الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الكاوبوى» يصارع «التنين» !

عجزَ الرئيسُ الأمريكى دونالد ترامب عن إيجاد مفردات دبلوماسية تُعبر عن موقفه من الصين فراح يصفها- خلال كلمة مسجلة إلى الجمعية العامة- بـ«الفيروس الصينى»، مُحملًا إياها كل مشاكل العالم، بدءًا من تصدير الفيروسات، إلى نشر الزئبق فى الفضاء الخارجى، إلى زيادة الانبعاثات الكربونية فى ‏الفضاء الخارجى.



لعل أحدَ أبرز الأسباب الخفية لتصاعُد موجة الغضب فى الخطاب الأمريكى ضد الصين منذ تولى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، واشتعال بوادر «الحرب الباردة» بين البلدين، التى تنبأ بها وزير الخارجية الأسبق كيسنجر، يتمثل فى ذلك المشروع الصينى الضخم والطموح «طريق الحرير الجديد»، الذى أعلن عنه الرئيس الصينى «شى جين بينغ» من خلال مبادرة الحزام والطريق التى طرحها قبل 7 سنوات وتستهدف إحياء طريق الحرير القديم وربط بكين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات فى البِنَى التحتية ليكون بذلك أكبر مشروع بنية تحتية فى تاريخ البشرية، تقوم الصين فى إطاره بتمويل أكثر من 900 مشروع فى العديد من دول العالم.

ترى أمريكا فى المشروع الكبير استراتيجية خارجية هدفها انتقال الصين من مرحلة الدولة الصاعدة إلى مرحلة الهيمنة على الاقتصاد والنظام العالمى، وهو ما يفسّر وصف إدارة ترامب للمشروع بأنه تهديد للهيمنة والتفوق الأمريكييْن.

 

 صراع فى المحيط الهادئ

منحَ تراجُعُ التفوق العسكرى الأمريكى فى منطقة المحيط الهادئ بكين أفضلية تنافسية على حساب الولايات المتحدة فى أسواق مهمة ناشئة، ما جعل المواجهة بين واشنطن وبكين تأخذ طابعًا شاملًا، تتعدى أحيانًا الصراع الاقتصادى لتصل إلى حد التلويح بالخيار العسكرى فى المناطق المتنازع عليها بين الصين وحلفاء أمريكا فى منطقة بحر الصين الجنوبى.

ما سبق يفسر أجواء التوتر والصراع الدائر الآن بين البلديْن فى المحيط الهادئ، وتحريك واشنطن منذ أسابيع لحاملات الطائرات الأمريكية فى المحيط لمنع البحرية الصينية من الهيمنة على تلك المنطقة، فجاء الرد الصينى بتحريك حاملات الطائرات الصينية وعدد من القطع البحرية الصغيرة التى زودتها بكين بصواريخ متطورة بإمكانها تدمير القطع البحرية الكبيرة ومن ضمنها حاملات الطائرات لتكون المرّة الأولى التى تجبر فيها الصينُ أمريكا على الانسحاب بحاملة الطائرات الأمريكية (يو- إس-إس) والتراجع عن الخط الأحمر الذى حددته بكين لها.

 

إنهاء الهيمنة الأمريكية

 

وسط قلق أمريكى وتوقعات بأن يسحب مشروع طريق الحرير أو مشروع القرن العملاق كما يطلق عليه الخبراءُ النفوذَ والهيمنة للولايات المتحدة الأمريكية تجاريّا وعسكريّا، يرجح المحللون أن من شأن هذا المشروع أن يغير خريطة التجارة العالمية وينزع فتيل التوترات الإقليمية، فتطوير مشروع طريق الحرير، سيؤدى للتوصل إلى التنمية المتكاملة للدول التى تعبر خلالها الطريق وهى أكثر من 100 دولة؛ حيث سيتم شق طرُق برية وبحرية وجوية ومرافق نقل واتصالات وتوليد كهرباء وطاقة وسكك حديدية جديدة بحيث تزيد حركة التدفقات للسلع والمعلومات والسياحة والطلاب ورجال الأعمال والتكنولوجيا الحديثة بين الصين وشتى بقاع العالم، والأهم من ذلك هو توفير ملايين الفرص والاستثمارات لتلك الدول، كما يرجح الاقتصاديون استفادة 150 دولة منه ببناء موانئ جديدة وتحويل دول نامية إلى مراكز بَحرية إقليمية.

فى المقابل، تسعى واشنطن جاهدة إلى جانب تحريض الأوروبيين على تحجيم الصين، وشن حرب تجارية ضدها واستخدام العقوبات لإقصاء الشركات الصينية وأبرزها هواوى، ‏إلى بناء تحالفات استراتيجية قديمة جديدة لإعاقة حرية حركة نفاذ بكين إلى عمق الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا، كما تسعى لجعل المنطقة الواصلة من بحر الصين الجنوبى والمحيط الهندى منطقة فيها الكثير من تحديات حرية الملاحة واستحالة إدامة السيطرة البحرية الصينية عليها.

وهذا ما يفسر تحريض أمريكا لحلفائها فى محيط بحر الصين الجنوبى ودفع الجميع فى تلك المنطقة الحساسة إلى سباق التسلح، عن طريق تقديم الدعم لحلفاء واشنطن فى تلك المنطقة، بمنظومات دافعية وهجومية بَحرية وقدرات جوية وصاروخية وأبرز هؤلاء الحلفاء تايوان التى تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الصين لكن واشنطن تدعم الحكومة فيها ضد بكين.

بجانب ذلك تحاول أمريكا كسر إرادة الحلفاء المحتملين للصين وهم روسيا وإيران من خلال استراتيجية الضغط القصوى التى تمارسها بشكل قوى ضد إيران، وإلى حد ما ضد روسيا من خلال العقوبات، فى محاولة لإضعاف وإنهاك حلفاء الصين المحتملين وكسر الثقة فى التنين بقدرته على حماية حلفائه، أمّا بالنسبة لباكستان وهى الحليف الاستراتيجى للصين فقد أصبحت فى مواجهة عدوّها التقليدى الهند، التى تعتبر حليفًا استراتيجيّا للولايات المتحدة.

‏لهذا السبب تشعر باكستان بالقلق من تلك التطورات الدراماتيكية فى التحولات الاستراتيجية والتحالفات الناشئة فى المنطقة من إمكانية عرقلة أو تأخير مشاريع الصين الإستراتيجة معها مما سيؤثر ذلك سلبًا على اقتصادها سلبًا، وعلى استقرارها الأمنى والسياسى.

‏أمّا بالنسبة لإيران، فسياسة أمريكا تجاهها لا تخرج عن إطار الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين؛ حيث تعمل واشنطن على تفكيك تحالفات الصين وعلى رأسها إيران لما تشكله إيران من موضع مهم، وخزان نفط وغاز قد يشكل رئة استراتيجية للاقتصاد الصينى، ولذلك تحرص واشنطن على ممارسة الضغوط والعقوبات لاستعادة طهران كحليف استراتيجى سبق أن استخدمته ضد السوفييت، وبعودة إيران للمحور الأمريكى ستخسر روسيا والصين الحَجَر الثالث للموقد كما يأمل الأمريكان وستصبح مشاريع الصين الحزام والطريق مُعلقة على بوابة الشرق الأوسط.

ولذلك السبب أيضًا فرضت أمريكا عقوبات عبر «قانون قيصر» على سوريا وطلبت من الحكومة فى العراق السيطرة على المنافذ التى تؤدى من إيران إلى العراق مع إصرارها على إبقاء القواعد الأمريكية فى المنطقة لقطع الطريق على خط الحرير الذى أوصلته إيران إلى نقطتيْن مهمتيْن هما الخليج ووارومية قبالة الدول المطلة على البحر المتوسط وصولًا إلى أوروبا.

حتى إسرائيل نفسها مورست عليها ضغوط أمريكية، فقد زار وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو إسرائيل فى مايو الماضى، وهى الزيارة التى تزامَن معها مقتل السفير الصينى فى تل أبيب، وخلالها حاول بومبيو إقناع الإسرائيليين بوقف الاستثمارات الصينية .

 

أين وصل المشروع؟

 

بدأت أولى ثمار المشروع بتمهيد طرُق وبناء سكك حديدية لم تكن لتظهر للوجود لولاه، فمثلًا فى داخل الصين نفسها تم استثمار مليارات الدولارات لبناء مدن وسط وغرب الصين وربطها بشبكة كاملة من البنية التحتية للنقل.حيث مهدت أكثر من 60 ألف كيلومتر من الطرُق السريعة، وقامت بإنشاء خطوط سكة حديد عالية السرعة تمتد على أكثر من 25 ألف كيلومتر، وأكثر من 100 مطار جديد.

وفى إفريقيا تم بناء طريق حديث فى أوغندا يبلغ طوله خمسين كيلومترًا إلى المطار الدولى بالأموال الصينية، كما تكفلت بكين بتحويل مدينة ساحلية صغيرة فى تنزانيا إلى ميناء قد يصبح أكبر موانئ القارة الإفريقية، وفى كينيا، تصل سكة حديد مسماة «طرُق الحرير» العاصمة نيروبى بمومباسا التى تحتوى على المرفأ الأبرز فى البلاد المشرف على المحيط الهندى.

وفى آسيا شيّدت فى باكستان سلسلة مشاريع بنَى تحتية شملت طرُقًا وسككًا حديدية ونقاط إنتاج طاقة؛ لتربط الساحل الجنوبى للبلاد بمدينة كشغار الصينية، ويتضمن هذا المشروع الذى يسمى «الممر الاقتصادى الصين- باكستان»، تشييد طرُق سريعة وسدود كهرمائية وإدخال تعديلات على مرفأ غوادر الباكستانى على بحر العرب.

هذا بالإضافة إلى ميناء باكو فى أذربيجان الذى يمتد على مساحة 20 كيلومترًا مربعًا على ساحل بحر قزوين ويُعد من أكثر المناطق اللوجيستية الواعدة فى طريق الحرير الجديد.

وهناك مشروع آخر على الجانب الكازاخستانى ينطوى على الميناء الجاف ومدينة نوركينت الجديدة، وهو مشروع تديره الحكومة ويأتى التمويل من العاصمة الكازاخستانية آستانة.

ويربط هذا المشروع بين الجانبيْن الصينى والكازاخستانى، وهو عبارة عن سوق ضخمة تبلغ مساحتها 3.43 كيلومتر مربع لها قوانينها المالية والضريبية الخاصة. ومن المتوقع أن يصبح هذا المشروع سوقًا مركزية لطريق الحرير.

وفى أوروبا هناك ميناء بيرايوس فى اليونان، الذى قامت شركة صينية بتطويره ليكون بوابة بَحرية رئيسية للصين إلى أوروبا، ويتصل بموانئ أخرى تديرها الصين فى الشرق الأوسط وشرق إفريقيا وجنوب شرق آسيا وأماكن أخرى فى أوروبا، وبوابة لمشروعات النقل الصينية فى جميع أنحاء المنطقة، مثل خط السكة الحديد عالى السرعة بين المجر وصربيا.

كما قامت الصين بضخ استثمارات بقيمة 64 مليار دولار فى الدول الواقعة على طول الحزام والطريق منذ 2014م حتى 2017م؛ حيث نفذت الاستثمارات فى أكثر من 50 دولة بقارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، ونجحت بكين فى استقطاب استثمارات بنحو 27 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من الدول الواقعة على الحزام والطريق، وذلك بحسب وزارة التجارة الصينية.

كذلك تجاوز حجم تجارة البضائع بين الصين والدول والمناطق الواقعة على طول مبادرة الحزام والطريق 6 تريليونات دولار من 2013م حتى 2018م. وخلال تلك الفترة وقّعت الصين 173 مذكرة تعاونية مع 125 دولة، ضمت دولًا متقدمة ونامية، و29 منظمة دولية، كما أوضح- لى قانغ- الصحفى والإعلامى الصينى بأن عدد الدول المنضوية حاليًا فى المبادرة يبلغ عددها 80 دولة، من بينها 18 دولة عربية.

 

مشاريع الطاقة والربط:

 

وخلال السنوات السبع الماضية موّلت بكين إنشاء محطات لتوليد الطاقة فى أكثر من 40 دولة، وأنشأت الشركات الصينية نحو 140 مصنعًا للطاقة، وأبرزها فى بلدان مثل مصر وباكستان، كما أن بلدان جنوب شرق آسيا، على غرار كمبوديا وإندونيسيا ولاوس وفيتنام، استفادت من تمويلات صينية لمشاريع توليد الطاقة على أراضيها.

على صعيد مشروعات الربط عَبر البنية التحتية؛ فإن هناك مشروعات ناجحة مثل خط السكك الحديدية الرابط بين الصين ولاوس، والخط الرابط بين الصين وتايلاند، وميناء بيريه، ووفقًا للأرقام الرسمية الواردة من المصلحة العامة للجمارك فى الصين فإن حجم التجارة الخارجية الصينية مع الدول الواقعة على طول الحزام والطريق وصل إلى تريليونَى يوان (298.2 مليار دولار) فى الربع الأول 2019م، بزيادة 7.8 % على أساس سنوى، كما شكّل حجم تجارة الصين مع الدول الواقعة على طول الحزام والطريق قرابة 28.6 % من التجارة الخارجية الصينية فى الفترة نفسها 2019م.

 

حزمة تمويل

وكما يشير دكتور شى تشى تشين، العميد التنفيذى لمعهد البحوث الاستراتيجية لـ«الحزام والطريق»؛ فان العام 2020م، ورُغم تفشى وباء فيروس «كورونا» وغرق الاقتصاد العالمى فى النمو السلبى شهد أن استثمرت الشركات الصينية 72.18 مليار يوان من خلال استثمارات مباشرة غير مالية فى 54 دولة على طول الحزام والطريق، بزيادة سنوية قدرها 33.2 %؛ خصوصًا فى الدول مثل سنغافورة وفيتنام وتايلاند والإمارات العربية المتحدة وكازاخستان.

بالنسبة لمصر:

تمثل مصرُ رقمًا مُهمّا جدّا وله وزنه فى المبادرة؛ نظرًا لوجود قناة السويس، وأهمية موقع مصر الجغرافى، كونها تربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب.. فالمبادرة الصينية تعتمد بالأساس على مفهوم الممرات الاقتصادية للتنمية، وفى المقابل تُعَد قناة السويس أهم وأبرز الممرات الملاحية الدولية التى تربط بشكل مباشر بين القارات الثلاث التى تنتمى إليها دول المبادرة.

كانت نظرة الرئيس عبدالفتاح السيسى ثاقبة عند إطلاق وإنشاء الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس فى 2015م؛ ليكون محور تنمية السويس بمثابة نقطة الارتكاز لإعادة طريق الحرير، ومن هنا توجد (تيدا) أكبر مدينة صناعية صينية خارج الصين.

انتهت المرحلة الأولى فى المنطقة التوسعية داخل منطقة تيدا التى تقع بالعين السخنة، ما ساعد فى استقطاب مشروعات عدة مثل تصنيع الدرّاجات البخارية، فضلًا عن مشاركة شركة صينية فى مشروع توسيع موانئ العين السخنة لتعزيز القدرة اللوجيستية.

وتنقسم المرحلة الابتدائية للمنطقة إلى أربعة جوانب رئيسية:

أولها: المنطقة الصناعية، وهى مقسمة إلى أربعة قطاعات صناعية، وهى: «المعدات البترولية»، «الفايبر جلاس»، «صناعات المعدات الكهربائية ذات الجهد العالى والمنخفض» و«صناعة المعدات الزراعية».

ثانيًا: منطقة المشروعات الصينية الصغيرة ومتوسطة الحجم، وهى مقسمة إلى مرحلتين، المرحلة الأولى تغطى 76.000 متر مربع مع 50.000 متر مربع للإنشاءات تحتوى على 6 عنابر قياسية، وقد انتهت جميع أعمال بنائه ووضعت قيد التشغيل الآن. وتضم المنطقة نحو 20 شركة من بينها شركة يان جان لتصنيع البولى إيثيلين، شركة الدونى لتصنيع البطاطين، شركة فاشون للإضاءة، فو يانغ للموتوسيكلات، أمّا المرحلة الثانية فتغطى 60.000 متر مربع وتحتوى أيضًا على 6 عنابر قياسية تضم شركة هنشى للفايبر جلاس، شركة النيل للبلاستيك.

ولم تقتصر منطقة تيدا الصينية فى العين السخنة على التواجد الصناعى فحسب، بل اشتملت منطقة خدمة للمستثمرين، بالإضافة إلى فندق سياحى، فضلًا عن الخدمات اللازمة للحياة ومدينة ترفيهية كاملة ومركز للخدمات المتكامل، وحاليًا، فقد تم جذب ما يقرب من 68 شركة برأس مال يبلغ مليار دولار، وتم توفير أكثر من 3700 فرصة عمل للشباب المصرى.