الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأزمة التى هزت «تل أبيب»

يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، تصدير حالة من الانتصار والنشوة فى مؤتمراته الأخيرة بشأن اتفاقية السلام مع الإمارات، فى محاولة للتغطية على الأوضاع الكارثية التى باتت تنهش فى كيان دولة الاحتلال، بعد التردى الكبير فى العديد من القطاعات الاقتصادية التى وصلت لمستويات كارثية فى ظل التداعيات السلبية لفيروس كورونا المستجد.



 

على الرغم من أن العالم بأسره يعانى من التداعيات السلبية لجائحة كورونا، فإن بعض الدول تحملت تكلفة اقتصادية باهظة، نتيجة لارتفاع معدلات الإصابة أو نتيجة لهشاشة الأوضاع الاقتصادية، فى الفترة التى سبقت هذه الأزمة، ويبدو أن إسرائيل تأتى على رأس هذه الدول بجانب الولايات المتحدة، حيث تسببت الجائحة فى شلل شبه كامل عصف بكافة قطاعات الاقتصاد، ما أدى إلى فقدان نحو مليون شخص وظائفهم خلال الـ5 أشهر الماضية. حالة كساد

الأرقام المعلنة عن أداء الاقتصاد الإسرائيلى خلال الفترة السابقة من العام الجارى، تؤكد أن اقتصاد تل أبيب يمر بحالة كساد واسعة، ليست ركودا كما يروج له البعض، فالأمر تعدى مرحلة الركود التى كان يعانى منها الاقتصاد فى عام 2019، عندما تراجعت معدلات النمو لتصل إلى 1 % خلال عام 2019، مقابل 5 % فى العام السابق له، وهو ما كشف عنه المكتب الإسرائيلى المركزى للإحصاءات الذى أظهرت بياناته منتصف أغسطس الماضى،أن اقتصاد إسرائيل انكمش بنسبة 28.7 % على أساس سنوى فى الربع الثانى من العام الجارى تحت وطأة جائحة فيروس كورونا وتداعياتها على الإنفاق الاستهلاكى والتجارة والاستثمار.

وأظهرت بيانات أولية أن انكماش الناتج المحلى الإجمالى للفترة من أبريل إلى يونيو، مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، كان أشد حدة من توقعات المحللين التى كانت تشير إلى انكماش الاقتصاد بنسبة %22، وخلال الربع الثانى،انخفضت الصادرات 29.2 % والإنفاق الخاص 43.4 % والواردات 41.7 والاستثمار فى الأصول الثابتة 31.6 % وبناء المساكن 41.6 %.

وتبعا لتلك التقديرات، فإن الاقتصاد الإسرائيلى يحتل المرتبة الثانية عالميا ضمن الاقتصادات الأكثر تأثرا بتداعيات كورونا، بعد الاقتصاد الأمريكى الذى فقد %34 من حجم ناتجه المحلى نتيجة ارتفاع وتيرة الإصابة بالفيروس المستجد، خاصة فى ظل الارتباط الكبير بين الاقتصادين، حيث يعتمد اقتصاد الدولة العبرية بشكل كبير على المساعدات والتجارة مع الولايات المتحدة.

البنية الاقتصادية

اقتصادات دول العالم تختلف حسب نسب مساهمة القطاعات المختلفة فى حجم الناتج القومى، ويعتمد الاقتصاد الإسرائيلى على قطاع التصدير بشكل رئيسى، ويعتبر المحرك الأساسى والعمود الفقرى للاقتصاد طيلة عدة عقود، ويعتمد الاقتصاد على الصناعة التصديرية عالية التكنولوجيا، وبلغ حجم الصادرات فى 2018 نحو 110 مليارات دولار.

ومثل غيرها من الدول المعتمدة على التصدير فإنه فى ظل المتغيرات الدولية التى طرأت على الاقتصاد العالمى دفعت العديد من الدول لخفض فاتورة الاستيراد، وتشجيع الإنتاج المحلى، وهو ما كان له تأثير سلبى على الاقتصاد الإسرائيلى، والذى يحاول البحث عن وسيلة للتكيف مع التطورات الأخيرة، إلى جانب قطاع الخدمات فى إسرائيل يساهم بـ 66,1 % من الناتج الإجمالى المحلى ويوظف 77 % من القوة العاملة وفق بيانات البنك الدولى. 

ويوفر قطاع الخدمات ثلث الصادرات الإسرائيلية، ويستهلك ثلثى استثمارات البلاد والإنفاق العام، ففى عام 2012، بلغت قيمة صادرات الخدمات 110,9 مليار شيكل (31,2 مليار دولار)، وفق مكتب الإحصاء المركزى الإسرائيلى.

وتعد السياحة من أهم الأنشطة الاقتصادية فى الدولة العبرية، وتعد السياحة من أهم الأنشطة الاقتصادية التى توليها اهتماما خاصة، حيث يجذب القطاع نحو 4 ملايين سائح سنويا، وبلغت إيرادات إسرائيل من السياحة خلال العام الماضى نحو 23 مليار شيكل « 6.8 ملياردولار»، بعد زيارة 4.5 مليون سائح لإسرائيل، إلا أن هذا القطاع تضرر كثير بسبب الإغلاق الذى فرضته إجراءات كورونا حول العام.

وبعكس العديد من الأنشطة الاقتصادية، فإن القطاع الزراعى لا يشكل سوى 2.7 % من الاقتصاد الإسرائيلى، نظرا لقلة الأراضى المنزرعة، وهو ما يفسر تشبث الحكومات بسياسة الاستيطان، خاصة فى مناطق الضفة الغربية وغور الأردن والتى تعد من المناطق الغنية بالمياه والتربة الخصبة.

ورطة الميزانية

السياسة لم تكن بعيدة وعن ما يحدث فى الاقتصاد، حيث تخاطر إسرائيل بالدخول فى جولة رابعة من الانتخابات، بسبب الخلافات الحادة بين منافسى الائتلاف الحاكم حول الميزانية العامة للدولة، فعلى الرغم من التوافق بين حزبى الليكود وحصانة إسرائيل على تأجيل إقرار الموازنة والبحث فيها لمدة 120 يوما، غير أن ذلك لا يعنى انتهاء الأزمة. 

الإجراء لم يكن سوى تسكين للأزمة الخانقة الإسرائيلية العامة، وتهدئة للتناقضات المشتعلة بين أركان الائتلاف الحاكم (نتنياهو وغريمه جانتس) لفترة محدودة مدتها 4 أشهر أخرى ؛ ومحاولة معالجة الملفات العالقة بين رأسى الحكومة خلال الفترة القادمة، بالإضافة إلى أنها فرصة لالتقاط كل منهما الأنفاس لتحسين مواقعه فى الشارع الإسرائيلى.

فعلى الرغم من ضمان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بقاءه السياسى فى وقت سابق من هذا العام من خلال إبرام اتفاق ائتلافى مع منافسه بينى جانتس. لكن التحالف المتناقض يواجه انهيارا وشيكا إذا لم يتفق الطرفان على الأمور المالية، حيث أدى الجمود السياسى الذى أعقب ثلاثة انتخابات غير حاسمة إلى تأخير ميزانية إسرائيل لفترة طويلة، حيث استخدمت الحكومة خطة العام الماضى طوال عام 2020. مع تفجير أزمة فيروس كورونا، وأعلنت الحكومة عن تدابير مالية إضافية مثل المساعدات النقدية للإسرائيليين.

الصفقة الائتلافية التى توصل إليها نتنياهو وجانتس تضمنت الاتفاق على إقرار ميزانية لمدة عامين، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلى يضغط من أجل ميزانية لسنة واحدة فقط خلال عام 2020، وهو العام الذى يتولى فيه نتنياهو رئاسة الوزراء، حيث يعتقد منتقدو نتنياهو إنه يريد تفويت الموعد النهائى لإقرار الميزانية، حتى يتمكن من تمزيق الاتفاقية التى بموجبها سيتولى جانتس رئاسة الوزراء فى أواخر العام المقبل.

ويجمع الخبراء الاقتصاديون فى إسرائيل على أن تمرير الميزانية أمر حيوى لتحفيز النمو، بعدما وصلت البطالة إلى ذروتها بنسبة 27 ٪ فى أبريل الماضى، فى ظل توقع تعرض البلاد لموجة ثانية من الإصابات بفيروس كورونا المستجد، حيث هناك اتجاه لإغلاق ثانٍ فى الأسابيع المقبلة وهو ما سيكون ضربة أخرى للاقتصاد.

الشلل الاقتصادى الذى تعيش فيه الدولة العبرية أدى لاستقالة عدد من كبار المسئولين الماليين، كان آخرها استقالة شاؤول مريدور أحد كبار المسؤولين بوزارة المالية الإسرائيلية، والذى قال إن الحكومة تسيء التعامل بشكل فاضح مع تداعيات أزمة كورونا باتخاذ قرارات «قصيرة النظر» وتجاهل المعايير الاقتصادية. 

وكان شاؤول مريدور الذى يشرف على قسم الميزانية الحكومية، ثالث مسؤول رفيع المستوى فى الوزارة يقرر الاستقالة منذ تفشى فيروس كورونا، الذى دفع اقتصاد إسرائيل إلى الركود، أفاد مريدور فى رسالة مفتوحة: تتأثر عمليات صنع القرار هذه الأيام بمصالح ضيقة وغير أساسية علاوة على إسكات كبار المهنيين والتجاهل الصارخ للعمل الإدارى والتصرف دون دراسة متأنية وسحق أدوات وقواعد الميزانية.

خطة اقتصادية

الحكومة الإسرائيلية اضطرت تحت وطأة الضغوط الشعبية والتظاهرات المنددة بالوضع الاقتصادى، إلى إقرار حزمة مساعدات جديدة للأسر الإسرائيلية التى فقدت كل مصادر دخلها، نتيجة عمليات الإغلاق الواسعة التى طبقتها الحكوم للحد من تأثير جائحة كورونا، لكن الخطة افتقرت حتى الآن لأى إجراءات أو سياسات، تضع حلولاً واقعية لإعادة النشاط الاقتصادى، حيث اكتفى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير المالية يسرائيل كاتس، بالدفع لإقرار حزمة مساعدات مالية جديدة من شأنها أن تجعل الحكومة تقدم دفعة مالية إلى كل إسرائيلى وسط الأزمة الاقتصادية. 

وبحسب تقارير إعلامية، فإن الخطة التى تكلفت 6 مليارات شيكل (1.75 مليار دولار) مدعومة من آفى سيمحون، رئيس المجلس الاقتصادى الوطنى،لكنها تواجه معارضة من مسؤولى وزارة المالية، وتتضمن الخطة حصول الأزواج الذين لديهم طفل واحد على دفعة لمرة واحدة بقيمة 2000 شيكل (583 دولار)، والتى ترتفع إلى 2500 شيكل (729 دولار) للذين لديهم طفلان، و3000 شيكل (875 دولار) للذين لديهم ثلاثة أطفال أو أكثر. وستحصل الأسر التى ليس لديها أطفال على 750 شيكل (218) دولار.

وتعارض وزارة المالية الاقتراح على أساس أن جميع الإسرائيليين سيحصلون على أموال بموجب الخطة، بغض النظر عن مستوى دخلهم أو ما إذا كانوا قد تضرروا اقتصاديا بسبب القيود التى تفرضها الحكومة لاحتواء الفيروس أم لا.