الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«صناعة الموت» في معامل «بير السلم»!

كشف فيروس كورونا المستجد، الذى حاصر دول العالم مؤخرًا، عن سوق رائجة لتأجير تراخيص معامل تحاليل من الباطن التى تعجّ بالمتحايلين على القانون 367 الصادر فى 1954 بعد أن يتفادى مستأجرو المعامل بندًا يُلزم وجود مختص فى المختبر، وذلك باستغلال أسماء أطباء فى إنهاء المحرّرات الرسمية بأسمائهم نظير مقابل مادى، الأمر الذى يفتح الباب على مصراعيه لدخول غير المتخصصين إلى «السوق الحرام» فى ظل الجائحة العالمية وتزايد الحالات التى اعتمدت على العزل المنزلى وإجراء التحاليل خارج معامل وزارة الصحة والاكتفاء ببعض ما يطلبه الأطباء، ما جعل البعض يسارع إلى تأجير رخصهم واستثمارها خاصة بعد تزايد الطلب عليها.



 

 

فتأجير تراخيص مزاولة المعامل الطبية بمثابة باب خلفى لدخول غير المختصين بالمجال، لفتح معامل أغلبها يكون دون مراعاة لأى اشتراطات، والتحايل على القوانين التى تحدد العمل فى هذا المجال إلى أن أصبح الأمر بيزنس وسوقًا سوداء على حساب المرضى فحالة الفوضى التى باتت عليها المعامل الطبية قد تتسبب الوقوع فى أخطاء طبية من الممكن أن تضر بحياة أى مريض، وتعكس حالة الفوضى داخل معامل التحاليل تزايد أعداد المعامل غير المرخصة التى تخطت 70 ألف معمل، بينما يتخطى عدد المعامل المرخصة 12 ألفًا، بحسب الدكتورة نجوى الشافعى، وكيل النقابة العامة للأطباء.

 

«روزاليوسف» خاضت مغامرة شراء ترخيص معمل تحاليل من الباطن فى محاولة للكشف عن العالم السرى للسوق الرائج، والطرق الملتوية التى يتلاعب بها أصحابها للتحايل على القانون.

 

«وسطاء التواصل» للترويج للبيزنس

 

التقطت محررة «روز اليوسف» طرف الخيط من خلال إعلان على موقع التواصل الاجتماعى (فيسبوك) يروّج لخدمات توفير تراخيص المزاولة بمعامل التحاليل فى جميع المحافظات وإعلانات أخرى حول شراء التراخيص من بعض المتخصصين، لتتواصل مع الصفحة المعلنة التى جاءت تحت اسم «تأجير تراخيص معامل التحاليل الطبية بالمحافظات»، من خلال الرسائل ثم الاتصال هاتفيًا بالرقم المرفق بالإعلان، ليكشف تطبيق «تروكولر» على الهاتف اسم صاحبته والمدوّن بـ«بسمة».

 

ردت بسمة على الهاتف يبدو أنها ربة منزل حيث أصوات الأطفال من حولها، وعرّفتنى بنفسها وأنها تعمل مستشار علمى، ولديها مكتب متخصص بكل الأمور المتعلقة بمعامل التحاليل سواء التجهيزات أو توفير تراخيص المزاولة، حيث يعمل مكتبها منذ عام 2009، بحسب تأكيدها، ليطول الحديث معها فى مجال العلوم والكيمياء باعتبارى غير متخصصة فيه وأرغب فى تدشين معمل تحاليل الذى يحتاج إلى ترخيص مزاولة؛ حتى يتسنى لى ذلك مع توضيح بعض التفاصيل المتعلقة بهذا المجال، خاصة أننى ليس لدى خبرة كافية فيه، والتأكيد على أن شغف الاستثمار فيه وراء محاولتى خوض التجربة.

 

بدأت بسمة إجابتها بتوضيح أنها ستحصل على مبلغ شهرى 600 جنيه بصفتها وسيط، وأن الطبيب (صاحب الترخيص) سيحصل على نفس المبلغ أى أن الإجمالى 1200 جنيه شهريًا، مؤكدة ضرورة توفير مكان يستوفى الشروط التى تضعها وزارة الصحة، مع صورة كارنيه للطبيب تثبت عضويته بنقابة الأطباء دون شرط التخصص، وذلك لتقديمها ضمن أوراق الترخيص، عارضة توفيرها إذا لم يكن بإمكانى ذلك مقابل 1000 جنيه: «معانا دكتور بياخد 1000 بس على صورة الكارنيه».

 

كما طلبت بسمة شراء عقد إيجار صورى من أى مكتبة لأسجل فيه اسم صاحب ترخيص المزاولة، لتبدأ من هنا الإجراءات الرسمية بتقديم العقد فى وزارة الصحة والسكان، ويقوم صاحب الترخيص بالتوجه معى لإنهاء إجراءات توكيل فتح المعمل، على أن يتم تسليم مبلغ الأتعاب الخاص بها فى نفس اليوم: «صاحب الترخيص يعتبر شريكى وهيكون هناك عقد يلزم الطرفين بحقوق أى منهما، شريطة ألاّ يكون صاحب الترخيص له أى علاقة بالضرائب أو حتى الإيجار مع تحديد ملكيتك للأجهزة»، لافتة إلى أنه فى حال عدم الالتزام بالإيجار أو دفع الضرائب يتم إلغاء التعاقد.

 

بسمة: «معانا ناس فى الوزارة!»

 

لم تتوقف بسمة عند هذا الحد، بل حاولت طمأنتى بأن الإجراءات ستتم بسهولة: «معانا ناس فى الوزارة لو فى مشكلة بيساعدونا وبيلموا الدنيا لو حصل تأجيل فى إصدار الترخيص»، مشيرة إلى أن الوزارة ترسل لجنة للمعاينة خلال فترة تصل إلى ستة أشهر من تاريخ تقديم الأوراق: «اللجنة ممكن تيجى بشكل مفاجئ»، كاشفة عن أنه بإمكانى تشغيل المعمل قبل الحصول على ترخيص الوزارة: «ممكن لجنة المعاينة لو هتأجل إصدار الترخيص نمشّى أمورنا معاها بالفلوس وده المتبع».

 

بعد الاتفاق مع «بسمة» على التواصل معها فور الانتهاء من تجهيز الأوراق والمكان المخصص للمعمل، أنهيت المكالمة وقمت بالبحث عن أى معلومات عنها على موقع التواصل الاجتماعى (فيسبوك) اتضح أنها تمتلك عدد من الصفحات التى تروّج لهذا البيزنس، وبالنسبة لصفحتها الشخصية اكتشفت أن لديها صفحتين باسمين مختلفين إحداهما كتبت فى المعلومات الشخصية الخاصة أنها ربة منزل تعيش فى المملكة السعودية، والأخرى عرّفت نفسها بأنها مستشارة علمية بجامعة المنوفية.

 

بيزنس كورونا: ربح سريع

من خلال صفحة أخرى مخصصة لنفس الغرض، تواصلت، أيضًا، مع صاحبة ترخيص مزاولة تدعى مروة، كانت قد نشرت إعلانًا على الصفحة تعرض الترخيص الخاص بها والتابع لمحافظة أسيوط للإيجار، وهاتفتها لتسألنى عن تخصصى لأبلغها بأن زوجى حاصل على شهادة معهد تجارى سنتين ويسعى لإنشاء معمل تحاليل، لترد: «بيزنس يعنى علشان كورونا وفى إقبال على المعامل»، فكانت الإجابة بنعم، لتنبهنى إلى ضرورة توفير طبيب بالمعمل حتى أحصل على الترخيص، لافتة إلى أن هناك شروط كثيرة لتأسيس المعمل من بينها أن يكون المكان مناسب وجيد التهوية، إضافة إلى تخصيص غرفة للعزل، وترخيص أجهزة السحب، مضيفة أن هناك قائمة شروط وضعتها وزارة الصحة قامت بإرسالها لى: «ممكن حد يأسس معمل بـ5 آلاف أو 100 ألف جنيه على حسب الأجهزة اللى هيبدأ بيها، فيه حاجات أساسية زى الكراسى والمكتب وغرفة سحب العينات والترابيزة والسرنجات والثلاجة والكمبيوتر والطابعة ولازم جهاز لفصل عينات الدم وميكروسكوب»، نصائح أخرى وجهتها لى صاحبة الترخيص مع تأكيدها المستمر بأن هذه الأجهزة أساسية ولا غنى عنها. 

 

وواصلت: «إذا تعذر إجراء تحليل مطلوب لعدم توفر جهاز فمن الممكن إرسال العينة لمعمل آخر عن طريق خدمة (لاب تو لاب) ليقوم بفحص العينة وإعادة النتيجة للمعمل ليخرج تقرير باسم المعمل الخاص بكِ وليس المعمل الآخر، مقابل خصم يتخطى 70 %: «هتحصلى على ربح كأنك اشتغلتى التحليل».

 

وحول الأجهزة المتعلقة بالتحاليل الخاصة بفيروس كورونا، قالت إن لها أربعة تحاليل أعلاها سعرًا المخصص بصورة الدم الذى يطلق عليه جهاز تحليل cbc، مقترحة ألاّ اشتريه وأجريه من خلال خدمة الـ «لاب تو لاب»، بالتعاقد مع معمل آخر وتخصيص مندوب لإرسال التحاليل واستلام النتيجة، مؤكدة أن أغلب المعامل تعمل خلال تلك الفترة بهذه الطريقة، كاشفة أن بعض المراكز تقدم دورات تدريبية فى التحاليل الطبية لأى مؤهلات دراسية، كما نصحتنى بخوض تلك التجربة حتى أتعلم ويصبح لدىّ خبرة فى المجال واستطيع التعامل مع المرضى وسحب العينات منهم.

 

بعد كل تلك النصائح طلبت مروة مبلغ 400 جنيه شهريًا لتأجير ترخيص المزاولة الخاص بها، واشترطت أن يكتب أول حرفين من اسمها على «اليافطة الخاصة بالمعمل، على أن تكون مسؤولة عن المكان صوريًا، مضيفة أن هناك تفاوت فى أسعار إيجار التراخيص.

 

هاجر: «عايزة 1500 جنيه»

 

تخرجت «هاجر» فى كلية العلوم وحصلت على دبلومة الفسيولوجى، وحصلت مؤخرًا على حكم قضائى يمنحها ترخيصين يسمحان لها بفتح معملين فى نفس المحافظة عقدت صفقة لتأجير أحدهما والآخر تفاوضت لاستئجاره منها، فطلبت 1500 جنيه شهريًا، مؤكدة أن جميع أصدقائها يؤجرون تراخيصهم بنفس هذا المبلغ، وأن هناك طلب خلال تلك الفترة للشراء، مضيفة أن المجال أرباحه كبيرة، خاصة خلال تلك الفترة التى أصبح يذهب خلالها الكثيرين ممن يشتبهون فى إصابتهم بكورونا إلى معامل التحاليل بدلًا من الأطباء لحسم أمرهم من خلال التحاليل: «السعر اللى بقولهولك مش حاجة بالنسبة للأرباح اللى هتجيلك»، وتابعت: «علشان نطلع الترخيص صارفين تقريبًا 10 آلاف جنيه»، حول سبب عدم فتحها معمل خاص أكدت أنها غير متفرغة ولديها وظيفة فى كلية الصيدلة.

 

مسئولو الصحة يتبرأون

 

«روزاليوسف» حاولت التواصل مع الجهتين المسؤولتين وكانت البداية مع رئيس إدارة العلاج الحر أكثر من مرة، لكنها لم ترد، لتكون المحاولة عبر رسالة على واتساب بالتعريف بطبيعة التحقيق، ليأتى الرد فى اليوم التالى تتنصّل فيه من مسؤوليتها، مؤكدة أن الجهة المنوط بها منح التراخيص هى الإدارة المركزية للمعامل، وبعد التأكيد لها لها بأن إدارتها هى مسئولة عن ذلك قالت إن إدارة العلاج الحر مسئولة، فقط، عن التفتيش والمرور والمتابعة والغلق، أما المعاينة ومنح التراخيص فهى مسئولية المعامل المركزية، كما حالت الظروف الصحية لرئيس الإدارة المركزية للمعامل التواصل معها، مؤكدة أنها مريضة ولا تستطيع التعقيب.