الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دراسة ترصد أخطاء التعامل مع «كوفيد- 19» فى الريف المصرى: حكايات الفلاح «الجريح»!

كشفت دراسة حديثة صادرة عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن أهل الريف فى مصر كانوا الأكثر إنكارا لوجود فيروس كورونا فى بداية ظهوره، بسبب النظرة الدينية المسيطرة على رؤية الكثير من الأمور، ومنها التسليم بالقضاء والقدر والرضا بالمقسوم حتى لو كان ذلك على حساب العلم الذى أثبت وجود جائحة خطيرة تستدعى الحرص والحذر.



 

وأظهرت الدراسة التى أعدها الدكتور أحمد عبدالموجود الشناوى الأستاذ بالمركز أن نتيجة ذلك قد ظهرت فى فرض حظر كامل على قرى ريفية وبخاصة فى محافظات المنوفية والغربية والدقهلية والجيزة والمنيا، وأكدت الدراسة وجود 5 سلوكيات أساسية يجب تغييرها حتى نعبر بسلام من هذه الأزمة.

 

أكدت الدراسة على معاناة أبناء المجتمع الريفى لمواجهة صعوبات كبيرة فى تبنى عادات وتقاليد فى فترة وجيزة للتعايش مع متطلبات الحياة فى ظل جائحة كورونا، فكان عليهم تقبل فكرة تحول بعض سلوكيات الحياة اليومية العادية وهذا لم يحدث فى الكثير من القرى لهذا وجدنا الخروج خارج المنزل خلال فترة حظر التجول والنظر للجائحة بوصفها ابتلاء من الله.

 

وأرجعت الدراسة سبب اقتناع بعض أهل الريف بأن جائحة كورونا ابتلاء من الله إلى الأضرار التى لحقت ببعض القرى نتيجة توقف الأعمال ونتيجة الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الدولة، فتوقفت كثير من الأنشطة فى بعض القرى وكانت هناك صعوبات فى القدرة على بيع منتجات ومحاصيل القرى بسبب صعوبة الخروج للعمل خارج القرية بسبب القيود المفروضة على حرية الحركة ومواعيد الحظر بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع. كما أكدت الدراسة على معاناة المجتمع الريفى من متطلبات التعايش مع جائحة كورونا خاصة التباعد الاجتماعى، والمعروف فى الريف المصرى بأن أغلب السلوكيات اليومية بل الحياة الاجتماعية بأكملها عبارة عن علاقات أسرية وقرابية وعلاقات عمل وصداقات وممارسات دينية ومختلف الأنشطة ولهذا وجدنا عدم اقتناع البعض وليس بالقليل فى القرى بتلك الأبعاد وظهر هذا فى ازدحام أسواق القرى رغم جهود الدولة المتواصلة فى الحد من ذلك

 

ومن الصعوبات التى واجهت المجتمع الريفى صعوبة التعامع مع إجراءات التطهير، فالكثير واجهها بعدم تقدير خطورة الموقف إما بسبب ارتفاع مستلزمات التطهير والوقاية أو عدم توافرها.

 

وكشفت الدراسة قيام المجتمع الريفى بالاحتيال على طرق الوقاية من الفيروس بالعالج التقليدى وهو ما يعد امتدادا للاعتماد التاريخى على الأعشاب والطب الشعبى فى العديد من الحالات المرضية وفى مقدمتها الأنفلونزا صاحبة الأعراض الشبيهة بأعراض فيروس كورونا فى بداياته.

 

وانتقلت الدراسة بعد ذلك إلى الإيجابيات والسلبيات التى ظهرت فى الريف المصرى فى ظل مواجهة فيروس كورونا.

 

ظهرت الإيجابيات فى الفترة الأخيرة، حيث انتشرت فيديوهات إيجابية توثق للعديد من الجهود الأهلية لأبناء بعض القرى بالمساهمة فى تطهير مدارس وشوارع قراهم بالجهود الذاتية.

 

بالإضافة إلى مساعدة كبار السن والمحتاجين على توفير احتياجاتهم ومساعدة عمال اليومية فى تسجيل بياناتهم للحصول على منحة من الدولة وتوعية المواطنين بخطورة التزاحم وتطهير ماكينات صرف الرواتب والمعاشات وتنظيم الجمهور حرصا على سلامتهم وغيرها من الجهود التطوعية مما يعكس سيادة قيم التضامن الاجتماعى والإحساس بالمسئولية المجتمعية وهى نتيجة إيجابية فى حد ذاتها.

 

كما انتشرت فيديوهات إيجابية للتعامل مع أفراد الطاقم العلاجى المتعامل مع المرضى مع فيروس كورونا تقديرا لجهودهم وتوثيق هذه الفيديوهات لاستقبال طبيب فى إحدى القرى ومرضى بقرية أخرى عند عودتهم لمنازلهم بالتصفيق تحية لهم على ما يبذلونه من جهود فى علاج المرضى وهو فعل إيجابى وقد تكرر فى كثير من دول العالم.

 

ومن التغيرات الإيجابية التى رصدتها الدراسة تغير مظاهر الحياة المعتادة مثل عادات التحية والتسليم عند اللقاء وجاء هذا بعد فترة من التردد بسبب اجتماع وسائل الإعلام وحملات التوعية على ضرورة ذلك.

 

أما بالنسبة للتغيرات السلوكية السلبية التى طرأت على الثقافة الريفية فى أزمة كورونا اعتبرتها الدراسة سلوكيات غير متوقعة مع المخزون القيمى بالريف المصرى وظهر هذا فى انتشار ظاهرة الوصم الاجتماعى للمرضى الأمر الذى دفع بعض المرضى إلى إخفاء إصابتهم، وكذلك التنمر بالعاملين بالقطاع الصحى من الأطباء والممرضين المتعاملين مع مرض كورونا من قبل البعض خوفا من انتقال العدوى أو فرض حظر كامل على القرية كما حدث فى بعض القرى وفرض الدولة عزلا كاملا على القرية التى بها عدد إصابات كبير.

 

ومن السلوكيات السلبية أيضا رفض البعض دفن المتوفى بهذا المرض فى قراهم الأصلية، وهذا السلوك لم يعمم على الريف المصرى لأنه فى مقابل هذا السلوك نجد قرى استقبلت مريضا بالكورونا بعد شفائه بالتصفيق والهدايا الرمزية والتحية خلال العودة للقرية.

 

وأكدت الدراسة أن ظاهرة الوصم والتنمر على مريض الكورونا لم تكن فى الريف فقط بل نجدها فى بعض من المدن الحضرية.

 

وقالت الدراسة إن التعامل مع الموتى وجسد المتوفى وحرمته والنظر إليه فقط بوصفة مسببا محتملا للعدوى نتج عنه بعض المواقف السلبية للريف والمدن أيضا وهى رفض الأهالى تسليم جثامين ذويهم أو الدفن بلا جنازة أو منع العزاء أو الصلاة عليهم صلاة الجنازة.

 

وانتقلت الدراسة بعد ذلك إلى السلوكيات المطلوب تغييرها فى الريف المصرى للحد من انتشار كورونا، مؤكدة أن تغير السلوكيات  يحتاج وقتا طويلا أو الإحساس بالضرورة القصوى لذلك فى ظل خطورة الأوضاع الحالية على حياة الإنسان.

 

وهو الأمر الذى يتطلب منا جميعا تغير سلوكياتنا التى لا تتناسب مع الحياة اليومية فى ظل جائحة كورونا ويحتاج الوضع الراهن بالريف المصرى إلى تغير وتنمية الوعى الصحى الذى يجب النظر إليه باعتباره جزءا من عملية تغير الوعى الاجتماعى بالقرية بشكل عام.

 

ومن أدوات تشكيل الوعى كما قالت الدراسة التعليم والإعلام فى التعامل مع هذه الجائحة من خلال نشر المعلومات الصحيحة بشكل يتناسب مع جميع المستويات الاجتماعية والثقافية وتصحيح المعلومات الخاطئة عن المرض وعن المصابين به وكيفية التعامل مع المتعافين منه أو حالات الوفاة.

 

وأكدت الدراسة على احتياج البعض فى الريف المصرى إلى تغيير بعض السلوكيات المرتبطة بالأحداث التى تمت خلال الفترة القليلة الماضية التى يأتى فى  مقدمتها نقاط أساسية:

 

1 - أهمية النظرة الإيجابية للعاملين فى المجال الطبى ورفع الوعى لدى سكان الريف فى هذا الشأن.

 

2 -  توضيح آثار المرض وتبعات انتشاره سواء على مستوى المجتمع المحلى أو على مستوى المجتمع القومى ويأتى هنا دور الإعلام فى أن يتصدر رجال العلم المشهد الحالى فى توضيح الحقائق حول هذا المرض.

 

3 - الابتعاد عن الفهم الخاطئ لبعض المفاهيم الدينية ووضع  المفاهيم فى سياقها الصحيح وأهمية دور رجال الدين والمؤسسات الدينية لتصحيح هذه المفاهيم.

 

4 - رفض العادات الاجتماعية مثل المصافحة والزيارات والتجمعات العائلية والالتزام بفكرة التباعد الاجتماعى وبخاصة داخل الأسرة أو العائلة أو القرية الواحدة وبخاصة فى المناسبات الاجتماعية.

 

5 - تبنى سلوكيات جديدة فى الحياة اليومية والبعد عن التزاحم فى الأسواق والاهتمام بنظافة البيئة المحيطة مع الوضع فى الاعتبار أنه فى ظل عادات الحياة اليومية والقيم الاجتماعية.

 

وانتهت الدراسة مؤكدة على الظروف الراهنة بأنها فرصة نادرة للتعلم وتغيير القيم من سلوكيات الحياة اليومية والتى تؤثر فى انتشار الأمراض بشكل عام، وجائحة كورونا بشكل خاص حيث لا توجد ضمانة حتى الآن للحماية من هذا المرض فى ظل عدم الوصول إلى علاج فعال.

 

كما أكدت الدراسة على أهمية العودة إلى القيم الإنسانية والتضامن وتقديم المسئولية الجماعية الوطنية على الحرية والتضامن وتقديم المسئولية الجماعية الوطنية على الحرية الشخصية باعتبارها سبيلا للنجاة من مثل هذه الأزمات.

 

وأن التباعد الاجتماعى أصبح خلقا اجتماعيا وسلوكيا معبرا عن المسئولية الفردية تجاه المجتمع والآخرين ولذا يجب أن تتحول الأزمة إلى فرصة للتعبير الاجتماعى والثقافى بشكل عام.

 

ويحتاج ذلك إلى تحديد استراتيجيات الإقناع والتأثير الفاعلة فى تحفيز الأفراد على الالتزام بالتدابير الصحية للوقاية من المرض بالأساليب المناسبة للفئات المستهدفة ويحتاج ذلك إلى دمج وتوحيد كل جهود مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى والمتخصص فى العلوم الاجتماعية المختلفة.