الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المخرج أمين نايفه: قدمت حكاية كل فلسطينى فى «200 متر»

«السينما الفلسطينية وسيلة مقاومة، وسعيد جدًا لظهور فيلمى فى هذه المرحلة الاستثنائية، وسعيد أكثر أنه وصل للجهمور وأن يرى الواقع الذى نعيشه اليوم فى، ولإنه واقع غير عادى ولا يمكن تجاوزه»، هكذا عبر المخرج الفلسطينى «أمين نايفة» فى بداية مقابلته مع «روزاليوسف» عن سعادته بنجاح فيلمه (200 متر) وفوزه بجائزة الجمهور فى مهرجان فينسيا فى نسخته 77. 



الفيلم نفسه يعرض فى مسابقة الأفلام الروائيةالطويلة بمهرجان الجونة السينمائى هذا الأسبوع ولهذا فإن الطريق مفتوح له لحصد مزيد من الإعجاب وأيضا الجوائز.

 

فى محاكاة لحكايته التى عاشها ومعايشته لحكايات من حوله واطّلاعه على أخرى، جاء الفيلم الذى يدور حول رجل من الضفة الغربية المحتلة فى عام 1967. بطل الفيلم يعانى من أزمة القدرة على الوصول لزوجته وأبنائه الذين يعيشون داخل الأراضى المحتلة؛ حيث تحول عنصرية الاحتلال دون لم شمل هذه العائلة، رغم أن المسافة بينهم 200 متر..!

وعن تفاصيل أفكار الفيلم ومواقف مخرجه جاء الحوار التالى:

-أعلنت عن حزنك أثناء عرض فيلمك القصير (عبور) لأن الجمهور لم يكن يعرف بقصة الجدار العازل.. وها هواليوم يتفاعل مع (200 متر) ويمنحك جائزته فى فينسيا.. كيف ترى ذلك؟

مشاركة (200 متر) فى مهرجان فينسيا كأول فيلم روائى طويل لى، هو إنجاز فى حد ذاته، وفى البداية كان يُمثل خبرًا سعيدًا جدًا لى وصول هذا المشروع لمهرجان عالمى، وعندما وصلنا وتم عرض الفيلم وتلقينا تفاعلاً دافئًا واستثنائيًا من الجمهور بالقاعة، زادت سعادتى حتى لو حصلنا على جائزة أو لم نحصل عليها. لأن أهم شىء إحساسى بأن القصة التى أحكيها وصلت للناس وتأثرت بها، وعندما حصلنا على الجائزة فى النهاية شعرت بأننا نسير على الطريق الصحيح، والجائزة من الجمهور تعنى لى الكثير لأننى من البداية كتبت فيلمًا للناس، فلم يكن هدفى صناعة فيلم ملىء بالجماليات والاستعارات، ولكن فيلمى مباشر والجمهور قدَّر هذا الشىء.

-هل هذه السعادة فقط ما جعلتك تبكى أثناء تصفيق الجمهور لمدة 3 دقائق بعد عرض الفيلم؟

بِكيت لأنه عندما استمر الناس فى التصفيق، صار أمامى شريط ذكرياتى من اللحظة التى بدأت فيها كتابة الفيلم ورحلته التى لم تكن سهلة، وكذلك تجاربى الشخصية ومعاناتى كفلسطينى مع جدار الفصل العنصرى وما حدث لعائلتى جرّاء هذا الجدار، كل ذلك رأيته أمام عينى.. بكيت تذكرت كيف واجهتنا صعوبات لإنجاز هذا الفيلم فى زمن جائحة كورونا والعالم كله «مِسَكر أبوابه»، ولن تصدقى أننى شاهدت الفيلم كاملاً لأول مرة فى قاعة مهرجان فينسيا، وأن المونتاج انتهى فى القاهرة أوائل 2020، ولكن مع الإغلاق العام تابعت كل مراحل الفيلم من صوت ومزج صوت وموسيقى وتصحيح ألوان عبر تطبيق «زووم».. كل هذه التحديات جعلتنى أبكى.

-رغم تصريحك بصعوبة نقل تجربتك الشخصية مع الجدار العازل فى فيلمك القصير (عبور)؛  فإنك تقدمها بصورة أخرى فى فيلمك الروائى الأول (200 متر).. حدثنا عن هذه التجربة؟

صحيح جدًا، لجأت للروائى لأنه كانت هناك تفاصيل إنسانية كثيرة ومواقف فى حياة كل فلسطينى عانى من هذا الجدار العنصرى والتى كان صعبًا حَكيها فى فيلمى القصير (عبور) الذى ركزت فيه على لحظة واحدة مكثفة وموقف شخصى واحد مرت به عائلتى بعدم قدرتنا على الحصول لتصاريح لزيارة جدى فى مناطق عرب 48 الخاضعة للسلطة الإسرائيلية وإخبارنا بوفاة الجد ونحن على الحاجز. وصنعت (200 متر) أيضًا لاندهاشى أثناء عرض (عبور) عام 2017 فى مهرجانات دولية أن كثيرًا من الجمهور الأوروبى لا يعلم شيئًا عن الجدار العازل؟!، ويعرف فقط هذه الصورة النمطية التى خلقتها وسائل الإعلام الغربية المنحازة للكيان الصهيونى عن فلسطين بأنها بلد التفجيرات، القتل، الاعتقال.. فكرة أن فلسطين بلد فيه أشجار وحياة عادية غير موجودة بالأذهان، هل تتخيلين أن مخرجًا يونانيًا سألنى بعد مشاهدة (عبور) عن مشهد تسير به السيارة وفى الخلفية توجد أشجار قائًلا: «لم أكن أعلم أن فلسطين خضراء»!، لأنه كان يظن أنها صحراء، بعد هذا الموقف حزنت وشعرت أننى أريد أن أصنع فيلم طريق، أريد أن أوقظ الناس برحلة، لذا كانت الجغرافيا مهمة جدا بفيلم (200 متر) لنشرح للعالم جغرافيا هذا الوطن الذى يعانى منذ أكثر من 70 سنة ! 

- وماذا عن تسمية الفيلم (200 متر)؛ هل هى المسافة التى يفصلها الجدار العازل بين القرى الفلسطينية؟

المسافة أحيانًا تكون 10 أمتار وليس 200 فقط، هذا ما تفعله التفرقة العنصرية للجدار بين أكثر من مدينة وقرية فلسطينية على امتداد الضفة الغربية من شمالها لجنوبها، واخترت تسمية (200 متر)، لأنها تعود لموقف صار أمامى قبل 15 عامًا، عندما كنت أقف مع صديق فى قرية فلسطينية وتقابلنا قرية أخرى ولكن يفصلنا الجدار، حكى لى أنه قبل الجدار كان يشعل سيجارته فى هذه القرية ويطفئها فى القرية الثانية! لأن المسافة كلها 200 متر! لكن اليوم كى يذهب صديقى لهذه القرية عليه أن يدخل القدس «تهريب» ويسير نحو 200 كيلو متر. ومن هنا كانت الجملة برأسى واخترتها كعنوان للفيلم . 

 -لعل العالم ذاق فى 2020 مرارة هذه الحواجز القسرية التى يعيشها الفلسطينيون ولكن مع جائحة كورونا؟ 

صحيح، ولكن لا يُقارن من ناحية البُعد التاريخى والألم الذى نعيشه منذ 70 سنة، لكنى أشعر أننى محظوظ بخروج فيلمى فى هذا التوقيت مع كورونا، لأن الناس أصبحوا أكثر فهمًا وتعايشًا لفكرة الحاجة للتواصل الإنسانى. هذا الذى يعيشه العالم اليوم، يعيشه الفلسطينيون منذ سنوات طويلة. 

-واجهتك تحديات إنتاجية كبيرة استمرت لسنوات لخروج (200 متر) للنور.. لماذا لم تلجأ لصندوق الدعم الإسرائيلى كما يفعل مخرجون فلسطينيون؟

مستحيل طبعًا أن أحصل على تمويل من الصهاينة، أنا ضد التطبيع الثقافى، وأفهم سؤالك جيدًا، هؤلاء المخرجون هم فلسطينيو الداخل ويخضعون لمناطق السلطة الإسرائيلية ويبررون ذلك بدفع الضرائب، لكن أنا أرفض ذلك أيضًا، فى النهاية نحن لسنا دولتين مختلفتين على حدود، وبيننا مشكلة بسيطة، هناك كيان مغتصب، لا يعترف بى ويضطهدنى منذ 70 سنة. الآن هل أعمل معه وكأنه ما صار شِى! 

-كصانع أفلام.. كيف ترى أهمية دور السينما الفلسطينية كوسيلة مقاومة ضرورية؟ 

السينما الفلسطينية بالفعل وسيلة مقاومة، ولكن الكل يحمل المسئولية سينمائيين وإعلاميين، وسعيد جدًا لظهور فيلمى فى هذه المرحلة الاستثنائية من التطبيع التى يشهدها العالم العربى، وسعيد أكثر أنه وصل للجهمور وأنه يرى الواقع الذى نعيشه اليوم فى (200 متر)، وأنه واقع ليس عاديًا ولا يمكن تجاوزه، ولا يمكن أن نتعامل معه الآن وكأن كل شىء تمام ونعيش مع بعض فى سلام!، هذه رسالتى التى أريد أن تصل وستصل مع رحلة الفيلم فى الأيام المقبلة بالمهرجانات فى لندن، قرطاج بتونس، بوسان فى كوريا الجنوبية، إشبيلية، الجونة بمصر، آيسلندا.