الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الروايات«المنسية» لأسامة أنور عكاشة!

حلت قبل يومين الذكرى العاشرة لرحيل «أسامة أنور عكاشة» عميد الدراما التليفزيونية، والحاضر بقوة رُغم الغياب، ولعل حضوره يكمن فى افتقادنا نحن لنوعية كتاباته التى تحمل بصمة لا يمحوها الزمن، فلا أصدق من إقبال الناس على مشاهدة مسلسل (الراية البيضا) الذى بدأ عرضه قبل أيام، بمجرد انتهاء الموسم الرمضانى المتخم بالمسلسلات، وكأنهم يرسلون عبر هذا الإقبال رسالة ضمنية مفادها أنه ليس كل دراما ممتعة قادرة على صناعة تأثير فى الوجدان كدراما «عكاشة»، وهو ما دفعنى للبحث فى أوراقه القديمة، ولا سيما فى رواياته التى بدأ بها حياته الأدبية، والتى استمر يكتبها بين الحين والآخر، حتى رحيله، ولم يتم تحويل معظمها إلى أعمال درامية، ليكن السؤال الذى تأخر طرحه كثيرًا: لماذا لم يلتفت أحدٌ طوال هذه السنوات إلى الكنز الثمين الذى نمتلكه، ولا نُحسن استغلاله؟ ولماذا لا تقبل ورش الكتابة على كتابة السيناريو والحوار لهذه الروايات بعد منح الورثة حقوقهم الأدبية، والمادية، بدلًا من انشغالهم بتمصير أعمال أجنبية، لم يلق بعضها نجاحًا فى موطنه الأصلى؟!.



 

> سر الانشغال

 

دخل «عكاشة» إلى عالم الدراما التليفزيونية من بوابة الأدب، من خلال تحويل قصة قصيرة كتبها إلى سهرة تليفزيونية من إخراج «علوية زكى»، ثم اختار السيناريست «كرم النجار» قصة أخرى له هى (الإنسان والجبل) وأخرجها «فخر الدين صلاح» الذى شجعه على اقتحام عالم كتابة السيناريو، وأخرج له سباعية (الإنسان والحقيقة).

 

ومع ذلك، لم يهجر «عكاشة» أرض الأدب المقروء، حتى إن انشغل عنه كثيرًا بالدراما التليفزيونية، لكنه كان يخلق شخوصه وينسج خيوط أحداثه بالطريقة نفسها التى كان يكتب بها رواياته، ما دفع أستاذه «نجيب محفوظ» أن يطلق عليه لقب (الأديب التليفزيونى)، وقد فسّر «عكاشة» سر انشغاله فى مقدمة رواياته قبل الأخيرة (سوناتا لتشرين) التى نشرها عام 2008م؛ حيث كتب فى مقدمتها معتذرًا لقرائه (جرفتنى جاذبية الدراما وخطورتها وتميزها بقدرتها الفائقة على استقطاب أكبر قاعدة بشرية للتلقى، وحملتنى أمواجها إلى شواطئ بعيدة لم أستطع أن أقاوم التيارات التى حملتنى إلى ضفافها، فانغمست حتى أذنى سابحًا، ومبدعًا، ومستمتعًا، لكنى لم أستطع أبدًا نسيان الحب الأول، وظللت متشبثًا بالأرض التى شهدت فجر موهبتى، وحرصت على بقاء انتمائى الأول لأصولى الروائية، والقصصية؛ حيث يمارس الكاتب فيها حريته الكاملة، ويتسع أمام فضائها غير المحدود، لذا، أقدم رواية (سوناتا لتشرين) وأنا أرتجف انفعالا وخجلا، متسائلا: هل يغفر لى قرائى غيابى، وندرة إنتاجى؟ أمْ تراهم يلتمسون لى شيئًا من العُذر؟ أمْ سيؤجلون الحكم علىّ إلى ما بعد تذوق الثمرة؟؛ خصوصًا أننى لم أرتكب فعل خيانة الحبيب الأول؛ وإنما أشركت فى هواه ندا يليق به).

 

> روايات فى طريقها للاندثار

 

قدّم «عكاشة» مجموعة من الأعمال الأدبية نشر بعضها مسلسلا فى الصحف، مثل رواية (تلك الأيام) التى نشرت فى جريدة الأهرام، ثم تم ضمها فى كتاب بعنوان (على الجسر) صدر فى عام 2005م، جمع فيه مجموعة من أهم مقالاته التى نشرت بالصحف، وأثار بعضها كثيرًا من الجدل، والمناقشات، وتنوع الكتاب بين شتّى أنواع النثر الفنى، فمنها ما يدور حول الانطباعات، والآراء النقدية، ومنها ما أطلق عليها هو (المقال القصة) أو (القصة المقال) الذى تطول بعض نماذجه حتى تكاد تصل إلى حجم الرواية مثل (تلك الأيام). 

 

كما قدّم فى بداياته روايات، ومجموعات قصصية لم تعاد طباعتها مجددًا، منها مجموعته القصصية (خارج الدنيا) التى صدرت عام 1967م، ورواية (أحلام فى برج بابل) عام 1973م، ومجموعته القصصية (مقاطع من أغنية قديمة) عام 1985م، وهى أعمال فى طريقها إلى الاندثار إذا لم تتحمس واحدة من دور النشر المهمة إلى إعادة طباعتها مجددًا حتى يتسنّى للأجيال الجديدة قراءتها.

 

> روايات الألفية الجديدة

 

فى مطلع الألفينيات صدر لـ«عكاشة» رواية (منخفض الهند الموسمى)، التى تقرر تحويلها بعد رحيله إلى مسلسل بعنوان (موجة حارة)، الذى عرض فى رمضان 2013، من إخراج «محمد ياسين» وسيناريو، ومعالجة درامية «مريم نعوم» واشترك فى كتابة الحوار ورشة كتابة ضمت «وائل حمدى، ونادين شمس، وهالة الزغندى، وإسلام أدهم»، وقد حقق حينها نجاحًا كبيرًا، لم يتم استغلاله جيدًا بالإقبال على تحويل مزيد من الروايات إلى مسلسلات، ولكن هذا لا يعنى أن (منخفض الهند الموسمى) هى الرواية الأدبية الوحيدة لـ«عكاشة» التى تم تحويلها إلى عمل درامى، ففى عام 2001م صدر له رواية (وهج الصيف) تم تحويلها فى عام 2004م إلى مسلسل يحمل اسم (فجر ليلة صيف)، وقد كتب له السيناريو والحوار السيناريست «عاطف بشاى» وأخرجه نجله الراحل «هشام عكاشة»، ومن أهم ما يميز هذا العمل نادر العرض هو أنه آخر أعمال الفنان الراحل «محمود مرسى» الذى رحل دون أن يستكمل مَشاهده به، ليحل محله الفنان الراحل «جميل راتب» وقد تمت كتابة إهداء له على تيتر النهاية.

 

وإذا كان الإنتاج الأدبى القديم لـ«عكاشة» غير متوافر، ما يعوق كُتّاب السيناريو، وجهات الإنتاج عن الاستفادة منه دراميّا؛ فإن روياته الأحدث، التى كتبها قبل رحيله بسنوات قليلة يسهل توافرها، والحصول عليها، وهى (جنة مجنون) 2007م، (سوناتا لتشرين) 2008م، و(شق النهار) 2010م. 

 

> لغز العزوف 

 

كتب «عكاشة» الروايات الثلاث السابق ذكرها فى مرحلة اكتمال نضوجه الفنى، ووضع فيها خلاصة خبراته الحياتية، واستخدم فيها لغة أدبية ساحرة، وأفكارًا مختلفة تمامًا عن التى كتبها فى مسلسلاته، وبشكل مُركز جدّا، يأبَى قارئها أن يتركها من بين يديه دون أن ينهيها، وبالتالى فإن العزوف عن استغلال هذا الكنز طوال هذه السنوات يشكل علامة استفهام كبيرة، فعلى سبيل المثال، تحدثت رواية (جنة مجنون) عن تجربة إنسانية مؤثرة لبطلها «عاطف درويش» وصديق طفولته الذى يلتقيه بعد غياب 30 سنة؛ ليحقق «عاطف» جزءًا من الأحلام القديمة المشتركة بينه وبين صديقه، فى رحلة ممتدة عبر صفحات الراوية، يغوص فيها «عكاشة» فى أعماق النفس البشرية بشكل مذهل، لا تعرف فى نهايتها إذا ما كان هذا اللقاء قد تم حقيقة أمْ لا، كما لا تعرف من بين شخوصها من هو العاقل، ومن المجنون، وإذا كانت رواية (جنة مجنون) رواية نفسية من الطراز الأول، تشعر مع قراءتها بأن كاتبها طبيب نفسى متخصص، ما يدل على عمق قراءاته وتنوعها؛ فإن التفاصيل الواردة فى رواية (سوناتا لتشرين) على لسان الصحفى المهزوم «أشرف عفيفى» تشعرك بأن كاتبها صحفى محنك، عانى فى بلاط صاحبة الجلالة لسنوات حتى أثبت نفسه، لكن طموحه الزائد، وقلمه الجرىء أوقعه فى شباك مؤامرة قضت على مستقبله الصحفى؛ ليعيش سنوات فى غمرة اليأس حتى تظهر إحدى تلميذاته، ليكن غرضها فى البداية تحقيق سبق صحفى من قصة اختفائه، لأن الأمر يتطور بينهما إلى ما هو أبعد من ذلك.

 

> موقف عكاشة

 

فى حوار قديم لـ«عكاشة» فى جريدة (الدستور) الأردنية، أجرته الجريدة بعد نجاح الجزء الثانى من مسلسل (المصراوية) 2009م، آخر أعمال «عكاشة» الدرامية، تحدّث فيه عن رغبته فى أن يحول غيره رواياته إلى مسلسلات، فعندما سئل لماذا لا تقوم بتحويل أعمالك المكتوبة إلى التليفزيون بنفسك وأنت أقدر على فهم أسرارها؟ أجاب (التجربة إذا خرجت منى فى شكل رواية مكتوبة فسوف أظل أسيرًا لها ولن أتحمل التعامل معها بحُرية عبر وسيط آخر وسأظل أسيرًا للشكل الأول الذى خرجت به، وأنا هنا مثل أستاذنا نجيب محفوظ الذى كتب 40 سيناريو للسينما وليس منها سيناريو واحد لرواياته، وهذا درس أخذناه عنه، وبالتالى إذا خرجت التجربة فى شكل رواية فليحولها غيرى لسيناريو وحوار).

 

> موقف أسرته

 

ومن جانبها تقول الإذاعية «نسرين أنور عكاشة» إنها لا تمتلك بشكل دقيق العدد الكلى للإنتاج الأدبى لوالدها، فقد تنوّع إنتاجه ما بين الروايات، والقصص القصيرة، والخواطر، بالإضافة إلى القصص، والروايات التى نشرت فى الصحف، مشيرة إلى أن هناك بعض الأعمال الأدبية القديمة لم يعد لدى الأسرة سوى نسخ محدودة منها، ويتعين على إحدى دور النشر أن تنظر فى هذا الموضوع بشكل جدّى؛ لتعيد طباعتها، وتحميها من الاندثار، فمن حق الجيل الشاب أن يتعرف على والدها بشكل أكبر.

 

وبخصوص تحويل تلك الروايات إلى أعمال درامية، تقول أتمنى ذلك، فقد كانت رغبة أبى أن تتحول رواياته إلى مسلسلات، وكان يحلم بتحويل (سوناتا لتشرين، وشق النهار) لكن للأسف لم أتلق عروضًا جدّية للقيام بتلك الخطوة، من قبل الكتاب، أو جهات الإنتاج، وعلى مدار السنوات الماضية تحدث إلى أكثر من نجم، أو كاتب، يطلب تحويل إحدى الروايات، وأرحب بشدة، لكن الأمر ينتهى بلا أى خطوات جدية، ويذهب العرض برمته طى النسيان، والحقيقة لا مبرر لدى لتغافل المنتجين عن أعمال والدى الأدبية كل هذه السنوات.

 

وعن رواياته التى قدمت على الشاشة تقول: «كان والدى يحب رواية (وهج الصيف) جدّا، وكانت ميزة المسلسل أنه آخر أعمال «محمود مرسى»، ورُغم أن «جميل راتب» قد قام بالدور بدلًا منه؛ نظرًا لرحيله قبل استكمال التصوير؛ فإنه كان يتم عرض المَشاهد التى قام بأدائها فى نهاية كل حلقة، ومع الأسف فإن هذا العمل غير متوافر على «اليوتيوب»، ولا أدرى هل هناك نسخة متاحة منه أمْ لا، ولا أمانع أيضًا فى إعادة تقديمه من جديد على الشاشة، بسيناريو جديد؛ خصوصًا أن السيناريست استبعد كثيرًا من أحداث الرواية الأصلية فى المسلسل».>