجمالى حجم التصدير والاستيراد بين الصين ودول جنوب شرق آسيا (آسيان) 416 مليارًا و550 مليون دولار أمريكى فى الأشهر الثمانية الأولى للعام الجارى لتصبح دول آسيان أكبر شريك تجارى للصين فى التاريخ، ومن ناحية أخرى هناك التنافس المحموم بين البلدين فى مجال تكنولوجيا الإنترنت لاسيما مع التفوق الصينى عالميًا فى تقنية الجيل الخامس.

 بالإضافة  إلى الأهمية الاستراتيجية  للمنطقة النائية «أوكلام» التى تعد جزءًا من النزاع الحدودى بينهما والتى تعتبر نقطةً محوريةً للربط بين الأقاليم الشمالية الشرقية للهند وبقية البلاد، كما أن السيطرة الاستراتيجية على منطقة «بوتان» بؤرة التوتر بين البلدين تُعد ذات أهميةٍ قصوى بالنسبة للهند؛ ولهذا ترى الهند أنه من الضرورى أن تبقى خارج قبضة طريق الحرير الجديد.

المنافس المستقبلى

هذا إلى جانب مخاوف نيودلهى من تزايد التواجد العسكرى الصينى على أراضى جامو وكشمير الباكستانية، من أجل المناورات أو التدريب مع القوات الباكستانية، فضلاً عن دخول الهند على خط النزاع فى بحر الصين الجنوبى، وقد شهدنا مؤخرًا تدريبات أمريكية هندية مشتركة فى تلك المنطقة والتى تشكل بالنسبة لنيودلهى ممرًا عالميًا مهمًا للنقل البحرى، ويثير التواجد العسكرى المتزايد للصين فيه قلقها أيضًا، حيث ترى نيودلهى فى نفسها الند المستقبلى لبكين فى حقبة ما بعد تسيد الغرب، وبدأت بالفعل بالترويج بأنها بديل آسيوى للصين.

أما المناوشات الأخيرة بين الجانبين فقد حدثت على امتداد خط السيطرة الفعلية عند وادى جالوان بمنطقة لاداخ الواقعة فى جامو وكشمير، ما استدعى مناشدات دولية للتهدئة خشية اندلاع حرب بين العملاقين النوويين. 

فناء نووى

وتذهب تقديرات خبراء الاستراتيجية العسكرية إلى أنه فى حال اختار البلدان خيار المواجهة وتحاربا نوويًا أو تقليديًا، فإن ذلك يعنى اندلاع واحدة من أكبر الصراعات وأكثرها تدميرًا فى آسيا والعالم، ومن شأن الحرب النووية بين هاتين القوتين أن تهز منطقة المحيط الهادئ الهندية وتتسبب فى سقوط أعداد هائلة من الضحايا من كلا الجانبين، وأن تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمى خاصة مع امتلاك البلدين لقدرات نووية هائلة.