الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إبداع.. لا ضرورة استثنائية

الفنون الرقمية والنشر الإلكترونى هما الاهتمامان الأكثر إثارة للجدل وللتأمل فى إطار السياق العام المتصاعد فى اتجاه الاستخدام اللا محدود لوسائل التواصل عبر الشبكة الدولية للمعلومات.



 

هكذا يتجه العالم بعد وباء كورونا نحو المزيد من التطبيقات الإلكترونية فى إطار فكرة التواصل عن بعد.

 

ولكن يبقى السؤال المنطقي: هل الوسائط التكنولوجية يمكن النظر إليها كبدائل اختيارية وليس كملاذ للضرورة؟

 

حقيقة الأمر أن التجارة الإلكترونية متوافرة قبل التباعد الاجتماعى العالمى.

 

والاقتصاد الرقمى حاضر بقوة فى منافسة الاقتصاد التقليدى، والفنون الرقمية منذ بداية القرن الحادى والعشرين تفتتح لها فصولً للدراسات العليا فى أرقى جامعات الغرب، وكذلك النشر الإلكترونى للكتب العلمية والأدبية، والصحافة الرقمية حاضرة فى المشهد قبل أزمة الوباء.

 

ولذلك أصبح الفضاء الإلكترونى واقعًا موازيًا للواقع الحقيقى، ولكن الحقيقة الماثلة بوضوح يكاد لا يراها إلا القلة هى أن للواقع الافتراضى والفضاء الرقمى لا يمكن أن يكون بديلاً للواقع الحى الملموس المحسوس المباشر.

 

ولذلك فكل ما هو دائر فى العلن وما هو فى الغرف المغلقة الإلكترونية للحوار حول إلغاء النشر الورقى والفنون التقليدية وما إلى ذلك، لهو حوار يستخدم فكرة شديدة الخطورة وهى الاستبدال بمعنى استبدال الواقع الحى بالواقع الموازى.

 

وهو أمر مستحيل، فقاعة الدرس والاتصال المباشر فى التعليم هى القاعدة والتعليم عن بعد إضافة مؤثرة لكن الاستبدال غير ممكن.

 

ولذلك فالضرورة الضاغطة هى التى تجعل النشر الإلكترونى حاضرًا بقوة لكن رائحة الورق مع قهوة الصباح عادة صباحية للملايين من القراء.

 

الطلاب الأوائل حول العالم أشبعوا الكتب المدرسية كتابة على الهوامش وخطوطًا كثيفة على الأسطر المطبوعة.

 

البقاء مع الكتاب متعة خاصة لدى الملايين لا تعوضها البدائل الإلكترونية.

 

صحيح أن أجيالاً كاملة لا تستخدم الأوراق والأقلام والكتب، وتعيش مع العالم الرقمى إلى درجة كبيرة، وصحيح أنه فضاء ثرى رائع وملهم ومفيد لكنه ليس بديلاً كاملاً.

 

عندما فكر الإنتاج الفنى فى معظم عواصم الدنيا فى المنصات الإلكترونية فى إطار فكرة المشاهدة المنفردة، كان المسرح مفتوحًا للجمهور والعروض المصورة متاحة إلكترونيًا، وكذلك دور العرض السينمائى، والمنصات الرقمية مدفوعة الأجر.

 

ووسط كل تلك الإتاحات الرقمية لقيت الدراما التليفزيونية فى موسمها السنوى فى رمضان هذا العام دعمًا إعلانيًا كبيرًا، رغم وجود الإتاحة على المنصة الإلكترونية.. إن العالم عندما فكر فى الفنون وعلاقتها بالفضاء الرقمى على الشبكة الدولية للمعلومات كان يفكر وهو غير مضطر تفكيرًا معرفيًا فى مسألة وحدة الفنون وعلاقتها بالتكنولوجيا الحديثة.

 

والفنون التعبيرية الرقمية لم تتفاعل من فراغ مع الفضاء السيبرانى ولكن سبق ذلك تفكير مؤسسى وإبداعى فى منتصف القرن التاسع عشر، وظل فى عملية تفاعل متصل فى إطار جمع الحساسيات المشتركة للأنواع الفنية المتعددة إلى أن ظهر مصطلح وحدة الفنون بوضوح مستقر مع النصف الثانى من القرن العشرين، فى ظل التواصل اللا محدود لفنون الشعر والموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية، والسينما وفنون الضوء، ثم دخل الفيديو لتلك المجموعة، وقدمت لنا العروض الحداثية مزجًا مذهلاً بين فنون الأداء والرقص والأدب والموسيقى والمسرح ثم كانت الإتاحة التكنولوجية اللا محدودة للإبداع عبر البث الرقمى فى ظل انتشار وتداول التكنولوجيا وسهولتها وبساطة مقابلها المادى، وبالتالى حظى الإبداع بفرصة كبيرة عبر الإتاحة الرقمية.

 

إنها إذن إتاحة اختيارية تستهدف المزج بين الفنون مع الحفاظ على نقاء النوع، وهى الفرصة المتاحة للإبداع وليس للاستبدال، بحيث تكمل مصر ما أنجزته على الفضاء الرقمى كما سينجز العالم مسارات بدأت قبل الوباء، وستستمر بعده فى إطار التبادل المعرفى بين الواقع الحقيقى، والإتاحات المتعددة فى الواقع الرقمى.

 

أما فى الصحافة الإلكترونية فى مصر، فمعظم المطبوعات الورقية تتم إتاحتها كما هى بذات الإخراج والمحتوى المطبوع إلكترونيًا، دون الاعتماد على ضرورة وجود مخرج الوسائط المتعددة.. بعض المواقع الإلكترونية وبعض الصحف أتاحت للقارئ إمكانية التعليق فى إطار التفاعل، إلا أن التفاعلية لا تزال أمامها مسافة كبيرة بين المواقع الإخبارية والصحفية المصرية والعربية والإتاحات الغربية لتفاعل الصور والفيديو والسينما والحوار المصور «التقرير عبر الكاميرا» وغيرها كما أن معظمها يتم الدفع الإلكترونى عبر الدفع البنكى للقراءة وعبر الثمن مقدمًا فى حالة الكتب الإلكترونية، والنسخ المتاحة المجانية تتاح بعد صدور النسخة الأحدث.

 

وعليه فنقل المطبوع كما هو على الحامل الرقمى هو الإتاحة الممكنة السهلة، أما النشر الإلكترونى والفنون الرقمية والصحافة الرقمية فقد أصبحت بينها علاقات وثيقة فى الابتكار والإبداع والرؤية، وهى المسألة التى لا تقوم على استبدال الأدوار، بل تكاملها، وهو التكامل الذى يفتح أفاقًا لا محدودة للإبداعات الرقمية فى الفنون التعبيرية والنشر والصحافة الرقمية لتستمر بعد انتهاء حالة التباعد الاجتماعى، وبعد انتهاء الأزمة القاهرة.>