الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الغريق.. يتعلق بـ«حباية»!

تتسارع مراكز الأبحاث حول العالم للتوصُّل إلى علاج لفيروس كورونا، فى الوقت الذى لا يزال فيه (كوفيد- 19) طليقًا فى مصر ودول الوباء، حتّى الآن، وعلى الرّغم من هذا، لم تتوقف مجهودات القاهرة بحثًا عما تداوى به مصابيها وتطمئن به قلوب مواطنيها؛ حتى تم التوصل إلى النتائج الإيجابية لبلازما دم المتعافين؛ لتصبح بارقة أمل لمَن أنهكهم فيروس 2020، إلاّ أن الأصحّاء من المواطنين تفنّنوا فى صناعة أزمة جديدة، فبمجرد علمهم ببعض الأدوية التى دخلت ضمن بروتوكول علاج المصابين، وتزايد الإقبال على شراء عقاقير المناعة والفيتامينات والمسكّنات بصورة غير طبيعية حتى اختفت من صيدليات المحروسة؛ اعتقادًا منهم أنها ستقوّى جهازهم المناعى وأن نجاتهم من الفيروس القاتل أصبحت فى كبسولة زنك أو فيتامين C. 



 

 

تلك الأزمة غير المبررة كان لها العديد من النتائج التى انعكست سلبًا على الشارع المصري، ففى الوقت الذى لا يجد فيه المريض بعض أدويته حتى أصبحنا نرى مناشدات على منصات التواصل يقول أصحابها إنهم يعانون وفى حاجة إلى فيتامين C، ولجأ الأصحّاء إلى تناول أدوية المناعة التى كشف الأطباء أنها قد تعرض حياتهم إلى الخطر، ليظهر كعادة الأزمات المؤقتة «تجار الأدوية» ليقوموا بإدخال العقاقير المهرّبة وأدوية «بير السلم» مجهولة المصدر وتوزيعها فى بعض الصيدليات أو كـ«دليفري» بإعلانات عبر «فيسبوك»، لتباع بأضعاف سعر الأدوية المصرية.

 

هذا الأمر دفع دار الإفتاء المصرية لإصدار فتوى فى هذا الشأن، كما أعلنت وزارة الصحة والسكان أن ما يتم تداوله على منصات التواصل من بروتوكولات علاج لفيروس كورونا أو بروتوكولات العزل المنزلى ليست تابعة للوزارة وغير دقيقة. مشددة على عدم تداول تلك البروتوكولات الخاطئة، ما قد يشكل خطورة كبيرة على حياة المرضى، أو يسبب ارتباكًا للفرق الطبية العاملة فى مستشفيات «عزل كورونا».

 

«روز اليوسف» تنقلت بين العديد من الصيدليات؛ بحثًا عن تلك الأدوية، وكانت الإجابة دائمًا واحدة: «عفوًا.. العلاج ناقص»، لكن يوجد المستورد وأسعاره تبدأ من 90 إلى 600 جنيه، فتوجّهنا إلى نقابة الصيادلة وشعبة الأدوية بالغرفة التجارية؛ لمعرفة حقيقة الأزمة وكواليس ما يدور فى أسواق العقاقير.

 

الأطباء شركاء بالأزمة.. والعجز قد يصيب مستشفيات الصحة

 

 

قال ثروت حجاج، رئيس لجنة الصيدليات بنقابة الصيادلة، إن أزمة اختفاء أدوية البرد والفيتامينات من صيدليات الجمهورية ليست محض صدفة، لكنها مفتعلة، فبعض الأطباء أعلنوا فى وسائل الإعلام ومنصات التواصل عن الأسماء التجارية للأدوية التى تُمنح للمصابين، وبذلك وجهوا آلاف المواطنين المتخوفين من خطر الإصابة؛ للإقبال الكثيف على شراء تلك الأدوية، وبذلك، وإن افترضنا حُسن نية هؤلاء الأطباء، فهم شركاء فى إحداث هذا العجز الكبير فى سوق الدواء بعد أن اقتنع المواطن «بالخطأ» أن فى كبسولة الزنك نجاة له من فيروس كورونا. 

 

ولفت حجاج إلى أن هناك شركات تحاول استغلال الأزمة بتوجيه المواطنين لشراء أكياس مكملات غذائية ليس لها أى فائدة بأسعار تبدأ من 75 جنيهًا، إضافة لما تعرضه بعض سلاسل الصيدليات من مجموعة عقاقير مهرّبة، وليس لها تصريح من وزارة الصحة كفيتامين C والزنك وغيرهما تباع بأسعار تصل 4000 جنيه بدعوى أنها مستوردة، فى حين أن مثيلها من الدواء المصرى تكلفته 60 جنيهًا لا غير. 

 

وأضاف أن العالم بأسره لم يتوصل لعلاج الفيروس التاجي، حتى الآن، والأدوية جميعها تُصرف لعلاج الأعراض التى تظهر على المريض، لذا كان على الحكومة أن تنتبه وتتنبأ بالعجز الكبير الذى يحدث حاليًا فى سوق هذه الأدوية، متوقعًا إصابة مستشفيات وزارة الصحة أيضًا، نتيجة عدم توافر الكميات التى تغطى احتياجاتها مع تزايد أعداد المرضى.

 

وأشار إلى أن حل الأزمة لا يزال قائمًا وستكون له نتائج إيجابية على عدة أصعدة، لكنه بحاجة إلى سرعة اتخاذ القرار، فهناك 7 شركات أدوية قطاع عام «شبه متوقفة» كالنصر والنيل والقاهرة والإسكندرية وممفيس وسيد، وبإمكان جائحة كورونا أن تعيد لها الحياة من جديد بإعطائها أمرًا مباشرًا بإنتاج ملايين الأشرطة من أدوية فيتامين C والزنك وغيرهما من العقاقير التى نحتاجها فى الوقت الراهن، فلديها عشرات السنوات من الخبرة فى إنتاج هذه الأدوية، لكنها بحاجة لموافقات استثنائية من الوزارة لتسريع إجراءات الإنتاج والتوزيع، بدلًا من ترك الساحة لإحدى الشركات العربية التى سيطرت على السوق المصرية.. واستبعد رئيس لجنة الصيدليات بنقابة الصيادلة أن يكون هناك إخفاء متعمد لبعض الأدوية المصرية من صيدليات الجمهوريّة، وأرجع ذلك لعدم توقُّع الشركات حجم الاستهلاك الكبير على تلك العقاقير، فعلى المواطن أن يعى أن حمايته تأتى باتباع الإجراءات الوقائية التى أعلنتها وزارة الصحة والسكان وليس بشراء الأدوية: «مش عاوزين نصدر الوهم للناس، يعنى لو مواطن مناعته ضعيفة من سنين، علبة الزنك أو فيتامين C هما إللى هيرفعوا مناعته فى أيام؟!»، هذا تلاعب بعقول المواطنين واستغلال لحالة القلق التى يعيشها الشارع المصرى. 

 

كورونا فتح الباب للأدوية المهربة

 

وقال الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن سبب اختفاء أدوية المناعة وفيتامين C، D والزنك من الصيدليات مردّه تكالب المواطنين على شراء وتخزين هذه الأدوية دون النظر للصالح العام وللمريض الذى قد يحتاج فعليًا لها ولا يجدها فى الصيدليات، بعدما تنامى إلى مسامعهم أن هذه الأدوية تقيهم من الإصابة، متغافلين أن زيادة تناول بعض هذه الفيتامينات كفيتامين D دون استشارة الطبيب وإجراء الفحوصات قد يسبب تسممًا فى الكلى والكبد. 

 

أضاف عوف، لـ«روز اليوسف»، أن اختفاء هذه الأدوية من الصيدليات صدّر صورة غير حقيقية عن مصر بأنه لا يوجد لدينا دواء بالرغم من كونها مكمّلات، كما أدى لتنشيط سوق الأدوية المهرّبة، التى تنشط بمجرد اختفاء بعض العقاقير، فمن تركيا أو غيرها يتم التهريب إلى داخل البلاد، لتنضم لأدوية «بير السلم» التى يتم تغليفها بطابع أوروبى لتباع كالأنواع المستوردة، وللأسف تتعامل بعض سلاسل الصيدليات الكبرى فى هذه المنتجات، نظرًا لهامش الربح الكبير الذى تحققه، مناشدًا الجهات الرقابية بمتابعة الإعلانات المنتشرة لهذه المنتجات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وزيادة حملات التفتيش على فروع الصيدليات. 

 

وأكد رئيس شعبة الأدوية أن الدولة كانت تعى ما ستشهده الصيدليات من نقص هذه الأدوية؛ نتيجة للسحب الكبير، إضافة إلى توقف حركة الطيران الذى ينقل المواد الخام من الدول كالصين والهند، لذا ومنذ بداية أزمة كورونا، يناير الماضي، كان لوزارة الصحة خطوات استباقية لتوفير مخزون استراتيجى للمستشفيات، فتم متابعة المخزون الموجود بجميع مصانع الدواء فى مصر، ووضعت الوزارة يدها على المخزون؛ للتحكم فى الاستهلاك وفقًا للاحتياج. 

 

وتابع أنه يتم العلاج بالمستشفيات منذ أشهر بما لدى الوزارة من مخزون يكفى لـ6 أشهر مقبلة، موضحًا أنه حتى وإن تناقصت أدوية المناعة والفيتامينات، فهى تعتبر أدوية مكملة فى العلاج، فالأهم هو توافر الهيدروكسي؛ لأنه من الأدوية الأساسية.

 

فتنة كورونا

 

وفى مشهد لخّص أزمة اختفاء أدوية المناعة والمسكنات والفيتامين من الصيدليات، كان فى إحدى صيدليات شارع قصر العيني، عندما دخل شاب ليسأل عن بعض الأدوية قائلًا: «عاوز شريط بنادول وفيتامين C، واستكمل ضاحكًا: «وأى حاجة تموت كورونا»، فرد الصيدلى بأن هذه الأدوية من النواقص فى سوق الدواء المصرية، ليطالبه الشاب بالبدائل، فأبلغه أنها أيضًا غير متوفرة، ليأتى رد الشاب سريعًا: «يا دكتور أنا عارف إن عندك الدوا، أنا هاخده بالسعر اللى انت عاوزه، ليكون الرد: الموجود فقط فيتامين C مستورد سعره 400 جنيه، لينفعل الشاب: يعنى يا إما أموت يا أدفع دم قلبى فى الدوا، ليختتم الصيدلى المحادثة قائلًا: «مش ذنبي، قول للناس اللى اشترت وخزنت فى البيت». 

 

وبسؤال الصيدلى عن سبب نقص هذه الأدوية، قال إن الفترة الماضية شهدت إقبالًا كبيرًا من المواطنين على شراء الفيتامينات والمسكنات وأدوية المناعة والصداع، حتى نفدت الكميات الموجودة، ولم نعد نتلقى من شركات الإنتاج كميات جديدة، ولم يعد هناك سوى الأدوية المستوردة التى تتراوح أسعارها من 90-600 جنيه، والإقبال عليها ليس كبيرًا، لكنها تباع على غير العادة.

 

«الإفتاء»: تخزين الأدوية من الكبائر

 

 

من جهتها، استشعرت دار الإفتاء المصرية خطورة ما يحدث فى الشارع المصري، فسارعت بإصدار فتوى قالت فيها:  «إنه لا يجوز شرعًا تخزين أدوية المناعة وغيرها من الفيتامينات المدرجة ضمن بروتوكولات علاج «كوفيد- 19» دون الحاجة إليها؛ تَحسُّبًا لزيادة ثمنها فيما بعد.

 

وأكدت دار الإفتاء فى أحدث فتاواها أن تخزين هذه الأدوية واحتكارها من كبائر الذنوب؛ لما يُلْحِقه بالناس من التضييق والإضرار، فإذا انضاف إلى ذلك كون هذا الاحتكار مرتبطًا بصحة الناس ودوائهم؛ فهو أشد فى الحُرْمة وأَغْلَظ فى المنع.

 

أضافت الدار أن تخزين الأدوية بهذه الطريقة فيه استغلال لضروريات الناس وقت الأزمات واشتداد عوَزهم للعلاج، وذلك لا يتنافى فقط مع معانى الرحمة والتعاون والمواساة التى نادى بها الدين الإسلامى الحنيف؛ بل فيه أيضًا، دليل قاطع على شُحِّ صاحبه وتقصيره فى المسئولية المجتمعية تجاه بنى وطنه الحاملين لهذا الفيروس القاتل.