الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الكلاكيت.. سحر الأقدام الراقصة

عندما يُذكر رقص الكلاكيت، غالبًا ما يستدعى عقلنا صورة تلك الطفلة المعجزة «فيروز الصغيرة» وهى ترقص بصحبة الفنان الراحل أنور وجدى فى فيلم «دهب» أمام إسماعيل يس وتغنى «يا حلاوة على الكلاكيت من راجل أو من ست»، وهى الصورة التى ظلت نابضة بالحركة والبهجة والمرح حتى وقتنا هذا ولا نعرف غيرها عن فن رقص الكلاكيت فى مصر، ومع اختفاء الأفلام الميوزيكال والفوازير، لم نعد نعلم هل لم يزل هذا الفن موجودًا فى مصر؛ أم اختفى أيضًا؟



 

«ليونى حكيم» راقصة كلاكيت ومصممة رقصات ومؤسسة ومديرة ستوديو DanZone للفنون والرقص، التى تتلمذت على يد والدها الفنان لمعى حكيم،  والذى كان من أوائل الراقصين لفرقة رضا للفنون الشعبية، لتنشأ الفتاة فى بيئة غنية بحب الرقص، جعلتها تصبح أصغر مدربة لرقص الكلاكيت فى دار الأوبرا فى عمر 17 عامًا.. عن حكاية الكلاكيت فى مصر والعالم وهذه الإيقاعات المميزة التى تصنعها قدم الراقص تحدثت «ليونى» لـ«روزاليوسف».

 «روزاليوسف»: نشأت فى كنف أسرة فنية لأب هو أحد رواد الرقص بفرقة رضا .. كيف أثّر ذلك فى اتجاهك لرقص الكلاكيت؟

والدى لم يكن يرقص فقط «فولكلور شعبى»  بالفرقة، الكثيرون لا يعلمون أن فرقة رضا ترقص جميع أنواع الرقص، ووالدى كان مُحبًا لجميع أنواع الرقص سواء كلاسيك، اللاتين ثم الكلاكيت الذى تعلمه على أيدى الأستاذين: إبراهيم البغدادى وإبراهيم عاكف، وكانا الوحيدين فى مصر اللذين يُدربان الراقصين على فن الكلاكيت فى منتصف الستينيات. وعندما تعلق بهذا الفن سافر ليكمل دراسته فى أمريكا، فرنسا وأخيرًا استقر فى إيطاليا وهناك أنشأ مدرسة لتعليم فن رقص الكلاكيت.

عندما أصبح عمرى 4 سنوات، وجدت أبى يدرب الشباب على جميع أنواع الرقص، ولكن جذبتنى هذه الحركة والطاقة والإيقاع فى الكلاكيت، كنت ألاحظ والدى وأتابعه فى حصص الرقص، وبدأت أتعلمه حرفيًا وفى عمر 6 سنوات أكملت التمرين واجتزت كل المستويات حتى وصلت لعمر 14 سنة، وأصبحت مساعدة لأبى فى التدريب بمدرسة الرقص بإيطاليا.

 وكيف أصبحت أصغر مدربة فى دار الأوبرا المصرية ونجحت فى تأسيس فرقة الكلاكيت بمصر على مدار 22 سنة حتى الآن؟

(تضحك)، عدت لمصر مع أبى منتصف التسعينيات، وآنذاك كانت الدكتور رتيبة الحفنى رئيس دار الأوبرا تُخطط لتأسيس مدرسة لفن الكلاكيت، وعندما بحثت عن مدربين لم يكن هناك فى ذلك الوقت مدربون، خاصة بعد وفاة إبراهيم البغدادى وإبراهيم عاكف فرشحوا لها اسم والدى، وبالفعل ذهب للتدريس فى دار الأوبرا عام 1998 وكان الحارس الوحيد على هذا الفن وقتها، ولكن أبى لم يكن يستطيع البقاء فى مصر، وعاد لإيطاليا مرة أخرى، وبقيت أنا فى مصر أمارس التدريس فى الفرقة وبدأت العمل بالفعل وعمرى 17 سنة فى دار الأوبرا المصرية حتى الآن.

 نعود لفن الكلاكيت.. ما أصل هذا الفن وفى أى البلاد تشهد ازدهارًا له ؟

هو فن أمريكى الأصل، ويُسمى باللغة الإنجليزية Tap Dancing، أما الكلاكيت فهو المسمى باللغة الفرنسية واشتُهر فى مصر بالكلاكيت لأن الفرنسيين كانوا يعيشون بكثرة فى مصر -آنذاك، وهذا الفن يعود ظهوره فى أمريكا أثناء فترة العنصرية والحرب الأهلية بين البيض والسود فى القرن 19، وكان tap dancing بمثابة وسيلة احتجاجية ضد العنصرية والظلم والقهر يلجأ إليها السود مثل المظاهرات، ولكن كانوا يتظاهرون بقرع الأرض بأرجلهم بإيقاعات معينة، ومع انتهاء الحرب الأهلية بدأ راقصو الكلاكيت السود يحققون شهرة ويتخذون هذا الفن كوسيلة لكسب الرزق والمعيشة وجذبتهم الملاهى الليلية والكافيهات.

 ولكن فى مصر يبدو أن السينما كانت بوابة لفن الكلاكيت مع الأفلام الميوزيكال وما شاهدناه مع فيروز.. أليس صحيحًا؟

صحيح جدًا، الكلاكيت دخل مصر عن طريق الأرمن، الذين عاشوا فى مصر آنذاك، وكانوا فنانين ويسافرون دائمًا لأمريكا، وفرنسا وإيطاليا وعادوا بفن الكلاكيت لمصر، وبالفعل ظهر هذا الفن خلال تابلوهات راقصة فى أفلام الأبيض والأسود مع فيروز فى فيلم «دهب» وكذلك «غزل البنات»، وهؤلاء الفنانون الأرمن هم من قاموا بتعليم إبراهيم بغدادى وإبراهيم عاكف، ثم جاء الجيل الثالث عندما قام الفنان إبراهيم البغدادى بتدريب كل من لمعى حكيم والفنانة الكبيرة شريهان التى استعانت ببعض رقصات الكلاكيت فى فوازيرها.

  ولكن هناك فجوة حدثت واختفاء لفن الكلاكيت على مدار سنوات طويلة؟

لأن الكلاكيت عملة نادرة ليس فى بلدنا فقط، ولكن فى كل بلاد العالم حتى أمريكا التى أطلقت هذا الفن، رقص الكلاكيت مادة شحيحة فعًلا، فى مصر لو أنا الوحيدة التى تدرس الكلاكيت، فهناك 20 مدربًا فقط فى أمريكا، فهو فن نادر وعدد المدربين فيه محدود على مستوى العالم بالمقارنة بأى نوع رقص آخر، حتى أحذية الكلاكيت نادرة وقليلة وباهظة الثمن فى كل العالم، حذائى تكلفته تسعة آلاف جنيه لأنه يُصنع من الجلد الطبيعى وحديد معين فى الأرضية. 

 رغم هذه الندرة، كانت أمامك أنواع مختلفة للرقص فى مدرسة والدك.. لماذا تعلق شغفك بالكلاكيت؟

بالمناسبة أنا درست كل أنواع الرقص وخاصة الكلاسيك، فأبى كان حريصًا على تعليمه لى وكان يقول لى أن رقص الباليه الكلاسيك أبوالفنون، وبالفعل ساعدنى الباليه لتعلُّم كل أنواع الرقص سواء فالس، اللاتين، فولكلور، هيب هوب وغيره، لكن عندما قررت دراسة نوع معين اخترت الكلاكيت لأنى وجدته فنًا متفردًا، وكانت لدىّ رغبة فى استكمال مشروع والدى الفنى، وأحببت التمرينات جدًا، ولاحظ أبى هذا الشغف فلم يبخل بأى معلومة ونصيحة فى التمرين وكان كثيرًا ما يضغط علىَّ فى التدريبات حتى «يخرج منى أفضل أداء».

 وما خلاصة الخبرة الفنية والإنسانية التى منحها لك الفنان «لمعى حكيم» لتُصبحى رائدة فن الكلاكيت؟

«إن الكلاكيت فن ليس له سقف ولا حدود»، وإنه يحتاج لصبر، ليس من يوم وليلة تصبحين راقصة كلاكيت، أبى كان دائمًا ينظر لرقص الكلاكيت بنظرة مليئة بالاعتزاز والاحترام، قال لى فى إحدى المرات: «الكلاكيت فن غالٍ حافظى عليه وأعطيه وعلميه لمن يستحقه وفى المكان الذى يليق بعظمة وقيمة هذا الفن.. لا تنسى هذه النصيحة»، بالفعل هو فن تكاليفه كبيرة لو مثلا حصة الباليه تعليمها بجنيه، فالكلاكيت تعليمه بعشرة جنيهات. 

أيضًا أهم النصائح عدم التوقُّف عن التمرين يومًا واحدًا، خاصة أثناء تصميمى لكريوغراف عرض كلاكيت، فلا بُدّ من المران المستمر حتى لا أنسى هذه الحركات الجديدة المؤلفة. 

 ولكن بجوار فرقة الأوبرا.. هل يُدرس الكلاكيت فى معهد الباليه بأكاديمية الفنون؟

الكلاكيت لا يُدرَّس أكاديميًا فى كل بلاد العالم، فهو فن ليس له برنامج محدد، له بداية ولكن بلا نهاية، يوميًا كل مُدرب له مدارسه فى التكنيك والحركات الجديدة التى يضيفها باستمرار، وهذا يتعارض بدوره مع أى برنامج أكاديمى. 

 ولكنك أسستِ أكاديمية لفن الكلاكيت فى الجامعة الأمريكية عام 2015؟

هى مدرسة صغيرة يدرس فيها طلاب الجامعة الأمريكية التى لا تستقبل طلابًا من خارجها، وهى كان هدفها تقديم حصص عن فن الكلاكيت، باعتبار أن أمريكا هى أصل هذا الفن ومن الطبيعى أن تحتضن الجامعة الأمريكية هذه الأكاديمية الصغيرة بها.

 وماذا عن الاستوديو الذى أنشأته قبل 10 سنوات.. وما الفئات التى تتعلم كلاكيت؟

الكلاكيت يرحب بكل الأعمار وندرب فى الاستوديو الراغبين من سن 7 سنوات حتى 65 سنة، لدىّ راقصات تزوجن وأنجبن ومازلن يرقصن كلاكيت، فهو فن لا يشترط جسدًا نحيفًا ولا يشترط سنًا معينة، كل ما يتطلبه إذن موسيقية يقظة قادرة على أن تصنع إيقاعها الذاتى وترقص عليه، ولكن للأسف أكثر المتدربين فتيات وهذا  يعود للصورة النمطية للمجتمع أن الرقص للبنات فقط، رغم أن الـtapdancing رقص ولادى جدًا لأنه فيه كم كبير من القوة والحركة على الأرض، ولكن لاتزال لدينا عقليات ترفض رقص الذكور. 

 أليس غريبًا على مصر التى عرفت الرقص على جدران المعابد أن تظل هذه الأفكار التقليدية حاضرة؟

هناك تغيير ولكنه طفيف، فالكلاس class يوجد به 20 بنتًا مقابل ولدين، ولكن التغيير يحدث، ولكنه طفيف، ولعب أخى «ليون»، هو راقص كلاكيت ومدرب معى فى الاستوديو أيضًا، دورًا كبيرًا فى إقناع العائلات أن تشجع أبناءها على ممارسة فن الكلاكيت خاصة عندما يشاهدون «ليون» يرقص ببراعة فى غرفة التمرين.

 وماذا عن الجمهور الذى يحضر حفلات فن الكلاكيت فى دار الأوبرا؟

الجمهور يكون فى حالة انبهار شديدة وعدم تصديق أن لدينا هذا الفن فى مصر وتوجد فرقة فى دار الأوبرا تقدمه، ولكن فى الآخر هذا الجمهور بيرفع شعار «خلينا فى اللى نعرفه» أى أنواع الرقص الأخرى وخاصة الباليه، فمثلاً لو الأوبرا تضم 7 مدرسين كلاسيك يكون مع كل مدرس 400 طالب/ة، ولكن الكلاكيت يوجد فقط 100 طالب/ة، فالعائلات تذهب بأولادها دائمًا لما يعرفونه.

 كم وصل عدد طلاب مدرستك بعد 22 سنة من العمل فى الأوبرا؟

بدأت تدريب بـ 7 طلاب والآن وصلت لرقم عظيم 120 راقصًا وراقصة، وأتفهم الأسباب، الكلاكيت فن يحتاج وقتًا ومجهودًا كبيرين وأموالًا، ومن يُكمل فيه فهو شغوف بالكلاكيت ويريد هذا الرقص عن غيره من الفنون. الشغف هو الدافع الرئيس للاستمرار فهو جسمانيًا يُقوى عضلات الأرجل بشكل كبيرة، أما روحانيًا فهو يدفعك بأن تخلق إيقاعك وموسيقاك بنفسك دون الانتظار لسماع مزيكا خارجية، بل يستطيع راقص الكلاكيت بالإيقاعات التى يصنعها بقدمه أن يجعل شخصًا آخر يغنى عليها، فهو يعطى طاقة داخلية.

 ما طموحاتك لاستمرارية فن الكلاكيت فى مصر؟

أتمنى أن يهتم المسئولون فى مصر بفن الكلاكيت، ويظهر للجمهور بشكل كبير عبر التليفزيون والإعلام والحفلات وتصبح هناك كتابة نقدية فنية عنه، بعافر منذ 22 سنة، ولكن مازال الضوء غير مسلط على هذا الفن، ومازال جمهوره محدودًا رغم أنه يندهش عندما يعرف أن هناك فرقة لرقص الكلاكيت فى مصر، وهو يعود لأن الكلاكيت يشارك ضمن حفلات كأجزاء صغيرة، ولكن أتمنى يكون له حفلات ويحضرها الجمهور باستمرار.

 وما موقع مصر من المنطقة العربية فى مشهد فن الكلاكيت؟ 

مصر الوحيدة فى الشرق الأوسط التى أسَّست مدرسة لفن الكلاكيت، وهذا شىء نفتخر به ونحافظ عليه، حتى فى بيروت هناك عدد محدود من الراقصين، وعندما استعانت الفنانة الكبيرة شريهان بعدد منهم أثناء تحضيرها لمسرحيتها المقرر أن تعود بها للجمهور بعد غياب، وجدت أنها شخصيًا لديها خبرة ومهارات أكثر منهم، وكانت لا تعلم بوجود مدرسة فى مصر هى زاملت أبى لمعى الحكيم وتدربت معه، لكن لم تكن تعرف أن هناك امتدادًا للكلاكيت فى مصر، وفخورة أن الفنانة إسعاد يونس اقترحت عليها اسمى، وبالفعل ذهبت وصممت لها كوريغراف العمل المسرحى الجديد وكنت فخورة بتعاونى مع هذه الفنانة الاستعراضية الكبيرة، وكانت هى مندهشة من مستوى الأداء والاحترافية التى وصل لها فن الكلاكيت بمصر وهذه كانت شهادة مهمة منها.

 أخيرًا.. بعد 22 سنة من التدريب وفى ظل التحديات التى تواجه الكلاكيت فى مصر، ألا تفكرين فى السفر؟

إطلاقًا، أشعر بالفخر الكبير بتدريسى فى دار الأوبرا المصرية؛ حيث أحمل أمانة تعليم واستمرار هذا الفن بمصر وأنفذ وصية والدى بالتعامل باحترام واعتزاز شديد مع فن الكلاكيت، وانطلاقًا من هذه المسئولية أرفض التدريب فى استوديوهات كثيرة تطلب منى حصصًا فى الكلاكيت، احترامًا وتقديرًا لهذا الفن وأن يدرس فى مكان عظيم كالأوبرا والاستوديو الخاص بى فقط، فالكلاكيت فن غالٍ جدًا «ومينفعش أنه أى حد يدرسه فى أى مكان وفى أى حتة والسلام»!