السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

اتهامات «التطبيع» تطارد مهرجان الجونة!

انتقادات مكررة تطارد مهرجان الجونة السينمائى منذ انطلاق دورته الأولى قبل أربع سنوات، دأب «انتشال التميمى» مدير المهرجان على الرد عليها كل عام، فقبيل كل دورة تَتعالى أصوات مرددة أنه مجرد مهرجان سياحى لا هدف له سوى أن تسير فيه النجمات على السجادة الحمراء، لاستعراض أحدث صيحات الموضة فى الفساتين، والأزياء، بينما ينبرى فريق آخر للتشكيك فى المعايير التى يتم على أساسها اختيار الأسماء المكرمة فى كل دورة، ويرد المهرجان على الانتقاد الأول كل عام بشكل عملى، وذلك بعرض أحدث إنتاجات السينما العالمية.



 

 ليصنع من نفسه منافسًا شرسًا لأعرق المهرجانات محليًا، وإقليميًا، ونافذة حقيقية لمشروعات الأفلام فى مراحل التطوير، وما بعد الإنتاج، ولعل هذا الانتقاد المتكرر كان سببًا فى إعلان الفنانة «بشرى» مديرة العمليات بالمهرجان أن الأولوية فى دعوات النجوم هذا العام ستكون للذين قاموا بالفعل بحضور الفعاليات، والأفلام فى الدورات السابقة، وليس من جاءوا للمهرجان للتنزه، أما الاتهام الثانى فلدى «التميمى» رد دائما ما يكرره بأن (مهرجان الجونة ليس كوشة عروسة) فى إشارة إلى أن اختيارات المهرجان لأسماء المكرمين تتم بشكل دقيق، ومحدد، لذلك فدائما ما تكون عدد الأسماء المكرمة قليلة جدا، بخلاف مهرجانات أخرى، يتزاحم فيها المكرمون على خشبة المسرح، كما يتزاحم المدعوون حول (كوشة العروسة) فى حفلات الزفاف.

لكن يبدو أن فى الدورة الرابعة أضيفت تهمة جديدة إلى قائمة الاتهامات الموجهة للمهرجان؛ حيث تم اتهامه بالتطبيع بسبب وجود الممثل الفرنسى «جيرارد ديبارديو» ضمن قائمة الأسماء المكرمة فى هذه الدورة، بسبب مواقفه المنحازة لإسرائيل؛ حيث دشن بعض النشطاء المناهضين للتطبيع، حملة إلكترونية ضد المهرجان، أسفرت عن بيان كان أبرز الموقعين عليه المخرج «على بدرخان» والمخرج «محمد فاضل» وزوجته الفنانة «فردوس عبدالحميد» والناقدة «ماجدة موريس» وآخرون، ومع انطلاق الدورة الرابعة للمهرجان، قررنا أن نجعل السطور القادمة مساحة هادئة للنقاش، وأن نعرض وجهة نظر طرفى الصراع، خاصة مع إصرار إدارة المهرجان على التزام الصمت حتى الآن.

-تحدٍ للسينمائيين المصريين

البداية مع الاسم الأبرز ضمن قائمة الموقعين على البيان وهو المخرج «على بدرخان» والذى يرى أن الرفض لا يعنى عدم الموافقة على حضور «ديبارديو» للمهرجان، فنحن فى مصر نستقبل سياحًا من كافة بقاع الدنيا، لكن الرفض بسبب التكريم لأن معناه أن المهرجان يقدر مواقف هذا الفنان، وهو ما لا يجوز  على الإطلاق، وبخلاف مواقفه السياسية الداعمة لإسرائيل، فلديه مواقف سينمائية مخجلة، وروج من خلال أحد أفلامه لإسرائيل، وصنع دعاية لها، كما أنه ليس بالنجم العظيم الذى سيساهم فى إحداث نقلة للمهرجان، ولا أدرى ما هو سر الإصرار الشديد على تكريمه، ولا أدرى كيف نصنع مهرجانًا سينمائيًا فى مصر ولا نهتم بآراء السينمائين المصريين! مشيرًا إلى أن عددًا من أعضاء نقابة الفنانين الفلسطينيين قد أرسلوا للموقعين قائمة بأسمائهم لينضموا إلى حملة المقاطعة، شاكرين لهم موقفهم الداعم للقضية الفلسطينية.

-اختبار كشف نوايا

رغم ورود اسمها ضمن قائمة الموقعين على البيان، فإن الناقدة «ماجدة موريس» ترى أن مهرجان الجونة بريء من التطبيع! وعن ذلك تقول: وقعت على البيان لأنى ضد التطبيع مع إسرائيل بشكل عام، لكنى لست ضد المهرجان، ولست ضد تكريم «ديبارديو» فيه، فالمهرجان لم يعلن تطبيعه مع الكيان الصهيونى، أو عرض فيلم إسرائيلى مثلا ضمن برنامجه، و«دبيارديو» ليس مواطنًا إسرائيلى الجنسية، وفى رأيى أن الحملة مبالغ فيها، وسببها يعود إلى أن المهرجان قد حقَّق نجاحًا كبيرًا منذ دورته الأولى عجز عن تحقيقه أغلب المهرجانات المصرية، وفى هذا العام يدعو المهرجان 200 سينمائى من حول العالم، ومن المستحيل أن نقيم لكل هذا العدد كشف نوايا، لنتعرف من خلاله على ميولهم، وتوجهاتهم السياسية، فلا بُدّ أن تكون قواعد التكريم فى المهرجانات السينمائية محددة، ومعروفة للجميع، وتقوم على أساس الإنجاز الفنى، وليس على الموقف السياسى، أما إذا تمت دعوته كناشط سياسى مثلا فسأكون أول المعترضين على وجوده، وأنا على يقين أنه إذا تفوه بكلمة واحدة فى مدح إسرائيل، فسيجد المئات يهبون للرد عليه، وقد يكون هذا الأمر أفضل كثيرًا من المقاطعة، خاصة أننى قرأت عنه، واكتشفت أنه رجل متقلب المزاج، وهوائى فقد اعتنق الإسلام لفترة، عندما ذهب إلى الجزائر ليقدم فيلمًا فيها، ثم تراجع بعدها، وأعلن أنه تحول من مسيحى كاثوليكى، إلى مسيحى أرثوذكسى، وعندما ذهب إلى الهند أعلن تخليه عن المسيحية، إذن فلا بُد أن نحكم عقولنا، وأن لا تشغلنا أهواء البشر وميولهم، وأن يكون مقياسنا هو السينما الجيدة، وقواعدنا للتكريم واضحة، بما لا يخالف مصلحة وطننا، ومعايير التطبيع المعروفة منذ قديم الأزل.

-هيئة مطاردة التطبيع

وعلى الجانب الآخر، يرى الناقد «محمود عبد الشكور» أن مهرجان الجونة له طبيعة خاصة، فهو مهرجان (قطاع خاص) وصاحب المهرجان له حق يكرم من يرغب طالما لم يأت بأحد من دولة معادية، أو يحدث ضررًا بالأمن القومى المصرى، ولا سيما أن فرنسا دولة صديقة، وتربطها بمصر علاقات متينة، أما كون الفنان المكرم له انحيازات ضد مبادئنا، فهذا لا يتعارض أبدًا مع حضوره، لأن الحضور بمثابة دعوة للنقاش، ومشاهدة الصورة عن قرب، بدلا من الصور المغلوطة المسيطرة على عقلية بعض النجوم الأجانب، مع العلم أن مجرد حضوره لا يعنى التسليم بآرائه، أو الموافقه عليها، فهى تخصه هو وحده، وقد يتسبب النقاش فى تغييرها، وتكريم أى شخص فى أى مهرجان سينمائى يكون على منجزه السينمائى فقط، وليس على مواقفه السياسية، ومع ذلك أحترم كل الموقعين على البيان الرافض للتكريم، فلهم مطلق الحرية فى التعبير عن وجهة نظرهم، لكنى أرفض مصادرة الرأى الآخر الذى يتمثل فى تكريم المهرجان لمن يشاء من الشخصيات، لأن القائمين على المهرجان هم مجموعة من المثقفين ولهم وجهة نظر لا بد من احترامها دون مصادرة، أو فرض وصاية، وأنا أتعجب من أن المهرجان ذاته قد كرم النجم العالمى «سلفستر ستالون» قبل عامين، والذى يحمل نفس توجهات «ديبارديو» تجاه إسرائيل، ومع ذلك مر الأمر مرور الكرام، ولم يحدث أى ضجة! فما المعيار إذن؟

 وفى السياق ذاته، يتذكر «عبد الشكور» الضجة التى أثيرت عند قدوم الفنان الفلسطينى «محمد بكرى» لعرض فيلمه فى مهرجان القاهرة، فى فترة تولى «سعد الدين وهبة» رئاسة المهرجان، وكان سببها أن «بكرى» من عرب 48، ويحمل جواز سفر إسرائيليا، رغم أنه فلسطينى حتى النخاع، تمسك بأرضه، وسجن سنوات طويلة من قبل قوات الاحتلال، ويعبر عن قضيته فى أفلامه فى حدود الإمكانيات المتاحة له، حيث يقول: أذكر أن له عبارة شهيرة يقول فيها (أأتى إلى مصر فيحاكموننى لأنى إسرائيلى، وأعود إلى إسرائيل فيحاكموننى لأنى عربى!) وللعلم فهناك إسرائيليون ضد الجرائم الإسرائيلية ومع الحقوق الفلسطينية أكثر من بعض العرب، فلا بد من إعمال العقل فى هذه المسائل، وتحديد تعريف محدد للتطبيع، لأن ترك الأمر بهذا الشكل الفضفاض سيساهم فى تعويم القضية، وسيصبح كل من زار إسرائيل غير مرحب به، رغم أن حضوره إلينا سيجعله يرى الجانب الآخر من العملة التى لا يستطيع أن يراها من مكانه، بل وسيصبح «محمد بكرى» ومن على شاكلته من المناضلين بالفن مطبعين فى نظر البعض! >