الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مافيا (وست بوينت)

بمجرد ذكْر مصطلح «مافيا» فى أى سياق، يتبادر إلى الأذهان- تلقائيّا- صورة سوداء لرجال عصابات الجريمة المنظمة، وأشكال متنوعة من عمليات التجارة المشبوهة، سواء تجارة السلاح، أو الجنس أوالمخدرات، إلى غير ذلك. ولكن، فى السنوات الأخيرة، بدأ يُستخدَم مصطلح جديد فى «الولايات المتحدة»، وهو «مافيا وست بوينت» أو «West Point Mafia»، الذى يشير إلى الحكومة الأمريكية الحالية، والذى بدأ ينتشر فى هذا الوقت الحرج؛ حيث يفصل المجتمع الأمريكى عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية شهرٌ واحدٌ. وبعيدًا عن التوترات الداخلية، والتحديات الخارجية التى يحاول الرئيس الأمريكى الحالى «دونالد ترامب» تفاديها، فى ظل وجود منافس ديمقراطى شرس يحاول استغلال نقاط ضعفه، زاد التركيز بصورة أكبر وأدق على الإدارة الأمريكية الحالية المتهمة بالفساد.  



ظهر المصطلح لأول مرّة فى عام 2017م، بعد نشر كتاب بعنوان «West Point Mafia Revealed» أو «الكشف عن مافيا وست بوينت»، الذى كتبه «بيتر عمون»، و«باتينا تومسون»؛ ليضيفا أحدث مصطلح فى قاموس العلوم السياسية، فى ذلك الوقت. 

وقد أوضح الكاتبان، أنه بدلًا من خدمة المُثل العُليا للولايات المتحدة، أنشأ مسئولو الإدارة الأمريكية الحالية شبَكة من النفوذ والسيطرة؛ خصوصًا بعد أن وصلوا للقمة السياسية الأمريكية، وبدأوا يجلبون زملاءهم فى أكاديمية «وست بوينت»، حتى يتشاركوا الحُكم معًا، بناءً على رؤيتهم الخاصة. وفى الواقع، تتشابك وظائفُ العديد منهم بشكل مثير للرّيبة. ومنذ عام 2018م، أصبح هذا المصطلح فكرة ثابتة؛ حيث تم تأكيد المَخاوف التى أثيرت فى الكتاب.

المُحَلل الجيوسياسى «ليونيد سافين» ركز دائرة الضوء على شريحة مُعَينة داخل الحكومة الأمريكية، واستخدم معهم المصطلح نفسه «مافيا وست بوينت». كما انتبه أن أغلبهم درسوا معًا فى تلك الأكاديمية الأمريكية بدفعة عام 1986م. 

وأوضح «سافين»، أنهم مجموعة واسعة من الشخصيات ذوى النفوذ فى الوقت الحالى من القادة المؤثرين فى الكونجرس، ووزارة الدفاع الأمريكية «بنتاجون»، إلى جانب الشركات الأمريكية الكبرى التى تشمل شركات الأدوية، والخدمات المالية، حتى شركات الاستشارات الأمنية، وغيرها. كما يُعَد العديدُ منهم لاعبين أساسيين فى آلة عسكرية مشتركة، هدفها الإبقاءعلى حرب لا نهاية لها، من أجل الربح والتقدم المهنى.

ومن ثم، حدّد «سافين» أهم الشخصيات الرئيسية لهذه المجموعة، التى تندرج تحتها قائمة طويلة من العملاء فى كل مجال، تقريبًا، داخل «الولايات المتحدة الأمريكية».

فقد أكد أنه يمكن اعتبار وزير الخارجية الأمريكى «مايك بومبيو»، رئيس «مافيا وست بوينت»، إذْ إنه كان أحد أفضل الطلاب فى الأكاديمية، وقائدًا غير رسمى بين الطلاب، وشق طريقه من زعيم فصيلة الدبابات فى دولة «ألمانيا»، وعضو الكونجرس، إلى رئيس «وكالة المخابرات المركزية» (CIA)، ثم وزيرًا للخارجية الأمريكية. 

وأضاف إن «بومبيو» عندما كان عضوًا فى الكونجرس أظهر عنادًا مُذهلًا فى السياسة الخارجية الأمريكية قبل عهد «ترامب»، لا سيما فيما يتعلق بالعالم الإسلامى. ومنذ ذلك الحين، ترسّخ فى وجدانه هوسٌ حقيقىٌّ بإسقاط النظام الإيرانى. ووجهة نظر «سافين» ليست مجرد نظرية مؤامرة لكنه تحليل منطقى يمكن إثباته من خلال متابعة قرارات «بومبيو» وتوجهاته، فقد حرص وزير الخارجية الأمريكى على إقناع «ترامب» باستخدام جائحة فيروس «كورونا» (Covid-19)، الذى ينهك «إيران» الآن؛ لخنقها بمزيد من العقوبات. والأسوأ من ذلك، هو إقناع الرئيس الأمريكى بأن الحرب هى الحل. وذلك؛ لتحقيق المكاسب الشخصية من الحرب ومبيعات السلاح.

أمّا الرجُل الثانى فى تلك المافيا، فهو وزير الدفاع الأمريكى «مارك إسبر»، الذى خدم فى الجيش الأمريكى وشارك فى حرب الخليج عامَى 1990 و1991م. وفى عام 2019م، عيّنه «ترامب» فى منصبه الحالى. 

كان «إسبر» عضوًا فى جماعة ضغط متمثلة فى شركة «رايثيون» الأمريكية الشهيرة، المتخصصة فى أنظمة الدفاع، وتُعد واحدة من أكبر 10 شركات دفاع فى العالم. وقد عُرف بآرائه المتشددة بشأن كل من «روسيا»، و«الصين» قبل أن يتولى منصبه فى البنتاجون.

بشكل عام؛ فإن النزعة العسكرية لكلا الرَّجُليْن واضحة. كما يبدو أنهما بالكاد يقودان سفينة الدولة الأمريكية بمفردهما، أكثر مما يفعل «ترامب» نفسه.

على كلّ، تطرَّق «سافين» إلى بقية زملاء «بومبيو»، و«إسبر» فى الأكاديمية، الذين تخللوا الهيكل العميق للإمبراطورية الأمريكية، ومنهم:

«أولريش بريشبول» الذى صار الآن مستشارًا فى وزارة الخارجية الأمريكية، بعد أن عيّنه «بومبيو». ولكن، يُذكر أن «بريشبول» تورّط فى فضيحة تسريب معلومات، تتعلق بتدخُّل دبلوماسيين أمريكيين فى الشئون الداخلية لدولة «أوكرانيا».

كما تشمل «مافيا وست بوينت»،وكيل وزارة الخارجية للشئون الإدارية «برايان بولاتاو»، الذى عمل فى شركة «Thayer Aerospace» المتخصصة فى تصنيع قطع غيار ومعدات الطائرات، والعديد من الشركات المتخصصة فى الإدارة والاستثمار. وفى عام 2017م، بعدما أصبح «بومبيو» مديرًا لـ«وكالة المخابرات المركزية» (CIA)، قام- على الفور- بتعيين «بولاتاو» كواحد من كبار مستشاريه، ثم جعله رئيسًا للعمليات، وهو المنصب الذى كان يُطلق عليه سابقًا منصب المدير التنفيذى.

ومن بين أعضاء «المافيا»، كما يطلقون عليها، «مارك جرين»، السيناتور عن ولاية «تينيسى»، الذى يدافع عن موقف «ترامب» فى لجنة الإصلاح. كان قد تم ترشيح «جرين» لمنصب «سكرتير الجيش الأمريكى». ولكن، بسبب الفضيحة التى أثارها الديمقراطيون، بأن «جرين» لم يكن منصفًا سياسيّا عند الحديث عن الأقليات الجنسية والمسلمين، تم سحَب ترشيحه فى مايو 2017م. ويُعرف عن «جرين» أنه يأخذ أوامر سياسته الخارجية من الشركات العسكرية.

أخيرًا، هناك المُعلق السياسى لـ(CNN) «ديفيد أوربان»، الذى كان مستشارًا للرئيس الأمريكى الحالى فى عام 2016م، وقادَ حملة ناجحة فى ولاية «بنسلفانيا». 

أمّا الآن؛ فهو رئيس «لجنة آثار المعركة الأمريكية»، وهى وكالة مستقلة تابعة للحكومة الأمريكية تدير وتحتفظ بالمقابر، والنُّصب التذكارية العسكرية الدائمة، داخل وخارج «الولايات المتحدة». كما يُعَد أحد المقرّبين من الرئيس فى الحملة الانتخابية لعام 2020م. 

ولكن الأهم من كل هذا، هو قيام «أوربان» بتهيئة «بومبيو» لمقابلة بعض الشخصيات المهمة داخل الكونجرس فى الماضى؛ خصوصًا مَن ينتمون للتيارات اليمينية. كما ساعد «بومبيو»، و«إسبر» فى شغل مناصبهما الوزارية الحالية.

ثم أكد «سافين» أن عددًا من الخريجين من دفعة (86) لايزالون يواصلون حياتهم العسكرية، ومنهم: نائب رئيس أركان الجيش الأمريكى الجنرال «جوزيف مارتن»، قائد القيادة البرية لحلف شمال الأطلسى الفريق «جون تومسون»، إلى جانب مدير الحرس الوطنى للجيش الأمريكى «دانييل هوكانسون»، ومدير عمليات الاستقرار والسلام «باتريك أنطونيتى»، والجنرال «روبن فونتس» الذى يتعامل مع انسحاب القوات الأمريكية من «أفغانستان».

وغنىّ عن القول إن هؤلاء السياسيين المهمين لا ينسون أبدًا مساعدة أصدقائهم القدامَى. إذْ صرّح الرئيسُ والمديرُ التنفيذى لسلسلة متاجر (7-Eleven) «جو ديبينتو»، الذى تخرَّج فى «اكاديمية وست بوينت» فى حوار، أنه: «أصبح ينام بشكل أفضل فى الليل لعلمه أن هؤلاء الرجال فى المناصب التى يشغلونها». جديرًا بالذكْر، أن السلسلة هى عميل لمجموعة (Thayer Leader Development Group)، التى تخرَّج مؤسّسها ومديرها «ريك مينيكوزى» من «وست بوينت» أيضًا وفى العام 1986م نفسه.

من جانبه، كتب «دانى سورسن» مدرس التاريخ السابق فى «وست بوينت» فى مقال له، إن هذه المجموعة الصغيرة من الرجال تمارس تأثيرًا هائلًا بدءًا من الكونجرس ووصولًا إلى شارع (K)، وهى منطقة فى «واشنطن» تضم العديد من جماعات الضغط التى تحقق أهدافها بسهولة ومكر شديد، من تشويه سمعة السياسيين إلى الانقلابات فى البلدان الأخرى.

أمّا الكاتب «مايك بوند»؛ فأكد أن تلك المجموعة تستفيد من التعبئة العسكرية الدائمة لأمريكا، والحرب الاقتصادية التى لا تنتهى، وكل ما يتماشى معها.

كما أكدت مجلة «بوليتيكو» أن «مافيا وست بوينت» تشكّل دائرة قوية على أعلى المستويات الحكومية. إذْ يتشاورون مع بعضهم البعض بشأن أمور الدولة، ويعتمدون أيضًا على بعضهم البعض فى الأمور الأكثر خصوصية، فى حفلات العَشاء غير الرسمية، والمناسبات الاجتماعية فى «واشنطن». وقد نشطت دفعة «وست بوينت» لعام 1986م وأصبحت بالفعل جماعة مؤثرة بعمق فى الخارجية الأمريكية، والسياسة العسكرية.

ويجدر الإشارة إلى أنه قد تم وضع تلك الدفعة فى سجلات الأكاديمية فى مرتبة عالية على قدم المساواة مع دفعة عام 1915م، التى أفرزت قادة الحرب العالمية الثانية.

فى النهاية، اعتبر عددٌ من المحللين السياسيين أن ما قام به «بومبيو» بإحضار دفعته من «أكاديمية وست بوينت» يدل على الفساد الواضح، وهو محاولة منه للسيطرة على المَشهد الداخلى الأمريكى.