الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الحرب العالمية على لقاح كورونا

أصابت الخسائر العالمية لجائحة كورونا قرابة 17 مليون شخص حول العالم، بينما لقى أكثر من نصف مليون شخص حتفه جراء المرض، وأسفر الوباء عن وجود مئات الملايين من العاطلين عن العمل، وتدمير تريليونات الدولارات من ثروات البلاد، ولا تزال الأرقام فى ازدياد مستمر.



وليس غريبًا أن يكون هناك اهتمام كبير بتطوير أكثر من لقاح فى جميع أنحاء العالم، ويبدو العديد منها واعدًا، وقد يؤتى واحد، أو أكثر ثماره، ولكن، حتى فى حالة ظهور لقاح واحد، أو أكثر، فلن يتم القضاء على مشكلة الصحة العامة، وفقاً لرؤية «ريتشارد إن. هاس»، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، الذى شغل سابقًا منصب مدير تخطيط السياسة فى وزارة الخارجية الأمريكية، منذ 2001، حتى 2003.  

طرح «هاس» الأسئلة الصعبة حول لقاح فيروس كورونا، التى لا تزال تحير الخبراء الدوليين، محاولاً الإجابة على بعضها من وجهة نظره، موضحًا أنه رغم السباق العالمى لتطوير وإنتاج لقاح فعال لمكافحة (COVID-19)، فإن الخبراء الطبيون يؤكدون أن اللقاحات ليست حلا سحرياً، إنما مجرد أداة واحدة فى الترسانة الطبية، ولا يتوقع من أى لقاح أن ينتج مناعة كاملة، أو دائمة لدى كل من يتناوله، والسيئ أن هناك العديد ممن سيرفضون الحصول على التطعيم.

وعن الحقيقة الأسوأ، أشار «هاس» إلى وجود ما يقرب من ثمانية مليارات رجل، وامرأة، وطفل حول العالم أغلبهم فى حاجة للقاح، أى أن يتطلب هذا تصنيع ثمانية مليارات جرعة (أو أكثر من ذلك، إذا كانت هناك حاجة لأكثر من جرعة واحدة)، وتوزيعها فى جميع أنحاء العالم لسنوات، وليس شهورًا. 

ثمن باهظ

يطرح ذلك أول الأسئلة الصعبة: مَن سيدفع مقابل أى لقاح؟.. إذ تتوقع الشركات استرداد استثماراتها فى البحث، والتطوير، إلى جانب تكاليف الإنتاج، والتوزيع، أى ستكون التكلفة عشرات المليارات من الدولارات، وربما أكثر من ذلك بكثير.

وعن الأسئلة السياسية الأصعب، فهى: من الذى يجب أن يتلقى الجرعات الأولية لأى لقاح؟، ومن سيحدد من يُسمح له بالدخول إلى قائمة الانتظار، وبأى ترتيب؟.. ما هى المزايا الخاصة التى تعود على البلد التى يتم فيها تطوير لقاح؟.. وإلى أى مدى ستزاحم الدول الغنية البلدان الفقيرة؟.. هل ستسمح الدول بتدخل الجغرافيا السياسية فى تقاسم اللقاح مع الأصدقاء والحلفاء، بينما تجبر السكان الضعفاء فى البلدان الخصم على الانتظار؟. 

لم يعط «هاس» إجابة على أى من تلك الأسئلة المثيرة للقلق على الساحة الدولية! إذ تعد قضية كيفية توزيع اللقاح، هى التى تشغل بال الخبراء الدوليين، ونصح الحكومات بأن تبدأ بالتفكير فى كيفية توزيع تلك اللقاحات، سواء كانت تنتجها، أو تتلقاها، موضحًا أن إحدى الأفكار التى قد تصلح فى إدارة توزيع اللقاح، هى أن تكون للعاملين فى مجال الرعاية الصحية، تليها الشرطة، ورجال الإطفاء، والجيش، والمعلمين، وغيرهم من العاملين الأساسيين.

فى السياق نفسه، هناك حاجة إلى تصنيع ما يقدر بنحو مليار جرعة فقط لتطعيم العاملين فى مجال الرعاية الصحية، وغيرها من الصناعات الأساسية على مستوى العالم، وذلك إذا كانت هناك حاجة إلى جرعة واحدة فقط لكل شخص.

وبالعودة لمقال «هاس»، فقد شدد على ضرورة اهتمام الحكومات بالنظر فى الأولوية التى يجب إعطاؤها لمن هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بمضاعفات خطيرة من (COVID-19)، مثل كبار السن، والذين يعانون من ظروف صحية سابقة، ويطرح سؤال آخر، وهو: هل يجب أن يكون اللقاح مجانياً للبعض أم للكل؟.

على المستوى الدولى.. أوضح أن هناك حاجة للتأكد من إمكانية زيادة الإنتاج بسرعة، ووضع قواعد لتوافر اللقاح، وأن يتم التعهد بأموال كافية بحيث يتم تغطية البلدان الأكثر فقراً، مشيرًا إلى كل من التحالف العالمى للقاحات والتحصين (GAVI)، ومنظمة الصحة العالمية، والعديد من الحكومات، ومؤسسة «بيل وميليندا جيتس»، الذين قاموا بتشكيل خطة التمويل (كوفاكس)، المصممة لضمان وصول سريع وعادل للقاحات فيروس (COVID-19).  واقعية التوزيع بالتساوى

وأكد «هاس» أن مبتكرى اللقاح يقترحون أن يعامل كصالح عام عالمى، ليتم توزيعه بالتساوى فى جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن مكان اختراعه، أو قدرة البلد على الدفع، كما طرحت منظمة الصحة العالمية إطارًا عالميًا يسعى لضمان الأولوية للسكان الأكثر ضعفاً، والعاملين فى مجال الرعاية الصحية.

مع ذلك، علق «هاس» بأن هذه الأساليب قد تكون غير واقعية؛ لأن الأمر لا يقتصر على إفتقار المشروع إلى التمويل الكافى، وعدم مشاركة «الولايات المتحدة» و«الصين» فحسب، بل لما ستتعرض له جميع الحكومات من ضغوط هائلة لرعاية مواطنيها أولاً. مؤكداً أن مبدأ (قومية اللقاحات) سوف تفوز على (تعددية اللقاحات).

النهج الوطنى فى التعامل مع الوباء

واستدل على رأيه هذا بكيفية تصدى الدول للوباء، أى عندما ظهر (COVID-19) فى «الصين»، سرعان ما أصبح مشكلة عالمية، بينما كانت ردود الفعل -فى أغلبها- على أسس فردية وطنية، أى حققت بعض البلدان أداءً جيدًا نسبيًا، بفضل أنظمة الصحة العامة وقيادتها السياسية القائمة، بينما كانت ردود لدول أخرى على العكس تمامًا.

بمعنى أسهل، لم يكن التصدى للوباء عالميا تعاونيا، بل كان على أساس فردى لكل دولة على حدة. لذلك، من المتوقع أن يكون توزيع اللقاح على أساس وطنى، وفقاً لرؤية «هاس».

وتابع أن استمرار هذا (النهج الوطنى) للقاح يعد أمر كارثياً، آملاً أن تتحول قضية توزيع اللقاح إلى (النهج العالمى)، ليس لأسباب أخلاقية وإنسانية فحسب، بل اقتصادية واستراتيجية أيضًا، لأن الانتعاش العالمى يتطلب تحسينًا جماعيًا. لهذا يجب على الحكومات، والشركات، والمنظمات غير الحكومية أن تجتمع بسرعة، سواء كان ذلك فى مبادرة (كوفاكس)، تحت رعاية الأمم المتحدة، أو مجموعة العشرين، أو فى أى مكان آخر.

احتكار اللقاح

جاءت نصيحة «هاس» كرد فعل على ما يدور فى الساحة العالمية من أقوال عن احتكار اللقاح من قبل بعض الحكومات، ففى تقرير آخر لموقع (مجلس العلاقات الخارجية)، أكد أن بعض الدول تسعى إلى إبرام اتفاقيات احتكار مع شركات تصنيع اللقاحات لتجنب النقص المحلى. 

فقد أبرمت كل من: «البرازيل»، و«الولايات المتحدة»، و«الاتحاد الأوروبى» اتفاقات مع شركة «AstraZeneca» لمئات الملايين من جرعات لقاح جامعة «أكسفورد». كما أظهر استطلاع أجرته وكالة «أسوشيتد برس»، وجامعة «شيكاغو» أن أقل من نصف الأمريكيين، الذين شملهم الاستطلاع، يخططون للحصول على لقاح سريعاً عندما يتوافر واحد.

و حذر الخبراء الدوليون من التكالب المبالغ فيه على اللقاح من قبل بعض الحكومات، لأنه سيؤدى إلى توزيع غير عادل. وفى النهاية، تفشل البشرية فى القضاء على خطر تفشى المرض. ففى الوقت الذى حفزت مهمة تطوير وإنتاح اللقاح البلدان على الاستعداد للإنتاج على نطاق واسع، إلا أنها حرضتها - فى الوقت ذاته - ضد بعضها البعض، بسبب مخاوفهم من محدودية إمدادات اللقاحات !!