الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

‎الحرب على «تريليونات» القمر!

 البحث عن الفرحة وسط أجواء الخوف.. واستخدام أقل الإمكانيات لصناعة البهجة حتى فى أحلك الظروف.. بهذه الطريقة اعتاد المصريون التغلب على الأزمات.. ورُغم تزامُن ما يمر به العالم بسبب فيروس كورونا مع قدوم عيد الفطر؛ فإن أصداء أغانى العيد لاتزال تتردد داخل البيوت.. بينما يجتهد سكانها فى البحث عن بدائل تجعلهم يستشعرون أجواء العيد مثلما اعتادوا عليها كل عام.. منهم من قرّر أداء صلاة العيد فى المنزل.. ومن قرّروا قضاء أوقاتهم أمام التلفاز لمشاهدة الأفلام والمسرحيات.



 

 

‎لم تعد البقاع الساخنة التى يشكل تطور الأحداث فيها تهديدًا كبيرًا للسلم العالمى على سطح الأرض فقط.. إذ باتت المواجهة القادمة بين القوى الكبرى فى فراغ الفضاء الخارجى، أقرب من أى وقت مضى.. فلم يعد الفضاء الخارجى فارغاً كما يتصور البعض.

 

‎كاتب الخيال العلمى الأمريكى دايفيد بيدريا تساءل عن السر وراء الموجة الأخيرة من سباق التسلح الفضائى، وأجاب قائلاً: «قبل عقود طويلة لم يكن هناك ما يستحق القتال فى الفضاء السحيق، كانت الاعتبارات الأهم تتعلق بصراع القطبين الأمريكى والسوفييتى خلال الحرب الباردة، أما اليوم فتحول الكون الفسيح الغارق فى الظلام الدامس، إلى مناجم سابحة من المعادن الثمينة من الذهب والبلاتين والنيكل والحديد وغيرها، والتى يمثل الحصول عليها ثروات لا تقدر بأموال».

 

بداية الأزمة

 

احتدم الصراع الدولى فى مجال الفضاء خلال الفترة الأخيرة، على خلفية إصدار الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، فى يوم 7 مايو الجارى، مرسومًا حول استخراج الموارد من الفضاء وخاصة القمر، والذى ينص على عدم اعتبارها ملكًا عامًا للبشرية ويقضى بحفز المؤسسات الخاصة على العمل فى هذا المجال.

 

وكشفت عدة تقارير أن البيت الأبيض يعد مشروع اتفاق دولى جديد لاستخراج الموارد فى القمر يشمل الولايات المتحدة وكندا واليابان والاتحاد الأوروبى والإمارات العربية ويستثنى روسيا والصين.

 

وهو ما استدعى قيام روسيا باتهام الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب بوضع «خطط عدوانية للاستيلاء» على المجال الفضائى والأجرام السماوية الأخرى، حيث إن تلك الخطوة قارنها دميترى روغوزين رئيس وكالة الفضاء الروسية مع عمليات غزو أفغانستان والعراق من قبل الولايات المتحدة.

 

وقبل أيام بدأت وكالة «ناسا» الأمريكية تمهيد المجال لنقاش عالمى حول «المبادئ الأساسية التى ستحكم سبل إقامة وعمل الإنسان على سطح القمر» وذلك بنشر القواعد الأساسية لمعاهدة دولية لاستكشاف الكوكب تحت اسم «اتفاقات أرتميس».

 

وتسعى «أرتميس» إلى تأسيس مناطق أمان ستحيط بالقواعد المستقبلية على سطح القمر لمنع ما تسميه «ناسا» بالتدخل الضار» من الدول المنافسة أو الشركات التى تعمل فى مناطق قريبة.

 

وتسمح الاتفاقية للشركات بامتلاك الموارد التى تقوم بالتنقيب عنها على القمر، وهو عنصر أساسى يسمح للمتعاقدين مع الإدارة بتحويل جليد الماء على القمر إلى وقود للصواريخ أو استخراج المعادن لبناء المهابط.

 

وتعد الاتفاقات جزءًا أساسيًا من جهود وكالة الفضاء الأمريكية؛ لجذب الحلفاء إلى خطتها الهادفة لترسيخ وجود طويل المدى على سطح القمر، وفقًا لبرنامج أرتميس الذى تتبناه.

 

وأكدت وكالة ناسا «أن ما تقوم به هو تطبيق معاهدة الفضاء الخارجى باتفاقات أرتميس»، وذلك فى إشارة إلى الاتفاق الدولى الذى أبرم فى عام 1967، والذى ينص على ضرورة استغلال الفضاء للأغراض السلمية فقط دون الحربية.

 

على الجانب الآخر، أعلن نائب المدير العام لمؤسسة «روس كوسموس» «وكالة الفضاء الروسية» لشئون التعاون الدولى، سيرغى سافيليف الاستعداد للتفاوض مع ناسا بشأن تنفيذ برنامج استكشاف القمر، ما قد يصبح عاملاً مهمًا للتعاون بين البلدين.

 

وقال سافيليف: «يمكن أن تصبح المشاريع الطموحة لاستكشاف القمر عاملاً مهمًا فى التعاون بين روسيا والولايات المتحدة».

 

وأشار سافيليف، إلى استنزاف قنوات الاتصال المباشر بين «روس كوسموس» وناسا خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ فى عدة مجالات، «فبدلاً من مناقشة مشاريع مختلفة ذات اهتمام مشترك، أصبحت تقتصر على نقل رواد الفضاء إلى المحطة الفضائية الدولية أو تزويد الولايات المتحدة بمحركات الصواريخ RD-180/18».

 

واتفقت ناسا مع «روس كوسموس» عام 2017 على إنشاء محطة مشتركة فى مدار القمر، ولكن روسيا رفضت لاحقًا المشاركة فى هذا المشروع، لتحديد دورها فقط بإنشاء وحدة البوابة وأنظمة دعم الحياة. 

 

ووصفت مؤسسة «روس كوسموس» المرسوم الذى وقعه دونالد ترامب فى بداية شهر أبريل 2020، الذى يضمن حق الولايات المتحدة فى استخراج الموارد الفضائية، على أن تناقش مسألة استخراج واستخدام هذه الموارد على سطح القمر والكواكب الأخرى، مع البلدان الأخرى خلال ستة أشهر، بأنه عدوانى ومضر للتعاون الدولى.

 

موارد القمر 

 

تعود فكرة التنقيب والتعدين على سطح القمر إلى زيادة عمليات الفضاء الاستكشافية المتجددة، وزيادة عدد شركات الفضاء الخاصة والصناعة الفضائية الجديدة.

 

وبوجود رحلات مقررة إلى القمر فى غضون السنوات والعقود القادمة، كان من المنطقى التفكير بالكيفية التى سوف يتم بها التعدين والصناعات الأخرى على سطح القمر.

 

واستنادًا إلى دراسة الصخور القمرية، التى أحضرتها بعثات «ناسا» الشهيرة ببعثات « أبولو» معها إلى الأرض، أصبح العلماء على بينة من غنى سطح القمر بالمعادن.

 

ويعتمد تركيبها الإجمالى على ما إذا كان مصدر هذه المعادن هو البحار القمرية وهى سهول بازلتية كبيرة وقاتمة تشكلت جراء اندفاعات بركانية، أو أن مصدرها هو مرتفعات القمر.

 

وظهرت آثار كبيرة من المعادن فى الصخور المأخوذة من البحار القمرية، فكانت نسبة أكسيد الألومنيوم 14.9 فى المائة، ونسبة أوكسيد الكالسيوم (الجير) 11.8 فى المائة، وأوكسيد الحديد 14.1 %، وأوكسيد المغنسيوم 9.2 %، وثانى أوكسيد التيتانيوم 3.9 فى المائة، وأوكسيد الصوديوم 0.6 فى المائة، وللصخور المأخوذة من المرتفعات تركيب مماثل إلا أن نسبة أوكسيد الألمنيوم هى 24.0 %، ونسبة الجير 15.9 %، وثانى أوكسيد الحديد 5.9 %، وأوكسيد المغنسيوم 7.5 %، وكانت نسبة كل من ثانى أوكسيد التيتانيوم وأوكسيد الصوديوم 0.6 %..

 

وأظهرت الدراسات نفسها احتواء الصخور القمرية على كميات كبيرة من الأوكسجين، وهى غالباً على شكل معادن متأكسدة.

 

وأُجريت تجارب تظهر الكيفية التى يمكن من خلالها استخلاص هذا الأوكسجين لتزويد رواد الفضاء بهواء صالح للتنفس، ويمكن استخدامه أيضاً لتركيب الماء وحتى لصناعة وقود الصواريخ.

 

وللقمر أيضًا تراكيز من معادن أرضية، وهذه التراكيز لافتة للانتباه لسببين: فمن جهة، تزداد أهمية معادن الأرض النادرة فى الاقتصاد العالمى، وذلك لاستخدامها الكبير فى الأجهزة الإلكترونية.

 

ومن ناحية أخرى، تسيطر الصين على نحو 90 % من مخزون هذه المعادن النادرة، لذا فإن وصولاً مستقراً إلى مصدر خارجى من هذه المعادن يُعتبر عند البعض كمسألة أمن قومى. كما يحتوى القمر كمياتٍ لا يستهان بها من الماء متمركزة فى تربته السطحية وفى مناطق دائمة الظل فى كل من قطبيه الشمالى والجنوبي. سيكون هذا الماء على قدر كبير من الأهمية كمصدر لوقود الصواريخ، بغض النظر عن أهميته كماء للشرب بالنسبة لرواد الفضاء.

 

وأكد إيغور ميتروفانوف، رئيس قسم علم الكواكب النووية بمعهد بحوث الفضاء بأكاديمية العلوم الروسية، أن استخدام موارد القمر فى بناء القواعد عليه، سيخلصنا من نقل المواد الأرضية، وقال: «إن استخدام موارد القمر مباشرة على القمر نفسه سيكون ممكنًا خلال دراسته».

 

وأشار إلى أن العلماء اكتشفوا على قطبى القمر طبقات جليد مائية، لذلك فإنه لدعم الحياة سيكون بالإمكان استخدام ماء القمر والأكسجين القمرى.  وأضاف: «مستقبلاً يمكن أن تجرى عملية إنتاج الهيدروجين لاستخدامه كوقود لمحركات الصواريخ».

 

كما أنه سيتم استخدام الحطام الصخرى الموجود على سطح القمر فى طباعة عناصر البنية التحتية للقواعد. وقال: «سوف تسمح تكنولوجيا استخدام موارد القمر مباشرة عليه، بتجنيب رواد الفضاء نقل حمولات ثقيلة من الأرض إلى القمر».

 

المستعمرة القمرية

 

أيقنت وكالات الفضاء أنه لكى يمكن استغلال موارد القمر؛ لا بُد أن يقام على سطحه مستعمرات قمرية، لذلك طرحت وكالة ناسا والجيش الأمريكى وسلاح الجو الأمريكى إضافة إلى وكالات فضائية أخرى اقتراحاتٍ لاستحداث مستعمرة قمرية.

 

وخلال إدارة بوش الآبن (2001-2009) درست وكالة ناسا إمكانية إقامة قاعدة على سطح القمر، وذلك انسجاماً مع رؤيتهم الاستكشافية للفضاء لعام 2004، وتضمنت الخطة بناء قاعدة على سطح القمر بين عامى 2019 و2024.

 

ومن أهم جوانبها هو تطبيق (in situ resources utilization ISRU)، أى استخدام المصادر المتوافرة فى الموقع، لإنتاج الأوكسجين من الطبقات السطحية للتربة المحيطة بالقاعدة.

 

إلا أن إدارة الرئيس أوباما ألغت هذه الخطط وأبدلتها بخطة لإرسال بعثة مباشرة إلى المريخ والتى تُعرف بـ(رحلة ناسا إلى المريخ)، رغم ذلك، وفى عام 2014، التقى وفد من ممثلى ناسا خلال ورشة عمل بعالمى الوراثة فى جامعة هارفرد وهما جورج تشورش George Church وبيتر ديامانديس Peter Diamandis، من مؤسسة the x prize foundation إضافة إلى خبراء آخرين، لمناقشة خيارات غير مكلفة للعودة إلى القمر. 

 

ووصفت الأطروحات الخاصة بورشة العمل، التى نُشرت فى عدد خاص من مجلة New Space، إمكانية بناء مستعمرة على سطح القمر بحلول 2020 بكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار أمريكى فقط، ووفقاً لهذه الأطروحات، فإن بناء قاعدة بكلفة منخفضة سيكون أمراً ممكناً ويعود الفضل بذلك إلى التطور الذى يشهده قطاع أعمال البعثات الفضائية، وظهور صناع NewSpace، والطباعة الثلاثية الأبعاد، والروبوتات ذاتية التحكم، إضافة إلى العديد من التقنيات التى طُورت مؤخراً.

 

وعلى الجانب الآخر فقد أعدت وكالات فضائية خططًا أخرى لبناء قواعد على سطح القمر فى العقود القادمة، حيث أقرت وكالة الفضاء الروسية Roscosmos خططاً لبناء مستعمرة قمرية بحلول 2020، وكذلك الأمر بالنسبة لوكالة الفضاء القومية الصينية CNSA، إذ اقترحت بناء مستعمرة كهذه ضمن الإطار الزمنى نفسه، ويعود الفضل فى ذلك إلى نجاح برنامجها تشانجى chang’e program. 

 

الجيوش الفضائية

 

لم يكن المرسوم الخاص باستغلال موارد القمر، الذى أصدره الرئيس الأمريكى، هو الشرارة الأولى التى أشعلت هذا الصراع غير المسبوق، لكن ثمة خطوات أخرى مهدت لهذا الصدام. فقد اعتمد الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، رسميا فى ديسمبر الماضى، تمويل هيئة عسكرية جديدة مختصة بالفضاء تحمل اسم «قوة الفضاء الأمريكية».

 

وتعد هذه القوة العسكرية الأولى التى يتم إنشاؤها فى البلاد منذ أكثر من 70 عامًا، وتندرج ضمن القوات الجوية الأمريكية، ووصف ترامب حينها، الفضاء باعتباره أحدث ساحة للحرب فى العالم.

 

وأضاف أنه: «فى ظل التهديدات الخطيرة للأمن القومى الأمريكى، أصبح التفوق فى مجال الفضاء مسألة حيوية للغاية».

 

وتضم قوة الفضاء الأمريكية 16 ألفًا من أفراد القوات الجوية والموظفين المدنيين، وسيتم تمويل إنشاء قوة الفضاء مبدئيا بـ 40 مليون دولار خلال عامها الأول.

 

وتعزو الولايات المتحدة إنشاءها لهذه القوة الجديدة، إلى قيام الصين وروسيا فى إحراز تقدم فى تحديد جبهات عسكرية جديدة، بعدما أصبحت الدولتان لديهما أشعة ليزر محمولة جوًا وصواريخ مضادة للأقمار الصناعية، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تحتاج لقوة لردعها.

 

وتلخص الرد الروسى على إنشاء هذه القوة، فيما  قاله الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، إن التوسع الأمريكى فى الفضاء يهدد المصالح الروسية ويتطلب ردا من موسكو .

 

وقال: «إن القيادة العسكرية والسياسية الأمريكية تعد الفضاء ساحة عسكرية وتخطط للقيام بعمليات هناك». 