الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«نبلاء كورونا».. يواجهون سماسرة الدم

«إحنا شوفنا الموت ومستعدّين نتبرع لو من أجسادنا»، حالة متفردة من الإنسانية ستجدها في صوت كل متعافٍ، قرر أن يعطي قبلة حياة لمصابي فيروس كورونا، بعدما أعلنت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، نجاح تجربة حقن المصابين ببلازما المتعافين لعلاج الحالات الحرجة في إطار جهود الدولة لإيجاد خطوط علاجية تسابق بها دول العالم لملاحقة ومحاصرة تفشي «كوفيد-  19». 



 

 

وعلى الرّغم من أن أعداد المتبرعين لم تتجاوز 45 متعافٍ حتى الآن؛ فإن أصداء بطولاتهم في مقاومة الفيروس التاجي وتبرُّعهم بالبلازما التي تحمل أجسامًا مضادة تحارب الفيروس في أجساد باقي المصابين، نالت إشادة المواطنين عبر منصات التواصل، الذين بادروا بتوجيه الشكر إليهم، إلا أن هناك بعض المتخاذلين الذين لم يكتفوا بالاختباء بعد شفائهم، ونسوا أنهم كانوا مكان المرضى قبل أسابيع قليلة، بل جرفتهم أطماعهم في طريق سماسرة «التجارة الحرام» ليعرضوا بيع البلازما بآلاف الجنيهات. 

 

 

«روز اليوسف» تحدثت إلى عدد من المتبرعين الذين عبّروا عن سعادتهم الغامرة بعد علمهم بشفاء بعض الحالات المتأخرة بالبلازما، مؤكدين أن إنسانيتهم والواجب الوطني كانا أكبر من الأموال التي عُرضت عليهم من «سماسرة الدم»، وأنهم على استعداد للتبرع بالبلازما عدة مرات إن أمكنهم ذلك، موجهين دعوتهم لكل المتعافين الذين لم يتبرعوا حتى الآن بالتوجه لبنوك الدم: «متبخلش على مريض كنت مكانه، البلازما لهم حياة».

 

 

أول متبرعى البلازما: «شعرت بالفخر»

 

 

بنبرة فخر وصوت يملؤه السعادة، تحدث أحمد محمود حسن، 32 عامًا، معرّفًا نفسه بأنه أول متبرع بالبلازما في مصر،: «لا يمكن أن أنسى أيام الإصابة المريرة بفيروس كورونا، فهي التي جعلتني أفكر بإنسانية مطلقة، أصبت بالوباء مطلع مارس الماضى،وتم عزلي بمستشفى أبو خليفة بالإسماعيلية لمدة 9 أيام، ومن بعدها 14 يومًا بالعزل المنزلى،حتى تأكد شفائي بظهور سلبية النتائج، وبعد عدة أيام تلقيت اتصالًا من الدكتور إيهاب سراج، مدير بنوك نقل الدم القومية بوزارة الصحة، وأبلغني بأن هناك نتائج إيجابية قد تحققها بلازما دم المتعافين عند حقنها لمصابي الفيروس ويمكن استخدامها للحالات المتأخرة، وعرض علىّ التبرع «اختياريًا» فوافقت على الفور لأنني مازلت أشعر بما يمر به كل مصاب، وبالفعل توجهت لبنك الدم بالمصل واللقاح بالجيزة في 12 أبريل الماضى،وخلال نصف ساعة تم سحب كيس البلازما، الذي عرفت أنه قد يساهم في شفاء شخصين وبعد خروجي كنت في قمة سعادتى،فليس هناك أعظم من أن تكون سببًا في إعطاء مريض قُبلة حياة، حتى ولو كانت جزءًا من جسدى،وليست مجرد بلازما». 

 

 

وتحول أحمد في حديثه غاضبًا: «سمعت عن متاجرين في بلازما دمهم وكأنه أصبح مزادًا، أحد جيراني عرض البلازما الخاص به للبيع مقابل 100 ألف جنيه، وأنا أقول لهؤلاء الأشخاص بأن الله لن يرحمكم وستكون العاقبة أشد من ابتلاء الفيروس، فمَن لم يعظه الوباء سيأتيه ما هو أشد».

 

طبيب: مستعد للتبرع كل شهر

 

 

بطولة أخرى سطّرها متبرع من أفراد الطاقم الطبي بمستشفى عزل النجيلة، أصيب أثناء أداء واجب مداواة المرضى، فكان يعمل بكل طاقته قبل إصابته، مرشدًا لمتابعيه على منصات التواصل الاجتماعي أثناء مرضه، ومتبرعًا بالبلازما بعد شفائه يقول الدكتور محمد علام: «أعرف عن البلازما من قبل التبرع؛ حيث كنت أتابع الأبحاث التي تجرى عليها بالدول الأوروبية، وبمجرد أن ناشدت وزيرة الصحة المتعافين التبرع، توجهت مباشرة لبنك الدم بالدقى،وبعد إجراء أكثر من 20 تحليلاً للتأكد من سلامتى،تبرعت بـ800 ملي بلازما وهو ما يعادل 4 وحدات تكفي لشخصين أو 4 أشخاص، مضيفًا أنه بالإمكان التبرع بالبلازما كل شهر، لأن الجهاز المستخدم يسحب البلازما فقط، ويعيد خلايا الدم للجسد مرة أخرى، ما يسمح بتجديد البلازما كل 20 يومًا. 

 

وناشد علام، المتعافين بضرورة التوجه للتبرع للمساهمة في زيادة التجارب التي تثبت فاعلية البلازما، فتعمم على كل المرضى، مؤكدًا أنه حال نجاح التجارب وزيادة نسبة الشفاء سيتبرع كل شهر، معربًا في الوقت ذاته، عن أسفه لما يقوم به بعض المتعافين من بيع البلازما، واصفًا ذلك بالتجارة الحرام والنصب القاتل، حيث يمكن لبعض الأشخاص ادّعاء إصابتهم وتزوير أوراق تفيد بسلامتهم على عكس الحقيقة.

 

دولارات سماسرة الدم

 

شاكر الصمادى، ربما صادفتك صوره المنتشرة عبر صفحات السوشيال ميديا، فبعد أن أعلن على صفحته الشخصية أنه سيتوجّه للتبرع بالبلازما، أصبح بطلاً لدى البعض، ومطمعًا عند آخرين من سماسرة الدم، الذين عرضوا عليه 1000 دولار مقابل بيع البلازما، وبرغم انقطاعه عن العمل كمدير مبيعات واحتياجه للمال، فإنه رفض أن يكون دمه سلعة لمعدومي الدين والأخلاق والإنسانية. 

 

 

يقول الصمادي: «أخشى الذهاب للأطباء، فعندما شعرت بكل أعراض كورونا التي أعلنتها وزارة الصحة وتيقنت بإصابتي قررت عزل نفسي منزليًا والاعتماد على أدوية البرد والأعشاب الطبيعية كالزنجبيل، وبعد مرور أسبوع بدأت درجة حرارتي في الانخفاض وتحسّنت حالتي الصحية، سأكون صريحًا بعد شفائي سمعت عن «البلازما» لكني لم أفكر إطلاقا في التبرع، إلى أن رأيت منشورًا على فيس بوك يقول صاحبه: «مطلوب بلازما متعافين لطبيب بمستشفى المطرية»، فقررت التواصل مع الرقم المرفق؛ ليرد شقيق الطبيب ويخبرني بأنه قد فارق الحياة».

 

 

يواصل: «في هذه الليلة لم أستطع النوم بسبب شعوري بندم عدم التبرع، وكانت هذه الواقعة كفيلة لأنتصر على مخاوفي وقررت التوجه للتبرع، لكني كنت أواجه مشكلة يتعرض لها كثيرون بأني عالجت نفسي ولم أقم بأي مسحات، وهذه من اشتراطات التبرع ببنوك الدم التي حددتها وزارة الصحة، فتوجهت لمستشفى الدمرداش وطالبوني بالأوراق والمسحات لإثبات إصابتي وشفائى،فأخبرتهم بأني سأتكفل بتكلفة التحاليل ومستعد للمساءلة، حال عدم اكتشاف أني كنت مصابًا، وبالفعل تم أخذ عينة دم وبعض التحاليل ليأتي الرد من أطباء المستشفى بعد مرور 24 ساعة، بأنهم اكتشفوا الأجسام المضادة بعيّنة الدم، فتوجهت في اليوم التالي وتم سحب قرابة لتر من البلازما، وكنت في غاية السعادة؛ لأني قد أكون سببًا في شفاء مريض.

 

«تبرعت بعد ما شفت الموت»

 

محمد ساندوس، يعمل ضمن فريق أمن الطوارئ بمستشفى الدمرداش، شعر بالإعياء أثناء عمله فتم عزله بالمستشفى 3 أيام إلى أن ظهرت إيجابية المسحة، فتم نقله لمستشفى العبور التخصصي ليقضي به 17 يومًا، بعدها أسبوعان منزليًا بعد أن أظهر آخر مسحتين تفيد بسلبية النتائج.  

 

تلك الأيام لم تمر على «ساندوس» مرور الكرام، قائلاً: «شفت الموت بعنيا»، فتجربة الإصابة بفيروس كورونا ومن بعدها الشفاء، جعلته يغير كثيرًا من نمط حياته ويزيد من فعل الخير، وبمجرد أن علم أن أحد أطباء المستشفى يبحث عن متعافٍ ليتبرع بالبلازما لخاله المصاب، لم يتردد وتوجه سريعًا لبنك الدم بمستشفى الدمرداش وأتم  التحاليل كافة، وتبرع بكيس بلازما قد يكفي 4 أشخاص، فاتصل بالطبيب يبلغه بتوفر البلازما إلا أنه أخبره بوفاته: حزنت لأنني لم أستطع مساعدته، لكنني أتمنى أن تساهم البلازما في شفاء أكبر عدد من المصابين، فأنا وهبتها لله الذي أعادني للحياة». 

 

يضيف: «اتصل بي أحد الأصدقاء بعد علمه بأني سأتبرع بالبلازما، ليخبرني أن هناك مستشفى خاصًا يشتري الكيس بـ 7 آلاف جنيه فأنهيت المكالمة معه، واكتشفت أن ما نحن فيه من وباء هو نتاج أفعالنا وتجارتنا الحرام التي وصلت إلى الدم».

 

 

إسراء: سأتبرع خلال أيام

 

 

ومن كفر الشيخ، أكدت إسراء شاهين، أحد أفراد فريق التمريض بمستشفى عزل بلطيم، أنها ستتوجه خلال الأسبوع الجاري لبنك الدم بطنطا، للتبرع ببلازما المتعافين بعدما أجرت التحاليل التي أثبتت وجود الأجسام المضادة بالدم، مضيفة أنها مرت بنفس التجربة الصعبة للمرضى بعد إصابتها وقضاء 9 أيام بعزل المستشفى، و14 يومًا بالعزل المنزلى،لذا تشعر بمسئولية التبرع بالبلازما لشفاء المصابين من الحالات المتأخرة، مبدية استياءها من الأخبار المتداولة عن بيع البلازما: «المريض بيدخل مش عارف هيخرج ولا لأ». 