الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أكلات مصرية بـ« الصلصال الحرارى»!

وسط الأجواء «التقليدية» لاحتفال الأسر المصرية بعيد الأضحى.. كانت الفنانة التشكيلية «عزة عاطف» تستعد للاحتفال بالأضحى «وغيره من المناسبات» بطريقتها الخاصة.. والغريبة أيضًا.



عزة عاطف قررت صنع «مجسمات أو منمنمات صغيرة بحجم العملة المعدنية ( الجنيه المصري) من الأكلات الشعبية المصرية الشهيرة بمادة الصلصال الحرارى.

 

بحجم «عُقلة الأصبع» يمكنك أن تشاهد مجسمات الفنانة عزة عاطف، التى أثارت ضجة على صفحات التواصل الاجتماعى،  لدرجة عدم التصديق أنها مجسَّم صغير للغاية بل طبق شهى وحقيقى.. وهو ما يعود لمهارة ودقة الفنانة الشابة فى إبراز تفاصيل المأكولات بعناية شديدة؛ لدرجة أن كل من يشاهدها ـ لأول مرة ـ يتوقع أنها أطباق حقيقية وليست منمنمات صغيرة للغاية. 

عزة عاطف (31 عامًا) تخرجت فى كلية التجارة جامعة الإسكندرية، وأم لطفلين ، تحكى فى حديثها الهاتفى لروزاليوسف عن علاقتها بالمجسمات وكيف بدأت: «كان لدىَّ شغف بالصلصال وتشكيله منذ الصغرأثناء حصة الرسم فى المدرسة، ولكن كبرت وتزوجت ولم أعرف أن شغفى لايزال قائمًا واكتشفت هوايتى من جديد بالصدفة قبل ثلاث سنوات، أثناء متابعتى لمنصة تسوق تبيع الصلصال الحرارى،  وطلبت من زوجى شراءها وكان يتزامن مع عيد ميلاد صديقتى وفكرت فى تصميم هدية يدوية لها كميدالية بواسطة مادة الصلصال الحرارى». 

تضحك: «سألت صديقتى عن أكلتها المُفضلة، وكانت المكرونة بالبشاميل، وبالفعل صمَّمت الميدالية على هيئة قطعة مكرونة بالبشاميل مُجسَّمة، واستغرق تصميمها خمسة أيام عمل، ولكن فوجئت بردود فعل أصدقائى،  زوجى وعائلتى،  وشجعونى فى التركيز على موهبتى والاستمرار.. وعرض كل ما أقدمه من تصميمات على صفحتى بالفيس بوك»

  

تقول عزة: « فى الحقيقة هذه الصدفة هى التى أعادت اكتشاف هوايتى من جديد، أنقذتنى من روتين الحياة اليومى الذى يُواجه أى ربة منزل من تربية الأطفال ومراعاة البيت، كانت مُتنفسًا حقيقًا للانطلاق وتطوير الموهبة، واصلت فى صنع المجسمات والميداليات وعرضتها على صفحتى،  ولكن فوجئت بردود فعل المتابعين وبدأت طلبات الشراءالمتنوعة، ما بين طلب تصميم ميداليات على هيئة شريحة بيتزا، كبدة إسكندارنى،  مكرونة بالبشاميل». 

ورغم سعادتها بإعجاب الجمهور بصفحتها بالفيس بوك؛ فإنها توقفت عن البيع.. تتابع «شعرت بملل من تكرار القطعة المُجسَّمة نفسها، فضلا عن ضغط ومواعيد التسليم، ولكن فكرت فى تحويل التجربة لمشروع إيجابى ليس للربح  لكن لتوثيق الأكلات الشعبية المصرية الشهيرة والتى يحبها ويقبل عليها السياح، وتكون صفحتى وسيلة لنشر هذه الأكلات المُفضله بطريقة فنية وجذابة». 

وثقت عاطف حتى الآن «20 أكلة شعبية مصرية، من فتة الكوارع ، لأكلات المسامط وطبق المومبار والكرشة والطحال والمخ البانيه، للكشرى ، للملوخية، لطاجن البامية باللحم الضانى،  الباذنجان المخلل، الحمام المحشى،  الفطير المشلتت والعسل الأسود والجبنة القديمة، الحواوشى الإسكندرانى». 

تضيف عزة: «بجانب الأكلات الشعبية اليومية  كالفول  والفلافل، الكشرى،  أصبحت أستعد مع كل مناسبة واحتفال بالأعياد المختلفة فى تحضير مجسمات تضم أكلة الموسم، فمثلا الآن مع التحضير لاحتفالات عيد الأضحى،  فالفتة بالفخذة الضأن تتصدر قائمة المأكولات فى بيوتنا المصرية، وكذلك المشويات والكفتة، وفى عيد الفطر كانت صينية الرقاق بالبط  كأشهر المأكولات أول أيام العيد، والكعك والبسكوت». 

سألناها: عن كيفية إتقان عمل المجسمات لتبدو وكأنها حقيقية فقالت: «أنا شغوفة بالمطبخ بصفة عامة، وكان لدىَّ ولع شديد بتصوير كل أكلة بعد الطهى،  وأركز فى تفاصيل تقديم الطبق بصورة جمالية وجذابة، ومن ثم انتقلت هذه الدقة فى التفاصيل عندما بدأت تصميم المجسمات وبالفعل هناك من الجمهور من لم يصدق أنها «منمنمات صغيرة» بحجم العملة المعدنية واعتقدوا أنها فوتوشوب». 

وعن الوقت الذى يستغرقه تصميم المجسَّم تقول عزة: يتوقف على  طبيعة كل أكلة، فمثلا الفتة المصرية باللحم الضأن فالأرز صعب جدا فى تصميمه وليظهر بهذا الشكل الواقعى،  يتم تصميم حبه الأرز واحدة واحدة، وكذلك الرنجة فى شم النسيم والبصل والفسيخ، والزيت الذى يُلوث ورقة الجرائد». 

عملية التصميم ـ بحسب عزة ـ قد تصل لمدة أسبوع.. مثلا فى قطعة واحدة كالفخذة الضأن..  وهذه الخيوط التى يتم تربيطها بها.. وكذلك مجموعة عيد الأضحى وهى مجسم «الذبح أول أيام العيد»  كالخروف الصغير بعد تشفيته من الجلد.. وهذه « اللية الضأن» التى تظهر فى الصور وكأنها واقعية، وكذلك قلب الخروف والكبدة، كل من شاهد هذه القطع اعتقد أنها حقيقية بسبب كل التفاصيل الدقيقة». 

وعن أغرب تعليق على مجسماتها الصغيرة؛ تقول «الحمد لله فخورة بكل ردود الفعل ، وأتذكر آخرها على مجسمات مشهد ذبح الخروف أول أيام عيد الأضحى؛ إذ علقت إحدى المتابعات قائلة: «من كتر ما هى حقيقية حسيت إن ريحة الدم والذبح بشعة وطالعة من الصور..» وهناك تعليقات مثل «جوعتينا عايزين نأكل ملوخية شامين ريحة الطَشة،  وآخرين قالوا ريحة الفسيخ والرنجة وصلتنا من الصور وذلك أثناء عرض مجموعة شم النسيم». 

تشرح عزة نُدرة استخدام الصلصال الحرارى فى مصر وصناعة المجسمات بصفة عامة، قائلة: «بالفعل الصلصال الحرارى  عندما بدأت منذ 3 سنوات كانت عملية شرائه صعبة جدا وكنت أتسوقه عبر الإنترنت، فهو فن غير منتشر فى مصر، وكان الموجود فقط فى هدايا السبوع للمولود وكانت عبارة عن قوالب جاهزة تصب فيها مواد  خام  ويتم حرقها وتظهر فى النهاية على أشكال مختلفة، لكن فن تصميم المجسمات بالصلصال الحرارى ينتشر منذ عشرات السنوات فى الصين واليابان، وربما ندرة وجود فنانين يستخدمون الصلصال والمجسمات فى الفترة الماضية يعود لعدم توافره فى الأسواق، ولكن الآن أصبحت هناك محلات تبيعه فى القاهرة  أو الإسكندرية بوفرة وهو ما أدى لظهور فنانين رائعين وموهبتهم كبيرة ويستخدمونه مؤخرًا».

وعن عملية التصنيع نفسها والفرق بين الصلصال الحرارى والصلصال الذى يستخدمه الأطفال تُوضح عاطف: «هو يشبه صلصال الأطفال ولكنه أقوى من حيث الخامة يحتاج لمجهود ويد متمرسة لتشكيله، وهناك خطوات بعد التصميم تبدأ بالفرن الذى يُحرق فيها بعد تصميم المُجسم، ثم تأتى مرحلة جديدة بالتلوين ثم يدخل للفرن مرة أخرى لمدة معينة يتوقف على حسب كل مُجسم، ثم تأتى مرحلة التمليع لتظهر البطة محمرة أو الفرخة مشوية أو طبق الطحال المقلى وهو يغرق فى الزيت  حتى خروج المجسمات نهائيا من الفرن لتصبح أشبه بقطع بلاستيك شديدة الواقعية ومليئة بالتفاصيل». 

توقفت عاطف عن عملها التجارى لبيع المجسمات ، واكتفت بعرض مجسماتها على صفحتها بالفيس بوك «soty.crafts».. تقول: «لم أشعر بسعادة عند تكرار نفس المجسمات خاصة مع زيادة الطلبات، فقررت إشباع هوايتى بتصميم كل الأكلات الشعبية المصرية المشهورة وعرضها فقط ليستمتع بها الجمهور، ولتمضية وقت فراغى بطريقة مبهجة وسعيدة، لكن نظمت مسابقة للأطفال عندما أرسل لى أولياء الأمور على الصفحة بتصميمات أبنائهم باستخدامهم للصلصال العادى،  وكنت سعيدة بتشجيعهم وبموهبتهم، وتم تكريمهم بشكل رمزى بشهادات تقدير على الصفحة لكى يستمروا فى تطوير موهبتهم». 

وتختتم عاطف حديثها، بأن كل قطعة من المجسمات قامت بتصميمها أصبحت بمثابة أحد أولادها، وأنها سعيدة بردود فعل الجمهور، خصوصًا عندما تلقت دعوة من ساقية الصاوى كأحد المراكز الثقافية فى  مصر لعرض مجسمات الأكلات الشعبية فى معرض للصناعات اليدوية. تتابع بشغف: «سعيدة أن يتعرف ويرى الجيل الجديد مأكولاتنا الشعبية الأصيلة بأشكال فنية جذابة وطريفة».. وأتمنى انتشار فن تصميم المجسمات بالصلصال الحرارى فى مصر، وأسعى إلى بث فيديوهات تدريب على اليوتيوب للأطفال والكبار، ولكل من يُريد أن يتعلم فن استخدام الصلصال الحرارى فى مصر». 