الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الاستثمار الفرنسى فى قوى لبنان الناعمة!

«يبنى لى قصـرا من وهـم.. لا أسكن فيه سوى لحظات.. وأعود لطـاولـتى.. لا شىء معى.. إلا كلمات».. بعض من كلمات أجمل أغانى الفنانة اللبنانية الكبيرة ماجدة الرومى، تعبر بصدق عن الحال الذى وصلت إليه الأوضاع على الساحة اللبنانية، والتى تشهد على الأرض أوضاعا متأزمة تتصاعد يوما بعد يوم، دون أى ملامح قريبة للخروج من المأزق، وأمام عدسات المصورين وشاشات التليفزيون لا نرى إلا كلاما معسولا ومبادرات من هنا أو هناك.



شكلت صورة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى أحضان ماجدة الرومى،وحرصه على تناول القهوة مع الفنانة الكبيرة فيروز، ثم لقائه بالفنانة مادلين طبر أبرز ملامح المشهد اللبنانى خلال الأسبوع الماضى،ففى الوقت الذى امتنعت فيه الجهات الرسمية اللبنانية عن الاحتفال بمئوية قيام الدولة اللبنانية، حرص الرئيس الفرنسى أن يكون حاضرا فى بيروت، مسلطا الضوء على مواصلة الدعم الفرنسى للبنان والوقوف معه فى أزمته الراهنة مثلما كان الحال قبل 100 عام، عندما أعلنت باريس فى 1920 عن قيام لبنان الكبير، الذى سبق لبنان المعاصر الذى نال استقلاله فى 1943.

 

زيارات متتالية

خلال الأربعة أسابيع الماضية والتى تلت الانفجار الكبير فى مرفأ بيروت الذى راح ضحيته أكثر من 180 شخصا، هبطت طائرة الرئيس الفرنسى مرتين فى مطار رفيق الحريرى الدولى بالعاصمة اللبنانية بيروت، فاتحا أذرعه لاحتضان العشرات من أبناء الشعب اللبنانى وأبرز مشاهيره، فالزيارة الأولى التى جاءت بعد يومين فقط من الانفجار الذى وقع فى 4 أغسطس الماضى، لم يكتفِ ساكن قصر الإليزيه بلقاء أبرز الفاعلين والمسؤولين اللبنانين فقط، والتأكيد على دعم بلاده للبنان، وتقديمه العديد من المقترحات للخروج من الأزمة الحالية، بل حرص على تفقد الأماكن المنكوبة من جراء الانفجار والتقى عدداً كبيراً من المواطنين، فى الوقت الذى لم يستطع فيه قادة بيروت النزول إلى الشارع.

التحركات الفرنسية الأخيرة تأتى فى محاولة لإخراج لبنان من أزماته السياسية والاقتصادية، خاصة أن فرنسا تتبنى جزءا كبيرا من إعادة إعمار بيروت، فضلا على طرحها مقترحا جديدا لإخراج لبنان من أزمته السياسية، يمثل إصلاحات جذرية فى النظام السياسى،وهو ما سبق أن طالب به المتظاهرون الفرنسيون خلال 2019.

المبادرة الفرنسية للإصلاح ربطت الافراج عن أموال إعادة البناء، بوضع نهاية للنظام النسبى السياسى الطائفى،الذى بموجبه تتوزع المناصب السياسية حسب الانتماء الطائفى، حيث لا تزال المناصب الرئيسية الثلاثة فى البلاد تسير وفق نص الميثاق الوطنى الذى اعتمد مع استقلال لبنان فى 1943، بحيث يكون رئيس الجمهورية مسيحيا مارونيا، ورئيس الحكومة مسلماً سنياً، ورئيس البرلمان مسلما شيعياً.

 

المحاصصة الطائفية

لعل من أبزر الأزمات التى تعيشها بيروت أن الطائفية أصحبت حاضرة فى العديد من أمور الحياة، حتى فى توزيع المناصب وكل الوظائف فى الدولة. فلم يعد من السهل تعيين أى موظف فى منصب مرموق أو اتخاذ أى قرار لا يحظى بموافقة ممثلى المكونات الطائفية الرئيسية، فالصيغة التوافقية تسببت فى شلل كبير فى الدولة، حتى أصبحت كل انتخابات رئاسية أو تشكيل حكومة جديدة بمثابة تصدير لأزمة سياسية جديدة، من أجل التوصل لاتفاق على اسم الرئيس او اسم رئيس الحكومة بين كافة القوى السياسية الممثلة لجميع الطوائف.

حزب الله المدعوم سياسيا من إيران والذى يعد من أهم مشاكل لبنان، فى ظل امتلاكه لترسانه من الأسلحة، قدرها البعض بأنها تتفوق على أسلحة الجيش اللبنانى نفسه، فرغم ترحيب زعيمه حسن نصر الله بالمبادرة الفرنسية، إلا أن تصريحاته جاءت تحمل فى طياتها العديد من التأويلات، قائلا: «استوعبنا نداء الرئيس الفرنسى كميثاق سياسى جديد»، مؤكدا أن حزبه منفتح على كل نقاش بناء حول الموضوع، إلا أنه وضع شرطا بأن يتعلق الأمر بحوار لبنانى يتناسب مع إرادة جميع الأحزاب اللبنانية، وكانه يعلم مسبقا عدم وجود رؤية مشتركة بين كافة الأحزاب والطوائف.

عدد من الخبراء طالب الرئيس الفرنسى بالأفعال لا الأقوال، مؤكدين أنه ما دامت الرئاسة الفرنسية قررت مساندة لبنان الشعب وليس الحكم أو النظام السياسى، واختارت يوما رمزيا بدوره هو إعلان دولة لبنان الكبير فى الأول من سبتمبر 1920 على يد الجنرال الفرنسى جورو، فالأجدى بها أن يقترب الرمز من الواقع وتقترن الأقوال بالأفعال، بمعدلات صادقة وفعالة وليست تخديرية وتجميلية.

 

ماكرون وحزب الله

يأتى ذلك عقب ما كشفه صحفى فرنسى عن تفاصيل لقاء ماكرون مع ممثل حزب الله النائب محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، فى «خلوة قصيرة»، وكانت بعد اجتماع عقد ماكرون فى زيارته الأولى فى 6 أغسطس الماضى مع زعماء القوى السياسية الرئيسيين، حيث منح الرئيس الفرنسى ممثل حزب الله 8 دقائق، وتحدث خلالها همسا لرعد حيث كان يرغب فى أن يكون الحديث فى طى الكتمان إلا أن الصحفى Georges Malbrunot المرافق لماكرون فى لبنان، كشف ما دار بين الاثنين.

وجاء فى تقرير الصحفى الفرنسى أن ماكرون قال لرعد: «أريد العمل معكم لتغيير لبنان، لكن اثبتوا أنكم لبنانيون، فكلنا يعلم أن لكم أجندة إيرانية. نعرف تاريخكم جيدا، ونعرف هويتكم الخاصة، ولكن هل أنتم لبنانيون. نعم أم لا؟ هل ستساعدون اللبنانيين؟.. نعم أم لا، هل تتحدثون عن اللبنانيين؟.. نعم أم لا. إذن عودوا إلى الوطن. اتركوا سوريا واليمن، ولتكن مهمتكم هنا لبناء الدولة، لأن الدولة الجديدة ستكون لصالح أبنائكم».

 

دوافع سياسية

عدد من الخبراء أكد أن تحركات الرئيس الفرنسى ماكرون تجاه لبنان تثير الكثير من الزوابع السياسية وضجيج التكهنات ومساءلة النوايا، ففى الوقت الذى يواجه أزمات فى بلاده على المستوى الداخلى،بات يركز على توجيه الكثير من جهوده على ملفات السياسة الخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط وخاصة لبنان، والصراع الجارى فى شرق المتوسط.

وكشف الخبراء أنه على عكس الولايات المتحدة، التى لا تستطيع تحريك المياه الراكدة فى لبنان، بسبب خصومتها مع إيران وبالتالى خصومتها مع حلفاء طهران فى لبنان، فإن فرنسا التى تملك هذه الإمكانية، حيث سبق وساهمت فى رعاية تسوية بين الفرقاء الللبنانيين بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريرى وتشكيل حكومة نجيب ميقاتى وإنجاز التحالف الرباعى فى عام 2005، وعليه فإن فرنسا تحاول اليوم تكرار الشكل من الرعاية والتدخل، لتحقيق إنجاز على مستوى فرض الإصلاحات فى لبنان بعد فشل وتعطل النظام السياسى،وهو ما يعزز أوراقها فى لعبة النفوذ الاستراتيجى فى شرق المتوسط.

وأوضح الخبراء أن من بين أهم الدوافع الفرنسية للتدخل فى الشأن اللبنانى بالإضافة إلى الكشف عن حجم النفوذ الذى تتمتع به فرنسا فى لبنان، إضعاف النفوذ الإيراني: والمتمثل فى حزب الله الذى كان يسيطر بشكل كبير على الحكومة اللبنانية «المستقيلة» برئاسة حسان دياب، وعدم امتداد ذلك إلى حكومة مصطفى أديب الجديدة، التى من المنتظهر الانتهاء من تشكيلها خلال الأيام القادمة الجديدة، فضلا على تحجيم النفوذ التركي: ومنع تنامى أى دور لتركيا فى لبنان، خاصة مع التوترات الحالية بين باريس وأنقرة بشأن ليبيا، والخشية من الطموحات التركية فى شرق المتوسط للتنقيب عن النفط والغاز.

زيارات ماكرون لا تمثل المرة الأولى التى يهرع فيها رئيس فرنسى لنجدة لبنان. فبعد التفجير الذى أودى بحياة رئيس الوزراء اللبنانى السابق رفيق الحريرى عام 2005، ركب جاك شيراك طائرته، وحط فى بيروت لمواساة العائلة، وعند وفاة شيراك العام الماضى، ساد الحداد الإعلام اللبنانى المحلّى، فى استذكار «صديق لبنان الكبير»، فهل يكون الصديق صادقا فى دعمه أم يقتصر الأمر على الكلمات التى يسمعها اللبنانيون دون أثر فى الواقع؟