الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الشهيد الحى» العميد السيد وجدى يتحدث لـ«روزاليوسف»: تكريم الرئيس السيسى وسام جديد على صدرى

47 عامًا مرت على انتصار أكتوبر الذى سطره أبطال بأرواحهم ودمائهم، والذين أصبحوا درسًا فى الوطنية للجميع، وتخليدًا لبطولاتهم التقينا بالشهيد الحى صانع الأمل «الأسطورة» العميد السيد وجدى، أحد أبطال العبور الذى استطاع أن يقهر الإعاقة بعد إصابته فى الحرب بـ13 شظية نارية تسببت فى حدوث شلل نصفى له والخضوع لرحلة علاجية طويلة داخل وخارج مصر.  



تحدى الزمن بالصبر والإرادة، ويشعر بالعرفان الدائم تجاه القوات المسلحة التى التزمت بواجباتها نحوه وسمحت له قوانينها بأن يظل فى الخدمة ويحصل على ترقياته حتى خروجه على المعاش برتبة عميد.

بابتسامة هادئة ووجه أبيض بشوش ونفس راضية بقضاء الله، استقبلنا قائد فصيلة بسلاح المدرعات «الجيش الثالث» لواء 25 مدرع مستقل.. الكتيبة رقم «75» داخل غرفته رقم «507» فى الدور الخامس فى مستشفى المعادى العسكرى، بحفاوة شديدة ليحكى لنا مآثر العبور.

بداية.. نريد أن نعرف نشأة بطلنا؟ 

- نشأت نشأة بسيطة فى حى شبرا، وأنا من مواليد ديسمبر 1948، من طبقة متوسطة كأغلب الأسر المصرية، والدى كان موظفًا، ولدى 5 أخوات، ولدان و3 بنات، وأخى الأكبر منى خدم فى القوات المسلحة، وهو الآن على المعاش برتبة لواء، وحضر هو أيضًا حرب أكتوبر.

كيف مررت بمرحلة ما قبل أكتوبر؟

- وأنا فى المرحلة الابتدائية، كنت فى مدرسة اليازجى المشتركة فى روض الفرج، وكنت مدركًا أغلب الأحداث التى كنا نمر بها وخاصة أيام العدوان الثلاثى، ولن أنسى مدرس الرسم الذى كان يُكلفنا برسم أى شخصية ترمز للخيانة وقتها، الإنجليزى والفرنسى واليهودى، وكنت أرسم اليهودى فى شكله الشهير بخصلتى الشعر وأصلعًا وقصيرًا، أما الإنجليزى فكنت أرسمه على هيئة شخص يلبس البدلة والطاقية وعليها العلم، أما الفرنسى فكان «خواجة»، وأدركت أننا دومًا مطمع للغزاة يريدون نهب ثرواتنا وخيراتنا، ولا يريدون لنا الخير.

وفى المرحلة الإعدادية، كان عندنا الكشافة فى مدرسة الترعة البولاقية، وتعلمت فيها الكثير، وكان علينا يوميًا أداء التحية العسكرية والتى زرعت فينا روح الانضباط التى تتمتع بها المؤسسة العسكرية، وعندما دخلت مرحلة الثانوية فى مدرسة شبرا الثانوية كان لدينا نظامان، الأول الطيران الشراعى والثانى نظام الفتوة، وكانت المدرسة تسلمنا الملابس الخاصة بكل نظام حسب اختيارنا، وكان يتم اختيار عدد من الطلاب الفتوة ويخضعون للكشف الطبى للقوات الجوية وكان ذلك يعتبر تأهيلًا للالتحاق بالقوات الجوية فيما بعد. 

ماذا عن مرحلة 5 يونيو 1967؟

- أجاب والدموع فى عينيه: «من الذكريات التى لا أنساها أننى كنت أستعد لامتحانات الثانوية العامة يوم 9 يونيو 1967، بتأثير صدمة 5 يونيو، والتى كانت قبل امتحانى بـ4 أيام، ووقتها تم تأجيل الامتحانات لمدة شهر، وكنت ممن ذهبوا إلى مجلس الشعب للمطالبة بعودة عبدالناصر للحكم مرة أخرى، ولم أعد للمنزل إلا عندما سمعت تراجع عبدالناصر عن التنحى. 

حدثنا عن انضمامك للكلية الحربية؟

-الكلية الحربية أعلنت قبول دفعة استثنائية، فسحبت ملف التقديم، وكانت هناك أعداد غفيرة من الشباب المتقدمين للكلية رغم الحرب وأحداث يونيو، إلا أن ألم الصدمة جعل عندنا إرادة لاسترجاع كل شبر من أراضينا. 

تم قبول أوراقى فى الكلية الحربية، وبدأت حياتى تتغير تمامًا، وبدأت التعود والتأقلم على الحياة العسكرية الجديدة، وكان كل شيء داخل الكلية بنظام وانضباط تام، لكن الغارات لم تكن تنقطع أثناء المحاضرات، وكان الضباط الذين يُدرسون لنا يطلقون علينا لقب «طالب مقاتل» جاهز للقتال والحرب فى أى وقت، وأجرينا مناورات بالذخيرة الحية، رغم أننا كنا طلبة، والكلية الحربية اتخذت قرارًا فى هذه السنة بجعل السنة الدراسية 6 أشهر فقط وطبقت نظام الخمس سنوات بدل أربعة.

كيف كان الاستعداد للعبور وأنتم فى الكلية؟

- من أهم الدروس التى تعلمتها داخل الكلية الحربية «النصر أو الشهادة»، ولم أعرف مطلقًا الانسحاب فهو أسلوب لا يتفق مع شعار النصر أو الشهادة، كما أنه ليس من أسلوب وطبيعة المقاتل المصرى أن ينسحب، وكنا ندرس أيضًا مادة اسمها التكتيك والأسلحة الخاصة بالعدو الإسرائيلى لدرجة أننا كنا نحفظه عن ظهر قلب، فإذا رأينا طائرة فى السماء كنا نستطيع تمييزها ومعرفة نوعها وحمولتها ومهامها الأساسية رغم بعُد المسافة، وكذلك الأمر بالنسبة لمختلف أسلحة العدو فقد كانت مادة رسوب ونجاح وكان الهدف من تلك الدراسة هو معرفة وفهم الخصم بكل أسلحته ومعداته وأساليبه حتى يمكن التعامل معه والتغلب عليه حين تحين اللحظة المناسبة.

ما تخصصك الذى تخصصت عليه فى الكلية؟

- تخصصت فى الكلية الحربية على سلاح المدرعات، واخترت هذا التخصص لأنه سلاح قوى على الأرض وبه تكنولوجيا كثيرة وأسلحة متعددة ومدفع رئيسى ورشاش ويوجد بداخل الدبابة قنابل يدوية ودخان وطلقات إشارة وبها رشاشات، أما الآن فالأمور تغيرت والأسلحة الموجودة بالمدرعة اختلفت تمامًا عن السابق.

ماذا بعد التخرج؟

- أتممت دراستى فى الكلية الحربية، وتخرجت قائد فصيلة فى أكتوبر 1970، وقبل التخرج بقليل كنا نتدرب على طابور حفل التخرج، لكن شاءت الظروف أن يكون تدريبنا ليس لحفل التخرج، لكن كان للسير فى جنازة جمال عبدالناصر فقد توفى جمال قبيل تخرجنا بقليل وكنا الدفعة الوحيدة التى سارت فى جنازته، ورغم حزننا على وفاة رمز من رموز الوطنية والعسكرية، إلا أننا كنا نثق جدًا فى القيادة السياسية عمومًا ولم تهتز ثقتنا فى قادتنا برحيل عبدالناصر فمن سيأتى بعده سيسير فى نفس الطريق والاتجاه فكان عبدالناصر ومن حوله شاغلهم كيفية بناء الجيش واستعادة أرضنا.

وماذا عن القادة الذين تخرجوا معك فى نفس دفعتك؟ 

- دفعتى بها أسماء كثيرة عظيمة منها اللواء أركان حرب سامى أبو العطا، واللواء محسن الفنجرى واللواء محمود مصطفى، واللواء سمير عبدالرحيم واللواء مصطفى الخولى واللواء حسن متولى وكان رقم الدفعة 58 وحضر حفل التخرج وزير الحربية الفريق محمد فوزى.

خدمت مع اللواء أركان حرب محمد العشرى قائد الكتيبة ما يقرب من 3 سنين وكانت القيادة العسكرية نظرًا لظروف الحرب أرادت تكبير حجم القوات فأنشأت اللواء 25 مدرع مستقل ورغم كونه لواءً إلا أنه كان يأخذ دعم فرقة، فمن الطبيعى والمعروف عسكريًا أن الفرقة أكبر إمكانيات من اللواء، وبالتالى كان الدعم الموجه للفرقة أكبر من اللواء، وكانت إمكانيات اللواء هائلة فكان يحتوى على دبابات ومشاة لهم مركبات مدرعة، وقبل الحرب بعام تقريبًا فى يوليو 1972 تم تغيير الدبابة واستلمنا دبابة جديدة T62 حيث كانت أحدث دبابة فى مصر فى وقتها، وأخذنا فرقة سريعة عن كيفية استخدامها وكانت الفروق بسيطة بين الدبابة القديمة والحديثة، حتى وصولنا للجبهة لم نكن نعلم شيئًا عن الحرب وكنا نعتقد أنها مناورة عادية مثل التى قبلها خاصة أننا كنا لا نستخدم أضواء الدبابات العادية وكان السير فقط بضوء «البلادوس» الخاص بكل دبابة رغم أنه ضوء ضعيف جدًا لا يكاد يراه أحد.

كيف عبر اللواء؟

- عبورنا فجر يوم 7 أكتوبر، من خلال المعبر الذى أصبح فيما بعد نفق الشهيد أحمد حمدى، وسبب تأخرنا فى العبور هو وجود بعض المشاكل فى المعبر لكن تدخل الشهيد أحمد حمدى وكان وقتها برتبة عميد ويشغل منصب نائب مدير سلاح المهندسين العسكريين وحل المشكلة وتم العبور، وأتذكر أثناء عبورنا الساتر الترابى، لم نكن نعتمد على المياه فقط، لكن التفجير أيضًا بجانب المياه، ولم يكن العبور سهلًا، وعندما وطأت أقدامنا الضفة الشرقية للقناة، كنا جاهزين للمهام الموكلة إلينا، وبدأنا التعامل المباشر مع دبابات العدو وتقدمنا لمسافة 12 كيلو تقريبًا داخل سيناء فكنا خلف قوات المشاة والتى كانت تمثل خط المواجهة الأول مع العدو، ومن الصعوبات التى كانت تواجهنا أن الدبابة هدف يسهل رؤيته فكان لا بد من حفر خندق للاختباء به من أنظار العدو لكن ذلك كان يعنى استهلاك وقت وجهد كبير غير ذلك أننا غالبًا ما نتحرك من مكان لآخر ويصعب حفر خندق فى كل مكان نتواجد به فكنا نستتر خلف أى ثنية أرضية أو تبة حتى لا يرانا العدو.

كيف حدثت إصابتك؟ 

- أثناء سيرى وجدت مجموعة من الجنود الشاردين فخاطبت القائد لإرسال عربة لتأخذهم، ثم تابعت سيرى وفى طريقى بدأت تظهر على خط الأفق دبابات فأبلغت عما رأيته وكنت أراها على هيئة نقط وبطبيعة دراستى استطعت أن أميز بين الدبابة وغيرها وكانت المسافة حوالى 5 كيلو، وعندما خاطبت قائدى بذلك قال لي: انتظر التعليمات، وقتها بدأت الشمس فى الظهور واختبأت خلف ثنية أرضية ثم خاطبنى القائد للتأكد من المسافة التى ذكرتها بأنها 3 كيلو وقال لى حدد المسافة بالضرب وذلك يعنى أن أتحرك للأمام وأصدرت أمرًا بالضرب، وتابعت الطلقة بالنظارة وأنا واقف على البرج من الخارج وكنت أسند على غطاء باب البرج وكانت الطلقة شديدة الانفجار، واخترت هذه الطلقة حتى أستطيع عند تفجيرها معرفة مدى إصابتها للهدف، وبالتالى أستطيع تقدير المسافة جيدًا وصدق توقعى انفجرت الطلقة بين النقط السوداء وذلك يعنى صحة تقديرى للمسافة، وتحدثت فى التليفون للتأكيد على المسافة، إذ بالرامى يجهز طلقة أخرى من دون إذن منى وهنا حدثت الأزمة فخبطته برجلى تعبيرًا عن رفضى لتصرفه دون أخذ الإذن منى، وفى هذه اللحظة فقدت الوعى ولم أدر ماذا حدث بعد ذلك عرفت بعدها أن دانة مدفع وقعت على يسارى، فأصيب الجزء الأيسر منى بشظايا الدانة منها 4 شظايا فى الرئة وشظايا أسفل الظهر، وكان مجموع الشظايا التى أصبت بها 13 شظية وكانت الدانة رد فعل من دبابات العدو بعد أن أطلق الرامى الطلقة الثانية وعندما أصبت فقدت الوعى وسقطت داخل الدبابة وفقدت النطق بعد الإصابة وكنت أقوم بالإشارة للمسعف لكى يحقن رجلى المصابة بدلًا من ذراعى، وغبت تمامًا عن الوعى ولم أشعر بشيء سوى بعد يومين وأنا فى المستشفى لإجراء بعض العمليات الجراحية العاجلة التى أعقبتها رحلة علاج بالخارج طويلة ثم العودة إلى أرض مصر ودخول مستشفى المعادى العسكرى.

 كيف كان الدعم الموجه لك؟

- طوال هذه الفترة لم تتخل عنى السيدة جيهان السادات التى كانت دائمًا تزورنى فى المستشفى، فضلًا عن تكريمى من الرئيس الراحل محمد أنور السادات وحصلت منه على نوط الواجب العسكرى وكنت أعتبره ممثلًا عن المحاربين القدماء، وكان دائم الاطمئنان على حالتى الصحية، وأيضًا تكريمى من الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، ومنحه لى وسام الجمهورية من الطبقة الثانية، وأخيرًا وسام على صدرى تم تكريمى من الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال احتفالات نصر أكتوبر المجيد.