الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كمامات بأيدى الغارمات!

«من المحن تُولد المنح» ومع انتشار جائحة كورونا – فيروس كوفيد -19 المستجد، ورُغم المخاوف والأزمات النفسية والاقتصادية والاجتماعية التى خلفها هذا الوباء؛ فإن محاولات بث الأمل والتفكير خارج الصندوق بحلول إيجابية، وكان من بينها مبادرة «كمامات من صُنع الغارمات» التى أطلقتها جمعية رعاية أطفال السجينات، لحماية الغارمات من العودة للديون ومن ثم السجون، فضلًا عن خدمة المجتمع بسلعة ضرورية يحتاجها كل مواطن مصرى الآن بعد أن ألزمت الدولة ارتداءها بالشارع كواحدة من أهم الإجراءات الاحترازية فى محاربة فيروس كورونا وانتشاره.



«الهدف من مبادرة كمامات من صُنع الغارمات هو وجود مصدر رزق للسيدات بعد تداعيات أزمة كورونا؛ حتى لا يعُدن لفخ الديون مرة أخرى.

 

تحكى نوال مصطفى- مؤسّس ورئيس مجلس إدارة «جمعية رعاية أطفال السجينات»- فى حديثها لـ«روزاليوسف»: «إن انتشار جائحة كورونا أثر بشكل سلبى على جميع قطاعات العمل؛ خصوصًا أفراد العمالة غير المنتظمة، ومع بداية إجراءات الحظر الذى فرضته الدولة فى مارس الماضى،  توقف عملنا بمصنع «حياة جديدة» لعدة أشهُر حفاظا على أرواح العاملات ولكن تحمّلت الجمعية نفقات هذه الشهور كاملة من أجل تخفيف أعباء الحظر وأزمة كورونا على النساء». 

 

تُكمل: «بعد عدة اجتماعات فى الجمعية  توصلنا لأهمية عودة العمل ولكن مع اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية والوقائية الحاسمة وأن نفكر خارج الصندوق وتحويل نشاط المصنع من إنتاج الملابس الجاهزة إلى تصنيع الكمامات بعد أن أصبحت سلعة ضرورية ولا غنى عنها؛ خصوصًا مع إلزام الدولة المواطنين بارتدائها فى الشوارع العامة، المواصلات، والمصالح والهيئات وغيرها». 

 

إطلاق مبادرة حياة جديدة وصناعة الكمامات بأيدى الغارمات، استلزم تجهيز المصنع والتأكد من كل طرق السلامة والأمان لعودة الغارمات من جديد للعمل، من خلال توفير المطهرات والمعقمات فى كل أرجاء المصنع، وقياس درجة حرارة الغارمات قبل دخول المصنع يوميّا، فضلًا عن تنفيذ شروط التباعد الاجتماعى من حيث تباعد ماكينات الخياطة لمسافة تقترب لمتر ونصف وتقليل عدد العاملات بالمصنع من خلال نظام الورديات للحفاظ على الأراوح السيدات. 

 

تلفت مؤسّس جمعية رعاية أطفال السجينات إلى «أنها تُفضل تسمية الغارمات الآن بالعاملات، فقد تم غلق صفحة الماضى وتجاوز مرحلة الخروج من السجن وأصبحن الآن عاملات منتجات يخدمن الوطن بإنتاج الآلاف من الكمامات يوميّا فى عمل وطنى،  لحماية أفراد الشعب المصرى».

 

وعن الكميات المنتجة يوميّا من الكمامات، تقول نوال مصطفى: «يصل عدد إنتاجنا إلى 4 آلاف كمامة يوميّا، وتم اعتماد مواصفات وزارة التجارة والصناعة فى تصميمها ، فهى كمامة وقائية، تتكون من طبقتين من القطن، صالحة للاستخدام لمدة 30 مرّة مع الغسيل والكى» .

 

تستطرد نوال مصطفى: «إن مبادرة صناعة الكمامات بأيدى الغارمات هدفها أولًا خدمة المجتمع وتوفير إنتاج يغطى الاستهلاك اليومى؛ خصوصًا أن هناك تعاقدًا مع وزارة الصناعة والتجارة لشرائهم أربعة آلاف كمامة يوميّا؛ خصوصًا فى ظل احتياجات جميع مرافق الدولة للكمامات الآن، وعلى سبيل المثال، مرفق خطوط مترو الأنفاق الذى يحتاج يوميّا لخمسة ملايين كمامة، وثانى أهداف المبادرة هو عودة الغارمات للعمل وعدم وقوعهن مرة أخرى فريسة للديون ومساهمتهن الإيجابية فى الإنتاج والعمل ومحاربة البطالة».

 

وبسؤالها عن عدد العاملات المساهمات فى إنتاج الكمامة، توضح مصطفى: «يصل عدد العاملات بالمصنع إلى 10 عاملات كبداية، سوف تزداد تدريجيّا، ولكن لدينا فريق عمل من الغارمات اللاتى تم تدريبهن فى المنازل منذ خروجهن من السجن قبل عدة سنوات، على الخياطة، الكورشيه، التطريز، صناعة الإكسسوارات وصناعة صابون الغسيل، ومن ثم تم توجيه السيدات اللاتى يحترفن الخياطة على تبديل نشاطهن فى صناعة الكمامات بالمنزل مع توفير كل الإجراءات الاحترازية أيضًا من القفازات وغيرها من سُبل الوقاية، ليصل عدد العاملات فى صناعة الكمامات إلى 50 سيدة».

 

وبسؤالها عن أسعار الكمامات وإمكانية شراء الجمهور كأحد أشكال دعم الغارمات، تقول نوال مصطفى: «سعر الكمامة 5 جنيهات بالجملة، ونكون سعداء بشراء الجمهور لها، ليس فقط على سبيل التعاطف مع دعم صناعة الغارمات للكمامات وتوفير عائد لهن، ولكن لأن الجمهور سيجد صناعة  تتميز بجودة، وهذا ما نحرص عليه قبل التعاطف أو شراء الجمهور للكمامات كدعم للمسئولية الاجتماعية».

 

يُذكر أن مبادرة «حياة جديدة» لصناعة الكمامات بأيدى الغارمات  تتبع مصنع «حياة جديدة»، أحد مشروعات جمعية رعاية أطفال السجينات بالشراكة مع مؤسّسة دروسوس السويسرية، والذى يهدف إلى تمكين الغارمات اقتصاديّا، بتدريبهن وتعليمهن حِرَفًا صغيرة وبسيطة، والبدء فى تشغيلهن فى القطاع الخاص أو عمل مشروعات صغيرة لهن.

 

وتحكى مؤسّس جمعية رعاية أطفال السجينات أن هذا المصنع تأسّس قبل ثلاثة أعوام، ويقع فى حى الهرم بمحافظة الجيزة، وكان ينتج الملابس الجاهزة الكاجوال، وحرصنا على ربط اسم المنتج تجاريّا بالهدف من تأسيس المصنع، وهو دعم الغارمات بعد خروجهن من السجن وبدء حياة جديدة لهن، لذا أصبح اسم العلامة التجارية للمنتجات أيضًا New Life او «حياة جديدة»، ونحرص على مستوى عالٍ من الجودة فى الصناعة من أجل استمرارية المشروع ونجاحه. 

 

«حالة من الفرح والسعادة بعد عودة العاملات للمصنع، وأصبح لديهن شعور إيجابى بأهمية وقيمة إنتاجهن من الكمامات فى هذه المرحلة الدقيقة التى تمر بها البلاد، ومساهمتهن فى مكافحة الوباء بطريقة غير مباشرة بتوفير وصناعة هذه الكمامات».. تصف نوال مصطفى ردود فعل العاملات بعد عودتهن للمصنع من جديد.

 

تستطرد: «نسعى لتكرار تجربة تأسيس مصنع حياة جديدة فى دمنهورمستقبلا؛ خصوصًا أن هناك بروتوكول تعاون يتم من خلاله تدريب السجينات الغارمات؛ لتوفير فرص عمل لهن مباشرة بعد الخروج ، ولكن توقف هذا المشروع مؤقتًا الآن بسبب الجائحة».

 

رصدت «روزاليوسف» تجارب عدد من العاملات بالمصنع.. وعن تجربتهن فى العودة للعمل  فى ظل أزمة كورونا.

 

«مفيش أحلى من الشغل بدل اكتئاب كورونا»

 

ناهد محمد «32 عامًا، أم لطفلين: جميلة 3 سنوات، وحمادة 6 سنوات»، تقول: «مصنع حياة جديدة كان بمثابة طوق نجاة أنقذنى من الديون وصعوبة الأيام وعدم وجود جنيه فى المنزل ليأكل أطفالى، بعدما انقلبت الأحوال وسُجن زوجى وحُكم عليه بخمس سنوات». 

 

تضيف: «تعلمت فى الجمعية الخياطة لأنها كانت هوايتى المفضلة منذ الصغر، ثم التحقت بالعمل فى المصنع، وأصبح لدى راتب شهرى ثابت، ساعدنى من الإنفاق على أطفالى،  بعد أن تخلى الجميع عن مساعدتنا حتى أخواتى بعد وفاة أمى وأبى، وتكاثرت الديون، ولكن الآن أصبح لدى عمل ومصدر دخل لا يجعلنى أطلب مساعدة مادية من أحد».

 

تُعبر «ناهد» عن سعادتها بعودة العمل فى المصنع بعد توقف لعدة شهور، قائلة: «الواحد كان حزين ومكتئب من قعدة البيت، والخوف على عيالى من أن يأتى غدًا دون دخل شهرى». 

 

تصف «ناهد» يوم عملها فى المصنع: «يبدأ من الثامنة صباحًا حتى الخامسة مساءً؛ حيث أستقل مواصلتين من سكنى بعزبة خير الله إلى مقر المصنع بالهرم، وأرتدى الكمامات والكحول لا يفارق يدى،  حتى نصل للمصنع الذى يُوفر لنا التعقيم والمطهرات أيضًا، ونبدأ العمل، فهو مقسم لثلاث مراحل، القص وتركيب شرائط الكمامات ثم التعبئة والتغليف».

 

«مفيش شعور يصف أن تكونى مستقلة ماديّا بعد أن كنتى تلجئى للديون من الإخوة والجيران، خاصة عندما يكون لديك طفل مريض بكهرباء على المخ ويحتاج لأدوية شهرية، أنا سعيدة الآن أن لدى راتبًا شهريّا،  يساعدنى فى تلبية كل احتياجات أطفالى» تحكى ناهد عن كيفية تغيير حياتها بعد استقرارها فى العمل.

 

تُعبر «ناهد» عن فخرها بصناعتها للكمامات، قائلة: «أشعر أن لدى دورًا فعالًا وقيمة مثلما يقدم الأطباء أرواحهم فى خدمة المرضى من مصابى كورونا، نحن ننتج كمامات لحماية الأصحاء من الإصابة بالمرض حتى ينحسر هذا الوباء اللعين وتعود الحياة لطبيعتها من جديد». 

 

المصنع والعمل كتب لعائلتى حياة جديدة

 

تقول زكية محمود- إحدى العاملات بالمصنع: «أنا عرفت الجمعية فى وقت بيبان الدنيا كلها كانت مقفلة فى وشّى،  بعد لما أخواتى الاتنين اتسجنوا، ولقيت نفسى مسئولة عن عيالهم، وبعد ما المصاريف كترت عليّا، بدأت أستلف وأداين عشان أعرف أوفر لهم الأكل والشرب، لغاية لما الديون أتراكمت عليّا، وكنت هتحبس أنا كمان». 

 

تُكمل: «ربنا أنقذنى من السجن والديون المتراكمة بالتعرف على مشروع حياة جديدة، وتدربت حتى أصبحت عاملة بالمصنع ، وبدأت التدريب على كيفية الخياطة على الماكينة حتى تعرفت على جميع المراحل الصناعة، وحتى بعد توقف المصنع مع أزمة كورونا ورغم استمرار رواتبنا؛ فإن فكرة العمل اليومى كانت تعطى الواحد شعورًا آخر من الحماس والطاقة».

 

تحكى زكية: «كنت هطير من الفرح بعد إبلاغنا بعودة المصنع للعمل، هو ليس مكان أكل عيش سدد ديونى وجعلنى مستورة وحمانى من السجن ولكن هو بمثابة بيتى الثانى، وسعيدة جدّا بفكرة تصنيع الكمامات؛ لأنها تساعد فى حماية الشعب من الإصابة بفيروس كورونا». 

 

فخورة لخدمة بلدى بصنع الكمامات

 

وتقول هدى على- إحدى الغارمات أو العاملات بالمصنع: «تعرفت على الجمعية منذ ثلاث سنوات، وكما كان اسم المشروع والمصنع حياة جديدة، أيضًا التحاقى بالعمل كتب لى  حياة جديدة، بعد سجن زوجى وتراكم ديونى وكذلك سجنى أيضًا».

 

تُضيف: «ساعدتنى جمعية رعاية أطفال السجينات على سداد ديونى وخروجى من السجن لأطفالى من جديد ، وتعلمت فى الجمعية الخياطة حتى تم توظيفى بالعمل فى المصنع، وأصبح لدى مرتب ثابت ساعدنى على المعيشة والإنفاق على أطفالى».

 

«شعرت بالخوف مجددًا بعد توقف المصنع بسبب انتشار كورونا فى البلد، ولكن شعرت أن روحى ردت لى مرّة ثانية بعد عودة العمل والنشاط وخاصة مع صناعة الكمامات التى أصبحت لا غنى عنها فى كل منزل» تقول زكية. 

 

يُذكر أن جميع أسماء السيدات الغارمات مستعارة. 