الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الدولة فوق الكل.. ولم أستغرب فضائح البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون لأن الإخوان تنظيم عميل

كانت كُلُّ الطرُق تقودُ إليه.. مجريات الأحداث نفسها بداية من إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى بأنه لا مصالحة مع من أراد الخرابَ لمصر، وصولًا إلى الكشف عن رسائل البريد الإلكترونى لوزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون وما حملته من دلائل قاطعة بخيانة وعمالة تنظيم الإخوان الإرهابى، وبينهما الأرقام التى أعلنها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى بخطورة قضية الانفجار السكانى على مستقبل مصر.. كل هذا كان يستدعى «موقف» الأستاذ وحيد حامد مما يجرى عندنا ويجرى من حولنا.. وحيد حامد ليس مجرد كاتب أيقونة وسيناريست كبير ولكنه قلم «مقاتل»، خاض من معارك التنوير أشرسها ولايزال إبداعُه متدفقًا كمجرَى النهر الذى لا يفارق الجلوس بجواره.. وهناك كان موعد الاشتباك مع اللحظة المصرية الراهنة وبعد فنجان قهوة وحديث ودّى قرأ خلاله الأستاذ «وحيد حامد» الصحفى الذى سيحاوره.. تحدّث خلاله عن مجلة «روزاليوسف» التى كان يكتب صفحتها الأخيرة لفترة طويلة، وكيف كانت جزءًا من تكوينه، ولايزال الرابط الإنسانى بينه وبين أبناء روزاليوسف لا ينقطع.. ثم استأذنته أن نبدأ التسجيل.. وكان هذا الحوار:



 

 فى البداية سألته عن متابعته للشأن العام، وتفاعله مع السوشيال ميديا؟ 

فكان ردّه: «أتابع الشأن العام جيدًا، ولكنى لا أتفاعل مع السوشيال ميديا لأنى بعتبرها مجرد نميمة، وبعض الناس تجاسرت فى الرأى وحدث شطط بفعل السوشيال ميديا، واكتسبوا جرأة وهمية من الكتابة خلف شاشات الكمبيوتر والموبايل ولا أحد يحاسبهم، والحقيقة تتوه على السوشيال ميديا؛ لأن كل من يكتب يرى فيما يكتبه الصواب.. وأنه يمتلك الحقيقية.. وهذه هى الغالبية.. وأصبحت متنفسًا للنميمة ولا تستطيع أن تفرز من خلالها شيئًا أصيلًا.. لكن الشأن العام أتابعه جيدًا بكل دقة».

 حسنًا فى ظل هذه المتابعة، كيف استقبلتَ إعلان الرئيس السيسى بشكل حاسم أنه لا مصالحة مع الذين سعوا لخراب مصر، وهى القضية التى سخّرت قلمَك لها على مدار عقود؟ 

- صمت للحظات، وتأمل مَشهد نهر النيل ثم رد: «شوف حكاية المصالحة مع الإخوان دى البعض بيثيرها من فترة لأخرى حتى بعد القضاء عليهم، وكانت تحتاج إلى رأى قاطع.. وأنا كنت دايمًا بقول لو فى يوم حصلتْ مصالحة مع الإخوان ده هيبقى اليوم اللى أسيب فيه مصر؛ لأنه تاريخيّا وربما الأجيال الحالية لا تعرف أنه بمجرد قدوم سنة 1928م، وتحديدًا من سنة 1932م عندما أصبح للتنظيم نشاط اقتصادى، ومعه بدأ سعيهم لإنشاء دولة خاصة بهم.. بدأ الخرابُ والانقسام يحل بالمجتمع المصرى.. تخطيط حسن البنا فى ظنّى أنه كان يؤسّس دولة داخل الدولة، وكان الهدف أن تظل دولة الإخوان تتضخم إلى أن تبتلع الدولة الوطنية الحقيقية».

 طالما الحديث عن هدف الإخوان وهو ابتلاع الدولة الوطنية الحقيقة فالسياق يفرض نفسه لكى أسألك عن قضية رسائل البريد الإلكترونى لهيلارى كلينتون، هل تابعتها؟

- «طبعًا.. ولم أستغرب؛ لأن الإخوان تنظيم قائم على فكرة العمالة.. منذ نشأة هذا التنظيم والدولة التى سعوا لتأسيسها داخل الدولة والعماله جزء مكوّن لهم.. بدأت بالعَمالة للإنجليز ثم أصبحت العَمالة للأمريكان والإنجليز سويّا.. وحاليًا عَمَالتهم لتركيا.. دولة الإخوان إذا سمحتَ لى أن أوصفهم بهذا الوصف جاهزة للبيع فى أى لحظة لأى طرَف يمكنها من هدفها الرئيس وهو ابتلاع الدولة المصرية».

 هل خيانة المثقفين كانت جزءًا من استمرار فكرة الإخوان طوال هذه العقود رُغْمَ كونه فكرًا معاديًا للإنسانية وغير قابل للحياة؛ لأنه ضد الحياة؟

- «شوف.. مش هقول عليها خيانة المثقفين.. لكن هقول أنه لا بُدَّ أنك تحسم قضية أن جماعة الإخوان تنظيم لا يعمل فى خدمة الإسلام أصلًا، ولا بُدّ أن تؤكد هذه الفكرة وتوصّلها للناس؛ لأن البسطاء بيفتكروا الإخوان بتوع ربنا.. ولما الإخوان وضعوا نفسهم فى موقف عدائى جدّا من كل فكر مستنير متقدم حاربوا طه حسين وعباس العقاد وزكى نجيب محمود؛ لأن حسن البنا كثّف كل جهده على نشر الفكر السَّلفى، علشان كده الإخوان والسلفيين واحد.. وقيامه بنشر الفكر السلفى بين الناس وأكده.. هنا كان علينا أن ندعم الفكر المستنير والثقافة.. إحنا أهملنا الثقافة وبالتالى القصة ليست خيانة المثقفين فقط.. صحيح بعض المثقفين استقطبهم الإخوان واليساريون أيضًا راحوا للإخوان».

 كيف تفسر علاقة اليساريين بالإخوان؟

- «فشل حلم اليساريين جعلهم يرموا نفسهم فى أحضان الإخوان.. انتقلوا من البارد للسخن إذا جاز التعبير.. ودائمًا أقول إن المثقف الحقيقى اللى عنده انتماء للبلد لا يمكن يروح هنا أو هنا، هيفضل ثابت وانتماؤه للبلد».

 مصر جزءٌ حاضرٌ معك فى كل جملة.. ما هى أكثر الأشياء التى تحبها فى مصر؟

- «بحب كل حاجة فى مصر وبكل ما فيها.. بالبلدى بكل عَبَلها.. مصر البلد الوحيدة اللى تبقى فرحان وأنت سايبها وتبقى فرحان وأنت راجعلها.. أنا حابب مصر بزرعها الأخضر.. بقعدتى على النيل وتدفق النهر أمامى وعارف مساره.. وحابب الناس ومقدرش أعيش بعيد عنها.. وده مش كلام إنشائى.. أنا طلعت من جوّه الناس دى من جوّه أهل بلدى.. وطلعت من تحت.. لما تسألنى عن الفلاحين أقولك عارفهم وإزاى عايشين لأنى واحد منهم.. لما تسألنى عن المجتمع المصرى عيشته من فوق لتحت.. عارف سكان المقابر شكلهم إيه وعارف سكان القصور شكلهم إيه.. شوفت الكل ولكن فى النهاية كل التكوين ده خلطة عجيبة فى مصر.. ودى بلدى إللى أنا حاببها ومقدرش إنى أتخلى عنها ومقدرش أعيش بعيد عنها».

 قائمة الأعمال التى حظرت فيها المجتمع من خطر الإخوان تطول فى الدراما والسينما وقدّمها كبار النجوم.. هل ترى أن رسالتك وصلت إلى المجتمع؟

- «لا.. لا.. أنا كتبت مقالات وعملت دراما تليفزيونية وأفلام سينما.. لكن أنت عندك على كل منبر جامع خطيب بيطلع يحرم السينما والفن وينشر الفكر الإخوانى.. ومش عاوز أكلمك على ما يحدث فى الزوايا.. ولذلك بتصدم لما بلاقى شاب لسّه عمره 20 سنة وطالع مؤمن بعقيدة الإخوان وكاره الحياة.. ولو دورت هتلاقى وراه شيخ أتلف هذا الشاب وأتلف عقله وزرع بداخله الكراهية.. لذلك انتبهوا إلى المنابر.. والمواجهة ليست فقط فى الخطبة الموحدة ولكن ما يحدث بعد الخطبة وبعد الصلاة واستقطاب الشباب لفكر بعينه.. المشكلة ليست فى المساجد ولكن فى المشايخ وفكرهم.. جماعة الإخوان وهى جماعة عميلة ودولة عميلة تمتلك اقتصاد قوى ودولى وتستطيع من خلاله نشر فكرها وبتصرف على الكلام ده.. وإذا كان إحنا عندنا كُتّاب أو مبدعين مستنيرين بيتصدوا لفكرهم وللأصولية المتشددة ففى الجانب الآخر الإخوان بالفلوس استقطبوا أيضًا كُتّاب وأدوات تنشر فكرهم بشكل مكثف وبيسخّروا أدوات كثيرة لهذا الهدف.. كُتّاب وإعلام وأدوات تكنولوجية أيضًا.. الكتب التى تحمل فكرهم موجودة على المنصات الدولية».

 هل كان لديك معارف داخل الإخوان وكنتَ تستحضرها فى أعمالك؟

- «كنت أعرف كتير منهم ومنهم مهمين جدّا داخل الجماعة.. العريان وأبوالفتوح حتى المرشد.. كانوا بيحاولوا مَد جسور الاتصال قبل وصولهم للحُكم وبمجرد وصولهم للحُكم تعالوا.. وأعتقد أن التعالى مرجعه إصابتهم بجنون العظمة أكثر من كونه مشاغل حُكم».

 دعنا نذهب إلى مسلسل (الجماعة).. فى الجزء الأول كان حسن البنا الشخصية المحورية للعمل.. وفى الجزء الثانى كان سيد قطب.. ما هى الشخصية المحورية للجزء الثالث من مسلسل (الجماعة) الذى تكتبه الآن؟

- صمَتَ كثيرًا ثم قال: «الجزء الثالث من مسلسل (الجماعة).. هو أخطر أجزاء المسلسل لو ربنا أراد وتم؛ لأنه بيشمل حقبة السبعينيات.. والخطيئة الكبرى التى ارتكبها الرئيس أنور السادات عندما أطلق سراح الجماعة الإرهابية من السجون وأطلقهم يفسدون فى المجتمع المصرى.. ولو بحثتَ فى السجلات الرسمية وقتها ستجد أنه كان هناك أوامر بعدم التعرض للجماعة.. وعصر السبعينيات هو الذى شهد بداية الجماعات الإسلامية والعنف الذى ساد وما جرى فى الجامعات المصرية من التنظيمات الإرهابية.. وبالتالى الشخصية المحورية هى خطيئة الرئيس السادات.. شوف السادات هو بطل الحرب والسلام ولكن هناك تاريخ حدث وعشناه ولا مجال فيه للكذب.. والسادات نفسه اعترف بهذا الخطأ.. ولكن حجم المصيبة التى جرَت فى حق المجتمع المصرى ندفع ثمنها إلى يومنا هذا.. وبكل مَشاهد العبث التى تراها يوميّا باسم الدين بدأت من السبعينيات».

 تاريخ المواجهة مع الإخوان متقطع من أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى وحتى اليوم.. وإن كانت المواجهة بعد ثورة يونيو هى الأكثر جرأة وصدقًا وشراسة.. كيف نستفيد من أخطاء الماضى ولا نكرّرها كى نقطع الطريق على إعادة تكوين الجماعة لنفسها حتى ولو بعد عقود؟

- ابتسم وطلب لى فنجانًا ثانيًا من القهوة، وقال: «البداية من وجهة نظرى تكون من إعادة الشخصية المصرية إلى جوهرها وأصلها.. يعنى المصريين عُرف عنهم مجموعة مكونات ثابتة فى شخصيتهم.. علينا أن نستنهضها.. يعنى مثلا المصرى دمه خفيف.. المصرى أصيل.. المصرى صبور.. المصرى جدَع.. البداية من إعادة بناء الشخصية المصرية؛ لأننا نسينا نفسنا وحصل انحدار كبير علينا أن نواجهه.. ولا سبيل إلا باستعادة الوعى.. كان فى كتاب لتوفيق الحكيم اسمه (عودة الوعى).. لازم نستعيد الوعى.. والمسئوليات مشتركة.. لكن المسئولية الأولى تقع على عاتق الدولة.. والجميع يجب أن يخضع للدولة.. والمؤسّسات الدينية ليست ندًّا للدولة.. والمؤسّسات الدينية لا بُدّ أن تخضع لإرادة الدولة.. والدولة هى التى تحدّد المسار.. وفى النهاية لا يجب أن يكون هناك من هو أكبر من الدولة.. سُلطة واحدة هى فقط التى يجب أن تكون مستقلة وهى القضاء».

 حسنًا؛ ما هو رأيك فى طلب البعض بترك ما يخص تجديد الخطاب الدينى وتنقية التراث للمؤسَّسة الدينية؟

- «وجهة نظر أختلف معها وأعتبرها قاصرة؛ لأن العلم متاح والمعرفة متاحة للجميع.. والرهان فى التجديد على من يُعملون العقل.. وربنا طلب مننا إعمال العقل.. يجب أن نفكر فيما يصلح لزمننا».

 البعض خطابه هو اتركوا شئون الدين لمتخصصين واذهبوا أنتم لمشاغلكم.. فما هو ردك؟

- «لا.. لا يمكن تكون الأمور هكذا؛ لأنك تمس حياة الناس ومصيرهم.. العلم متاح والمعرفة متاحة.. المعرفة لم تعد سِرّ ولم تكن سِرّ.. فى هذا العصر عندما تحتاج فتوى بتطلبها من الكمبيوتر أو من تليفونك من خلال الإنترنت وهحصل عليها كاملة الأسانيد.. هذه القضية على قدر كبير من الأهمية والخطورة لا يصح أن نتعامل معها هكذا».

 اتصالًا بمتابعتك للشأن العام.. كيف تنظر لقضية التزايُد السكانى وخطورته على النحو الذى قدّمه رئيس مجلس الوزراء فى الندوة التثقيفية.. ما هو دور المؤسَّسات الدينية فى هذه القضية المحورية من وجهة نظرك؟

- «المؤسَّسات الدينية بعيدة كل البُعد عن قضايا الوطن القومية الأساسية.. بل على العكس فى قضية الزيادة السكانية.. المشايخ بيشجعوا الزيادة السكانية وبيستندوا فيها لحديث شريف يَدعو إلى التكاثر.. وهنا دور إعمال العقل.. أن هذا الحديث الشريف كان وقت ظهور الإسلام.. لكن تستخدمه مع وطن مساحته على الخريطة معروفة ومصادر ثروته محدودة وتتآكل بحُكم الزيادة السكانية المستمرة.. وأطالب الدولة باتخاذ كل إجراء يُحد من الزيادة السكانية.. أى إجراء.. وكل إجراء؛ لأن هذه القضية.. تُعتبر قضية أمن قومى لا يمكن أن تترك لرأى مشايخ أو موروث شعبى.. يعنى إحنا نقول العَيّل بييجى برزقه وننسى «اعقلها وتوكّل».. مَهما ضاعفنا معدلات التنمية لا بُدّ من إيقاف الزيادة السكانية». 

 هل ترى أن كتابتك السينمائية عن تفاصيل الانتخابات تقترب من الواقع؟

- ابتسم: «كلهم شالوا العَيّل الصغير زى رشدى الخيال فى طيور الظلام حتى دونالد ترامب شال العَيّل الصغير».

 على ذكْر (طيور الظلام).. كيف تنظر له الآن وقد حدث كل ما توقعته؟

- «الفيلم ده تحديدًا كان له أصل من الحقيقة.. الشخصية التى جسّدها رياض الخولى.. موجودة بالفعل.. والفيلم ده وضح أن اللعبة كانت بين ثلاثة أحدهم فقد حلمه وقعد على القهوة وانتهى الصراع فى النهاية بين اثنين».

 ماذا تقول عن الكتابة نفسها؟

- «الكتابة موقف أولًا.. ولازم تكون طالعة من جوّاك وتكون مؤمن بكل حرف.. الكاتب الذى لا يؤمن بالكلمة التى يكتبها عليه أن يصمت».