الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تجديد الخطاب السينمائى فى هوليوود

فى مطلع الشهر الماضى، أعلنت أكاديمية فنون وعلوم السينما التى توزع جوائز الأوسكار أنها ستؤجل حفل توزيع الجائزة ليصبح فى 25 أبريل المقبل، وذلك بسبب تأثير جائحة فيروس «كورونا» على صناعة السينما وتعطل إنتاجات الأفلام فى هوليوود وإغلاق دور العرض السينمائى.



 

ويأمل الوسط السينمائى العالمى فى أن تعود عجلة صناعة السينما للعمل على يد المخرج البريطانى «كريستوفر نولان»، الذى يراهن على أن فيلمه الجديد (Tenet) سيحقق أرباحًا ضخمة رغم حالة الإغلاق، بعد أن أعلن أنه سيطرحه فى دور العرض يوم 31 يوليو الجارى، وهو الأمر الذى جعل شركات عملاقة مثل AMC وNBC تستعد لإعادة فتح أبوابها، بل  ثمة شركات بدأت بالفعل فى استئناف إنتاج مشاريع سينمائية ضخمة مثل (Avatar 2 Mission: Impossible 7، The Batman، Dune) وغيرها. 

 

 

فى ظل هذا الارتباك والنضال من أجل تعويض الخسائر التى تكبدتها الصناعة، خرجت الأكاديمية بقرار أشعل ما يمكن وصفه بـ«ثورة غضب وجدل»، حيث قالت إنها ستشكل فريقًا لتطوير إرشادات التنوع والشمول التى سيتعين على صانعى الأفلام تلبيتها حتى تصبح أعمالهم مؤهلة للترشح للأوسكار، واصفة هذه الخطوة بأنها مرحلة جديدة فى تاريخ الجائزة.

 

ورغم أن الأكاديمية لم تحدد آلية تشكيل هذا الفريق، ولا المعايير التى سينطلق منها لتحديد تلك الإرشادات، وإزالة اللبس والغموض اللذين اقترنا بمصطلح «إرشادات التنوع والشمول»، إلا أن البعض قارن هذا القرار بقرار موقع «فيسبوك» بتأسيس «مجلس الحكماء» الذى وصف بأنه مجلس وصاية على المحتوى، خاصة بعد ظهور اسم الإخوانية «توكل كرمان» ضمن أعضاء هذا المجلس.  

 

فى فبراير الماضى، وعلى عادته، أشعل الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» جدلًاً واسع النطاق خاصة داخل الحلقات الفنية فى هوليوود والممثلين المشهورين بالنشاط السياسى، حينما تهكم على الفيلم الكورى الجنوبى (Parasite) الذى حاز على 4 جوائز أوسكار، واصفًًا إياه بأنه «هراء»، ثم ما انفك أن رشح للناس فيلم ( Gone with the Wind ) باعتباره نموذجًا مثاليًا للفيلم الجيد. 

 

وعلى الفور رفع مؤيدو «ترامب» شعار «لنجعل هوليوود عظيمة مجددًا»، وهو شعار منبثق من شعار «ترامب» الشهير «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، وهو الأمر الذى تسبب فى غليان شديد لدى المعسكر اليسارى المناهض للجمهوريين، خاصة مع تصاعد ما اعتبره البعض «نبرة عنصرية فجّة لدى ترامب» إزاء الصين بعد أن استمر فى وصف فيروس كورونا بـ«الـفيروس الصينى».

 

وصل هذا الغليان ذروته بعد المظاهرات العارمة التى تشهدها الولايات المتحدة إثر مقتل الأمريكى ذي الأصول الأفريقية «جورج فلويد» وما أعقب ذلك من حوادث مماثلة أبرزها مقتل «ريتشارد بروكس»؛ إذ عج حساب الرئيس بصفات مسيئة للمتظاهرين والنساء وأصحاب البشرة السوداء والمهاجرين لدرجة أن اتهم ما يحصل فى البلاد بـ«إرهاب داخلى».

 

ورغم أن هذا الأمر لم يدخل «ترامب» فى معركة شرسة مع معارضيه والمعسكر اليسارى فحسب بل وصل الأمر إلى معركة قضائية شهيرة مع موقع «تويتر»، إلا أنه ألقى بظلاله على الساحة الفنية الأمريكية، ذلك أن البعض لاحظ هيمنة غير مسبوقة لليسار المتطرف فى هوليوود كرد فعل على اليمين الـ«ترامبوى»، هذه النبرة التى يختزلها البعض فى أسماء مثل «الصوابيون السياسيون» أو «رعاة الأخلاق» أو «مهندسو اللغة».. إلخ. 

 

وقد أثيرت خلال الشهور الماضية، بعض التخوفات حول مدى تأثير الـ«صحوة» اليسارية المتطرفة على السينما والدراما التليفزيونية باعتبارها أعمالاً فنية محضة لا تخضع لأى اعتبارات خارجية وتقع خارج أى مجال أخلاقى وأى رقابة اجتماعية لا تحترم بشكل عميق الحرية.

 

وهناك بعض الشواهد الراهنة التى تؤيد رأى المحذرين من تلك الـ«صحوة»، تعيد إلى الذاكرة اتهامات العنصرية التى واجهتها الأكاديمية عام 2002، حينما فاز الممثل النيوزيلندى «راسل كرو» بجائزة أفضل ممثل عن فيلم (A Beautiful Mind)، فى حين كان هناك إجماع على أن منافسه «دانزيل واشنطن» كان يستحق الجائزة عن فيلمه (Training Day).

 

فعلى سبيل المثال، اندلعت مؤخرًا موجة جدل عنيفة بسبب فيلم ( Gone with the Wind ) بعدما طالب بعض النشطاء بحظره لأنه ركز على حقبة المزارعين من التاريخ الأمريكية، والتى كانت تمجد العبودية، لدرجة جعلت مدير شركة HBO يعلن سحب الفيلم من منصة الشركة. 

 

وفى 1986، منعت شركة «ديزنى» فيلم  «Song of the South» بدعوى الترويج للعنصرية واحتقار ذوى الأصول الأفريقية، ولا تزال تلك الاتهامات تطال الشركة نفسها لأنها تخرج كل فترة وتعد الرافضين لهذا القرار، بمنع حظره وإتاحته للجمهور.

 

وفى يناير 2016، أعلنت أكاديمية فنون وعلوم السينما عن نيتها لإجراء تعديلات فى عدد أعضائها بحيث يشمل عددًا أكبر من الأقليات، وذلك ردًا على موجة النقد الحادة التى واجهتها فى 2015 بأنها تتعمد تضييق دائرة التنوع العرقى.

 

ولعل أبرز شاهد هو ما قاله المخرج الأمريكى «تود فيلبس» حينما رد على موجة الجدل التى صاحبت فيلمه الأخيرة (Joker)، حيث أشار فى مقابلة مع موقع «واشنطن تايمز» الأمريكى، إلى أن اليسار المتطرف «يتبنى تدمير الثقافة»، ذلك أن الرأى العام المتأثر عاطفيًا بهذا الخطاب يمارس ضغطًا كبيرًا فى القضايا العامة دون أن يعالج الكراهية، فهى تبقى بالداخل، ما يجعل هذه المقاربة للقضايا تعيد إنتاج العنصرية ولكن بشكل جديد. 

 

يجادل البعض -وعن حق- بأن هذه النبرة لطالما كانت موجودة فى هوليوود منذ أصبح مصطلح «الصوابية السياسية» دارجًا بشكل كبير خلال العقد الأخير، مستدلين بذلك على اختيارات الأكاديمية للأفلام لمجرد أنها تركز على حقوق الأقليات دون أى اعتبارات جمالية للأعمال الفنية».

 

ورأى بعض النقاد والنشطاء فى الولايات المتحدة، أن «الصوابية السياسية» أصبحت سلاحًا فى يد صانعى القرار داخل هوليوود كرد فعل على اليمين المتطرف والذى يمثله «ترامب»، فاعتبار وجوب تعديل الخطاب السينمائى وضبطه باعتباره «ميراثًا جاهليًا»، بل واحتكار الفضيلة أحيانًا، كلها أمور ستخنق أهم سمة لدى الفن، ألا وهى الحرية.>