السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هدم الشخصيات المزيفة واجب وطني.. ولكن من يؤديه؟

قلبت بيدى جريدة منذ أيام وكنت أتثاءب استعدادًا للنوم ولكنَّ عنوانًا  استلفت نظرى واسترعَى اهتمامى فقرأت مقالًا عن التزييف وخطره بمناسبة التحقيق الذى تقوم به النيابة فى إحدى القضايا.



وأراد مخبر الجريدة النشيط أن يضع الفلفل والشطة وسائر البهارات الصحفية المعروفة على مقاله فنبّه إلى الخطر الكبير الذى يتهدد البلاد ومالية البلاد والأمن العام بوجود هذا الجنيه المزيف بين العملة الميرى المعترف بها!!

فضحكت لا على حملة المندوب على الجنيه المزيف أستغفر الله! وإنما على خطر أشد فتكًا لا بالأمن فحسب بل بالإنسانية بأكملها.

وهذا الخطر هو الشخصيات المزيفة التى عانت مصر منها الكثير فى سنينها الأخيرة.

شخصيات نادت بمبادئ ولم تكن فى اعتناقها مبادئها متصوفة منزوية على الميدان بل كانت تجول فيه بسيف من خشب تطلب المبارزة والطعان وكانت تختم مطاف كل يوم كرسول عائد من نشر رسالته وتعاليمه.

ثم ينتهى بها الأمر إلى اعتناق دين آخر وبيدها سيفها المحطم وفى سبيل اعتناق هذا الدين الجديد ما تبذله من ماء الوجه والكرامة وحب الذات.. حب الذات الذى كان قوامها ووقود حركتها.

الإتجار بالوفدية من يوم أن وجدت الوفدية أنكب ما نكبت به مصر والوفد فى الصميم.

تاريخ الوفد حافل بهؤلاء التجار الذين لا يعرفون الوفد إلا وهو ممسك بمفاتيح الكرار الذى يدر عليهم ما يشبع نهمهم ولا بأس من انتظار الكرامة لدى الباب فهى رداء معنوى لا يرى بالعين المجردة كما يرى بالعين الحافظة. مَرَّ الوفد بمحن كثيرة وفى كل منها يخرج متدين لأنه مدين والدَّين «بفتح الدال» أزمة الدنيا إذن فلتحل أزمة الدنيا عن أى طريق ولو عن طريق الخروج من المسجد أو الكنيسة.

وها هو الوفد أثناء حُكم الوزارات الماضية الأخيرة أيام أن كان ضد الغاصب يمثل التضحية فى سبيل الكرامة والوطنية.. أيام أن كان يمثل فكرة سامية هى آمال أمّة صابرة مجاهدة احتملت عهود بطش وإرهاب وبذلت مضحية دماء بنيها وشيوخها!

وها هو أيضًا الوفد بعد أن لمع له نجم ذهبى اللون يعكس أشعته على مفاتيح الدولة وبعد أن جلس على كراسى الحكم يكافئ ويرضى ويجزل ويشبع وعنده أمُّ الكتاب!

الشخصيات المزيفة أيضًا والمبادئ التى لا بأس من إعطائها إجازة!

عرفته نفسًا أبيَّة وجزوة متقدة التفت الوفد إلى اليمين فالتفت إلى اليسار وقاد حملة وجرد سيفًا وشن غارة يتبع قافلة من الزهاد المتصوفين وسار فى صفوفهم وفى مقدمتها، يقتدى بنبيه الجديد ويسير على خطاه.

ولكن كانت حياة الدنيا مقبلة ورأى زخرفها وزينتها تغرقه إلى الأذقان.

لا بأس إذن من استعمال المبادئ مطلقًا وإلى الأمام يا أنصار حرية الفكر والقلم والنشر!

ثم عصفت ريح عاصفة اقتلعت زخرف الدنيا فولى وطار وبقى شهيد المبدأ يتلفت حواليه فلمح بريق أمل ولكنه فى معسكر الملحدين ونظر إلى سيفه الخشبى وكان لايزال بيده نظرة وداع..

ورفع يده وتسلل يطرق باب المعسكر ففتح له الباب ودخل خافض الرأس تاركًا وراءه كرامة ومبدأ وأساتذة وزملاء.

ولكن مضى يوم وآخر فإذا بالرأس يعلو رويدًا رويدًا وإذا بسيف الخصم يعرف موضعه من يد البطل.

وسحب من أنفه إلى الميدان فاتشح بلباسهم..

ثم صال وجال معددًا رحمة دينه السياسى على العالمين.

قل معى لتحيى البطولة والأبطال!

إن هذه الشخصيات المزيفة.. إن هؤلاء المتجرين بالوفدية كلما أعوزتهم الحاجة شر بلاء على مصر وعلى أخلاق جيل جديد نحرص على أن ينشأ وسط جو نقى ذراته معطرة بعطر مبادئ قويمة راسخة وبعطر الأخلاق التى يتعلق بها وببقائها بقاء الأمّة.. وإذا كان لمندوب الجريدة الحق فى إبداء مخاوفه على مالية الدولة من أثر ظهور جنيه مزيف فاسد فإن لعلماء التربية والاجتماع أن يلطموا الخدودَ على ما يصيب الإنسانية والبشرية بأجمعها من ظهور هذه الشخصيات المزيفة الفاسدة.

«روزاليوسف»

(4 نوفمبر 1936م)