الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الخطوات المصرية لإنهاء أطماع تركيا فى شرق المتوسط

تقترب مصر واليونان من إبرام اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين خلال الفترة القادمة، وتأتى هذه الخطوة بعد أيام قليلة من عقد اتفاقية ترسيم الحدود بين اليونان وإيطاليا، والتى اعتبرها البعض نموذجًا يمكن أن يحتذى به لتوقيع عدد من الاتفاقيات بين دول المنطقة.



 

نجاح الاتفاق (المصرى- اليونانى) سيقطع الطريق على الاتفاق المشبوه بين تركيا وحكومة الوفاق، ويعد انضمام إيطاليا للاتفاق عاملًا حاسمًا فى إنهاء هذا الصراع قريبًا، خاصة وأن إيطاليا كانت من أكبر الداعمين لحكومة الوفاق فى ليبيا.

أهمية الاتفاقية 

 

وقعت اليونان وإيطاليا قبل أيام فى أثينا اتفاقًا لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة فى البحر الآيونى (أحد فروع البحرالمتوسط) الفاصل بين البلدين، وحدد الاتفاق اليونانى الإيطالى حقوق الصيد البحرى المشترك، ما يعتبر تأكيدًا لاتفاق وقع عام 1977 بين البلدين يضمن حق الجزر فى أن تكون لديها مناطق بحرية.

 

 وتقطع هذه الاتفاقية الطريق على الاتفاق البحرى الذى عقده الرئيس التركى مع حكومة السراج بغرب ليبيا فى نوفمبر الماضى، ويعد إيداع هذه الاتفاقية فى الأمم المتحدة شرطًا للنفاذ، وموجبًا للحماية الدولية. 

 

ترجع أهمية الاتفاق (اليونانى- الإيطالى) لاعتباره الأول من نوعه ما يفتح الباب أمام دول المنطقة لترسيم حدودها البحرية الخالصة وقطع الطريق على تمادى الأطماع التركية، إذ أعلن رئيس الوزراء اليونانى «كيرياكوس ميتسوتاكيس»، أن  تعيين الحدود البحرية بين اليونان وإيطاليا يعد نموذجًا للتعاون وعلاقات حسن الجوار.

 

وأضاف أن «الاتفاقية تساهم فى السلام والاستقرار فى منطقتنا، حيث أظهرت اليونان وإيطاليا كيف يمكن لجارين تحويل البحر من حولهما إلى مياه هادئة للتقدم والتنمية، وأتمنى أن يتم التوصل إلى اتفاقيات مماثلة فى المنطقة بين دول أخرى أيضًا».

 

وأشار إلى أن الاتفاق بين أثينا وروما بشأن تعيين المناطق الاقتصادية الخالصة يحل قضية معلقة منذ 40 عامًا، ويتوافق تمامًا مع قواعد القانون الدولى واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

 

من جانبه أكد شادى الأيوبى، خبير الطاقة والغاز، أن أهمية هذه الاتفاقية لليونان تكمن فى كونها بمثابة نص دبلوماسي يمهد لعقد اتفافات مع ألبانيا ومصر، لافتًا إلى أن الاتفاق مع مصر يعتبر ركنًا أساسيًا لإفشال خطط أردوغان.

 

وأضح أن عقد اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان لم يتم حتى الآن نظرًا لأن مصر لديها تحفظات على اعتبار اليونان جزيرتين صغيرتين وهما «كاستالوريزو وسترونجيلى» الواقعتين بأقصى الشمال لهما حدود بحرية كاملة، وتنتظر من اليونان تخفيف هذه الاعتبارات.

 

وتابع الأيوبى أنه من المتوقع أن تحل البلدان الخلافات المتعلقة بهذه النقطة، خاصة أن اليونان بحاجة لهذا الاتفاق بشدة فى هذا التوقيت، نظرًا لكون المناطق المتنازع عليها بين تركيا واليونان تقع فى بحر «إيجة» وشرق المتوسط، وهى المناطق التى تتقاطع مع الحدود البحرية التى تقع بينها وبين مصر.

 

اللمسات الأخيرة 

 

اكتسبت الزيارة التى قام بها وزير الخارجية اليونانى «نيكوس دندياس» للقاهرة، الخميس الماضى، أهمية كبيرة نظرًا لكونها تستهدف استئناف المفاوضات الخاصة باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ومن المتوقع أن تتجاوز مصر واليونان الخلافات البسيطة التى تؤخر إبرام الاتفاقية.

 

فى الوقت نفسه تسعى اليونان لإسقاط اتفاق السراج وأردوغان فى شرق المتوسط، حيث اتفقت القاهرة وأثينا منذ عدة أشهر على الإسراع فى ترسيم الحدود البحرية بينهما.

 

وأعلنت وزارة الخارجية المصرية أن القاهرة شهدت عقد الجولة الثانية عشرة من المفاوضات الفنية بين البلدين حول مسألة تعيين الحدود البحرية بين مصر واليونان، و تم مواصلة العمل بين الجانبين من أجل التوصل إلى اتفاق فى هذا الشأن بما يحقق مصالح البلدين.

 

كما تناول اللقاء الذى حضره الرئيس عبدالفتاح السيسى، ومدير جهاز المخابرات العامة عباس كامل، ووزير الخارجية سامح شكرى، مستجدات الصراع فى ليبيا والمبادرة المصرية لحل الأزمة والتى كانت اليونان أولى الدول المؤيدة لها.

 

 وأكد الرئيس خلال اللقاء على حرص مصر على تعزيز آليات التعاون المشترك بين البلدين على مختلف الأصعدة بما يحقق المصالح المشتركة للشعبين الصديقين، خاصة على الصعيد السياسى والعسكرى والتجارى والطاقة، فضلاً عن الارتقاء بالتعاون القائم فى إطار الآلية الثلاثية مع قبرص.

 

ومن جانبه أعرب وزير الخارجية اليونانى عن الاهتمام المتبادل بتعزيز مسيرة التعاون المشترك بين البلدين، وتطوير آلية التعاون الثلاثى بين مصر واليونان وقبرص، التى تعد أداة ناجحة للتنسيق والتعاون فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الثلاث.

الأطماع التركية

بدأ الرفض التركى المعلن لاتفاقية ترسيم الحدود بين دول حوض شرق البحر المتوسط، منذ توقيع مصر وقبرص فى شهر ديسمير 2013، وهى الاتفاقية التى هدفت لاستغلال المصادر الطبيعية الممتدة عبر المنطقة الاقتصادية الخالصة لهما شرق البحر المتوسط.

 

أتاحت اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية لمصر العديد من الفرص الاستثمارية من خلال طرح عمليات البحث والاستكشاف فى البحر المتوسط والتى بدأت نتائجها بافتتاح حقل ظهر العملاق، وهو الحقل الذى يقع ضمن منطقة امتياز تسمى شروق وتبلغ مساحتها ثلاثة ألاف وسبعمائة كيلو متر مربع داخل المنطقة المصرية التى تبعد بنحو 200 كيلو متر شمال بورسعيد.

 

وفى هذه الأثناء بدأت تركيا فى الإعلان عن خطط للتنقيب عن النفط والغاز شرقى البحر المتوسط، وعبرت عن رفضها للاتفاقية الموقعة بين مصر وقبرص لكن مصر أكدت على أنه لا يمكن لأى طرف أن يتنازع فى قانونية الاتفاقية التى تتسق مع قواعد القانون الدولى وتم إيداعها كاتفاقية دولية فى الأمم المتحدة.

 

لم تكتف تركيا بالاعتراض على الاتفاقية، لكنها بدأت فى التحرك نحو التنقيب داخل المياه الإقليمية فى شمال قبرص، بذريعة الحفاظ على حقوق قبرص التركية، فى منتصف العام الماضى، بعدما أرسلت ثلاث سفن للتنقيب عن الغاز داخل المنطقة الاقتصادية الخاصة بقبرص.

 

وفى 27 نوفمبر الماضى، وقع أدروغان مذكرتى تفاهم مع فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق فى ليبيا، تتعلق بالتعاون الأمنى والعسكرى، وتحديد مناطق النفوذ البحرى بين البلدين، وقال الرئيس التركى وقتها: «إن هذه الاتفاقية تمنع مصر واليونان وقبرص من القيام بأعمال تنقيب فى البحر المتوسط دون إذن تركيا.. وسنقوم بحماية حدودنا البحرية وفق الاتفاقيات الدولية، وبذلك نحمى حقوقنا وحقوق الشطر التركى من قبرص».

 

وردًا على هذه الاتفاقية التى اعتبرها الليبيون تفريطًا واضحًا لحقوق ليبيا فى البحر المتوسط، أعلنت مصر واليونان وقبرص، فى بيان مشترك، اعتراضهم على الاتفاق، معتبرين أنه اتفاق غير شرعى ويتعارض مع القانون الدولى، كما قدمت اليونان شكوى للأمم المتحدة.

 

تحركات حاسمة

 

فى الوقت التى تقوم إيطاليا بإبرام اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع اليونان، تجرى روما حالياً مفاوضات حول تفاصيل توريد صفقة أسلحة عسكرية ضخمة للقاهرة، تلك الصفقة التى توصف بصفقة القرن العسكرية نظرًا لضخامتها، ومدى تأثيرها على تغيير ميزان القوى فى المنطقة عبر وضع البحرية المصرية فى وضعية المهيمن على كامل الساحة فى شرق المتوسط.

 

ويتوقع أن تصل تكلفة هذه الصفقة لـ10 مليارات دولار، كما تشير صحيفة «لاريبوبليكا» الإيطالية أن روما بالفعل تستعد للموافقة قريبًا على الصفقة، ونقلت الصحيفة عن مسئول فى رئاسة الوزراء الإيطالية، أنه رغم كثير من الصعوبات، من ضمنها قضية مقتل الطالب الإيطالى جوليو ريجنى إلا أن هذه الصفقة تعد بمثابة مهمة القرن، فهى لا تمثل قيمة تجارية وصناعية فحسب، بل تأتى ضمن رغبة روما فى الحفاظ على علاقات صلبة مع القاهرة، والحفاظ على حوار سياسى يختص بالعديد من الملفات المفتوحة بمنطقة شرق المتوسط.

 

وتتضمن الصفقة العسكرية فرقاطتين من طراز «فريم برغامينى» بالإضافة إلى أربع فرقاطات أخرى يتم بناؤها خصيصًا لمصر، كما تحتوى على 20 زورقًا مسلحًا علاوة على 24 طائرة مقاتلة من طراز «يوروفايتر تايفون» وعدد مماثل من طائرات التدريب و قمر صناعى عسكرى للاستطلاع والتصوير الرادارى.

 

بهذه الخطوات المصرية الثابتة، تقطع القاهرة الطريق على أطماع الرئيس التركى فى شرق المتوسط، من خلال عدد من الاتفاقات الدولية مع دول حوض المتوسط، بالَإضافة لأضخم صفقة عسكرية لفرض السيطرة على المياه الإقليمية. 